دور السلفيين في التراجع الحضاري لمصر

الثلاثاء 03/سبتمبر/2024 - 06:42 ص
طباعة
 
منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن، شهدت مصر تغيرات جذرية في المشهد الاجتماعي والثقافي والديني. كان للسلفية، بمختلف تياراتها، دور بارز في هذه التحولات، حيث ساهمت في تشكيل الوعي العام وإعادة تشكيل البنية الفكرية والاجتماعية للبلاد، وهو ما انعكس بشكل واضح على مسار الحضارة المصرية.
خلفية تاريخية
تعود جذور السلفية في مصر إلى أوائل القرن العشرين، لكنها بدأت تكتسب زخمًا كبيرًا في السبعينيات، بفضل دعم الدولة لبعض التيارات الإسلامية كجزء من استراتيجية موازنة نفوذ اليسار. ومع مرور الوقت، أصبحت السلفية جزءًا لا يتجزأ من المشهد الديني، خاصة بعد تراجع الإسلام السياسي المعتدل وصعود الجماعات الإسلامية المسلحة.
في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ومع تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، شهدت السلفية تطورًا ملحوظًا في انتشارها وتعمق تأثيرها في المجتمع. وقد ساعد في ذلك تنامي القنوات الفضائية الدينية، وانتشار المساجد الصغيرة والزوايا، واستخدام الفضاء الإلكتروني للدعوة ونشر الفكر السلفي.
السلفية وتأثيرها على الفكر والثقافة
كان للسلفية تأثير كبير على الفكر والثقافة المصرية. فقد ركزت السلفية على العودة إلى "أصول الفقه الإسلامي"، مع رفض أي شكل من أشكال التجديد أو التأويل الذي لا يتوافق مع فهمهم للنصوص الدينية. هذا التوجه المحافظ ساهم في إعاقة حركة التنوير الفكري والإبداع الثقافي، حيث أصبحت هناك حالة من الريبة تجاه الفنون، والآداب، والفكر الحر.
السلفية والتعليم
أحد أبرز مظاهر تأثير السلفية على التراجع الحضاري لمصر كان في مجال التعليم. مع انتشار الفكر السلفي، بدأت المناهج التعليمية تتأثر بشكل متزايد بالأفكار السلفية، وهو ما أدى إلى تضييق مساحة التفكير النقدي والإبداعي في المدارس والجامعات. كما ساهمت الدعوات السلفية المتزايدة لرفض بعض العلوم الحديثة والتشكيك في مناهج التفكير العلمي في خلق جيل غير قادر على المنافسة في سوق العمل العالمي.
السلفية والمجتمع
على مستوى المجتمع، أدت الدعوات السلفية المتشددة إلى تعزيز القيم الاجتماعية المحافظة التي ترفض الآخر وتنبذ التنوع الثقافي والديني. وقد ساهم هذا في تراجع دور المرأة في المجتمع، وزيادة التمييز ضد الأقليات الدينية، وتفاقم مشكلة التطرف والعنف.
السلفية والسياسة
على الرغم من أن السلفية كانت تميل إلى الابتعاد عن العمل السياسي التقليدي لفترة طويلة، إلا أنها أصبحت أكثر انخراطًا في السياسة بعد ثورة 25 يناير 2011. إلا أن هذا الانخراط لم يسهم في تقدم المجتمع، بل على العكس، أدى إلى مزيد من الاستقطاب السياسي وتدهور الحالة الاقتصادية والاجتماعية.
خلاصة
لقد لعب السلفيون دورًا محوريًا في التراجع الحضاري لمصر منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي وحتى الآن. فقد ساهم انتشار الفكر السلفي في تكريس قيم الانغلاق والمحافظة، وتراجع دور العقل والإبداع في المجتمع، ما أدى إلى تدهور في مجالات التعليم، والفكر، والثقافة، والسياسة. إن معالجة هذا التراجع تتطلب مواجهة الفكر السلفي ليس فقط من خلال المواجهة الفكرية، بل أيضًا عبر تعزيز قيم التعددية والانفتاح والإبداع.

شارك