انتقادات أوروبية لانتهاكات أنقرة وتجميد المساعدات المالية
الأحد 12/مارس/2017 - 09:27 م
طباعة
تصاعد الغضب الأوروبي تجاه تركيا، فى ضوء الأزمة التى شهدتها أنقرة مؤخرا مع عدد من العواصم الأوروبية، فى ضوء رفض أكثر من دولة تنظيم فعاليات سياسية انتخابية لخدمة تعديل الدستور التركى، ومنح الرئيس التركي شعبية ورواج لمشروعه التوسعي فى الانقلاب على الدستور والتحول بتركيا نحو النظام الرئاسي وليس البرلمانى المعمول به حاليا، وما ترتب عليه من تجميد للاتفاق التركى الأوروبي بشأن اللاجئين، فى ضوء اتهام الاتحاد الأوروبي لتركيا بعدم قيامها بالالتزمات الواردة فى اتفاق اللاجئين والمهاجرين.
ونتيجة لسياسات أنقرة الأخيرة، جمَّد الاتحاد الأوروبي المساعدات المالية المقدمة للحكومة التركية، بعد فشلها في تحقيق تقدم في الملفات المطلوبة ضمن مفاوضات حصولها على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي، وأوضح مفوض سياسة الجوار والتوسع بالاتحاد الأوروبي يوهانس هان بحسب "زمان التركية"، أن الاتحاد الأوروبي قرر تجميد المساعدات المالية المقدمة للحكومة التركية بعد عدم تحقيق أي تقدم في الملفات الحقوقية المطلوبة ضمن مفاوضات حصول تركيا على عضوية كاملة بالاتحاد الأوروبي، مشيرًا إلى أن هذه المساعدات ترتبط بمعايير وشروطٍ حازمة يتم مراقبتها.
من جانبه ندد رئيس تركيا رجب أردوغان بسلوك يذكر بـ "النازية والفاشية" وذلك اثر طرد هولندا وزيرة تركية من أرضيها ومنع هبوط طائرة وزير الخارجية التركي أمس، وقال أردوغان في كلمة في اسطنبول إن معاملة وزيرته وشخصيات تركية أخرى في أوروبا تعكس تنامي "العنصرية والفاشية" مضيفا "أن هولندا ستدفع الثمن، وسيتعلمون أيضا ما هي الدبلوماسية. سنعلمهم الدبلوماسية الدولية." ودعا الرئيس التركي المجتمع الدولي إلى فرض عقوبات على هولندا.
في حين شكر الرئيس التركي فرنسا لسماحها بزيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش اوغلو وقال "إن فرنسا لم تسقط في هذا الفخ".
من جانبه وصف جاويش أوغلو خلال زيارة لمدينة ميتز بشمال شرق فرنسا "هولندا ’التي تسمى عاصمة الديمقراطية’ وأقول هذا بين علامتي اقتباس لأنها بشكل فعلي عاصمة الفاشية"، كما طالب وزير الخارجية التركي هولندا بالتراجع عن حدة موقفها تجاه بلاده وكتب على تويتر اليوم الأحد:" نحن نصر مرة أخرى على أن اعتذار هولندا لا يكفي".
إلا أن رئيس وزراء هولندا مارك روته طالب تركيا بالاعتذار عن وصف الهولنديين بالنازيين، موضحا أن هذه التصريحات "التصريحات النارية" لأردوغان لن تساعد في نزع فتيل خلاف دبلوماسي بين البلدين. وقال إن بلاده لا تسعى لمواجهة مع أنقرة لكنها ستبحث خيارات أخرى إذا لم تكف تركيا عن إصدار مثل هذه التصريحات.
فى حين اقترح رئيس الوزراء الدنمركي لارس لوك راسموسن اليوم على نظيره التركي بن علي يلديريم إرجاء زيارة للدنمرك مقررة نهاية مارس بسبب "التصعيد" بين أنقرة وهولندا، وقال راسموسن في بيان إن "زيارة مماثلة لا يمكن أن تتم بعيدا من التهجم الراهن لتركيا على هولندا. لذا، اقترحت على نظيري التركي إرجاء لقائنا"، الذي كان مقررا في العشرين من مارس.
بينما دعا وزير الخارجية الفرنسي جان مارك أيرولت إلى "التهدئة" في خلاف بين تركيا والدول الأوروبية، مطالبا السلطات التركية أيضا إلى "تجنب التجاوزات والاستفزازات" بعد تجديد تركيا هجماتها على هولندا بسبب رفضها السماح بهبوط طائرة وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو، قبل تجمع حاشد للمغتربين الأتراك كان مخططا أن يحضره في روتردام.
وعلى صعيد آخر يبدو أن الدفء بدأ يعود مرة أخرى إلى العلاقة الألمانية التركية التي مرت من فترة توتر، ويمكن الحديث عن عودة الدفء على الأقل من الجانب الألماني، ففي الأربعاء الماضي التقى وزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو، وحاول غابرييل إعادة أجواء الثقة بين البلدين، وقال حينها الوزير الألماني: "أعتقد أنه يجب علينا ـ في ظل كل هذه الصعوبات القائمة ـ بأن نذكر أنفسنا بالنجاحات الكبيرة التي أثمرتها هذه الصداقة، ويجب علينا أن نذكر أنفسنا بالتعاون الثنائي ومساهمة الأتراك في بناء بلدنا". وأضاف غابرييل أنه "لا ألمانيا ولا تركيا لديها مصلحة في أن يطول أمد الخلاف".
كان اجتماع الأربعاء الماضي أول لقاء يجمع ممثلين عن الحكومة الألمانية والتركية منذ سجن الصحفي دنيس يوجل، مراسل صحيفة "دي فيلت" الألمانية بتركيا. اللقاء الذي جمع الطرفين لم يكن كما جرت العادة داخل مكتب المستشارية، بل عُقد داخل فندق بالعاصمة الألمانية برلين. كما لم تُعقد أية ندوة صحفية مشتركة لغابرييل ونظيره جاويش أوغلو. لكن رغم ذلك، كان غابرييل متفائلاً باللقاء وقيّم المحادثة مع نظيره التركي بأنها "جيدة" و"صادقة"، ولكن أيضاً "صعبة ومثيرة للجدل" بخصوص المواضيع التي تم التطرق إليها.
وفي الليلة التي سبقت الاجتماع ببرلين، وجه وزير الخارجية انتقادات شديدة اللهجة للجمهورية الاتحادية الألمانية. وألقى أوغلو كلمته مساء الثلاثاء من شرفة مقر إقامة القنصل التركي العام بهامبورج، شجب فيها إلغاء خطابات الساسة الأتراك في ألمانيا. وقال جاويش أوغلو إن ألمانيا تمارس ضغطاً "ممنهجاً" على الأتراك داخل ألمانيا. وفي وقت سابق وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تعامل ألمانيا بأنه يشبه "الممارسات النازية السابقة".
ويري مراقبون أن جهود الواضحة لوزير الخارجية الألماني لتهدئة التوتر الألماني التركي يمكن أن تكون له علاقة باتفاقية اللاجئين المبرمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، التي قلصت عدد اللاجئين المتدفقين على أوروبا. ويعتبر الاتفاق ورقة ضغط في يد تركيا.
ففي نوفمبرعندما أبدى البرلمان الأوروبي توجهاً لتعليق مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي، حذر أردوغان الاتحاد الأوروبي بأنه قادر على فتح الحدود التركية أمام اللاجئين صوب الاتحاد الأوروبي. يشار إلى أنه في عام 2015 تدفق حوالي 850 ألفاً من المهاجرين واللاجئين على أوروبا قادمين من تركيا، وفي 2016 انخفض عددهم إلى 173 ألفاً فقط، إلا أن خوف الأوروبيين من تزايد عدد المهاجرين واللاجئين أصبح ورقة رابحة في يد الرئيس التركي.
من جانبه قال فاسيليس تسيانوس، الباحث في مجال الهجرة من المعهد العالي بمدينة كيل، "الأشخاص الذين يضعون الاستراتيجيات الخاصة بالهجرة التركية والسياسة التركية في أوروبا أذكياء جداً ولديهم تجربة كبيرة وقدرة على التخطيط الاستراتيجي، ولا يتأثر عملهم بالتأثير السياسي لدعاية أردوغان".
ويري مراقبون انه لو أنهيت الاتفاقية المبرمة بخصوص اللاجئين، فإن الكثير من الأمور ستتعرض للخطر في تركيا، لأن الأمر لا يقتصر فقط على حصول أنقرة على أربعة مليارات يورو من أوروبا فحسب، ولكن أيضاً تسهيل حصول الأتراك على التأشيرات إلى أوروبا. هذه النقطة مهمة للحكومة التركية لأنها ستعتبرها "نجاحاً كبيراً لسياساتها"، بحسب ما يقول الباحث في علم الاجتماع فاسيليس تسيانوس. "نحن نفترض أن تركيا لن تتوجه إلى فرض عقوبة الإعدام، وهذا يعني أن فصول اندماج تركيا داخل الاتحاد الأوروبي لا تزال مفتوحة".
وحتى لو تخلت تركيا عن الاتفاقية، فإن تأثير ذلك على أوروبا لن يكون كبيراً، لأن عدد اللاجئين انخفض بشكل كبير حتى بدون الاتفاقية المبرمة بين الاتحاد الأوروبي وتركيا. ويرى كريستيان براكيل أن "عدد الحشود الكبيرة من الناس المستعدين للنزوح والذين يمتلكون المال من أجل ذلك تراجع. والأشخاص المتبقون لا ينزحون في الغالب".
ورصد متابعون تراجع أعداد اللاجئين كان سببه بشكل خاص إغلاق طريق البلقان. يضاف إلى ذلك أن الطرق أصبحت أكثر خطورة والمقابل المالي التي يطالب به المهربون ارتفع كثيراُ وغالبية الأشخاص لا يستطيعون تحمل تلك التكاليف، وبالنسبة للكثير من السوريين، فالفرار من سوريا أصبح صعباً لأن الحدود بين تركيا وسوريا تخضع لحراسة مشددة. كما يقف جدار أمني على حدود عدد من دول البلقان. وتتحدث تقارير نشطاء حقوق الإنسان عن وجود أسوار بأسلاك شائكة، على حد قول كريستيان براكيل.
ويرى الباحث في علم الاجتماع فاسيليس تسيانوس أن "حوالي 2.5 مليون شخص يقيمون حالياً في تركيا لا ينتظرون إلغاء اتفاقية الهجرة. فهم ليسوا متأهبين لحزم حقائبهم والهجرة نحو أوروبا". فطريق الهجرة تحول حالياً إلى مصر وليبيا ولم يعد يتركز على تركيا، وهذا يعني أن "السوريين الذين يتواجدون حالياً في طريقهم إلى أوروبا لا يتواجدون في تركيا". هذا التحول له تبعات سياسية حاسمة. وفي هذا الصدد يقول كريستيان براكيل إن المستشارة الألمانية ميركل "أوضحت أمام أردوغان بأن أهمية اتفاقية اللاجئين بالنسبة للحكومة الاتحادية تراجع بشكل كبير"، وهذا يعني أن أهميته هي رمزية أكثر لـ"سياسة الدفاع الناجح بين دول الاتحاد الأوروبي في مواجهة تدفق اللاجئين".