في الوقت الذي يرى الإسرائيليين حي "هار حوما" هو حي آخر في القدس، والذي يمتاز بشوارعه الهادئة، حيث تصطف المباني السكنية ومحلات البيتزا ومحلات السوبر ماركت والصيدليات، كما يخدم أيضا خطوط الحافلات والمدارس؛ بينما يرى العديد من الفلسطنين هذا الحي المتواضع مستوطنة غير مشروعة في القدس الشرقية.

وفقا لتقرير وكالة الأسوشيتيد برس، فإن الحي الذي يقع على الأطراف الاخيرة من الأراضي التي تربط بين المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية، هي أمل الفلسطينيون في تكوين دولتهم عاصمتها في القدس الشرقية، بينما يخطط له الإسرائيليون بتحويله إلى أحد أكبر الأحياء اليهودية في القدس، مما يوسع الوجود الإسرائيلي بينما يقضي بضربة قاضية على حلم الاستقلال الفلسطيني.

وبعد مرور خمسين سنة على استيلاء إسرائيل على القدس الشرقية، لا تزال إسرائيل والفلسطينيون منقسمين ، الأمر الذي سيظل ممتدا في المستقبل بسبب تواجدهما في تلك المنطقة الحساسة، القدس التي تعد موطنا للمقدسات الكبرى اليهودية والإسلام والمسيحية؛ الادعاءات المتضاربة التي تتصاعد وتيرتها مع تولي الرئيس دونالد ترامب مهامه، وإجراء محادثات مع إسرائيل حول بناء المستوطنات.

قال بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الاسرائيلي، أنه نظرا للضغوط الأميركية أوقفت إسرائيل بعض المستوطنات في الضفة الغربية، قائلا : "أن القدس الشرقية لن تدرج في المحادثات القادمة مع الولايات المتحدة؛ متعهدا بتصعيد النشاط الاستيطاني في أحياء القدس الشرقية مثل هار حوما.

استولت اسرائيل على الضفة الغربية والقدس الشرقية من الاردن فى حربها مع العرب عام 1967.           

  ويطالب الفلسطينيون بكلا القطاعين حتى يتمكنوا من إعلان دولتهم إلى جانب قطاع غزة، الدولة التي تحظى بدعم دولي واسع.

وعلى مدى نصف القرن الماضي، قامت إسرائيل ببناء أكثر من 130 مستوطنة في أنحاء الضفة الغربية وأكثر من نصف عشرات المساكن اليهودية التي تطوق القدس الشرقية، وهي خطوات تهدف إلى منع قيام دولة فلسطينية، المستوطنات التي أصبحت موطنا لأكثر من 600 ألف إسرائيلي، ما يقرب من ثلثهم في القدس الشرقية.

وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تطالب رسميا بقطاع الضفة الغربية، إلا أنها تردد دائما إن القدس الشرقية تعد موطنا لأهم المواقع الدينية في المدينة، وأن الحديث حولها لا يرقى لطاولة المفاوضات، وذلك بعد أن ضمتها عام 1967، جنبا إلى جنب مع أجزاء أخرى مجاورة من الضفة الغربية، وتتدعي أن القدس الشرقية بأكملها هي عاصمتها الأبدية.

وعلى عكس الفلسطينيين في الضفة الغربية، فإن المقيمين في القدس لديهم وثائق إقامة صادرة من السلطات الإسرائيلية، كما يمكنهم التقدم بطلب للحصول على الجنسية، حيث ترى إسرائيل أن منح هذه الحقوق يعزز ادعائاتها بأن هذه الأحياء يهودية وليست مستوطنات.

غير أن الفلسطينيين والمجتمع الدولي يرفضون المخطط الإسرائييلي ويقولون إن جميع الأراضي الواقعة خارج حدود إسرائيل عام 1967 محتلة، وجميع المجتمعات الإسرائيلية مستوطنات غير شرعية، وقد أدى بناء إسرائيل للمستوطنات في القدس الشرقية إلى تعقيد أي تقسيم للمدينة، تاركا بدائلين غير مواتين: عدم وجود لحدود فاصلة بين إسرائيل وفلسطين في العاصمة المستقبلية المشتركة، أو حدود متعرجة ذات مسافات بعيدة حول خليط من الجيوب اليهودية والعربية؛ أما بالنسبة للفلسطينيين، فإن وجود هار حوما، المعروف حاليا باسم هومات شموئيل، مؤلم جدا بشكل خاص.

يذكر ان نتانياهو، خلال فترة ولايته الاولى، قام بعرض المشروع فى عام 1997، وذلك بعد أربع سنوات فقط من اتفاق السلام المؤقت الذي أبرمه سلفه إسحاق رابين مع الفلسطينيين، مدافعا عن هذه الخطوة مشيرا الى ادعاءات إسرائيل بأن لها السلطة السيادية والارتباط اليهودي القديم بالقدس؛ ولكن كان ينظر إلى المشروع على أنه علامة على سوء نية، وأدى إلى احتجاجات عنيفة ووقف مفاوضات السلام في ذلك الوقت؛ وقتها آنذاك قال مناحم كلاين، وهو مفاوض سلام سابق في القدس وخبير في شؤون القدس: "إن القيام بهذا المشروع هدفه منع إقامة عاصمة فلسطينية في القدس".

عندما بدأت إسرائيل أخيرا في توطين حي هار حوما عام 2002، كان "يتشكيل"، وهو محام وناشط في المجتمع، من بين أول من انتقل، متجاهلا الجدل الدولي والانتفاضة الفلسطينية العنيفة وقتها. ومنذ ذلك الحين، حولت إسرائيل التلال المنحدرة من المنطقة إلى مجتمع صاخب من 25 ألف شخص، حيث أن عددا قليلا من الناس يعتبرون أنفسهم مستوطنين، كما هو الحال في معظم أحياء القدس الشرقية.

ويرى يشيزكيل، إنه في حال ما سارت الأمور وفقا للخطة الموضوعة فإن الوادي الفارغ سيتم تغطيته بمئات المنازل التي تضم المزيد من سكان هار حوما، بهدف تسكين ما يقرب من 40 ألف شخصا، مغتبرا إن استيطان القدس وتعزيز وضع المستوطنين انتصارا لإسرائيل، بغض النظر من كل الصراخ والمظاهرات والتهديدات لحياة الفلسطينيين، لأنه في النهاية سيستحيل إلى حي ناجح كبير ".

ييتشيزكيل، مثل العديد من أعضاء الجناح اليميني القومي الإسرائيلي، يعتبر القدس الشرقية والضفة الغربية واحدة ونفس الشيء، وكلها جزء من أرض الكتاب المقدس في إسرائيل التي وعد الله اليهود بها.

بالنسبة إلى الإسرائيليين مثل يتشكيل، كانت القدس محور الصلوات اليهودية منذ آلاف السنين. أبعد من جبل الهيكل، أقدس موقع في اليهودية، والجدار الغربي المتاخمة، كل ركن من أركان المدينة يبدو أن تكون مرتبطة حكاية الكتاب المقدس القديمة. كما تعتبر القدس الشرقية جسرا هاما للضفة الغربية، يعرفه اليهود الدينيون باسمه المقدس يهودا والسامرة.

أما للفلسطينيين الموجودين في المجتمعات المجاورة عبر الوادي، فإن وجود هار حوما الضخم هو مشهد مؤلم، يعدما فقدوا أكثر من 150 فدان من الأراضي إلى هار حوما. ويقول أبو طير، وهو مهندس مدني بريطاني يبلغ من العمر 55 عاما، إن أراضي قريته تم نقلها من جيل إلى جيل، ومن الصعب توثيق الملكية، مما يجعل من المستحيل وقف التنمية، الأمر الذي يدفع للشعور بالإحباط، والحزن، مشيرا إلى المباني السكنية التي تم بناءها على أرض عائلته، وقائلا: "ان الارض التى كانت تعود الى اجدادى فجأة اصبحت مستوطنة خاصة للشعب اليهودي، وهذا ليس من عدلا". 

فبالنسبة للفلسطينيين، فإن القدس الشرقية بنفس القدر من الأهمية، إنهم يرون المنطقة ليست فقط موطنا للمسجد الأقصى وقبة الصخرة التي تصدرت الذهب، بل يرونها أيضا مركزا تجاريا وثقافيا صاخبا بالنسبة لهم، ولذلك فإن محاولات إسرائيل لفصلها عن الضفة الغربية، فهي مثل سرقة جسم جهاز حيوي مثل القلب.

ويعتقد خليل توفاججي، رسام الخرائط الفلسطيني ومفاوض السلام السابق، أن هار حوما نما أكثر مما يجب من أي وقت مضى حتى لو تم التوصل إلى اتفاق سلام، مضيفا بأنه "عندما يقدمون الحقائق والواقع على الارض فان ذلك يعنى اننا لا نستطيع تغيير الواقع على الارض".

بينما يرى سميح العابد، وهو مفاوض عراقي - فلسطيني سابق، ان "الذين قرروا بناء هذه المستوطنات يضعون في اعتبارهم شيئا واحدا: انهاء اي امكانية لوجود دولة فلسطينية في المستقبل".

أما التساؤل الذي يطرح نفسه فهو هل يستطيع ترامب بعد 50 عاما من بناء المستوطنات الإسرائيلية، من أن يلعب دورا حاسما في تحديد مستقبل القدس والدولة الفلسطينية، خاصة وأن الرئيس السابق باراك أوباما انتهج سياسة صعبة ضد المستوطنات، حيث كان حريصا قبل تسليم السلطة لترامب بأسابيع قليلة، أن تسمح الولايات المتحدة لمجلس الأمن الدولى بالتصديق على قرار بعدم شرعية المستوطنات فى الضفة الغربية والقدس الشرقية، الأمر الذي أدانه ترامب في ذلك الوقت.

وطوال حملته الانتخابية، تعهد ترامب باتخاذ نهج أكثر تعاطفا تجاه إسرائيل والمستوطنات. ولم يشر برنامج حملته الى دولة فلسطينية، كما تعهد بنقل السفارة الامريكية من تل ابيب الى القدس؛ ووفقا لسجلات الولايات المتحدة فإن ترامب قدم في أوائل عام 2000 تبرعات لبناء مستوطنات في القدس، كما قدمت مؤسسة اسرة زوج ابنته ومستشاره القريب جاريد كوشنر تبرعات لقضايا التسويةهناك.

ولكن منذ توليه منصبه، يبدو أن ترامب قد تراجع، فلم يتم نقل السفارة الأمر الذى لاقى معارضة من قبل الفلسطينيون بشدة، وذلك بدعوى أن الموضوع يحتاج الى مزيد من الدراسة، وفي اجتماع للبيت الأبيض مع نتانياهو في فبراير الماضي 2017، دعا إلى ضبط النفس على بناء المستوطنات.

وقد وافق نتنياهو، الذي يسيطر عليه القوميون المتشددون المؤيدون للمستوطنين، على الحد من البناء في الضفة الغربية لتشييد مناطق المستوطنات القائمة. ونقلت صحيفة "هآرتس" عن رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون قوله ان القدس "لم تدخل حتى المعادلة" في المحادثات مع البيت الابيض، وكثيرا ما يردد نتنياهو أن المستوطنات ليست ذات صلة بالنزاع، مدعيا أن العداء العربي نحو الوجود اليهودي في الأرض المقدسة يعود إلى ما قبل ذلك، وقبل أن وصول المستوطنات.