الإرهابيون "ضحايا".. عذر تقدمه النخبة الفرنسية لتبرير زيادة المتطرفين بها
الخميس 18/مايو/2017 - 06:05 م
طباعة
انتقد يافيس مامو، الصحفي بمجلة "لوموند الفرنسية" سياسة فرنسا تجاه معالجتها للتطرف الإسلامي، وقال في مقالة له نشرها معهد جيت ستون الأمريكي، أن علماء البحوث الاجتماعية الفرنسية ليس لديهم مرجعيات في الكتب أو المقالات، كما ليس لديهم أفكار جديدة حول التطرف الإسلامي الفرنسي. قائلا: "عدد قليل من العلماء يميلون لانتهاج طريق المظلومين والتي دائما ما تردد أن الإرهابيين هم ضحايا المجتمع، والمعاناة من العنصرية، وغيرها من هذه الإدعاءات، وذلك خوفا من أن يتم وصفهم وإطلا أسماء مثل العنصرية، فضلا فإن العديد من علماء الاجتماع يشتركون في أيديولوجية الماركسية نفسها التي ترجع سلوكيات العنف إلى التمييز والفقر، وبالتالي فإذا حاول بعض المحللين والمتابعين نفي أن الإرهابيين ليسوا بالضرورة ضحايا لعنف أو تمييز عنصري في المجتمع، سيتم مهاجمتهم من العلماء المسلمين بأن هؤلاء الباحثون بأنهم عنصريين ممن يعانون الإسلاموفوبيا، وسيتم التصفيق لهم من غير المسلمين وكبار شخصيات المجتمع.
في أعقاب الهجمات الإرهابية التي وقعت في باريس في نوفمبر 2015، أطلق آلان فوشس، رئيس المركز الوطني للبحوث العلمية في فرنسا، مشروع دراسة جديدة لفهم بعض "عوامل التطرف" في فرنسا، وتحمل الدراسة عنوان "الشباب والراديكالية: العوامل الدينية والسياسية"، ويشارك في إعدادها كل من أوليفييه جالاند وآن موكسل.
تعتمد الدراسة على عمل استطلاع للرأي بشكل أساسي، كانت المرحلة الأولى منه أجراها "فاين واى" على عينة من طلاب مرحلة الثانوية العامة استهدفت 7000 طالب، أعقبه المرحلة الثانية من الاستطلاعوالتي استهدفت 1800 شاب تتراوح أعمارهم ما بين 14 عاما إلى 16 عاما، أما المرحلة الثالثة والأخيرة تشمل مقابلات فردية وجماعية مع شباب الطلاب من المدارس الثانوية.
على الرغم من أن الباحثين غالاند وموكسيل لم يعلنا أن مسحهم سيكون تمثيلا للشباب الفرنسي، إلا أنهم استعانوا في استطلاع الرأي بعدد كبير من طلاب المدارس المسلمين، وذلك من أجل فهم ما هو نقاط الاختلاف التي على المحك في هذه الشريحة من السكان.
وقد تم نشر النتائج الأولية لهذه الدراسة الواسعة في مؤتمر صحفي عقد في 20 مارس الماضي من هذا العام 2017، حيث أجابت الدراسة على التساؤل الرئيسي وهو ما هي العوامل الرئيسية للتطرف؟ فكان الجواب: الدين، وأوضحت النتائج أن الشباب الفرنسي يرى أنه "لا يمكن إنكار تأثير الدين "، لتوضح الدراسة أن تأثير الدين على الشباب المسلمين أكثر ثلاث مرات من الشباب غير المسلم، بينما دافع 4% من الشباب من جميع الطوائف بشكل مطلق عن الدين، وكان هناك وجهة نظر والأفكار أصولية حيث عبر 12٪ من الشباب المسلم من العينة التي تم إجراء الاستطلاع عليها أن هناك دين واحد صحيح، ومفهوم واحد له، وأن الدين يفسر خلق العالم أفضل من العلم ".
أما عن عامل انعدام التكامل الاقتصادي، والإقصاء الاجتماعي وتأثيرهما في دفع الشباب نحو التطرف، فكانت النتيجة أن العامل الاقتصادي البحت لا يمكن الاعتماد عليه كدافه محفز للشباب للاتجاه إلى العنف، مبيّنة أن الشباب المسلم أجاب أن لديه شعور اندماج جيد نسبيا بين السكان، كما لم يبد عليهم قلق تجاه مستقبلهم مثلهم مثل جميع الشبان الفرنسيين الآخرين، وهم يؤمنون بقدرتهم على متابعة دراساتهم بعد البكالوريا وإيجاد عمل مرض.
ويرى الكاتب مامو أن هؤلاء الشباب المسلم يدركون بالفعل أنهم لا يعانون من العنصرية أو التمييز في المجتمع الفرنسي. ولكن في الوقت نفسه، يدعي العديد منهم إنهم "يشعرون" بالتمييز ضدهم، مؤكدا أنهم ليسوا ضحايا لأي نظام عنصري - فهو غير موجود - ولكنهم ضحايا لفكرة الإيذاء التي تدعي أنهم يتعرضون للتمييز بسبب العرق والدين، قائلا: "إن الشعور بالتمييز العنصري لدى الشباب المسلم خاصة أولئك الذين من أصول أجنبية متزايد بنسبة الضعف عن بقية العينة غير المسلمة، وهذا تفسير لمعرفة مدى ارتباط الشباب المسلمين بالتطرف، يجب أن نعتبر أن العوامل الدينية تتضافر مع قضايا الهوية، وخلط أنفسهم مع مشاعر الإيذاء والتمييز ".
وأكدت نتيجة الاستطلاع أنه إذا كان الإسلام محركا للتطرف، فإن المحرك الثاني القوي للتطرف هو الأيديولوجية المهيمنة للإيذاء، حيث أشرت إلى أن الشباب المسلمون الذين يشعرون بالتمييز يميلون في أغلب الأحيان إلى الأفكار المتطرفة من أولئك الذين لا يشعرون بالتمييز ضدهم.
وهذه النتائج الأولية تثير الكثير من القلق، خاصة وأنها ضد كل الأدلة الاجتماعية، من أصل اجتماعي والمستوى الأكاديمي واللذان لا يتفوقان كثيرا على عامل تأثير الانتماء الديني، وبعبارة أخرى، وبغض النظر عن أداء الشباب المسلم في المدرسة ومهنة والديهم، فاحتمالية اتجاه الشباب المسلم إلى التطرف أكثر أربع مرات من الشباب المسيحي الملتزم بالأفكار الراديكالية.
يقول أوليفييه جالاند معلقا على الدراسة: "إن قوة تأثير الإسلام ربما كانت أكثر الدروس إثارة للدهشة في هذه الدراسة، فالإحصاءات المدرسية، تعكس ميول الشباب المسلمين ليصبح متطرفا".
ويرى الكاتب الصحفي يافيس مامو أن هذه الدراسة ليست الأولى التي تسلط الضوء على عملية تطرف الشباب المسلمين في فرنسا. غير أنها أول من ربط التطرف بفكرة الإيذاء، وتقديم عذر للإرهابي في اعتباره "ضحية"، وهو العذر الذي تقدمه الدولة، ويرددها معظم السياسيين (اليمين واليسار) ومن قبل وسائل الإعلام الرئيسية، مشيرا إلى أن ذريعة الإيذاء تؤدي في الواقع إلى إذكاء الإرهاب، خاصة وأن فرنسا لديها أكبر مجتمع مسلم في أوروبا، وأكبر جالية يهودية، وأكبر مجتمع صيني، فضلا عن أكبر طائفة أرمنية. وقد عمل نموذج الاندماج الفرنسي لجميع هذه المجموعات باستثناء واحدة، وهي المسلمون خاصة وأن نسبة كبيرة من المسلمين في فرنسا لم يقبلوا بقواعد الاندماج التي قبلها الجميع. ولتجنب المواجهة، يلتزم جميع السياسيين من الأحزاب السياسية الرئيسية وجميع وسائل الإعلام الرئيسية بما يسمى "اتخاذ دور الضحية". والمشكلة هي أن هذا لا يؤجج سوى المزيد من العنف، والمزيد من الإرهاب.