رباب كمال.. الأزهر لا يمكنه تجديد خطابه.. لأن "فاقد التجديد لا يعطيه"

الإثنين 12/يونيو/2017 - 06:57 م
طباعة رباب كمال.. الأزهر
 
رباب كمال.. الأزهر
في حوارها لـ"الطريق والحق" قالت الكاتبة والإعلامية رباب كمال، صاحبة كتابين حديثين عن أهمية الدولة المدنية والعلمانية في ظل إمامة الحكم والمؤسسات الدينية وهما: كتاب " من وحى العلمانيين"، و كتاب " دولة الإمام" الذى صدر في نوفمبر الماضي، وهي مذيعة بالإذاعة المصرية ولها العديد من المقالات في المواقع الإخبارية المصرية والعربية.
إذا كان التبشير تهمة.. فالدعوة أيضًا تهمة. ومصر مازالت غارقة في بحور الأصولية
قانون ازدراء الأديان هو سيف على رقاب التنويريين وليس أصحاب العمم
فتاوى التكفير تعنى رخصة للاغتيال. ولا توجد حصانة ضد محرض على القتل
داعش نتاج الموروث الطائفي وليست صناعة غربية لأن أفكارها تراثية
الأزهر لا يمكنه تجديد خطابه.. لأن "فاقد التجديد لا يعطيه"
رباب كمال.. الأزهر
وعن سؤالها ما هي "دولة الإمام"؟ قالت رباب كمال:
   دولة الإمام هي إشارة للدولة ذات الهوى الديني المترسخ في مؤسساتها وليست بالضرورة دولة يحكمها ولاية الفقيه، وإنما هي دولة تعتمر عمامة الفقيه حتى وإن بدت متزينة بقشرة الحضارة. فالدولة ليست حكومة ونظامًا فحسب وإنما ثقافة مجتمع مكتملة، لذا فالإشكالية ليست تكمن فقط في قوانين ومواد الدستور دينية الهوى أو مهجنة بين المدنية والثيوقراطية، وإنما أيضًا بل والأخطر هو وطن ينازع من أجل المدنية الحقيقية، الأخطر هو ثقافة التمييز واللا مواطنة.
فدولة الإمام هي مناخ تجتمع فيه القوانين والثقافة لإضفاء صيغة دينية بتأويل جامد غير متحرر على كافة مناحي الحياة، فإن أردنا التحرر فعلينا إدراك أن عمامة الفقيه التي يعتمرها الدستور والقانون هي نتاج للعمامة التي اعتمرتها الثقافة واعتمرها المجتمع.
  وعن  ثورات الفكر الإسلامي السابقة، وكيف تقبلها الأزهر والمجتمع قالت: في العصر الحديث بدأت ثورات عديدة للفكر الإسلامي، لعل أشهرها  مع الشيخ على عبد الرازق الذى ألف كتاب "الإسلام وأصول الحكم" عام 1925 ومضمونه هو أن الإسلام عقيدة وليس دولة أو خلافة وأن الفصل بين الدين ونظام الدولة أمر حتمي لتقدم الدولة والحفاظ على الدين من استغلاله في شئون السياسة. وتساءل أين وردت دولة الخلافة في القرآن والسنة؟ جاء ذلك الكتاب بالتزامن مع تبنى الملك فؤاد الأول فكرة إعادة إحياء الخلافة من مصر ومحاولاته تنصيب نفسه خليفة للمسلمين،  وكان رد الأزهر شرسًا، حيث قام بفصل الشيخ من وظيفته كقاض شرعي وتم إجهاض تلك الثورة.
   كذلك الشيخ عبد المتعال الصعيدي خاض معركة عام 1937 حول إقامة الحدود في الإسلام، حيث أفتى أن الحدود من قبيل الواجب المخير وليس المعين -أى ليس واجب النفاذ- ورغم أنه لم ينكر الحدود ولكنه جعلها اختيارية، إلا أن الأزهر شكل لجنة لمحاكمته وقامت باستتابته كما يستتاب المرتد، وأيضًا الشيخ عبد الحميد بخيت الذى نشر مقالاً عام 1955 أباح فيه إفطار رمضان لمن يعوقه صيامه عن أداء واجبه أو عمله وأن الناس أدرى بأعذارهم، كذلك قام الأزهر بإحالته للمحاكمة وإقصاؤه عن التدريس ونقله لوظيفة كتابية.
   لذا نرى دومًا مواجهة الأزهر للمجددين من بين شيوخه حتى تاريخنا هذا، لأنه ينصب نفسه حارسًا للعقيدة ، وحراسة العقيدة تتنافى مع التجديد والتغيير وتأخذ من الأصولية أعمدة ثابتة لها.
 وعن رؤيتها حول العلمانية قالت:     العلمانية هي وسيلة وليست هدفًا لأن الهدف هو الوطن، والعلمانية تملك رؤى فقط عن كيفية البدء في التفكير في الحلول بعيدًا عن أصنام ومقدسات العقل، كما أننا سنحتاج أيضًا لتجديد الخطاب العلماني والوقوف على أوجه القصور والتقصير حتى لا تنتهي العلمانية إلى مشروع إسلاموي آخر نبحث فيه عن مرشد للتنوير، فقوة التيار العلماني ليس في أن يكون أخوية علمانية، وإنما أن يخترق المجتمع بالفكر إلى أن يدعم دولة المواطنة وهو أمر ليس بالسهل ويحتاج إلى سنوات من العمل المجتمعي المستمر.
   وليس معنى ذلك أن التيار العلمانى تفوق على التيارات الإسلامية، فتلك الأخيرة لازالت متفوقة في الصعيد والريف، فمصر لازالت غارقة في بحور الأصولية.
والعلمانية ليست كفرًا وليست إلحادًا، رغم أن الإلحاد في الحقيقة ليس تهمة، فالإلحاد مثله مثل أي معتقد آخر يحق لمن يشاء أن يتبناه، فالقناعات الفكرية والدينية واللا دينية حق أساسي من حقوق الإنسان، لذا فلا يمكن اعتبار المعتقدات بمثابة اتهامات إلا إذا تم التحريض بمقتضاها على ارتكاب أعمال إرهابية تسلب الناس أرواحهم أو تروعهم، وهنا لابد أن ندرك أهمية تجديد الخطاب الديني.
 أما عن فتاوى التكفير والردة فقد قالت رباب كمال:   لا يمكن اعتبار فتاوى التكفير أو الردة فتاوى "وسطية"، وإنما هي دعوى للقتل وسفك الدماء، فتلك الفتاوى والتي كان آخرها ما صرح به الشيخ سالم عبد الجليل ما هو إلا تحريض صريح على القتل يعاقب عليه القانون، ولو كنا في دولة مدنية حقًا لاعتبرت الشيوخ الذين يطلقون مثل تلك الفتاوى بمثابة خارجين عن القانون، قاموا بالتحريض على قتل مواطنين آخرين اختلفوا معهم فكريًا وعقائديًا، حتى وإن كانت فتوى تستند إلى نص شرعي، ولا توجد حصانة ضد محرض على القتل لمجرد أن الدولة أطلقت عليه لفظ "شيخ أزهري وسطى".
رباب كمال.. الأزهر
وعن  قانون ازدراء الأديان وهل يكفل احترام المعتقدات؟ فقد قالت:
   من وجهة نظري، إن قانون ازدراء الأديان، يعاقب الكتاب والمفكرين التنويريين ولا يعاقب الشيوخ المتطرفين، علينا أن نسأل بسبب هذا القانون "كم صاحب قلم سجن وكم شيخًا سجن"؟
   فالقانون بمثابة سيفًا على رقاب التنويريين،  فنرى من يتهم بعض الشباب المسيحي بالإسكندرية بتهمة التبشير لمجرد أنهم وضعوا آية من الإنجيل عن المحبة مع بعض الحلوى ووزعوا على المسلمين قبل المدفع من باب المشاركة المجتمعية، الغريب أنهم قوبلوا بتهمة التبشير، والتبشير بالمسيحية ليس تهمة، وإن كان تهمة، فالدعوة إلى الإسلام أيضًا تهمة.
   لذا فهذا القانون لا يخدم احترام الأديان بقدر ما يعاقب أصحاب الفكر المستنير، خاصة إن كانت فتوى تكفيرية قائمة على نص ديني - مثل ما قاله الشيخ سالم عبد الجليل- فتسقط القضية لأننا ليس لدينا المساحة لتأويل النصوص وربطها بالمكان والزمان الذى قيلت فيه ومن أجله.
   وتبقى إشكالية: هل يمكننا أن نحاكم النصوص؟، بالتأكيد لا يمكن أن نحذف آية قرانية ولكن علينا أن نعى أن قضايا الحسبة ستشكل ثغرة قانونية هائلة عند الشروع في صياغة قانون يدافع عن الحريات الفكرية.
   لذا فأنا أرى أننا علينا إلغاء تلك المادة من القانون والالتجاء إلى القانون المدنى بتهمة التحريض على القتل وتفعيل المادة 160 والمادة 161 من قانون العقوبات بدلاً عن قانون ازدراء الأديان.
   وللعلم هذا القانون لم يمنع أيضًا الاعتداءات الطائفية في مصر منذ أكثر من 40 عامًا سواء على منازل وكنائس المسيحيين أو منازل البهائيين.
وحول رؤيتها في دعوة الرئيس السيسي للأزهر بضرورة تجديد الخطاب الديني قالت: أعجب من مطالبة السيسي الأزهر بتجديد الخطاب الدينى لأن فاقد التجديد لا يعطيه، فالأزهر يعانى من الأصولية في مناهجه وأروقته، ومن تصدعات فكرية جعلته آيلاً للسقوط في بحور التأويلات الرجعية، فهو بحاجة إلى من يساعده في عثرته الفقهية بدلاً من أن نوكل إليه مهمة ضخمة لا يقوى عليها وسط هذا الركود والتحجر والجمود،  فالثورة على مناهج الأزهر لابد أن تبدأ من أروقته، فمن لا يستطيع تجديد مناهجه كيف سيجدد خطابه الديني؟!
 وعن آليات تجديد الخطاب الديني قالت:   هناك 3 محاور من وجهة نظري لذلك:

   1- التعليم الأزهري والأساسي.
   التركيز على التعليم الأزهري وتنقيته من النصوص والفتاوى التي تهين وتكفر وتحرض ضد باقي الأديان وضد المرأة وضد الفن و المسرح،  ومن جانبي فأنا أرفض التعليم الأزهري بشكل عام والذى صنعه الرئيس عبد الناصر والذى أدخل التعليم المدني في الدين، وهو أحد أسباب تفاقم المشكلة التي نحن بصددها الآن.
   وهناك قنبلة موقوتة في مناهج  الأزهر وعلى سبيل المثال كتاب "الإقناع في مناهج أبى شجاع"  والتي ذكر فيها على سبيل المثال -والأمثلة كثيرة -، "لا نصلى في الأسواق والمزبلة والحمام والكنيسة"، وهنا ساوى ما بين منزلة المزبلة والحمام، ومنزلة الكنيسة على حد سواء، وفي ذلك إهانة كبيرة.
   وكذلك التعليم الأساسي الذى يحوى على نصوص قرآنية متعددة بحجة البلاغة ولكنى أراها مناهج كيدية للأقليات، وفقًا لدراسة للباحث شريف يونس وهي صناعة تمييزية، ويمكن الاستغناء عنها والاستعانة بمصادر أخرى مثل  أبيات شعر  محى الدين بن عربي  الذى تحدث فيها عن محبة واحترام الآخر، وكذلك مادة الجغرافيا والتي بها آيات قرآنية تحت حجة الإعجاز العلمي بالقرآن، ويمكن الاستغناء عنها أيضًا.
   2- الإعلام:  
   لابد من مناهضة خطاب الكراهية، على أن تتم مراجعة أى شخص يقدم خطاب الكراهية من خلال شاشات الفضائيات أو الصحف أو عبر أثير الإذاعة وهو أمر واضح ومفهوم وهو ما يعنى ممنوع تكفير الآخر.
   3- المجتمع المدني:
   لابد لمؤسسات المجتمع المدني أن تعمل على أرض الواقع، وتكون مؤسسات علمانية مدنية، وتهتم بقضايا مجتمعية مختلفة مثل الصحة و التعليم وحقوق المرأة ويصل مجهودها لكل قرية وحارة،  رغم أن ذلك يعد صعبًا حاليًا في ظل التضييق على مؤسسات المجتمع المدني.
   وعن وسطية الازهر قالت: مفهوم الوسطية الذى نستخدمه حاليًا بات مبهمًا كونه مصطلحًا فضفاضًا وأصبح غير حقيقي أن تنسب الوسطية للأزهر، فلا يمكن أن نصف فتوى شيخ الأزهر عام 1994 الداعمة للختان بأنها وسطية!، وكذلك فتوى بقر بطون الحوامل التي أفتى بها الشيخ عطية صقر أمين لجنة الفتوى بالأزهر عام 1997 للمرأة المسيحية التي ماتت وهي تحمل طفلاً من زوج مسلم، بأنها فتاوى وسطية، وما دعت إليه  د سعاد صالح وهي أستاذة جامعية أزهرية بجواز سبي النساء عام 2014 وسطية!
   فعلى أي أساس يوصف الشيخ بالوسطي؟ هل لمجرد انتمائه لمؤسسة الأزهر؟ هل لأنه لا يرتدى جلبابًا قصيرًا كالسلفيين؟ أم لمجرد أنه على خلاف سياسي لا فكرى مع الإخوان؟ أم لأنه مؤيد للدولة التي تدعي تأييدها للوسطية؟
 
   وحول تكرار الاعتداءات الطائفية والحوادث الإرهابية ضد الأقباط في مصر قالت: إنكار الاعتداءات الطائفية لن يحد من الأزمة بل سيتسبب في مزيد من الاحتقان، فالأمر يبدو كما أننا ندير ظهرنا للبركان، اعتقادًا منا أن تجاهله سوف يوقف حممه الملتهبة، لذا فمحاولات الإعلام للتقليل من شأن الحوادث الطائفية باعتبارها حوادث فردية أو أن مرتكبها مختل عقليًا وأنها ليست جرائم دينية طائفية ومن جهة أخرى تتبنى الأجهزة الأمنية الإشراف على التهجير القسري لتشارك بصمتها في صناعة الفتنة، رغم أن الدستور المصري يجرم التهجير القسري بجميع صوره وأشكاله وفقًا للمادة 63، وكل صوت أو قلم يعلو لمجابهة الأزمة الحقيقية يتهم بأنه يثير الفتنة ويؤججها.
   فما حدث في العريش هو تهجير قسري لا جدال في ذلك، وهذا جزء من التفكير الأزهري، فهناك مخطوط أزهري الذى مازال حتى الآن يتم طباعته وتوزيعه وهو "إقامة الحجة الباهرة في هدم كنائس مصر والقاهرة" للشيخ الأزهري أحمد بن صيام الدمنهوري منذ 250 عامًا، وله رقم مخطوط  في الأزهر وكذلك تم توثيقه في دار الكتب والوثائق المصرية، يدعو فيه لهدم كنائس ومنازل الأقباط بحجة أنه لا يجوز كنيسة في بلاد المسلمين.
  وفي ردها على سؤال هل قضت مصر على الفاشية الدينية بعد سقوط الإخوان؟ قالت:  علينا ألا نخدع أنفسنا لأن 30 يونيو لم يقض على الفاشية الدينية بمصر. فبعد 3 أعوام من هذا التاريخ، أتضح أننا لم نقم بثورة تؤسس فعلاً لمدنية الدولة ولا بثورة دينية لتجديد الخطاب الديني، بل قمنا بثورة عادت بنا من مشارف دولة الخلافة السنية التي أرادها الإسلاميون إلى المربع صفر (أى ما قبل 2011)، أى عدنا إلى الدولة التي تتقمص دورًا مدنيًا، بالرغم من أنها ذات ذراع ديني، فلا يمكن اختزال مدنية الدولة في رحيل الإخوان لأن ذلك ما هو إلا تغييب للوعى المجتمعي.
وعن إذا كان هناك فارق بين فتاوى شيوخ الوسطية وبين داعش قالت:
   الاختلاف ليس في الاعتراض على الفتاوى ولكن يختلف الطرفان على الجهة المنفذة، فداعش تنفذ الحدود بنفسها، بينما يتراءى لشيوخ الأزهر أن هذه هي مهمة ولى الأمر "الحاكم"، مثلما أفتى الشيخ محمد الغزالي في محاكمة قتلة فرج فودة في تسعينيات القرن الماضي.
   ويعتقد البعض خطئًا أن الدولة المصرية لا تعمل بالحدود لأنها لا تعترف بها كجزء من الشريعة، وفي حقيقة الأمر إن المشرع المصري لم ينكر الحدود وإنما عطل العمل بها لتعذر إقامتها، وقد صرح المستشار أحمد الزند عام 2012 أن القضاة في مصر يتوقون للعمل بأحكام الشريعة و أنه يجب أن يتم حل إشكالية الحدود المعطلة.
وحول عدم تكفير الأزهر لداعش قالت: الأزهر رفض تكفير داعش عبر بيان منذ أكثر من عامين ردًا على ما تناقلته الأخبار بأن مفتى نيجيريا الشيخ إبراهيم صالح قام بتكفيرهم، ورفض الأزهر آنذاك اعتبار فتوى صالح فردية.
   وأريد أن أوضح أن المطلوب من الأزهر هو عدم تكفير أى أحد حتى داعش، فلسنا في حاجة إلى بيان تكفير للناهض داعش ونرفض أفعاله التي تندى لها جبين الإنسانية، ولكن المطلوب من الأزهر هو أن يتخذ مواقف حاسمة ضد من يكفرون المواطنين على خلفية آرائهم ومعتقداتهم، حيث يعد التكفير رخصة للقتل.
وحول صناعة داعش قالت رباب كمال: تنظيم داعش هو جماعات منظمة ذات تمويل عالٍ جدًا وتملك السلاح أكثر من حجمها وشكلها وعددها، اختلف مع من يقول إنها صناعة غربية.
   فداعش صناعة محلية لأن أفكارها هي أفكار تراثية موجودة بكتب التراث والفقه، لربما أن هناك بعض الجهات الغربية التي يمكنها استغلال هذا التطرف، ويبقى السؤال: من أقدم البخاري أم الولايات المتحدة الأمريكية؟ بالطبع البخاري.. أفكار التراث أقدم لذا فداعش ليس صناعة أمريكية، داعش صناعة الموروث الطائفي.

شارك