مستقبل المدن اليزيدية المحررة من داعش ...بين العراق وكردستان

الثلاثاء 13/يونيو/2017 - 02:32 م
طباعة مستقبل المدن اليزيدية
 
بعد مرور أكثر من أسبوعيْن على إطلاق عملية "محمد رسول الله الثانية"، وصلت "قوات الحشد الشعبي" إلى الحدود السورية-العراقية غربي الموصل في 29 أيار/مايو 2017. وقد أعلن هادي العامري، وهو أمين عام "منظمة بدر" وأحد قادة "قوات الحشد الشعبي" الأكثر نفوذًا، من الحدود أن "قوات الحشد الشعبي" سوف "تطلق عملية تطهير الحدود انطلاقًا من هذه النقطة باتجاه القائم" في محافظة الأنبار. وكان العامري قد أطلق سابقًا على هذه العمليات اسم "معركة الحدود".
ويبدو جليًا أن عملية "محمد رسول الله الثانية" لم تكن مجرد مسعىً لضرب "الدولة الإسلامية" بل جهدًا حثيثًا بذلته الحكومة العراقية و"قوات الحشد الشعبي" من أجل إعادة نشر القوات الفدرالية في مناطق كانت تخضع سابقًا لسيطرة "حكومة إقليم كردستان." يُذكر أن "قوات الحشد الشعبي" طردت التنظيم من مجموعة من المدن والقرى اليزيدية جنوب سنجار، حيث كانت القحطانية آخر المدن اليزيدية المهمة التي تمّ تطهيرها من قبل "قوات الحشد الشعبي" في 28 أيار/مايو. وتقع هذه المناطق اليزيدية داخل "الحدود الداخلية المتنازع عليها" بين بغداد وإقليم كردستان على السواء. من هنا كتب الباحثين بمعهد واشنطن مايكل نايتس وحمدي مالك تقرير مهم  جاء فيه يتضح أن عملية "قوات الحشد الشعبي" كان مخططًا لها بدقة وعناية إذ سرعان ما تمركزت القوات اليزيدية ضمن "قوات الحشد الشعبي"، أي فوج "لالش"، في المناطق المحررة حديثًا. وقد رحبّت "وحدات مقاومة سنجار" ذات القيادة اليزيدية بـ “قوات الحشد الشعبي" وأُطلق على المرحلة النهائية من العملية شعار "شهداء سنجار" كتذكير بمعاناة اليزيديين.
وبالنسبة إلى "حكومة إقليم كردستان"، يشكّل تقدّم "قوات الحشد الشعبي" نحو المناطق اليزيدية مرحلةً صعبة. فقد تعرّض اليزيديون للإبادة بسبب فشل آلية الأمن التي اعتمدتها "حكومة إقليم كردستان" في مناطق مثل سنجار والقيروان والقحطانية. ورغم نجاح الحكومة في تحرير سنجار، تخوض نزاعًا منذ ذلك الحين مع "وحدات مقاومة سنجار" اليزيدية ومقاتلي "حزب العمال الكردستاني" في هذه المنطقة. وبعد تموضعها على بعد 20 كيلومترًا فقط شمالي المدن اليزيدية طوال العام الفائت، اكتفت قوات "البيشمركة" التابعة لـ “حكومة إقليم كردستان" بمراقبة تجاوز "قوات الحشد الشعبي" لها وسيطرتها على المنطقة. وفي الأيام الأولى من عملية "محمد رسول الله الثانية"، تردّد أن رئيس حكومة الإقليم مسعود بارزاني أخبر المسؤولين في سنجار أنه "يجب ألا تدخل "قوات الحشد الشعبي" إلى هذه المناطق [اليزيدية]". وكان تقدّم هذه القوات قد أظهر "حكومة إقليم كردستان" في موقع الضعف وقد تدعو "قوات الحشد الشعبي" إلى اختبار السيطرة الكردية في مناطق أخرى متنازع عليها مثل طوزخورماتو، شمالي ديالا، وسهل نينوى، شرقي الموصل. وكان القادة الأكراد قد أشاروا إلى أنه قد يكون تمّ تجاوز خط أحمر كردي. وقد عبّر وزير الخارجية العراقي السابق والشخصية البارزة في "الحزب الديمقراطي الكردستاني" هوشيار زيباري عن المخاوف الكردية في هذا الخصوص. وأطلع قناة "الشرقية" الإخبارية في 30 أيار/مايو على "أننا نشهد توسّع "قوات الحشد الشعبي"، ليس على حدود "إقليم كردستان" فحسب، ولكن أيضًا داخل الإقليم نفسه".
وقد قدمت بغداد الدعم الكامل للعملية التي قادتها "قوات الحشد الشعبي" ولكنها تسعى في الوقت عينه إلى تقليص حدة التوترات مع الأكراد. فبعد يوم واحد فحسب على إطلاق عملية "محمد رسول الله الثانية"، زار وزير الدفاع العراقي عرفان الحيالي واللواء الركن عبد الأمير رشيد يارالله، وهو القائد الأعلى لعملية تحرير نينوى، مقر "قوات الحشد الشعبي" في تل عبطة وعقدوا مؤتمرًا صحفيًا مشتركًا مع نائب رئيس هيئة "قوات الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس. وفى 29 أيار/مايو، زار رئيس الوزراء حيدر العبادي المقر في تل عبطة وشدّد على أن كافة عمليات "الحشد" غرب نينوى تجري بأمر من قيادته. وفى اليوم التالي، عاد وكرّر أن "كافة قواتنا الأمنية تخضع للقيادة العامة للقوات المسلحة ... بما فيها "قوات الحشد الشعبي" وأعيد وأكرر: بما فيها "قوات الحشد الشعبي"". وأضاف أن ""قوات الحشد الشعبي" لم تتقدم باتجاه الحدود من تلقاء ذاتها". ومن خلال هذه التصريحات، حاول العبادي أن يُظهر أن "قوات الحشد الشعبي" ستبقى تحت سيطرة الحكومة العراقية ولن تتخذ أي خطوات ضد الأكراد في المستقبل.
غير أن كلمات العبادي - وزيارة فالح الفياض، وهو مستشار الأمن الوطني العراقي ورئيس هيئة "الحشد الشعبي" - لم تنجح كثيرًا في تبديد غضب الأكراد وخوفهم. وكان استطلاع أجراه مؤخرًا "المعهد الديمقراطي الوطني" (امتد من نيسان/أبريل إلى أيار/مايو 2017) قد أظهر أن أكراد العراق يمثّلون المجتمع الأشدّ معارضةً لـ “قوات الحشد الشعبي" والأكثر خوفًا منها ضمن الدولة العراقية. (على سبيل المثال، كانت نظرة 85% من المستطلعين الأكراد سلبية إزاء "الحشد الشعبي" مقابل 23% في المناطق السنية في العراق، و80% من الأكراد يرغبون في حلّ هذه القوات). وربما يتمثّل أمل العبادي الأخير في طمأنة الأكراد في تشكيل قيادة عسكرية موحدة للمناطق المحررة حديثًا في القيروان والقحطانية. وفي 30 أيار/مايو، تحدث العبادي عن هذه الخطة قائلًا: "إن [هذه العمليات] ليست توسّعًا ... لقد اتفقنا [مع "حكومة إقليم كردستان"] على تشكيل قوة مشتركة مؤلفة من القوات العراقية، بما فيها "البيشمركة"... للسيطرة على [هذه المناطق]".
ومن شأن تشكيل قوة مشتركة مماثلة أن يكون حافلًا بالتحديات. فقبل تقدّم "الدولة الإسلامية" في 2014، كانت مناطق على غرار سنجار والقيروان والقحطانية منقسمة بين سيطرة الحكومة الاتحادية و"حكومة إقليم كردستان". وكانت "البيشمركة" وقوات الاستخبارات الكردية توفر أمن هذه المدن، في حين كانت قوات الجيش العراقي الاتحادي (من الجنود اليزيديين بشكل رئيسي) وحرس الحدود تقوم بدوريات في المناطق الريفية. أما الآن، فالوضع أكثر تعقيدًا حتى. ففضلًا عن الأكراد و"قوات الحشد الشعبي" والجيش العراقي، تضمّ المنطقة أيضًا "حزب العمال الكردستاني" ومجموعة من الميليشيات اليزيدية وبعض العناصر الموالية لـ"حكومة إقليم كردستان" وآخرين لـ"قوات الحشد الشعبي" وبعض المرتبطين بـ"حزب العمال الكردستاني" مثل "وحدات مقاومة سنجار". لذلك، لا بدّ من تشكيل قوات شرطة محلية وحرس حدود، علمًا إنّ وكالات الاستخبارات العراقية الرئيسية الستّ إضافةً إلى الوكالات الكردية المشابهة ستنشط في هذه المنطقة. 
ولا بدّ من أخذ التدخل الأجنبي من قبل تركيا و"حزب العمال الكردستاني" وإيران وسوريا في الحسبان. فستكون تركيا الأكثر امتنانًا في حال ضمّت القوة المشتركة المقترحة "حكومة إقليم كردستان" والشرطة والجيش العراقيين، فضلًا عن يزيديين محليين، إذ سيعني ذلك إضعاف القوات التابعة لـ “حزب العمال الكردستاني" في سنجار وإقصاء العناصر الشيعية من "قوات الحشد الشعبي" وإشراك حليفها "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في اللعبة. ومن ناحية أخرى، سيسعى "حزب العمال الكردستاني" إلى الحفاظ على علاقته الخاصة مع "وحدات مقاومة سنجار" اليزيدية، لكنه سيخضع الآن للضغوطات من التحالف القائم بين "حكومة إقليم كردستان" وتركيا من جهة، ومن مساعي "قوات الحشد الشعبي" التوسعية من جهة أخرى، إذ تعتبر هاتان الجهتان "حزب العمال الكردستاني" مصدر تعقيد غير مرغوب فيه لأجندتهما المحلية. فعلى سبيل المثال، لا يجب افتراض أن تقدّم القوات التابعة لـ “حزب العمال الكردستاني" في العراق وسوريا سوف يدعم بالضرورة إقامة ممر خاضع لسيطرة الإيرانيين بين إيران والبحر المتوسط.
وعند محاولة نسج هذه العناصر المختلفة معًا، برز نموذج واحد قد يتمنى العراق اعتماده، ألا وهو نظام "الآليات الأمنية المشتركة" الذي تمّ تأسيسه في كانون الأول/ديسمبر 2009، وكان يهدف أساسًا إلى تعزيز التعاون بين الأكراد وبغداد لضمان الأمن خلال الانتخابات العراقية التي جرت في آذار/مارس 2010 في المناطق المتنازع عليها. وقد سهّلت القوات الأمريكية و” نظّمت" سير العمل في "مركز تعاون مشترك في نينوى" حيث تعاون عمداء عراقيون وأكراد وضباط أركان للسماح معًا بتحركات الجنود في "المناطق الأمنية المشتركة". كما ضبط نظامٌ يشمل "نقاط تفتيش مشتركة" تجري إداراتها بشكل مشترك في النقاط الجغرافية الأساسية وتقاطعات الطرق. وبيد أن النظام لم يكن مثاليًا، وفرض على الولايات المتحدة أن تكون وسيطًا صادقًا، تمثلت نتيجته بتراجع الصدامات غير المقصودة بين القوات العراقية والكردية وبإرساء استقرار أكبر. وحيث أنه من المزمع أن تجري انتخابات مجلس محافظة نينوى في وقت لاحق من هذا العام (علمًا بأنها قد تجري في ربيع عام 2018 بالتزامن مع الانتخابات الوطنية العراقية)، ثمة مبرر منطقي واضح لنظام جديد قائم على مبدأ "الآليات الأمنية المشتركة".
وسيكون تأسيس نظام مماثل أصعب بكثير الآن. فبخلاف عام 2009، لا تملك الولايات المتحدة عشرات الآلاف من الجنود في العراق، كما أنها لا تعمل كالقوة الوحيدة التي تتدخل في شؤون البلاد: فحاليًا، أصبح عددٌ كبير من عناصر "قوات الحشد الشعبي" منضوين تحت لواء الميليشيات المعادية للأمريكيين والخاضعة لإمرة الوكالات الإيرانية على غرار نائب رئيس هيئة "قوات الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس المصنف على لائحة الإرهاب الأمريكية. ويجب أن يكون التركيز على الدور المحتمل لـ “قوة المهام المشتركة -» عملية العزم الصلب «" أقل مستوىً مما كان عليه في عهد نظام "الآليات الأمنية المشتركة". وسيقوم القادة العراقيون بتشكيل مجموعة عمل بارزة وبوضع "قواعد اللعبة" في المناطق المتنازع عليها. كما ستستلم الفصائل العراقية والكردية واليزيدية زمام الأمور على الأرض، ولن تتدخل عمليًا "قوة المهام المشتركة" في نقاط التفتيش، بل قد تكون مساهمتها على مستوى "مركز التعاون المشترك"، مع عدد محدود من مسؤولي الروابط والأصول الاستخباراتية لمساعدتها على مراقبة الأوضاع الخطرة وتعقّب التحركات.
ونظرًا إلى تخوّف الأكراد الخاص من "قوات الحشد الشعبي"، لا بدّ من طمأنتهم من خلال وجود ما يُطلق عليه العراقيون اسم "قوات الحكومة الرسميّة" أي الجيش العراقي و"جهاز مكافحة الإرهاب" وحرس الحدود والشرطة. ومن الضروري منح هذه القوات دعمًا لوجستيًا قويًا لتعيد بناء قواعدها في المناطق الصحراوية وتتلقى إمدادات الطعام والمياه والوقود، وهي حاجات قد تتمكن "قوة المهام المشتركة" من تأمينها إلى حين إعادة بناء البنى التحتية. وقد تمتد فترة تجربة القوة المشتركة الجديدة من الآن ولغاية الانتخابات العراقية (وانتخابات نينوى) عام 2018. ولن تجري الانتخابات في المناطق المحررة غربي الموصل إلا في ظل نظام مماثل، وستُعتبر النتائج مقبولة فقط في حال كانت جميع الفصائل حاضرة. أما إن لم يتم انتخاب مجلس المحافظة في نينوى، فلن يكون لديها أساس للتسوية على المدى الطويل. وستُعتبر القيادة العراقية-الكردية والمساعدة الدولية لإنشاء قوة مشتركة عاملًا أساسيًا لضمان المكاسب التي تمّ تحقيقها في ساحات المعارك في نينوى.

شارك