التربية ام السجون لمحاربة حاضنات التطرف في العالم العربي

الأربعاء 26/يوليو/2017 - 03:07 م
طباعة التربية  ام السجون
 
رغم وجود حاضنات كثيرة للتطرف مثل الأنترنيت، شبكات التواصل الاجتماعي، الجوامع والمراكز الاجتماعية والدينية، يمكن القول بأن جزء كبير من أصول التطرف يكمن في مناهج التربية والتعليم في العالم العربي والإسلامي. لا زالت كلمات مثل (الجهاد، قتل الملحدين، عقاب الله، نار الجهنم، الحروب الصليبية، أهل الذمة) تُدَرّس في مناهج التربية، وبشكل خاص في مادة التربية الإسلامية.من هنا قدم الكاتب خالد سليمان وهو كاتب وصحفي من كردستان العراق مقيم في كندا.هذا التقرير الذى نشره بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الادني حيث يري في التربية  طريقة لمعالجة التطرف تسبق السجون 
للتطرف أسباب كثيرة في البلدان العربية والإسلامية مثل الاستبداد، احتكار الحريات، الحروب الأهلية، الفقر والأمية، الاحتلال السوفياتي لأفغانستان ١٩٧٩، احتلال العراق ٢٠٠٣، انتشار الوهابية بسبب الطفرة النفطية في السعودية، إنما الأهم من بين كل تلك الأسباب هي التربية والتعليم. ففي كتب اللغة العربية، التربية الدينية، التربية الوطنية والثقافة العامة، نصوص دينية لا تمنع الطلاب على الفهم الوسطي والانفتاح وقبول الآخر فحسب، بل تحرضهم على التطرف ونبذ الآخر، ونأتي على ذكر بعضها في هذا المقال.
ظلت كتب التربية الدينية واللغة والثقافة في المدارس خاضعة لمناهج وعقول تكن الكره للانفتاح والفلسفة والعلوم الاجتماعية. ومن ثم، لن تعلن المدارس في العالم العربي والإسلامي الطلاق بعد مع المنهج التلقيني لأبي حامد الغزالي (١٠٥٨-١١١١) الذي كان يدير “المدارس النظامية” في بغداد في النصف الثاني من القرن الحادي عشر حيث منع فيها تدريس الفلسفة والعلوم الاجتماعية.
لا يقتصر هذا النشاط الراديكالي على مدارس بلد بعينه، بل يشمل غالبية البلدان في العالم العربي والإسلامي إذ يمكن تحديد ملامحه من خلال مناهج تعليمية قديمة لا تساعد التلاميذ والطلاب على فهم أوسع للعالم، وفيه، الاختلافات الدينية والثقافية والعرقية من جانب، ومن خلال نشاط أيديولوجي تمارسه الأحزاب الإسلامية والحركات السلفية داخل المؤسسات التعليمية من جانب آخر. ففي مصر رغم أن المسيحيين يشكلون ١٠٪ من السكان إلا أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة.
يتعلم الطلاب المسلمون في المدارس الحكومية في مصر عن المسيحية من منظور القرآن والأحاديث النبوية. وفى هذا الصدد يعرض الباحث اللبناني محمد فاعور الذي تركز دراساته وأبحاثه على موضوع المواطنة والتنوع في العالم العربي من خلال الإصلاح في الأنظمة التربوية في المدارس والجامعات، يعرض أحد الآيات من كتب الصف الثامن مفادها: "ومَن يبتغِ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين”. وأشار فاعور إلى أن المدارس السعودية تخصص تسع ساعات أسبوعيا للمواد الدينية، فيما لا تتجاوز حصة الدين في تونس تسعون دقيقة في الأسبوع.
يجدر الإشارة بأن مشروع إصلاح مادة التربية الدينية في مصر وتبديلها بمادة أخرى بعنوان (القيم والأخلاق) عام ٢٠١٤، واجه معارضة شديدة ليس في أوساط الإسلاميين والسلفيين فحسب، بل حتى بين الأوساط الجامعية والأكاديمية، ولكن تم تبديل المادة هذا العام، لتصبح مصر ثاني دولة عربية تجري تغييرات في مادة التربية الدينية بعد الأردن. إنما يبقى السؤال يدور حول جوهر التغييرات وسبل تطبيقها في المدارس وجعلها سهلة للهضم. هل يدخل الإصلاح في المواد الدينية تغييرات في الوعي بالتنوع والتعايش الديني، أم يكتفي بحذف بعض نصوص دينية، ودروس عن شخصية صلاح الدين الأيوبي وعقبة بن نافع من المناهج؟
اتبعت تونس نظاما تربويا وحداثيا منذ استقلالها، إلا أن "المدارس البديلة" التي انتشرت بسرعة كبيرة بعد عام 2011 عملت على نشر التطرف وعدم التسامح في بعض المناطق التي ارتفعت فيها درجة التدين بين سكانها وذلك وفقا لملاحظات الكاتب ذاته. ومع ذلك، لا تزال تونس واحدة من أكثر الأنظمة العربية العلمانية أو تلك التي تتقبل الأخر والتي قامت بالتصويت بالملايين ضد الأحزاب الإسلامية وليس لصالحها.
لا يقتصر عمل المؤسسات الدينية التي تعمل على نشر التطرف على منطقة العالم العربي فحسب، بل انتشرت أيضا في الدول الأجنبية لخدمة المغتربين. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى جامع (الدعوة) شمال غرب العاصمة الفرنسية باريس الذي تشدد فيه مهاجمي الأسبوعية الفرنسية الساخرة (شارلي إيبدو). ويشير تقرير صدر عن اللجنة الأمنية في البرلمان الكندي عام ٢٠١٥، إلى أن عدداً من الجوامع والمدارس الدينية في كندا يوجه الشباب نحو التطرف.
وقد تعرضت وزارة التربية والتعليم الأردنية إلى هجوم واسع من قبل الإسلاميين بسبب تلك الإصلاحات التي أجرتها الوزارة على كتب التربية الدينية والثقافة الإسلامية بهدف “تطوير مهارات التفكير والتحليل لدى الطلبة والابتعاد ما أمكن عن حالة التلقين والحشو الزائد”. ويذكر أن كتب الثقافة الإسلامية للصفوف الثانوية في المدارس الأردنية قبل الإصلاحات التي دخلت حيز التنفيذ في بداية العالم الدراسي ٢٠١٦، تضمنت نصوص كثيرة عن القتل والزنا والرق والجهاد.
يذكر أن كتب الثقافة الإسلامية للصفوف الثانوية في المدارس الأردنية قبل الإصلاحات التي دخلت حيز التنفيذ في بداية العالم الدراسي ٢٠١٦، تضمنت نصوص كثيرة تحرض على العنف والتطرف. وفى هذا الصدد،” تناولت فيه الكاتبة الأردنية دلال عقوبة الزنا التي تقضى برجم الزاني المحصن (المتزوج) «بالرجم حدّ الموت»، ولغير المحصن «مئة جلدة أمام الناس دون شفقة، أو تخفيف في الضرب، أو نقص في العدد». كما تناولت نص آخر في كتاب الثقافة الإسلامية للصف التاسع حول الرق يقول: "الدين الإسلامي لم يلغِ الرق، إلا أنه أوصى بحسن معاملة الرقيق، وحثّ على تحريرهم بطرق متعددة".
لقد جرت محاولات لإجراء التغييرات على مادة التربية الدينية في دول وأقاليم في العالم العربي والإسلامي مثل تونس والأردن ودولة الإمارات وإقليم كُردستان العراق، إنما واجهت غالبية تلك المحاولات معارضة الأحزاب الإسلامية والقوى الاجتماعية الرديفة لها. وكانت بعض من تلك التغييرات شكلية أو نسخ للنموذج المصري إذ يتم تدريس الأديان الأخرى وفقاً للدين الإسلامي كما حدث في إقليم كُردستان العراق عام ٢٠١٢، حيث رفض المسيحيين التغيرات التي أجريت على مادة التربية الدينية بسبب معلومات خاطئة حول ولادة المسيح وإجراء الإصلاحات من المنظور الإسلامي.
وفى مقابلة بين كاتب المقال وأبو بكر على الذي كان عضواً رئيسياً في لجنة الإشراف على إصلاح مادة التربية الدينية، أعلن أبو بكر أن الغرض الرئيسي من مشروع الإصلاح الديني في كردستان العراق هو استبدال التعليم الديني بمناهج تعليمية دينية أخرى تدرس الأديان الأخرى وتعترف بها ومن ثم، تغرس في الطلاب ثقافة التسامح قبل التحاقهم بالمرحلة الجامعية.
قصارى القول، لا يقتصر إصلاح المناهج التعليمية في العالم الإسلامي والعربي على إلغاء تلك النصوص التي تحرض على العنف والتطرف في كتب اللغة العربية، التربية الوطنية، الثقافة العامة والتربية الدينية فقط، بل على جعل مواد الفنون والثقافات وحقوق الإنسان أكثر أهمية إذ من شأنها الارتقاء بمستوى فهم الطلاب إلى مكانة تحتل فيها مبادئ التعايش، قبول الآخر ونبذ الكراهية موقع الصدارة. كما يجب أن يشمل الإصلاح دور ومكانة المرأة في المناهج التعليمية ويعطيها الفاعلية والمشاركة في اتخاذ القرارات.
لقد فشلت ثورات الربيع العربي في تحجيم ثقافة التطرف الديني والمذهبي في المجتمعات العربية، لكن هل يؤدي الفشل هذا إلى إعادة التفكير في تلك التحديات التي حالت دون إنجاح التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها المجتمعات العربية عام ٢٠١؟ هل تراجع النخب السياسية نظام تربوي عفي عليه الزمن، ولم يرتقي بالأفراد إلى قيم العدالة والمواطنة، والمشاركة السياسية؟ ومن ثم، يجب أن يكون إصلاح النظام التربوي الخطوة الأولى.

شارك