دراسة تكشف أهداف الغارات الأمريكية على تنظيم داعش في ليبيا
الخميس 05/أكتوبر/2017 - 05:03 م
طباعة
كشفت دراسة حديثة عن أهداف الغارات الأمريكية على تنظيم داعش في ليبيا وذلك بعد أن شنت طائرات أمريكية من دون طيار، في 22 سبتمبر 2017، ست غارات جوية استهدفت معسكرًا صحراويًّا لتنظيم داعش في وسط ليبيا على بعد نحو 240 كلم جنوب شرق مدينة سرت الساحلية المعقل السابق للتنظيم، كان يستخدمه للتخطيط وتنفيذ عمليات داخل وخارج الدولة، ولتخزين السلاح والمعدات. وقد أسفرت الغارات عن تدمير ثلاث سيارات تابعة لداعش، ومقتل نحو 17 من عناصره.
وقالت الدراسة التى جاءت تحت عنوان "إجهاض العودة: أهداف الغارات الأمريكية على تنظيم داعش في ليبيا" وقام بإعدادها عبداللطيف حجازي والصادرة عن مركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة وتُعد هذه الضربات هي الأولى في عهد الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، والثانية منذ إعلان المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني تحرير مدينة سرت من سيطرة تنظيم داعش في شهر ديسمبر 2016، حيث قصفت المقاتلات الجوية الأمريكية موقعين للتنظيم جنوب غرب مدينة سرت في يناير من العام الجاري، أسفرت عن مقتل نحو 80 من عناصره.
وتابعت وتعكس الغارات الأمريكية الأخيرة على معسكر لتنظيم داعش في ليبيا استمرار تهديداته رغم الهزيمة التي تعرض لها في ديسمبر 2016 على يد قوات "البنيان المرصوص" التابعة لحكومة الوفاق الوطني، وفقدانه السيطرة على مدينة سرت، أحد أهم معاقله في إفريقيا، حيث يسعى منذ هزيمته لإعادة تجميع صفوفه، وتسليح عناصره لشن هجماته من جديد في ليبيا، مستغلًا حالة عدم الاستقرار السياسي، وتدهور الوضع الأمني، ووجود مساحات صحراوية شاسعة غير مأهولة بالسكان وغير خاضعة للرقابة.
فمع قرب هزيمة التنظيم في مدينة سرت في نوفمبر 2016، تمكّن عددٌ من مسلحيه من الفرار من المدينة إلى صحراء ووديان وسط وجنوب ليبيا التي تتميز بقلة الانتشار السكاني وغياب الأمن، حيث قاموا بتشكيل عدد من السرايا الصحراوية، وعدد من معسكرات التدريب. وتقدر أعداد أفراد التنظيم الذين فروا من سرت قبيل انتهاء العمليات العسكرية بالمدينة بنحو 2500 عنصر يتمركزون بالمناطق الصحراوية البعيدة.
كما استغل التنظيم صحراء الجنوب الليبي الحدودية مع كل من تشاد والجزائر والنيجر، والتي تعد إحدى المناطق الرئيسية التي تنشط بها عمليات التهريب بصورة كبيرة نتيجة لغياب الأمن، لتوفير منفذ أساسي للتمويل وتهريب السلاح وتدفق المقاتلين الأفارقة.
ومنذ أواخر شهر أغسطس الماضي (2017)، رصدت القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني تحركات لعناصر تنظيم داعش في جنوب مدينة سرت في المنطقة الصحراوية الممتدة بين مدينتي سرت والجفرة. وقد قدر العميد "محمد الغصري" المتحدث باسم قوات "البنيان المرصوص" أعداد فلول التنظيم في المناطق الممتدة بين المدينتين بحوالي ألف مقاتل من جنسيات مختلفة، ولهذا، طالب المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني بتشكيل قوة لمحاربة فلول داعش في هذه المناطق.
وأشار تقرير صادر عن بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في أواخر شهر أغسطس 2017، إلى أن تنظيم داعش لا يزال نشطًا داخل ليبيا رغم الهزيمة التي تعرض لها في شهر ديسمبر 2016، حيث تنشط عناصره في جنوب سرت ومنطقة الصحراء الجنوبية. وفي 4 سبتمبر الماضي، أرسلت مدينة مصراتة تعزيزات عسكرية إلى مدينة سرت لدعم القوات المتواجدة بها تحسبًا لهجوم محتمل للتنظيم على المدينة بعد رصد تحركات له بالقرب منها.
أهداف الضربة:
تهدف الضربات العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة للمرة الثانية خلال هذا العام ضد معاقل تنظيم داعش في ليبيا، إلى تحقيق مجموعة من الأهداف، منها:
1- تضييق الخناق على التنظيم، ومنعه من تحقيق أية انتصارات خارج معاقله الرئيسية في سوريا والعراق، لا سيما مع سعيه لاستعادة السيطرة على مدينة سرت الليبية لإعطاء دفعة معنوية لمقاتليه الذين يتعرضون لخسائر متتالية في الدولتين، خاصة وأن التنظيم يعتبر المدينة بمثابة عاصمة للخلافة في إفريقيا، ويعطيها نفس أهمية محافظة الرقة في سوريا.
2- الحيلولة دون استغلال عناصر تنظيم داعش الفارّين من سوريا والعراق بعد الهزائم المتتالية التي يتعرض لها بالدولتين، حالةَ عدم الاستقرار والصراع السياسي وتردي الأوضاع الأمنية في ليبيا، وألّا تكون أراضي الدولة ملاذًا آمنًا لهم.
3- تأكيد الحضور العسكري الأمريكي في ليبيا في مواجهة الحضور العسكري الروسي المتزايد في الشرق الليبي، حيث أبدت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) في مارس الماضي قلقها المتزايد من النشاط العسكري الروسي في ليبيا. فقد صرّح قائد القوات الأمريكية في إفريقيا (أفريكوم) الجنرال "توماس والدهوسر" بأن "موسكو ترغب في ممارسة نفوذ داخل ليبيا، وهم موجودون في الميدان".
4- تأكيد دعم الولايات المتحدة الأمريكية لحلفائها الأوروبيين في مواجهة التهديدات التي تشكلها الأزمة الليبية للأمن القومي الأوروبي فيما يتعلق بتدفق موجات الهجرة غير الشرعية، واستخدام التنظيمات الإرهابية أراضي الدولة الليبية كقاعدة للتدريب والتخطيط، ونقطة انطلاق لشن هجماتهم في عدد من الدول الأوروبية.
سياسة "ترامب" تجاه ليبيا:
يُعطي الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في العشرين من يناير 2017، الأولوية للقضاء على تنظيم داعش في ليبيا، وذلك من خلال مواصلة الضربات الجوية الأمريكية ضد التنظيم، والقيام بما يلزم إلى حين القضاء عليه، وذلك مقابل تقليل الانخراط الأمريكي في دفع عملية التسوية السياسية في ليبيا لصالح الحلفاء الأوروبيين.
ففي إبريل الماضي، صرح ترامب خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإيطالي "باولو جينتيلوني" الذي كان يزور واشنطن، بأنه "لا يرى دورًا لأمريكا في ليبيا." وأكد في الوقت ذاته أنه "يرى دورًا لأمريكا في التخلص من داعش".
ومن هذا المنطلق، صاغت وزارة الدفاع الأمريكية استراتيجية عسكرية لمواجهة تنظيم داعش في ليبيا تقوم على تتبع واستهداف عناصر التنظيم الفارين من مدينة سرت بعد تحريرها، ومنعهم من التمركز في مناطق جديدة بليبيا.
وتقيم الولايات المتحدة الأمريكية محطة استعلامات عسكرية في مدينة "الهوارية" جنوب تونس منذ نوفمبر 2016، لجمع المعلومات حول التنظيم في ليبيا. كما تتواجد أعداد من القوات الخاصة الأمريكية بصفة مستمرة في ليبيا لتبادل المعلومات مع القوات المحلية، وتوفير المعلومات الاستخبارية حول التنظيم. وتستخدم واشنطن قاعدة عسكرية جوية بجنوب تونس لتوجيه ضربات جوية ضد التنظيم باستخدام الطائرات من دون طيار.
غير أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت منذ شهر يوليو الماضي تعطي اهتمامًا أكبر لدفع عملية التسوية السياسية في ليبيا؛ وذلك من منطلق ارتباط الاستقرار السياسي في الدولة بالنجاح في القضاء على تنظيم داعش الذي يستغل حالة عدم الاستقرار والتنافس السياسي لإعادة تنظيم صفوفه وتعزيز تواجده في ليبيا.
ففي شهر يوليو 2017، دعت السفارة الأمريكية في طرابلس جميع أطراف الأزمة الليبية إلى نزع فتيل التوتر، والمضي قدمًا نحو حلٍّ توافقي على أساس الاتفاق السياسي الليبي الذي يوفر خارطة طريق لحكومة انتقالية وانتخابات وطنية. وأكدت السفارة التزام واشنطن بالعمل مع جميع الليبيين للمساعدة في استعادة الاستقرار، وإنهاء الصراع في ليبيا، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تنخرط في اتصالات مع طائفة واسعة من الشخصيات السياسية والأمنية الليبية، والتي يأتي على رأسها رئيس حكومة الوفاق الوطني "فايز السراج" والقائد العام للجيش الوطني الليبي "خليفة حفتر" الذي التقى به السفير الأمريكي لدى ليبيا "بيتر وليام بودي" في 9 يوليو الماضي.
وقد رحبت الولايات المتحدة بالخطة التي أعلنها المبعوث الأممي الجديد إلى ليبيا "غسان سلامة" في 20 سبتمبر 2017 لإنهاء الأزمة الليبية، معلنة التزامها بالعمل مع ليبيا والأمم المتحدة والشركاء الدوليين للمساعدة في تحقيق المصالحة السياسية، ودعت كل الليبيين إلى دعم جهود الوساطة الأممية، والمشاركة فيها، مؤكدة أن الاتفاق السياسي الليبي لا يزال هو إطار الحل السياسي للصراع بالدولة، وحذرت الأفراد الذين يسعون إلى الالتفاف على العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة بحجب الدعم عنهم.
ويشكل ما سبق تحولًا في رؤية إدارة ترامب لطبيعة الدور الأمريكي في ليبيا من رفض الانخراط في مسار التسوية السياسية للأزمة الليبية والتركيز على القضاء على تنظيم داعش، إلى الاتجاه للقيام بدور أكبر ومحوري في دفع التسوية السياسية للأزمة من خلال دعم وساطة الأمم المتحدة والاتفاق السياسي الليبي.
وفي الختام، تعكس الغارات الأمريكية على معاقل تنظيم داعش في ليبيا القلق الأمريكي من إمكانية نجاح التنظيم في إعادة تنظيم صفوفه وشن هجماته من جديد في الدولة، مستغلًا استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي، وغياب سلطة مركزية قوية قادرة على بسط نفوذها على كامل البلاد. ومن المرجَّح تكرار الولايات المتحدة الأمريكية ضرباتها ضد التنظيم خلال الفترة المقبلة لشل قدرته على إعادة تنظيم صفوفه أو تحول ليبيا لملاذ آمن لعناصره، وذلك بالتوازي مع اتجاهها نحو مزيد من الانخراط في دعم المسار السياسي لتسوية الأزمة الليبية والذي تقوده الأمم المتحدة، انطلاقًا من أن تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في ليبيا عامل أساسي للقضاء على تهديدات التنظيم هناك.