مشروع «مارشال» دولي لمواجهة الإرهاب في إفريقيا... هل ينهي سنوات الدم بالقارة السمراء؟
الثلاثاء 24/أكتوبر/2017 - 02:16 م
طباعة
يعد الإرهاب واحداً من التحديات التي أرهقت القارة الإفريقية، وشهدت القارة في العقد الأخير تطوراً ملحوظاً في قضية الإرهاب، متمثلاً في تزايد الحركات والجماعات، وفي ارتفاع نسبة العمليات الإرهابية، ووفقاً لبعض الإحصاءات فإن معظم هذه الجماعات ينتشر في عموم القارة الرفيقة وخاصة في المناطق الغنية بالثروات، وصدرت بيانات قام بجمعها مركز الديانات والجغرافية السياسية (CRG) تشير إلى أن القارة الأفريقية عانت ما لا يقل عن 1426 حادثة من حوادث العنف المتعلقة بالإرهاب فيما بين 1 يناير 2016 و 30 سبتمبر 2016 وقد يرجع السبب في ذلك إلى عدة عوامل، منها البنية الهشة للدولة الإفريقية، وعدم الاستقرار السياسي، وتفشي العنف والحروب المسلحة، وتداخل الأفكار المتطرفة مع التركيبة التاريخية والاقتصادية والاجتماعية للقارة.
وقد احتضنت عاصمة بوركينا فاسو "واجادوجو"، خلال الفترة 6-8 سبتمبر 2017م، مؤتمراً دوليّاً حضره المئات من الخبراء والأكاديميّين والعسكريّين من نحو عشر دول إفريقية وأوروبية، للتباحث بشأن إمكانية تدشين مشروع "مارشال الافريقي" جديد؛ لمواجهة التحدّيات الأمنية في منطقة السّاحل والصحراء، التي تمثّل نقطة انطلاق للتنظيمات الإرهابية في القارة الإفريقية.
جاء المؤتمر بعنوان موضوع "المنظورات الأمنية في حزام الساحل والصحراء: ما هي الاستراتيجيات الفعالة والتحويلية؟"، ونظمه مركز الدراسات الاستراتيجية في مجال الدفاع والأمن في بوركينا فاسو، وتحت برعاية الندوة الرئيس الغاني السابق جون جيري رولينجز، الذي شارك في حفل الافتتاح، كما شارك في رعايته تابو مبيكي، الرئيس السابق لجنوب أفريقيا، الذي لم يتمكن من السفر إلى واجادوجو.
وجاء المؤتمر في عدم محاور في مقدمتها "الجريمة عبر الوطنية في حزام الساحل والصحراء: حالة اللعب والتوقعات"، "تجربة المغرب في مكافحة الجريمة عبر الوطنية"، "تقييم وآفاق مكافحة الاتجار غير المشروع في بوركينا فاسو فيما يتعلق بمنطقة الساحل والصحراء" "القتال الإرهابي في بوركينا: مساهمة الجغرافيا"، و "الإرهاب تحت منظور الأنثروبولوجيا الاجتماعية والأخلاق"، و "مسألة الحدود في منطقة الساحل والصحراء: صراعات الدولة على التطرف العنيف ".
وقد استلهم الخبراء المشروع "الإفريقي – الأوروبي" الجديد اسمه من "مشروع مارشال»" التاريخي Marshall Plan، الذي نفّذته الولايات المتحدة الأمريكية في أعقاب الحرب العالمية الثانية لإنقاذ أوروبا من آثار الحرب، وفقاً لقانون الإنعاش الأوروبي European Recovery Act الذي أقرّه الكونجرس الأمريكي في أبريل من عام 1948م.
وجاء مؤتمر "واجادوجو " بعد نحو شَهْريَن من "قمّة مالي"، التي اتفق فيها قادة مجموعة دول السّاحل الخمس (مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو، وموريتانيا، وتشاد)، بمشاركة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على إنشاء قوة إقليمية مشتركة ضدّ التنظيمات "الإرهابية" النّشطة بالمنطقة، وقوامها 5 آلاف عنصر، بتكلفةٍ تُقدّر بنحو 423 مليون يورو، حيث اتفق الحضور على أن تبدأ تلك القوة مهامّها بنهاية العام الجاري.
ووفقاً لمداخلات الخبراء في المؤتمر؛ فإنّ المشروع ينهض على إقامة عدّة مرتكزات، أبرزها: تنفيذ "برنامج مخصَّص للديون، يُتيح للدول الإفريقية التزوّد بالتجهيزات المناسبة؛ من أجل مواجهة التحدّيات الأمنية"، إضافةً إلى "إعداد استراتيجية لمكافحة الإرهاب على مستوى الدول الإفريقية، تندرج في إطار خطّة مشتركة على مستوى الاقتصادات المحلية".
ندد الكولونيل دنيز أوغست باري المدير التنفيذي لمركز الدراسات الاستراتيجية في مجال الدفاع والأمن في بوركينا بـ"النقص" المزمن في أنظمة الدفاع والأمن في دول الساحل. واقترح في بدء المؤتمر "اقامة 'خطة مارشال' أو برنامج مخصص للديون يتيح للدول التزود بالتجهيزات المناسبة من أجل مواجهة التحديات الأمنية".
كما دعا وزير الأمن السابق في بوركينا فاسو إلى "اعداد استراتيجية لمكافحة الإرهاب على مستوى الدول تندرج في إطار خطة مشتركة على مستوى الاقتصادات المحلية"، في الوقت الذي تواجه فيه دول الساحل صعوبات لجمع 400 مليون يورو ضرورية لتشكيل قوة مشتركة من أجل مكافحة الإرهاب.
وشدد البروفسور زكريا عثمان رمضان المسؤول السابق في الأمم المتحدة والمتخصص في شؤون التنمية على أن "دول الساحل وغرب أفريقيا خصوصا أمام تحديين: الإرهاب ومهربي المخدرات"، ودعا إلى "اعتماد استراتيجيات مبتكرة".
من جهته، شدد الكولونيل أوغست باري على أن "دولنا بحاجة إلى أدوات للتحليل الاستراتيجي لاستباق ودرء التهديدات" لأن "زمن الارتجال مضى".
وضع الخبراء خطة أو مشروع "مارشال الافريقي" لمواجهة الارهاب والفقر هو تاكيد علي وجود رغبة افريقية حقيقة لمواجهة الإرهاب وسط اتساع رقعة المواجهات بين القوات الحكومية والجماعات المتطرفة.
الي جانب مشروع"مارشال الافريقي" هناك مبادرات دوليةٌ أخرى خارج الاتحاد الإفريقي، منها مبادرتان قامت بها الولايات المتحدة الأمريكية، الأولى هي مبادرة "الشراكة لمكافحة الإرهاب عبر الصحراء" (TSCTP) والتي تأسست عام 2005، وتضم من الشركاء كل من: الجزائر، وبوركينافاسو، والكاميرون، وتشاد، ومالي، وموريتانيا، والمغرب، ونيجيريا، والنيجر، والسنغال وتونس، وقد تطورت هذه المبادرة لتعزيز قدرات الدول المشاركة في ظل الدعم الأمريكي المستمر ومساعدة بعض الدول كالجزائر والمغرب، والمبادرة الثانية هي "الشراكة لمكافحة الإرهاب في إقليم شرق أفريقيا" (PREACT)، وتأسست في عام 2009، بتمويل من الولايات المتحدة أيضا، وتشمل مجموعة من الشركاء هم: جيبوتي، وإثيوبيا، وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا، وبورندي، وجزر القمر، ورواندا، وسيشيل، وجنوب السودان، والسودان
فيما أطلق الاتحاد الأوربي مبادرة في 2011 سماها (الاستراتيجية الأمنية والتنموية للساحل)، انطلقت هذه المبادرة بعد أن قتلت القاعدة في المغرب الإسلامي مواطنا فرنسياً، فأنشأ مجلس الشؤون الخارجية للبرلمان الأوربي فريق عمل تمخَّضت منه هذه الاستراتيجية، بمشاركة من المكتب التنسيقي لمكافحة الإرهاب للبرلمان الأوربيين فهل ينهي مشروع "مارشال الافريقي" سنوات الدم بالقارة السمراء؟ أم سيلحق بتجارب سابق؟