موقف الأزهر الشريف وشيخه من حادث الروضة الإرهابي
الأحد 26/نوفمبر/2017 - 01:00 م
طباعة
الحادث الإرهابي اللعين الذي وقع أول أمس الجمعة 24 نوفمبر 2017، والذي راح ضحيته حتى الأن 305 شهيد حسب بيان النائب العام الصادر أمس والذي جاء فيه: بيانا بشأن القضية رقم 1 لسنة 2017 جنايات أمن دولة طوارئ بئر العبد، بأنه فى تاريخ 24 نوفمبر ورد إخطار من مديرية أمن شمال سيناء بأنه عند بدء إلقاء خطيب مسجد الروضة الكائن بقرية الروضة بمنطقة بئر العبد بمحافظة شمال سيناء لخطبة صلاة الجمعة فوجئ المصلون بقيام عناصر تكفيرية يتراوح عددهم بين 25 إلى 30 عضوا تكفيريا يرفعون علم داعش، وقد اتخذوا مواقع لهم أمام باب المسجد ونوافذه البالغ عددها 12 نافذة يحملون الأسلحة الآلية بإطلاق الأعيرة النارية على المصلين.
هذا الحادث الذي أثار ردود أفعال غاضبة سواء على المستوى المحلي أو العالمي، وبعد تناول الاعلام له من أكثر من جانب قد لفت انتباهنا ان مجموعة من الاعلاميين والعامة يطالبون المؤسسة الدينية _ والتي تم اختزالها في شيخ الأزهر_ بتكفير مرتكبي الجريمة التي أثرت في المصريين، ولا شك أن هذا المطلب ربما يكون تعبير عن حالة الغضب القصوى التي وصل اليها الاعلاميون وغيرهم، لكنه يظل مطلب غير واقعي في المقام الأول فمن ناحية لا يتم الاستفادة الحقيقية من وراء تكفير هؤلاء المجرمون ولن يتم ردعهم عن طريق تكفيرهم وثانيا وهذا هو الأهم أنه لا يستطيع شيخ الأزهر ولا غيره تكفير العموم او تكفير أهل قبلة، وثالثا لو تم استنان هذه السنة وفعلها شيخ الأزهر الأن في مواجهة هؤلاء لا يستطيع أحد لومه بعد ذلك او غيره في تكفير أحد ان كان مخالفا له في الرأي سواء من داخل المؤسسة نفسها او من خارجها، ونرى ان موقف المؤسسة الدينية تميز الى درجة كبيرة بالعقلانية تجاه هذا الحادث الأليم وان كنا نطمع في موقف أكثر جدية وهو المواجهة الحقيقية لهؤلاء الارهابيون عن طريق تفنيد آرائهم وفتواهم تفنيدا علميا قائما على الحجة والدليل هذا من ناحية ومن ناحية أخرى مواجهة الأزهر لعلمائه الذين ينتشرون على الفضائيات يكفرون الأخر دون ان يعلموا اذا صدقت النوايا ان آرائهم في الأخر وتكفيره انما تعد جواز لقتل هذا الاخر واستحلال عرضه وماله. وكان أول رد فعل للأزهر الشريف ادانة هذا الحادث اللعين في بيان نشر على بوابة الأزهر الالكترونية جاء فيه:
يدين الأزهر الشريف وإمامُه الأكبر أ.د/أحمد الطيب، بأقسى العبارات الهجوم الإرهابي البربري، الذي استهدف أحد مساجد مدينة بئر العبد في شمال سيناء، وأسفر عن عدد من الشهداء و المصابين. ويشدد الإمام الأكبر على أن سفك الدماء المعصومة، وانتهاك حرمة بيوت الله، وترويع المصلين والآمنين يعد من الإفساد في الأرض، وهو ما يستوجب الضرب بكل شدة وحسم على أيدي هذه العصابات الإرهابية ومصادر تمويلها وتسليحها. ويلفت الإمام الأكبر على أنه بعد استهداف الكنائس جاء الدور على المساجد، وكأن الإرهاب يريد أن يوحد المصريين في الموت والخراب، لكنه سيندحر وستنتصر وحدة المصريين وقوتهم بالتكاتف والعزيمة. ويؤكد الإمام الأكبر دعمه ودعم الأزهر الشريف وجموع الشعب المصري لمؤسسات الدولة المصرية، وعلى رأسها القوات المسلحة وقوات الشرطة في جهودها؛ للقضاء على تلك العصابات الإرهابية الخبيثة وتطهير تراب الوطن منها. ويتضرع الأزهر الشريف إلى الله عز وجل أن يتقبل الشهداء، وأن يصبر ذويهم وأُسَرهم، وأن يَمُنَّ على المصابين بالشفاء العاجل.
و في أعقاب الحادث قرر فضيلة الإمام الأكبر أ.د/ أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف رئيس مجلس حكماء المسلمين، يوم الجمعة، تأجيل زيارته المقررة إلى مخيمات مسلمي الروهينجا، اللاجئين في بنجلاديش، وأوفد الإمام الأكبر وفدا رفيع المستوى من الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين لزيارة مخيمات اللاجئين، الذين فروا إلى بنجلاديش هربا من ويلات الاضطهاد وعمليات التهجير القسري التي تعرضوا لها في وطنهم بورما. وكان من المقرر أن يبدأ فضيلة الإمام الأكبر السبت زيارة إلى بنجلاديش لتفقد مخيمات مسلمي الروهينجا، وكذلك عقد عدة لقاءات مع كبار المسئولين والقيادات الدينية في بنجلاديش لبحث إيجاد حل عاجل لهذه المأساة اللا إنسانية.
وعن حُرْمة الاعتداء على دُور العبادة ومَن فيها أصدر الأزهر الشريف فتوى تحت هذا العنوان جاء فيها:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وبعد: فإن الاعتداء على دُور العبادة وقَتْلَ مَن فيها فسادٌ في الأرض مخالف لما جاء به الإسلام، وحكمه: حرامٌ شرعًا، وهذه الأفعال بعيدةٌ كلّ البُعْدِ عن الإسلام وتعاليمه، والشريعةُ الإسلامية أمرتْ بالمحافظة على الضرورات الخَمْس التي أجمعتْ كلُّ المِلَل على وجوب المحافظة عليها، وهي: الدين، والنفوس، والعقول، والأعراض، والأموال؛ فالأصل في الدماء أنها معصومة، والأصل في النفوس أنها محفوظة مُكرَّمة؛ وإنّ قَتْلَ نَفْسٍ بريئة واحدة كقتل الناس جميعًا، فقد قال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة/32]، ولا يَصحّ شرعًا أن توصف مثل هذه الأعمال العدوانية بالجهاد، فالجهاد في الإسلام قد شُرع لرَفْع الطغيان ودَفْع العدوان؛ {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة:190]. والإسلام الحنيف قد كفَل للجميع مسلمين وغير مسلمين الحرية في ممارسة شعائرهم، واحترامَ المقدسات ودُور العبادة؛ فهو بريء مِن كلِّ اعتداءٍ يُنسب إليه زورًا وبهتانًا، ويجب على الجميع أن يعلم أن كل هذه الأحداث الإرهابية لا تريد إلا الخراب والدمار وإشعال الفتنة بين الناس؛ لذلك يجب علينا جميعًا أن نقف صفًّا واحدًا في التصدي بكلِّ قوةٍ لهؤلاء البغاة، حَفِظَ اللهُ مصرَ وشعبَها، ورَدّ كَيْدَ المعتدين.
ولم يكتفي الأزهر بهذه الفتوى بل أصدر فتوى ثانية حول موضوع " حكم ترويع الآمنين والمدنيين" جاء فيها:
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – وبعد : فإن الإسلام قد حرّم الاعتداء على المدنيين والآمنين بالسب أو بالضرب أو بالقتل أو بأيِّ نوعٍ من أنواع الإيذاء والترويع؛ ففي حديثِ مسلمٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من أشار إلى أخيه بحديدةٍ؛ فإن الملائكة تلعنه حتى يَدَعَه وإن كان أخاه لأبيه وأمه)). قال الإمام النوويّ رحمه الله: (في الحديث تأكيدٌ على حُرْمة المسلم، والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه والتعرُّض له بما قد يؤذيه، وقوله صلى الله عليه وسلم: (وإن كان أخاه لأبيه وأمه) مبالغةٌ في إيضاح عموم النهي في كلِّ أحدٍ، سواء مَن يُتَّهَم فيه ومن لا يتهم، وسواء كان هذا هزلًا ولعبًا أم لا؛ لأن ترويع المسلم حرام بكل حال، ولأنه قد يسبقه السلاح). وفي سنن أبي داودَ؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يَحِلّ لمسلم أن يُرَوِّعَ مسلمًا)). هذا في مجرد الإشارة والترويع، فما بالنا بمَن يقتل أخاه ويسفك دمه ويهتك حرمته ويفزعه في بيته؛ إن الذي يفعل هذه الأفعال يحارب الله ورسوله ويفسد في الأرض ويستحق عقاب البغاة في الدنيا والعذاب في الآخرة، {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [المائدة:33] وفي خطبة الوداع؛ يؤكّد رسولنا صلى الله عليه وسلم الحرماتِ؛ ليحفظَ على الناس استقرارَهم وأمنهم، فقال - كما أخرج البخاري في صحيحه -: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرامٌ عليكم كحُرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألَا هل بلّغت)). ومَن يحمل علينا السلاح بقصد التخويف أو القتل أو إدخال الرعب علينا فليس متّبِعًا لطريقتنا أو سنتنا، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فعن عبد الله بن عمرَ رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا». متفق عليه. لذلك ينبغي علينا أن نبتعد عن كل أشكال العنف والتطرف والترويع والتخويف وأن نَنْبِذَ كلَّ مَن يمارس هذه الأفعال التي نهى عنها الشرعُ الحنيف، ونضربَ على يده بيدٍ من حديد؛ حتى نُطَهِّرَ مجتمعنا من كلِّ فاسد وباغٍ، واللهُ مِن وراء القصد، وهو يهدي السبيل.