الإسلام والإسلام السياسي في أوروبا.. الإخوان في قفص الاتهام
السبت 16/ديسمبر/2017 - 08:34 م
طباعة
اختتمت اليوم السبت، بمدينة البندقية الإيطالية، مؤتمر دولي حول الإسلام في أوروبا، بمشاركة نخبة من الأكاديميين والباحثين المختصين من دول حول العالم بمبادرة من معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا، وجامعة بادوفا، وجامعة بيومنتي أورينتالي، ومؤسسة "مؤمنون بلا حدود" للدراسات والأبحاث، إضافة إلى مؤسسة تشيني، والمركز الجامعي للثقافة والقانون والأديان.
المؤتمر:
ووفق القائمين على المؤتمر، بحث الملتقى المساهمة النظرية الجماعية في قراءة واقع المسلمين في أوروبا، وواقع تيار الإسلام السياسي الأكثر حضورا وقوة في الساحة الأوروبية، وتأثيره على المجال الإسلامي بالقارة، فضلا عن مقاربة موضوع "الإسلام الأوروبي".
تتمحور أشغال المؤتمر حول 5 نقاط، هي:
المحور الأول : الإسلام والإسلام السياسي في أوروبا: التاريخ والتحولات
المحور الثاني : الإسلام السياسي في أوروبا: التنظيمات، التصورات والإستراتيجيات
المحور الثالث : الإسلام السياسي في أوروبا: المسارات والتحولات
المحور الرابع : الإسلام السياسي وإشكالية الاندماج في الدول الأوروبية
المحور الخامس : الإسلام والإسلام السياسي في أوروبا: رؤى استشرافية.
كما درس المشاركون، في إطار هذا المحور، التحولات الجديدة في المجال الإسلامي الأوروبي عقب التطورات الدولية الأخيرة، وتصاعد موجات التطرف العنيف في أوروبا وخارجها، وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا، وأثر ذلك على المسلمين في أوروبا، وعلى مسارات التحول والتكيف لدى جماعات الإسلام السياسي تنظيميا وسياسيا.
أجمع مشاركون في اليوم الثاني والأخير للمؤتمر الدولي حول الإسلام والإسلام السياسي في أوروبا، على أن جماعة الإخوان الإرهابية وغيرها من جماعات الإسلام السياسي تعتبر الحاضنة الأولى للفكر المتطرف في أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط.
وشددوا على ضرورة إنقاذ النصوص الدينية من التأويل الخاطئ الذي تقوم به جماعات الإسلام السياسي، لتحقيق مصالحها الضيقة ما يضر بالدين الإسلامي والمسلمين في أوروبا.
استراتجية الإخوان وقطر:
وتطرق الباحثون الي دور الاخوا وقطر في استغلال الاسلام للنفوذ والتمدد في القارة العجوز.
وتشكل جماعات الإسلام السياسي وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، حاضنة مُثلى للإرهابيين كونها تستغل الحريات المتاحة في البلدان الأوروبية والتعدد الثقافي الذي تتسم به هذه الدول، عبر الترويج لأفكار تغذي الشعور بالاضطهاد وتقوية الميل إلى العزلة عن المجتمع تمهيداً لعملية غسل الدماغ التي تتم للضحايا لتجنيدهم لصالح المنظومات المتطرفة.
وتشير الارقام الي ان هناك مئات الجماعات التي مولتها الدوحة على امتداد القارة الأوروبية، عبر توفير الدعم المالي الكامل فهناك نحو242 جمعية إخوانية في فرنسا، لتسيطر على اتحاد المنظمات الإسلامية "لواف"، كما تؤكد الإحصاءات كذلك أن النظام القطري ضخ 257 ألف يويو حسب سجلات بنكية، لتمويل الجماعات الإرهابية داخل الأراضي الهولندية تحت ستار المدارس الدينية والجمعيات الخيرية.
ويرتكز الخطاب الإخونجي القطري لمسلمي أوروبا على أن الغرب يمثل عدواً للمسلمين وهو الأمر الذي يخالف الواقع، حيث يعيش المسلمون في هذه البلدان كمواطنين من الدرجة الأولى لهم ما للمجتمع وعليهم ما عليه، بيد أن المدارس الإخونجية القطرية تعمل على اختراق المجتمع المسلم عبر مثل هذا الخطاب.
كما تعمدت جماعات الإسلام السياسي إلى استخدام لغة مزدوجة، تظهر للحكومات الأوروبية أن جماعة الإخوان والإسلام السياسي ليسوا المشكلة التي يجب أن يتعاملوا معها، ولا تكتفي بالتلون والالتفاف لتتبنى خطابات تعمق الفرقة في المجتمعات وتؤدي إلى الاستقطاب وتغذية التطرف والعنف ما أدى لتضرر المجتمعات وانهيار الدول.
وهي ذات النقطة التي أثارها محمد العاني، مدير مؤسسة مؤمنون بلا حدود في ندوة البندقية، مشيراً في كلمته التي ألقاها بالنيابة عنه عبدالله ولد أباه، الأستاذ والباحث في الفلسفة بجامعة نواكشوط في موريتانيا، مشيراً إلى أن التطرف الديني يمثل أبرز التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي، وأن المجتمعات المسلمة اكتوت بناره مثلما أصابت المجتمعات الأوروبية.
ويشاطر محمد بنصالح مدير معهد غرناطة للبحوث والدراسات العليا بإسبانيا، العاني ذات الرؤية مشيراً لدى حديثه في ذات الندوة إلى أن تيارات الإسلام السياسي تمثل كارثة في أوروبا، لكونها تصور نفسها على أساس أنها المدافع عن هوية الأمة الإسلامية ضد العولمة.
وتطرق “فاميتا فينر”، باحثة في العلوم السياسية بفرنسا، في مداخلة لها خلال الجلسة الثالثة ببمؤتمر، إلى استراتيجية الإخوان في أوروبا التي تطورت كثيراً، خاصة في العقد الأخير، بمقتضى الدعم الخليجي الذي توصلت به فروع الجماعة، وبالدرجة الأولى الدعم القادم من قطر مثلاً، بحكم علاقتها مع الجماعة.
وتقول إنه عندما تم إسقاط “حسني مبارك” من الحكم بمصر، تمت معاينة الحضور الإخواني الكبير في المنابر الإعلامية المدافعة عن الثورة، بخلاف مرحلة ما قبل إسقاط مبارك، وكان هذا سببا وراء إطلاق منصة إلكترونية تهم الساحة الفرنسية باسم “إخوان أنفو”.
وأكدت الباحثة الفرنسية قائلة “لدينا متابعة كبيرة لموقع “إخوان أنفو”، ونشتغل على المشهد الإخواني في فرنسا على الخصوص، وفي أوروبا وأمريكا والمنطقة العربية، مع مشاركة باحثين وإعلاميين”.
وأشارت إلى أنه إضافة إلى الحضور الإخواني النوعي والبارز في فرنسا، هناك حضور نوعي أيضاً في ألمانيا، على اعتبار ان ما يقوم به طارق رمضان اليوم، يصب في تحقيق ما سعى إليه حسن البنا وبعده المودودي، من خلال استحضار تجربة تأسيس دولة إسلامية من الهند.
الاخوان والتمكين:
وبالنسبة لـ”محمد لويزي”، وهو باحث مختص في الحركات الإسلامية بفرنسا، فقد قال في مدخلته: إني أتحدث “عن مشروع الأخونة من التوطين إلى التمكين، ولا أتحدث عن الأسلمة، على غرار أسلمة المعرفة”، موضحا بأن نظرية التمكين عرفت عصرنة وتحيينا، وأدخلت إلى مختبر البحث الجامعي، لجعلها أكثر قدرة عن الفاعلية، ومن ذلك أطروحة دكتوراه قدمها الإخواني الليبي علي الصلابي بعنوان: “نظرية فقه النصر والتمكين في القرآن الكريم”، وأثنى عليها الشيخ يوسف القرضاوي.
يقول “لويزي” لقد اتضح أن “قضية التمكين” التي كُشف عنها في حقبة الرئيس حسني مبارك، وعرفت تورط “خيرت الشاطر”، أنكرها الإخوان حينها، ولكن في مرحلة الترشح للانتخابات الرئاسية بعد “الربيع المصري”، تأكدت مضامين الخطة عندما كان خيرت الشاطر هو المرشح الأول للرئاسة باسم الإخوان قبل تدخل القضاء.
في مقابل التمكين الإخواني في المنطقة العربية ـ يضيف الباحث ـ هناك اشتغال إخواني على التوطين في أوروبا، مشيرا إلى أنه بالنسبة للمشروع الإخواني، فأوروبا ليست وطناً إسلامياً، “وبالتالي ينبغي أن نجعل من الدين الإسلامي في أوروبا جزءً من الإسلام في أوروبا، بشرط أن يكون مُجسداً في الإسلام الإخواني”.
وتحدث “محمد لويزي”عن مجالات الاستقطاب والتأثير، حيث يوجد عدد من الإسلاميين في فرنسا، في المؤسسات الأمنية، في إطار التأطير والاستشارة، وبالتحديد في مؤسسات الجيش، بل إن أغلب هؤلاء من الإخوان المسلمين.
أما في مجال التربية والتعليم، فيؤكد الباحث انه مجال يسعى الإسلاميون إلى الهيمنة عليه، مع حضور كبير للأدبيات الإخوانية، رغم أننا نتحدث عن السياق الفرنسي، وليس المصري أو المغربي أو التونسي، ولكننا إزاء نفس الأدبيات.
وأشار إلى ان الإسلاميين في أوروبا يُعلمون الأتباع أن “أول الحرب، كراهية الآخر”، في إطار تغذية القطيعة بين المسلم الأوروبي والمواطن الأوروبي، ولهذا يعلمون على استغلال استثمار القضية الفلسطينية والملف السوري وقضايا الأقليات المسلمة، مثل قضية مسلمي بورما، وغيرها من القضايا.
ويقول الباحث إنه في إطار الاشتغال على موضوع نزعة التشدد عند الإخوان وعند الجهاديين الراديكاليين، لا ننتبه إلا إلى الشخص الذي أصبح متشدداً، ولا ننتبه إلى الإمام الذي غرس في فكره كراهية الآخر، لذلك من الصعب الحديث عن مراجعات عند جماعة الإخوان المسلمين، وما حرره الشيخ يوسف القرضاوي، مؤخراً، يؤكد غياب مراجعات في التعامل مع مواضيع العنف والمرأة والردة وغيرها من القضايا.
وخلص “لويزي” إلى أنه “مادام الإخوان المسلمون لم يحسموا بعد مواقفهم من العنف، فإنهم جماعة راديكالية”، موضحا استراتيجية “نجمة البحر خماسية الأذرع” التي يعمل بها الإخوان في أوروبا، حيث تبقى استراتيجية أكثر ذكاء وأقوى فعالية، حيث لا وجود للرأس والقيادة إلا بشكل رمزي ومعنوي، كما أن كل ذراع مقطوعة تتحول بدورها إلى نجمة مستقلة بذاتها وبأذرعها وبقرارها واستقرارها.
وأنهى الباحث مداخلته بأن التنظيمات الإخوانية بدأت تجنح إلى اعتماد أشكال تنظيمية وحركية جديدة أخرى، فعوض الاستراتيجية الهرمية العنكبوتية، الموروثة عن حسن البنا، يتم الآن اعتماد أسلوب ما يُسمى في التخطيط الاستراتيجي بـ”نجمة البحر خماسية الأذرع”.
الغنوشي وحفيد البنا
أشار “عبد الله السيد ولد أباه”، أستاذ باحث في الفلسفة بجامعة نواكشوط بموريتانيا، خلال الجلسة الثالثة التي شهدها المؤتمر الدولي بمدينة البندقية بإيطاليا حول موضوع “الإسلام والإسلام السياسي في أوروبا مسارات التحول والتكيف”، إلى أن المقارنة بين راشد الغنوشي وطارق رمضان، حفيد مؤسس جماعة الاخوان حسن البنا، هي مقارنة بين شخصين لا يبدوان متشابهين من حيث الأفكار.
وأكد الباحث، خلال هذه الجلسة التي ترأسها “ستيفيانو ألييفي”، أستاذ باحث في علم الاجتماع ومدير ماستر الدين والسياسة والمواطنة بجامعة بادوفا بإيطاليا، أن طارق رمضان له تأثير واسع لا يُضاهى في الإسلام السياسي الأوروبي، أما راشد الغنوشي، فإنه زعيم من أبرز زعماء الإسلام السياسي، والسبب في المقارنة، بين رمضان والغنوشي، هو أن الغنوشي أقام فترة طويلة في أوروبا، وخاصة في بريطانيا، حيث ألف هناك أهم كتبه.
ويرى “ولد أباه” أن راشد الغنوشي وطارق رمضان يلتقيان في عدة أشياء جوهرية، منها الانتماء إلى الإسلام السياسي، وأنهما متخصصان في الفلسفة، ولهما تأثير واسع في الفكر الإسلامي إجمالاً، والفكر الإسلامي الأوروبي بصفة خاصة.
أما من محددات الاختلاف بينهما، فيوضح الباحث أن رمضان يستخدم فكرة الإصلاح الجذري في الإسلام، بينما يتحدث الغنوشي عن تأصيل خطاب الحرية في الإسلام.
وكتب “رمضان” كتابا حول الإسلام والإصلاح الجذري، هو امتداد لتقليد سماه هو تقليد تحديث الإسلام أو الإصلاح الإسلامي الحديث، وكانت أطروحته في الدكتوراه حول المصلحين في الإسلام.
ويضيف الباحث أن عبارة الإصلاح الجذري تبدو عبارة جريئة، ولكن في الواقع، الفكرة مجرد صياغة لخطاب برز في الإسلام السياسي، وهو خطاب إسلامية المعرفة، الذي تبلور في معهد الفكر الإسلامي في واشنطن، عبر التوسع في فكرة المقاصد الشرعية، باعتبار أن الصياغة الأصولية الجديدة للمقاصد قادرة على أن تأسيس صيغة جديدة للإسلام.
ويعتبر “ولد أباه” أن المقاصدية التي يقدمها طارق رمضان تقوم بتفريغ الإسلام من حوامله الثقافية، أي إنشاء إسلام خارج التاريخ وخارج الثقافة الإسلامية، مضيفا ان تأويلية رمضان بقيت تأويلية فقيرة، لأنها لا تصل إلى منابع الدلالة في الدين الإسلامي، وذلك رغم قدرته البارعة على الجدل وعلى مخاطبة الشباب الأوروبي المسلم.
أما راشد الغنوشي، فينطلق ـ حسب الباحث ـ من نفس مأزق الإسلام السياسي، عبر تحويل فكرة الإمامة (وهو مفهوم عقدي، كلامي، فقهي) إلى مبدأ تعاقد اجتماعي، والشورية إلى نمط من الصياغة التعددية، موضحا أن هذا الخطاب قد يبدو أنه متصالح مع الليبرالية والديمقراطية، ولكنه في الواقع لم يخرج عن فكرة أسلمة الدولة، أي الانطلاق من التعارض بين الدولة السيادية الوطنية والنموذج الإسلامي البديل الذي يفترضه الإسلام السياسي.
وخلص الباحث الموريطاني “ولد باه” إلى أن مشروع طارق رمضان وراشد الغنوشي يلتقيان في نفس النتيجة: “محاول صياغة جدية بألفاظ جدية وأدوات جديدة لمشروع الإسلام السياسي، سواء عبر فكرة الإصلاح الجذري، أو عبر فكرة تأصيل الحريات في الإسلام، والذي وصل مداه إلى فصل الدعوة والدولة عند الغنوشي، وهو نفس مأزق الإسلام السياسي”.