«طالبان» الضعيفة على الفوز.. مستعصية على الهزيمة

الخميس 04/يناير/2018 - 08:27 م
طباعة «طالبان» الضعيفة
 
نشر موقع "فورين أفيرز" الأمريكي تقريرًا بعنوان "لماذا لا تفوز طالبان في حربها في أفغانستان"، تناول في كاتب المقال سيث جون، الوضع الحالي في أفغانستان، مشيرًا إلى عدم قدرة كل من الحكومة الأفغانية أو طالبان من فرض نصر كامل على الآخر في الحرب الدائرة بينهما، موضحًا أن الأجواء الآن مهيئة لعمل تسوية جادة بين طرفي الصراع، التقرير الذي ترجمه بوابة الحركات الإسلامية.
يجب أن نقر بأن حركة طالبان تزداد قوة، في الوقت الذي تتراجع فيه أداء الحكومة الأفغانية" المقولة التي قالها السيناتور جون ماكين في أغسطس من العام الماضي 2017، الأمر الذي أكده عبد الجبار كهرمان، الجنرال الأفغاني المتقاعد، المبعوث العسكري السابق للحكومة الأفغانية لمقاطعة هلمند حتى عام 2016، فهي "ضعيفة على الفوز بشكل نهائي، ولكنها مستعصية على الهزيمة".
على الرغم من أن طالبان أظهرت قدرة مدهشة على البقاء، وشن هجمات قوية في بعض المدن الأفغانية مثل كابول، ولكنها اليوم أضعف أكثر مما يعتقد الخبراء، أنها تنتهج عقيدة متطرفة جدًا بالنسبة لمعظم المواطنين الأفغان، والتي ترتبط قياداتها ارتباطا وثيقا بجماعة البشتون العرقية، والتي تعتمد على استراتيجية وحشية أدت إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الأفغان الأبرياء وإغراق آخرين، إلى جانب مشاركتها في الفساد على نطاق واسع، والاعتماد على حلفاء أجانب لا يحظون بشعبية مثل باكستان، ولا يزال معظم كبار قادة طالبان يأملون في أن يتمكنوا يوما من استعادة كابول والإطاحة بالحكومة الأفغانية، وإقامة إمارة إسلامية متطرفة في البلاد، ولكن بالنظر إلى نقاط ضعف طالبان، وقرار الولايات المتحدة بإبقاء بعض من قواتها في أفغانستان، فمن غير المحتمل ذلك.
والواقع أن الضعف الذي أصاب كل من الطالبان والحكومة الأفغانية الحالية تشير إلى أن الجمود هو النتيجة الأكثر احتمالا في المستقبل القريب، وقد تتغير اليد العليا على الإقليم ولذلك فإن الاختيار أفضل الخيارات الموجودة أمام طالبان الآن هو السعي إلى تسوية عبر المفاوضات، لأنه من غير المرجح أن تهزم الحركة الإرهابية الحكومة الأفغانية وداعميها الدوليين في ميدان المعركة، في المقابل على كابول وواشنطن أن تدعما بالمثل تلك التسوية لأنهما لن يكونا على الأرجح قادرين على تأمين نصر عسكري صريح على طالبان.
طالبان اليوم كحركة اختلفت عما كانت عليه في التسعينات عندما حكمت أفغانستان، ويديرها الملا هبة الله أخندزاده، رئيس القضاء السابق ورئيس مجلس العلماء في طالبان، أعلى سلطة دينية في الجماعة. وقد حاول أخندزاده وغيره من قادة طالبان كسب قلوب وعقول المواطنين الأفغان من خلال تمويلهم بعض مشاريع التنمية، والوعد بإصلاح نظام التعليم، وأصبح قادة الحركة اليوم أكثر دراية من الناحية التقنية من تلك كانت لديهم في التسعينات، إذ أصبحوا يعلنون بفخر عن مواقعهم على شبكة الإنترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر، والمجلات ذات الطباعة الفاخرة،  رغم أنها غالبا ما تقمع المدنيين إذا ما استخدموا نفس هذه التكنولوجيا.
وقد سيطرت حركة الطالبان على المناطق الريفية، كما تمكنت من شن هجمات متكررة رفيعة المستوى في كابول وغيرها من المدن، وقد أنشأ قادتها هيكلا تنظيميا تقوم فيه قياداتها العليا بالتوجيه والإشراف على العمليات العسكرية لها، بينما يتخذ المسؤولون العسكريون والسياسيون في الميدان قرارات عملية وتكتيكية، كما تمكنت الحركة أيضا بتماسكها التنظيمي، على الرغم من فقدان اثنين من زعماءها في السنوات القليلة الماضية، وهي تعد ضربة قوية لأي تنظيم.
ورغم النكسات الخطيرة التي واجهتها الحركة بعد الاستيلاء المؤقت على مدينة قندوز الشمالية في سبتمبر 2015، حين فقدت الحركة السيطرة عليها في غضون أيام مع حشد القوات الأمريكية والأفغانية لإعادتها، وفي عام 2016 فرضت طالبان ضغوطا على عدة عواصم إقليمية، في بعض الأحيان في وقت واحد، ولكنها لم تتمكن من تجاوز أي منها، وفي عام 2017، فشل في مواصلة تهديداته ضد أي عاصمة إقليمية.

لماذا تفشل طالبان؟
تعود أسباب فشل حركة طالبان لوجود عدة أوجه قصور، أولا لا تزال أيديولوجية الحركة متطرفة جدا بالنسبة للعديد من الأفغان - بمن فيهم الأفغان الحضريون - الذين ينتمون إلى شكل أقل تحفظا من الإسلام الذي يسمح بمعظم التكنولوجيا الحديثة والموسيقى والمشاركة السياسية وبعض الحقوق للمرأة، فعلى سبيل المثال، يقول جميع الأفغان تقريبا إنهم يوافقون على تصويت النساء، في حين أن الفتيات اللواتي يحرمن من التعليم في ظل طالبان، يمثلن الآن 39 % من طلاب المدارس الحكومية في أفغانستان، وقد خصص البرلمان الأفغاني 69 مقعدا من أصل 249 مقعدا في مجلس النواب للنساء، بينما يضم مجلس الشيوخ 27 عضوا في البرلمان من أصل 102 عضوا.
ولم يكن مفاجئًا أن تكون نتيجة الاستطلاع الذي أجري في جميع أنحاء البلاد عام 2015، وجد أن 92 % من الأفغان يؤيدون حكومة كابول، و4 % فقط يفضلون حركة طالبان، وهي النتيجة التي كانت متسقة تماما من نتيجة الاقتراع الذي أجري منذ عقد تقريبا، كما أظهر نفس الاستطلاع رفض معظم الأفغان لفكرة أن طالبان أصبحت حركة أكثر اعتدالا.
القصور الثاني الذي شاب الحركة هو أن الطالبان تنتمي إلى حد كبير إلى البشتون، مما يحد من دعمها في مناطق هازارا والطاجيك والأوزبك، إذ يهيمن البشتون على القيادات العليا للحركة رغم وجود تنوع إثني أكثر قليلا في مستوياتها الدنيا، هبة الله أخندزاده من قبيلة نورزاي من جماعة البشتون من جنوب أفغانستان، كما إن نائبه سراج الدين حقاني ومحمد يعقوب من البشتون، ومن كبار القادة الآخرين مثل عبد القيوم زاكر، وأحمد الله ناناي وعبد اللطيف منصور ونور محمد ساكب كلهم من البشتون، ما يقرب من 80 % من كبار قادة طالبان الخمسين من البشتون من قندهار، واستنادا إلى تاريخ أفغانستان الحديث عن المظالم بين طالبان البشتون ومجتمعات الهزارة والطاجيك والأوزبك، فإن اعتماد الطالبان المفرط على زعماء البشتون يشكل نقطة ضعف خطيرة.
أما القصور الثالث هو انتهاج الحركة لتكتيكات وحشية لفرض سيطرتها، مما يقوض دعمها في أفغانستان، وكما هو الحال مع العديد من الجماعات المتمردة، استهدف مقاتلو طالبان بشدة المدنيين والموظفين الحكوميين من اغتيالات وقنابل على جوانب الطرق واستهداف الكمائن، لتسفر هجمات طالبان في النصف الأول من عام 2017 عن مقتل أكبر عدد من المدنيين أكثر من نظيراتها في أي ستة أشهر أخرى منذ أن بدأت الأمم المتحدة توثيق إصابات المدنيين، وكانت الهجمات الانتحارية مدمرة مما أسفر عن مقتل آلاف المدنيين الأفغان على مدى العقد الماضي، وتشويه عشرات الآلاف آخرين.
ووفقا لاستطلاع للرأي أجرته مؤسسة آسيان، فإن ما يقرب من 93% من الأفغان يخشون مواجهة طالبان بسبب وجهات نظرها المتطرفة ووحشيتها، غير أن الوحشية أدت إلى تشريد مئات الأسر،  والإضرار بالممتلكات المدنية، كما أدت إلى تقليص قدرة الحكومة من إمكانية الحصول على المساعدات الإنسانية والتعليم والرعاية الصحية، مما أدى إلى عزوف المواطنين بالانبهار أو الانضمام إلى الحركة.
أما القصور الرابع فهو تورط الحركة الإرهابية في قضايا فساد، خاصة فيما يتعلق بتجارة المخدرات، فالمراقبون إلى جانب إشارتهم إلى الفساد في الحكومة الأفغانية، إلا أن عددا أقل منهم يفهم أن طالبان متورطة أيضا، لا سيما في تجارة المخدرات، والتي وتمثل عائداتها أكثر من نصف التمويل الكلي لطالبان، وتعد المصدر الوحيد الحيوي لإيرادات قادة الحركة، ويمول قادة حركة طالبان المحلية شبكاتهم بفرض ضرائب على التجارة، بما في ذلك المزارعين، وقد قامت حركة طالبان بمجرد تصدير المخدرات من أفغانستان على شكل شراب الأفيون، إلا أن المجموعة تقوم على نحو متزايد ببناء مختبرات في البلد تعالج الأفيون لتحويله إلى المورفين أو الهيروين، وقد ساعدت هذه الإجراءات على ضمان أن تظل أفغانستان أكبر منتج ومصدر للأفيون في العالم، وتنتج ما يقدر بنحو 80% من الأفيون في العالم، وتستخدم أموال طالبان للمخدرات لدفع رواتب مقاتليها القدماء، فضلا عن رواتب بعض المسؤولين الحكوميين الأفغان.
أما المشكلة الخامسة التي تواجه الحركة هو أن طالبان تعتمد اعتمادا كبيرا على الدعم المقدم من البلدان المجاورة، لا سيما باكستان التي لا تحظى بشعبية لدى الكثير من الأفغان؛ إذ تقدم المخابرات الباكستانية أنواع عديدة من المساعدات لطالبان والمجموعات المتحالفة معها مثل شبكة حقاني، مثل توفير ملاذات آمنة لقادتها وأسرهم، كما يزود المسؤولون الباكستانيون طالبان بالمال والتدريب والمعلومات اللوجيستية والاستخباراتية، إلى جانب تزويدهم بالمواد المميتة والمواد غير المميتة مثل معدات الاتصالات، ورغم ذلك فإنه وفقًا للاستطلاع رأي قامت به مؤسسة غالوب أجرته عام 2016، فإن 3.7% فقط من الأفغان أعطوا تصنيفا إيجابيا لباكستان، بينما أعطى 5.8٪ من الأفغان تصنيفا إيجابيا لتنظيم داعش الإرهابي، وكان لدى الكثيرين رؤية إيجابية للهند، حيث بلغت نسبتهم نحو 62٪.


محادثات السلام
رغم تحذيرات صناع السياسة والأكاديميين الغربيين من ضعف أداء الحكومة الأفغانية، متوقعين انتصارًا وشيكًا لحركة طالبان، إلا أن مستقبل الحركة الإرهابية لا يبدو واعدا، رغم امتلاك الحركة القدرة على مواصلة شن هجمات تمرد في المستقبل القريب على الحكومة الأفغانية، وفي مواجهة هذه الخطوات المحدودة ينبغي على قادة طالبان أن يبدأوا مفاوضات سلام جادة مع الحكومة الأفغانية، وهو أمر لم يترددوا في القيام به، ربما لأنهم يعتقدون أن لهم اليد العليا في ساحة المعركة!!
ومن المرجح أن يتطلب دفع الطالبان لبدء محادثات تسوية جدية، خاصة مع ممثلي الحكومة الأفغانية جهودا متواصلة من جانب الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين، لا سيما باكستان، ومن المرجح أن تفاوض طالبان على بعض المناطق الريفية التي تسيطر عليها، ومن المحتمل أن يطلب قادتها عددًا من التنازلات من الحكومة الأفغانية وحلفائها، مثل المطالبة بدور أكبر للشريعة الإسلامية داخل المؤسسات الأفغانية، وإدماج بعض مسؤولي طالبان في المناصب الحكومية، وقمع الفساد الحكومي، وقد تصل المطالبات بالمطالبة انسحاب القوات الأمريكية وغيرها من القوات القتالية الأجنبية في نهاية المطاف. 
ولكن الأمر الذي يجب أن يدركه قادة الحركة بأن تأجيل المفاوضات لن يحسن موقفهم التفاوضي، خلاصة بعدما أعلنت إدارة ترامب أنها سوف تلغي المواعيد النهائية لإدارة أوباما لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، مما يجعل طالبان يواجهون عدو يتم إعادة تنشيطه، لذلك فإنه حان الوقت لقادة طالبان أن يتوصلوا إلى تسوية لوقف القتال مع الحكومة الأفغانية، لأن الشعب الأفغاني الذي عانى من ما يقرب من 40 عاما من الصراع، يستحق إنهاء تلك الحرب.

شارك