٨٠٠مليون دولار ...اين ذهبت تبرعات إعادة إعمار الموصل ؟
الأربعاء 29/أبريل/2020 - 08:10 ص
طباعة
روبير الفارس
دمر تنظيم داعش الإرهابي مدينة الموصل العراقية وحولها الي اطلال وركام ومدينة أشباح ورغم مرور نحو ستة سنوات علي ذلك ورغم وعود اعادة الاعمار المتكررة وتقديم المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية لما يقرب من ٨٠٠ مليون دولار امريكي لإعادة إعمار المدينة العريقة لم يحدث هذا الاعمار وكشف قسم حقوق الانسان في هيئة علماء المسلمين بالعراق في تقرير له بعنوان (جولة بين أطلال الموصل القديمة؛ دمار غير مسبوق وأوضاع لا توصف) الضوء على دمار الموصل القديمة ومعاناة سكانها.
حيث أكد التقرير على أنه لا يزال هناك الآلاف من أهالي المدينة القديمة في الموصل يعيشون من دون مأوى وبلا سبل عيش، وسط أكوام الأنقاض والركام التي خلفتها حرب ضروس لم تبقِ ولم تذر دارت رحاها في مدينة الموصل بين القوات الحكومية وحلفائها من جهة ومسلحي تنظيم (داعش) من الجهة الأخرى.
ويصف التقرير الحال، بالوضع المزري واليائس، حيق تحدث محمّد لمندوب قسم حقوق الإنسان، وكان يقف أمام ما يعتقد أنها أنقاض منزله المدمر في الموصل قائلًا: مضى على رجوعنا إلى المدينة أكثر من سنتين وجميع المنازل في الشارع الذي كنا نسكن فيه مهدمة ومنها ما سوي بالأرض تمامًا بفعل القصف العنيف الذي تعرض له الحي، ولم نستطع تحديد مكان منزلنا بدقة لأن ركام المنازل متداخلة في بعضها بعضًا وهناك جثث ضحايا القصف ما تزال تحت أنقاض المنازل التي تهدمت على رؤوس ساكنيها، ولم يتغيّر أي شيء منذ ذلك الوقت. وهو يقف في وضع مزرٍ للغاية مرتديًا ملابسة رثة، وبحالة يأس تساءل: إلى متى سنبقى نعيش بين هذه الأنقاض والأموات؟!، ولماذا حلّت بنا كل هذه المصائب؟!.
وكجزء من النشاطات الاجتماعية التي تواكب شهر رمضان المبارك كل عام؛ يتم تقديم سلال غذائية –لكنها هذا العام كانت متواضعة المحتوى وبكميات أقل مقارنة بالأعوام السابقة- للأشخاص الذين يعيشون بين أنقاض البلدة القديمة في الموصل بعد ثلاثة أعوام من استعادة المدينة من تنظيم (داعش)، في المعركة الأخيرة التي حوّلت العديد من السكان المحليين إلى متسولين بلا مأوى.
ويشير إلى أنه في أوائل أغسطس 2018، عاد حازم، 52 عامًا، وعائلته إلى كومة من الحطام الذي كان قبل الحرب منزله، بجانب مرفق رياضي سابق تضرر بشدة، على بعد بضعة أمتار من الأنقاض المهجورة التي لا تزال تنتشر فيها بقايا لجثث بشرية لم تقم السلطات الحكومية برفعها وانتشالها من المكان.
اضطر حازم للاستقرار في خيمة نصبها خارج أنقاض منزله القديم، تمنح عائلته ظلًا في حرارة الصيف الحارقة. وزوجته كانت تقوم بغلي الماء على نار موقدة خارج الخيمة، وكان أطفالهم الصغار يلعبون داخلها.
وأكد التقرير على أنه ومنذ إعلان القوات الحكومية هزيمة تنظيم “داعش”، بالكاد تحسنت حياة السكان في مدينة الموصل القديمة بجهود ذاتية من الأهالي المحليين الذين عانوا الظلم من الأجهزة الأمنية الحكومية ومن مسلحي التنظيم على حد سواء. واستمرت معاناتهم مع حكومات الاحتلال المتعاقبة في بغداد التي تعاملهم كمواطنين من الدرجة الثانية، بحسب السكان الذين التقاهم مندوب قسم حقوق الإنسان.
ونوه على وجود مشكلة أخرى تهدد حياة القاطنين في المنطقة؛ حيث انتشار مخلفات الحرب والمقذوفات بأنواع وأحجام مختلفة المتروكة على الأرض في أنحاء المدينة، وهي مخلفات قابلة للانفجار في أي لحظة دون إنذار، ويمكنها إحداث كارثة في المكان الذي تنفجر فيه.
من جانبها؛ حذرت الأمم المتحدة في مناسبات عديدة من بقاء القنابل غير المنفجرة في الموصل لعقد من الزمن في جميع الأحوال، الأمر الذي يعرّض حياة أكثر من مليون مدني للخطر.
ويُعتقد أن معركة الموصل خلفت ما يقدر بأحد عشر مليون طن من الحطام والأنقاض، وأن ثلثي المخلفات القابلة للانفجار ما زالت مدفونة تحت الركام.
وعلى الرغم من مرور سنوات على استعادة الموصل بالكامل؛ ولكن خلال جولة سريعة في المدينة القديمة يمكن لأي شخص أن يجد الحطام والركام وبعض بقايا الجدران التي على وشك الانهيار الذي ما زال يملأ معظم أزقة المدينة القديمة، ويمكن رؤية أجزاء الجسم البشري المتحللة وسط أكوام الأنقاض التي خلفها القصف العشوائي للقوات الحكومية والغارات الجوية لقوات التحالف الدولي الذي استمر على مدى تسعة أشهر من حرب شَعْوَاء تعدّ أكثر الحروب دمارًا في العصر الحديث.
وفي هذا الصدد قال الدكتور أيمن العاني، مسؤول قسم حقوق الإنسان في الهيئة: “بعملية حسابية بسيطة لمجموع قِيَم الميزانيات الحكومية المخصصة والمنح والقروض التي قدمتها الدول المانحة لعمليات إعادة الإعمار في مدينة الموصل للسنوات الثلاث الماضية، نجد أنها تبلغ مجتمعة 800 مليون دولار أمريكي، ما يعادل أكثر من 1000 مليار دينار عراقي، ولكننا لم نجد أي أثر لهذه المبالغ الضخمة على أرض الواقع في الموصل، حيث لم تتجاوز نسبة إنجاز مشاريع إعادة الإعمار في المدينة بالكامل بشقيها الأيمن والأيسر 30% فقط خلال المدة نفسها، أي بواقع 10% سنويًا؛ الأمر الذي يفسر حجم الدمار الذي ما يزال يغمر الموصل، ويعكس عدم جدية الجهات الحكومية المعنية بإعادة إعمار المدينة وباقي المدن المنكوبة الأخرى، التي مضى على استعادة بعضها أكثر من 6 سنين”.
واستطاع قسم حقوق الإنسان أن يتواصل مع ذوي بعض ضحايا القصف في الموصل، الذين ما تزال جثثهم تحت أنقاض منازلهم ولم يتم انتشالها حتى اليوم، وسيقوم بنشرها قريبًا في تقرير خاص بهذا الشأن يتضمن أيضًا شهادات لذوي الضحايا الذين يعيشون مأساة مركبة بسبب عدم تمكنهم من دفن أقربائهم وأبنائهم الذين قضوا منذ سنين.