الإخوان والفخفاخ وأزمة تونسية مرتقبة
الأربعاء 29/أبريل/2020 - 01:55 ص
طباعة
حسام الحداد
بات واضحا تماما للشارع التونسي مواصلة "إخوان تونس" تسميم الحياة السياسية وزرع الألغام في طريق حكومة رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ عبر الابتزاز والمساومة التي تتضارب مع أبسط قواعد الأخلاق السياسية.
وبحسب مراقبين تونسيين فإن غرفة العمليات الإخوانية لم تتردد في السعي لمحاصرة الفخفاخ وابتزازه عبر التهديد بسحب الثقة برلمانيا في حال لم يستجب لرغباتهم الجامحة في التموقع داخل السلطة.
وقد أفضى ابتزاز حركة النهضة لحكومة الفخفاخ إلى تعيين قيادات إخوانية من الصف الأول هما عماد المحامي وأسامة بن سالم في الفريق الاستشاري لرئيس الوزراء.
هذه التعيينات المفاجئة، يرى فيها المراقبون أنها قد تفجر في الأيام المقبلة صراعا بين مختلف مكونات الائتلاف الحاكم، خاصة مع ارتفاع نبرة الخلاف بين حركة النهضة وحزب التيار الديمقراطي الرافض ضمنيا لهذه التعيينات.
وقد أثارت هذه التعيينات غضباً وانتقادات في الشارع التونسي، خصوصا وأنها جاءت في وقت تواجه فيه الدولة ضائقة مالية وصعوبات بسبب آثار أزمة فيروس كورونا. حيث تمثل هذه التعيينات المكلفة لخزينة الدولة التونسية، فضلا عن كونها إهدارا للمال العام ومحاولة من راشد الغنوشي لمحاصرة رئيس الحكومة عبر مستشاريه الخاصين، وفق المراقبين.
وتعهد الفخفاخ قبل استلامه مهامه بقيادة حكومة مصغرة تتناسب مع سياسة التقشف والحد من الإنفاق العام غير أن التعيينات الأخيرة لا تعكس هذا التوجه.
وقرر الفخفاخ ضم القياديين في حزب حركة النهضة:أسامة بن سالم نجل القيادي الراحل المنصف بن سالم، والقيادي الآخر عماد الحمامي، ما يعزز بذلك حضور حركة النهضة في قصر الحكومة علاوة على الحقائب الوزارية التي نالها الحزب.
وتلاحق ابن سالم الذي يدير «قناة الزيتونة» الدينية قضايا من قبل الهيئة المستقلة للاتصال السمعي والبصري بسبب خروقات للقانون بجانب شبهات بتهرب ضريبي تحوم حوله.
وقال الوزير المكلف بمكافحة الفساد محمد عبو إن رئيس الحكومة تلقى مراسلة من جهة رسمية بخصوص ابن سالم سيقع النظر فيها، وهيئة الاتصال ستراسل بدورها رئاسة الحكومة لنفس الغرض، قائلاً «رئيس الحكومة وفريقه ملتزمون بتطبيق القانون وحماية هيبة الدولة ولا حياد عن ذلك».
ومن جهة أخرى أوضح حزب «حركة تونس إلى الأمام» المعارض في بيان له الحركة إن هذه التعيينات وليدة محاصصات حزبية واتفاقيات أبرمت «بالمراكنة» بين رئيس الحكومة المكلّف وحركة النهضة على أن يرجأ الإعلان عنها بعد المصادقة على الحكومة.
واعتبرت حركة تونس إلى الأمام أن «مقولة حكومة محدودة العدد للضغط على المصاريف، لا تتعدى الوعود الزائفة التي ميزت عمل الحكومات المتعاقبة بعد 2011.
وقال البيان إن هذه التعيينات ما كانت لتطرح احتجاجات لو أنها كانت تعيينات مقياسها الكفاءة التي تحتاج إليها المرحلة، بعيداً عن تأثيرات حركة النهضة التي كانت المتحكمة في القرار والمؤثرة فيه».
وانتقد نقيب الصحفيين التونسيين ناجي البغوري عبر فيسبوك تعيين الإخواني بن سالم، مؤكدا أن قناته التلفزيونية "غير قانونية" عملت على تحدي الدولة، ما يجعل وضعه في المنصب الجديد تقليلا من مصداقية حكومة الفخفاخ.
من جانبه، اعتبر هشام السنوسي عضو الهيئة التونسية للاتصال السمعي البصري (هيئة مشرفة على الإعلام)، أن أسامة بن سالم صاحب قناة الزيتونة يتلقى أموالا مجهولة المصدر من الخارج، حسب تأكيدات البنك المركزي التونسي، ولا يملك النزاهة الكافية ليكون في الفريق الاستشاري للدولة.
ووصلت مجموعة الاتهامات الموجهة للمستشار الجديد للفخفاخ إلى حد تلقي أموال قطرية وتركية للقيام بتبييض الجماعات الإسلامية المتورطة في خدمة الإرهاب والقيام بالدعاية الإعلامية لحركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي، وفق السنوسي.
الانتقادات نفسها طالت تعيين عماد الحمامي الذي يمثل الصندوق الأسود للغنوشي، مستشارا لرئيس الحكومة في ظرف صعب تعيشه البلاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي، رغم أنه لا يملك حسب المتابعين الكفاءة اللازمة لتولي هذه الخطة.
في سياق متصل، يرى مراقبون أن إصرار إخوان تونس على تعيين اثنين من المستشارين في فريق الفخفاخ يهدف إلى رصد تحركات رئيس الحكومة بعد المصادقة على توسيع صلاحياته برلمانيا.
الكاتب السياسي محمد بوعود أكد أن وجود كل من عماد الحمامي (مدير حملة الغنوشي الانتخابية) وأسامة بن سالم إلى جانب الفخفاخ هدفه الضغط من قريب على سياسات الحكومة والعمل على غلق ملفات تكشف عن فساد بعض رجال الأعمال المرتبطين بحركة النهضة.
وأضاف بوعود لـ"العين الإخبارية" أن منسوب الثقة المنعدم بين الإخوان والفخفاخ، دفع الغنوشي إلى زرع أعضاده في مقر الحكومة حتى لا يقلب رئيس الوزراء موازين الحكم على فصائل الإسلام السياسي الموجودة في دواليب الدولة منذ سنة 2011.
واعتبر أن الدفع بتعيين بن سالم والحمامي في هذا التوقيت السياسي، لا تنفصل قراءته عن فلسفة الإخوان التاريخية المعتمدة على الاختراق والتمكين.
بدورهم عبر عدد من النشطاء القريبين من المطبخ الحكومي عن رفضهم وجود عناصر إخوانية، ذات تكوين عقائدي متشدد في الفريق الواسع للفخاخ.
ونبه غازي فلفال الناشط في حزب التيار الديمقراطي (22 مقعدا بالبرلمان) إلى عدم رضاه عن هذه التعيينات الجديدة التي جاءت حسب رأيه عن طريق "الابتزاز"، داعيا رئيس الحكومة إلى التراجع عن تعيين شخصيات تحوم حولهم شبهات فساد مؤكدة وشبهات دعم للإرهاب.
واختتم فلفال حديثه بتحذير إلياس الفخفاخ من أنه سيفقد ثقة الشعب التونسي في حال لم يضع حدا لمحاولات التغول الإخواني في مفاصل الدولة، معتبرا أنه إذا تواصلت هذه الضغوطات سيدفع بحزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب إلى الانسحاب من الائتلاف الحاكم والانضمام إلى المعارضة.