تسارع وتيرة انخفاض الليرة التركية.. هل يستمر هبوطها؟
السبت 18/ديسمبر/2021 - 12:47 م
طباعة
أميرة الشريف
سيطرت سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان علي تضاعف أزماته الاقتصادية، حيث تراجعت قيمة الليرة بنسبة 55 في المئة منذ بداية العام الحالي، بينها 37 في المئة خلال الايام الثلاثين الماضية، مما دفع الأتراك للتشكيك في قرارات الرئيس الذي كان حتى فترة قريبة، و تتسارع وتيرة انهيار الليرة التركية مع كل قرار يتخذه البنك المركزي التركي بخفض الفائدة على الليرة التركية حيث تراجع سعر الليرة الى أكثر من 17 ليرة مقابل الدولار يوم 17 ديسمبر الحالي.
وتجاوزت نسبة تراجع الليرة اليوم 8%، إلا أن تدخل المركزي حد من خسائر العملة لتستقر عند مستوى 16.3 ليرة مقابل الدولار.
تأتي خسائر الليرة الفادحة لهذا العام، في ظل ارتفاع التضخم بشكلٍ سريعٍ. وتجاوز معدل التضخم مستوى 21%، في البلد الذي يقطنه 84 مليون شخص، في ظل رفض الرئيس التركي رجب طيب إردوغان لرفع الفائدة، وهو الإجراء الذي يرى اقتصاديون أن من شأنه احتواء ارتفاع الأسعار، التي تؤدي بطبيعة الحال إلى تآكل القدرة الشرائية للعملة المحلية.
وهذه السياسة تتجاهل عاملاً آخر وهو أن تركيا تستورد نسبة كبيرة من المواد الأولية التي تدخل في إنتاج السلع التي تصدرها وهذه المستوردات هي بالعملة الصعبة وبالتالي تزداد كلفتها بالليرة التركية بسبب تدهور سعر الليرة.
وقال البنك المركزي في بيان له أنه تدخل بشكل مباشر في سوق العملات من خلال عمليات بيع الدولار الأمريكي وذلك بسبب ما وصفه بتشكيلات غير صحية في أسعار الصرف.
وتدخل البنك المركزي في سوق العملات مرات عدة خلال الأسبوعين الماضيين وباع دولارات لإبطاء تراجع الليرة مما أدى إلى تآكل احتياطياته الأجنبية المستنزفة أصلاً.
وقال رئيس غرفة صناعة اسطنبول يوم الجمعة 17 ديسمبر تعقيبا على تدهور الليرة التركية بنسبة 8 في المئة أنه يشعر بالدهشة من قيام المصرف المركزي بتخفيض سعر الفائدة ثم بيع احتياطاته من العملة الصعبة في اليوم التالي لمنع انهيار الليرة أكثر.
ويري مراقبون بأن هذا التراجع ينعكس بالسلب علي الأوضاع المعيشية للموطنين الأتراك الذين تأكلت مدخراتهم بفعل التضخم الذي بلغ 20 في المئة حسب البيانات الرسمية بينما يرجح العديد من الخبراء ان نسبتها الفعلية تتجاوز 50 في المئة حيث تغير المحلات التجارية أسعار المواد الغذائية الاساسية يوميا تقريباً.
وكانت ذكرت صحيفة "جمهوريات" المعارضة أن الطوابير تصطف امام اكشاك بيع الخبز التي افتتحتها بلدية اسطنبول حيث يباع بأسعار رخيصة بعد أن بلغ سعر الرغيب أكثر من 3 ليرات ونصف في بعض احياء المدينة.
ورغم أن الرئيس رجب طيب أردوغان أعلن عن رفع الحد الأدنى لراتب موظف الدولة بنسبة 50 في المئة العام المقبل ليبلغ 4250 ليرة تركية شهرياً ( 275 دولارا) لكن هذا الراتب هو فعلياً أقل مما كان قبل عام ( 380 دولاراً).
وستؤدي الزيادة التي تشمل نحو ستة ملايين من موظفي الدولة الى مزيد من التضخم وبالتالي تراجع الليرة التركية أكثر.
وفي وقت سابق اتهمت المعارضة التركية وزير المالية التركي السابق صهر أردوغان براءة البيراق بإهدار أكثر من 100 مليار دولار في سوق الصرف التركية بهدف المحافظة الليرة التركية دون أن يحقق نتائج تذكر.
ولم يتوقف المصرف المركزي التركي عن التدخل مجدداً في سوق الصرف لمنع انهيار الليرة عبر طرح مئات ملايين الدولار مما أثر سلباً على احتياطي البلاد من العملة الصعبة، فقد تدخل المصرف خمس مرات في سوق الصرف خلال الأسبوعين الماضيين وباع ما يعادل أكثر من 4 مليارات دولار من مخزونه المحدود من العملات الصعبة.
وجدير بالذكر أن انهيار الليرة التركية بدأ منذ عام 2016 حيث كان سعرها في بداية العام 2.92 مقابل الدولار وفقدت خلال ذلك العام 17 بالمئة من قيمتها لتبلغ في نهاية العام 3.53 ليرة مقابل الدولار وتراجعت أكثر في أوئل عام 2017 لتصل إلى 3.779 ليرة مقابل الدولار. واستمر تدهورها خلال الاعوام التالية لتصل يوم 17 ديسمبر الحالي إلى 17 ليرة مقابل الدولار وعادت واستقرت عند 16.3 ليرة.
و بحسب "وول ستريت جورنال"، أدت سياسة خفض أسعار الفائدة إلى انهيار قيمة الليرة، والتي أصبحت إلى حدٍّ كبيرٍ واحدةً من أسوأ الاستثمارات في العالم لهذا العام، وعندما تكون أسعار الفائدة أقل من معدل التضخم، يشعر رجال الأعمال والمستهلكون والمستثمرون الأجانب بالقلق، لأن هذا يعني تآكل القوة الشرائية.
الأسوأ من ذلك، أن العملة التي تضعف بسرعة يمكن أن تخلق دوامةً تضخّميةً مهلكةً، لأنها ترفع تكلفة الواردات الرئيسية مثل الغذاء والطاقة.
بالنظر إلى الوضع الراهن، نما التضخم في تركيا بنسبة 21.3% بالضبط في الشهر الماضي، مقارنةً بما كان عليه قبل عامٍ، وهذا المستوى أكثر بمقدار 7.3 نقطة مئوية عن معدل الفائدة المعلن يوم أمس الخميس.
ويرى مراقبون أن العام 2015 كان فاصلا بالنسبة للاقتصاد التركي، ففيه بدأ الاقتصاد يدخل مرحلة انكماش شديدة، أي بالضبط في نفس السنة التي غيّر فيها أردوغان طبيعة النظام السياسي في بلاده، من برلماني لرئاسي، ليتفرد بحكم البلاد، ويحول بلاده إلى دولة ساعية للهيمنة بالقوة على محيطها السياسي والجغرافي.
وتبعت حالات التمرد التركية على حلفائها التقليديين، سلسلة من عمليات الانخراط لأنقرة في القضايا الإقليمية والدولية، من سوريا مرورا بليبيا والعراق وأرمينيا وصولا إلى البلقان، عبر استخدام القوة العسكرية والهيمنة عبر حيل سياسية ونشر الميليشيات المتطرفة والمرتزقة، مما راكم من أتعاب الاقتصاد التركي الهش أساسا.
ويرجح مراقبون أن انهيار الليرة التركية وتفاقم الأزمة الاقتصادية يعود إلى سوء إدارة أردوغان لسياسة البلاد، سواء على المستوى الاقتصادي أو على مستوى سياساته الخارجية التي استجلبت لتركيا عداءات مجانية بسبب التدخل العسكري في أكثر من جبهة، ما تسبب في قلق المستثمرين ونفور بعضهم الآخر عن الاستثمار في تركيا وهو ما يعكس حتما تراجعا اقتصاديا حادا.
وتعرضت الليرة وهي أسوأ العملات أداء بين الأسواق الناشئة هذا العام لضربة جديدة ، حيث تعتمد تركيا على الدخل بالعملة الصعبة من السياحة لدعم عجز حسابها الجاري، وتخاطر بموسم ضائع آخر هذا العام في ظل فرض دول عدة قيودا على السفر، بسبب ارتفاع عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا.