مجموعة فاجنر.. تدخلاتها في مناطق النزاع وزيادة التوتر في القارة العجوز
الثلاثاء 21/ديسمبر/2021 - 10:45 ص
طباعة
حسام الحداد
كان أول ظهور لمجموعة فاجنر التي تشكل خطورة حاليا في قلب موازين النزاعات داخل القارة الافريقية، قبل ست سنوات إلى جانب الانفصاليين في أوكرانيا، ثم شاركت في الحرب السورية، والنزاع الدائر في ليبيا وفي جمهورية أفريقيا الوسطى، ومؤخرا بدأت تلعب دورا في مالي.
البدايات:
وحول البدايات فقد رصدت عناصر فاجنر للمرة الأولى في 2014 الى جانب الانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا. في تلك المنطقة حيث تنفي روسيا أي تواجد عسكري لها، ظهر هؤلاء المقاتلون المحترفون المجهزون بشكل جيد في صفوف المجموعات المتمردة التي تحارب السلطات الأوكرانية الموالية للغرب.
وعند التدخل الروسي في سوريا عام 2015 دعما للرئيس بشار الأسد، تم رصد وجودهم إلى جانب الجيش الروسي خصوصا في معارك كبرى مثل استعادة مدينة تدمر الأثرية.
ثم توسعت دائرة تحرك مجموعة فاجنر، لتشمل ليبيا حيث يعتقد أنهم يقاتلون إلى جانب قوات المشير خليفة حفتر، وأفريقيا الوسطى حيث ينشطون بين "مدربي" الجيش.
وتفيد معلومات عن ظهورهم في السودان وموزمبيق وفنزويلا، غير أن الأمر يقتصر على شكوك بدون ظهور أي أدلة رسمية عليها وتنفيها السلطات الروسية باستمرار.
وحسب وكالة تاس الرسمية فإن قائد عمليات مجموعة فاجنر هو ديمتري أوتكين، وليس هناك معلومات كثيرة حول هذا الرجل الخمسيني الذي كان ضابطا في الاستخبارات العسكرية الروسية كما أفيد.
في ديسمبر 2016 استقبله الكرملين في حفل تكريمي لـ"أبطال" سوريا. والتقطت صورة له مع الرئيس فلاديمير بوتين.
أما ممول المنظمة فهو رجل الأعمال يفجيني بريجوجين القريب من بوتين والذي جنى ثروته من ورش الترميم قبل أن يوقع عقودا عدة مع الجيش والإدارة الروسيين.
وهو مستهدف بعقوبات أميركية للاشتباه بضلوعه في التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية التي فاز فيها دونالد ترامب عام 2016. كما أنه ملاحق من قبل مكتب التحقيقات الفدرالي (إف بي آي) بتهمة "الاحتيال"، وقد نفى ذلك على الدوام.
الوجود القانوني:
ليس لمجموعة فاغنر أي وجود قانوني في روسيا حيث الشركات العسكرية الخاصة محظورة. لكن المجموعة تضم آلاف العناصر ولا سيما قدامى محاربين من الجيش أو أجهزة الأمن. يقول مركز كارنيغي موسكو إن مجموعة فاجنر هي في نهاية المطاف "السر المعروف في روسيا".
تقوم المجموعة بدورين: "تزويد الكرملين بفرصة للإنكار عند نشر مقاتلين في مناطق حرب" وتوفير "آلة جاهزة لتعزيز نفوذها لدى الدول التي تستقبلها".
لكن عمليات مجموعة فاجنر لا تتم بدون خسائر أو فضائح. ألقت أزمة بين روسيا وبيلاروس الضوء بشكل غير متوقع على هذه المنظمة في 2020 حين أعلنت مينسك عن اعتقال 33 "مرتزقة" من المجموعة.
وقالت هذه العناصر آنذاك إنهم كانوا يعبرون بيلاروس في طريقهم إلى دول أخرى مثل فنزويلا وليبيا وكوبا وتركيا وسوريا، وأحرج هذا الأمر موسكو التي تتفاوض على عودتهم بعيدا عن الأضواء إلى روسيا.
ويعتقد أن المجموعة منيت بخسائر كبرى في فبراير 2018 في سوريا خلال الضربات الأميركية على مقاتلين موالين للنظام كانوا يحاولون السيطرة على حقول نفط.
وفي السنة نفسها في إفريقيا الوسطى، قتل ثلاثة صحافيين روس كانوا يحققون حول أنشطة المجموعة. وأعلنت موسكو آنذاك أنهم وقعوا ضحية عصابات فيما قالت المعارضة الروسية إنهم ضحية كمين نصبه محترفون.
الوضع الحالي:
كشفت تقارير أوروبية عن خريطة انتشار مجموعة “فاجنر” الروسية، بمناطق في القارة الإفريقية، ودول محيطة بالمغرب، حيث يتواجد نحو ألف عنصر من "المرتزقة" في الجزائر، بالإضافة لتواجد ألف آخرين بموريتانيا، 3000 في مالي، وهو يشكل تضييقا من موسكو على توسع النفوذ الاقتصادي والسياسي للمغرب في افريقيا.
ونشر الاتحاد الأوروبي خريطة تظهر انتشار مرتزقة "فاجنر" الروسية في أفريقيا، وذلك عقب إصدار عقوبات على الشركة والمتعاونين معها من الدول والشخصيات.
ويطرح انتشار مجموعة “فاجنر” الروسية، في دول محيطة بالمغرب، تحديا لهذه الأخيرة، اذ يعتبر متتبعون، أن “وجود مرتزقة فاجنر” في مالي وغرب إفريقيا عموما، هو تحد جديد للمغرب والحلف الأنجلوساكسوني الذي يمثل المغرب أحد أطرافه في المنطقة”.
وكانت وسائل إعلام فرنسية قد اتهمت الجزائر بضلوعها في تمويل صفقة تجنيد مرتزقة “فاجنر”، حيث ذكر موقع “ألجيري بارت” أن الجزائر “وافقت على تمويل ما بين 50 في المئة إلى 70 في المئة من تكلفة صفقة جلب "فاجنر" إلى مالي”.
وفي ظل تزايد متاعب فرنسا، أطلت روسيا برأسها وباتت فاعلا رئيسيا في دولة إفريقيا الوسطى منذ 2016، عندما قررت فرنسا إنهاء وجودها العسكري في هذه الدولة، ضمن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار (مينوسكا).
وحققت موسكو، منذ 2019، اختراقات نوعية في مسرح النفوذ التقليدي الفرنسي، وهو دول الساحل، مستغلة انهيار صورة مهمة “برخان” الفرنسية. إذ لم تعد ذلك الشريك الموثوق في مكافحة الإرهاب.
العقوبات الأوروبية:
فرض الاتحاد الأوروبي، الاثنين 13 ديسمبر 2021، عقوبات على مجموعة فاجنر الروسية شبه العسكرية، وكذلك 8 أشخاص و3 شركات مرتبطة بها، بسبب "أعمال مزعزعة للاستقرار" نفذت في أوكرانيا وفي عدة دول إفريقية، بحسب ما أفادت عدة مصادر أوروبية.
ووافق على القرار بالإجماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي المجتمعون في بروكسل على أن يُنشر في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي حتى يدخل حيز التنفيذ.
وتتضمن العقوبات حظر تأشيرات للأشخاص المشمولين وتجميد أصولهم في الاتحاد الأوروبي إذا وجدت.
وقال دبلوماسي أوروبي إن "فاجنر شركة عسكرية روسية خاصة تستخدم لزعزعة الأمن في أوروبا وفي بلدان أخرى مجاورة، خاصة في إفريقيا".
كما وافق الوزراء الأوروبيون، على إطار قانوني يسمح لهم بفرض "عقوبات على أولئك الذين يعرقلون العملية الانتقالية في مالي".
الرد الروسي:
في رد فعلٍ عنيف على العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على قوات "فاغنر" الروسية -التي تنشط في أوكرانيا ومالي وإفريقيا الوسطى- وصفت وزارة الخارجية الروسية هذه العقوبات في 15 ديسمبر الجاري، بأنها ضربٌ من "الهيستيريا" التي تطبع تصرفات الغرب إزاء هذه المسألة.
وانتقدت الخارجية الروسية في بيان لها "الهيستيريا" التي انتشرت في الغرب حول هذا الموضوع، مشيرة إلى أن موسكو تحتفظ بحق الرد على الأعمال العدائية من جانب الاتحاد الأوروبي"، بحسب البيان.
وأبلغت الخارجية الروسية، بروكسل بأن العقوبات المفروضة على مجموعة "فاغنر" أو أي من المواطنين الروس تشبه التدخل في الشؤون الداخلية لروسيا، محذرة من أن هذه الإجراءات ستواجه بالانتقام.
وزراء خارجية أوروبا:
وفي هذا السياق أشار وزير خارجية ليتوانيا غابرييليوس لاندسبرغيس إلى أن العقوبات المطروحة على الطاولة اقتصادية ومالية"، مضيفًا أنه يجب أن تكون غير مسبوقة؛ لأن الرد هو أفضل وسيلة لتجنب اندلاع حرب، ويجب أن نكون مستعدين وأقوياء في ردِّنا، لأن روسيا استعدت للنزاع.
من جهته، شدد نظيره الإسباني خوسيه مانويل ألباريس على ضرورة الامتناع عن أي تحرك من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد التوترات، مشددًا على أن الأوروبيين يجب أن يكونوا موحدين، وواضحين وصارمين إزاء ممارسات روسيا، لا سيما وأن "هذه الشركة العسكرية الروسية الخاصة "فاجنر" تستخدم في أعمال مزعزعة للاستقرار في مناطق تنشط فيها في أوروبا وفي دول أخرى، خصوصا في إفريقيا".
أراء حول المجموعة:
يقول الخبير في العلاقات الدولية، طارق البرديسي، إن عدم التنسيق بين دول الساحل الإفريقي، تسبب في وجود حالة من الفراغ الأمني في هذه المنطقة، فضلًا عن حالة التخبط التي تعيشها مالي على وقع الإعلان الفرنسي عن إنهاء العملية العسكرية "برخان" في مالي العام المقبل.
وأضاف البرديسي، في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن هذه الحالة هي التي سمحت لوجود موضع قدم لعناصر مجموعة "فاغنر" الروسية في منطقة الساحل، في ظل انتشار التنظيمات الإرهابية مثل "داعش" والقاعدة في بلاد المغرب، فضلًا عن تواجد جماعة بوكو حرام.
فيما يقول الكاتب والمحلل السياسي من مالي عبد الله ميغا، إن إعلان فرنسا انتهاء عملية "برخان" لا يعني نهاية الوجود الفرنسي في منطقة الساحل بصفة عامة أو في مالي بصفة خاصة، ولكن هو إعادة تشكيل لاستراتيجية القوات الفرنسية المتواجدة في المنطقة، إلا أن السلطات في مالي أخذت طريقها في البحث عن بديل للقوات الفرنسية، ووجدت ضالتها في عناصر "فاغنر".
وتعاني منطقة الساحل الإفريقي من اتساع نطاق العمليات الإرهابية، حيث ذكرت دراسة نشرها مركز "فاروس" للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، أن منطقة الساحل الإفريقي من الأقاليم الإفريقية التي تعاني من التهديدات المتنامية للجماعات الإرهابية العابرة للحدود منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي.
وأضافت الدراسة أن الاتحاد الأوروبي يعد أحد الأطراف الفاعلة في مجال مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، بالإضافة إلى جهود الاتحاد في مكافحة الاتجار بالبشر والجريمة المنظمة العابرة للحدود في هذه المنطقة.
الموقف الأمريكي:
من جانبها، رحبت الولايات المتحدة بفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على مجموعة "فاجنر" وعلى ثمانية أشخاص وثلاث شركات مرتبطة بها؛ بسبب ممارساتها.
وقالت الخارجية الأميركية في بيان: "تؤكد هذه الإجراءات التزامنا المشترك بالاستجابة لأعمال هذه المنظمة المزعزعة للاستقرار في نزاعات إقليمية متعددة، بما في ذلك أوكرانيا وسوريا وإفريقيا الوسطى ومنطقة الساحل".
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد حذر المجموعة الروسية "فاجنر" من التدخّل في مالي، حيث دعا إلى انتقال للحكم المدني، وقال بلينكن، في تصريحات على هامش زيارته إلى السنغال، نهاية الشهر الماضي، إن الولايات المتحدة تساهم في جهود مع مالي والشركاء لدعم الاستقرار في البلد الإفريقي الذي يعيش حالة حرب.
وأضاف: "ولا يمكنني أن أضيف سوى أنه سيكون من المؤسف أن ينخرط عناصر خارجية قد تجعل الأمور أكثر صعوبة وتعقيدًا، وأفكر على وجه الخصوص بمجموعة فاغنر الروسية"، مشيرًا إلى أنه فور وصول حكومة منتخبة ديمقراطيًّا إلى السلطة، سيكون المجتمع الدولي مستعدًّا لدعم مالي.
وكان رئيس وزراء مالي، شوغل كوكالا مايغا، قد اتهم فرنسا بالتخلي عن بلاده في منتصف الطريق؛ نظرًا لسحبها قواتها ونهاية عملية "برخان" في منطقة الساحل الإفريقي، مُبديًا أسفه للإعلان الأحادي من جانب باريس، ومبررًا بحث بلاده عن شركاء آخرين بعد الانسحاب الفرنسي، بحسب ما ذكرت شبكة "رؤية" الإخبارية.
وأضاف كوكالا، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، أن الوضع الجديد الذي نشأ بسبب انتهاء مهمة "برخان"، والذي يضع مالي أمام أمر واقع ويعرضها لنوع من التخلي في منتصف الطريق، يقودها إلى استكشاف السبل والوسائل؛ لكي نضمن الأمن على نحو أفضل مع شركاء آخرين، في إشارة إلى الاستعانة بعناصر من مجموعة "فاجنر" الروسية.