الخطاب السلفي.. عندما تتحول المدرسة إلى عدو

الأحد 08/سبتمبر/2024 - 09:47 م
طباعة
 
كعادتي في التجول من حين لآخر بين صفحات موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك لمتابعة عدد من صفحات الحركات الإسلامية وقياداتها هالني منشور لأحد قيادات الدعوة السلفية بالإسكندرية كتب فيه: " احذر المدارس على الأبواب
لا تظن أن المدرسة ستربي ابنك..، فليس فيها مناهج لتربية الطلاب وتهذيبهم وتقويمهم وبثهم الآداب والأخلاق الإسلامية، هناك كيمياء وفيزياء ورياضيات وتاريخ وجغرافيا وإنجليزي..، نظرية فيثاغورس وحشائش السافانا والبنزين العطري، ولا يدرس نواقض الإسلام، ولا شروط الصلاة وأركانها وواجباتها وسننها ومبطلاتها، ولا تدرس البنت الفرق بين الحيض والاستحاضة، وغير ذلك من أحكام دينهم، وكثير من المدرسين قدوة سيئة، فلا تعتمد على المدرسة في تربية ابنك وتقويم سلوكه"
هذا التصريح الذي أطلقه أحد قيادات الدعوة السلفية يعكس بوضوح الفجوة التي تحاول الدعوة السلفية أن تخلقها بين التعليم الرسمي والدين. وفي سياق هذا الخطاب، يشير صاحب المنشور إلى أن المدرسة لا تقوم بدور تربوي ولا تُعلّم الطلبة القيم الدينية أو الأخلاق الإسلامية، ويقلل من أهمية المناهج التعليمية التي تركز على المواد العلمية مثل الكيمياء والفيزياء والتاريخ. كما يعبر عن انتقاد واضح للمدرسين، الذين يتم تقديمهم كقدوة سيئة في معظم الحالات.
تحليل الخطاب:
من الواضح أن هذا التصريح يعتمد على سردية تقليدية لدى الدعوة السلفية، التي تركز على تقديم العلوم الدينية كأولوية قصوى مقارنة بالعلوم الحديثة. ويدعو إلى نوع من التحفظ من التعليم الحكومي الرسمي، ويعزز الشعور بأن التربية الدينية هي مسؤولية الأسرة والمجتمع الديني، وليس المؤسسات التعليمية.
الخطاب يعتمد على الاستقطاب بين العلوم الدينية والدنيوية، حيث يتم التقليل من قيمة الأخيرة واعتبارها غير مهمة مقارنة بالدين. هذا النوع من الخطاب يؤدي إلى تعزيز النظرة الضيقة للتعليم وتهميش العلوم الضرورية لتطوير المجتمعات. كما أنه يحاول تشويه صورة المؤسسات التعليمية والمدرسين، مما يفتح المجال للتشكيك في كل ما تقدمه المدرسة من معارف، وربما يؤدي إلى تعزيز شعور العزلة والرفض تجاه العلم الحديث.
أثر هذا الخطاب على المجتمع:
الخطاب الصادر عن قيادات الدعوة السلفية التي تقلل من شأن التعليم الرسمي، وتركز على ضرورة تربية الأبناء حصريًا على العلوم الدينية، يمكن أن يكون له أثر مباشر على تنامي جماعات التطرف والإرهاب. هناك عدة نقاط يمكن من خلالها تحليل أثر هذا الخطاب على انتشار تلك الجماعات:
تعزيز الانعزال الفكري:
الخطاب السلفي المتطرف يدعو إلى الابتعاد عن المدارس الرسمية والمؤسسات التعليمية، مما يعزز الانعزال الفكري والرفض للتعليم العصري. هذا الانعزال يمكن أن يخلق بيئة مواتية لتبني الأفكار المتطرفة، حيث يتم تشكيل أفراد يرون في أنفسهم حراسًا للإيمان ورافضين للعالم الخارجي بما فيه من معارف وتطورات.
زرع فكرة عدم الثقة في المؤسسات الحكومية:
تقديم المدرسة كمكان غير قادر على تربية الأجيال أو تعليمهم القيم الصحيحة يولد عدم ثقة في المؤسسات الحكومية والتعليمية. هذا الشعور بعدم الثقة يمكن أن يتم استغلاله من قبل جماعات متطرفة تقدم نفسها كبديل للحكومة والمؤسسات، حيث تقدم خطابًا دينيًا مشددًا يربط الفساد المجتمعي بعدم التمسك الصارم بالدين.
استغلال الفجوات التربوية لتجنيد الشباب:
عندما يتلقى الشباب تعليمًا دينيًا مشددًا بعيدًا عن العلوم الحديثة والحياة المدنية، يصبحون فريسة سهلة لجماعات الإرهاب التي تستغل هذه الفجوات الفكرية لتجنيدهم. التفسير الضيق للدين، الذي يقدم من خلال خطاب كهذا، يمهد الطريق لتبني أفكار متطرفة تتعلق بالجهاد، التكفير، أو ضرورة تغيير المجتمع بالقوة.
خلق تصادم بين الدين والعلم:
إعطاء الأولوية للعلوم الدينية على حساب العلوم الحديثة يخلق تصادمًا بين الدين والعلم. هذا التصادم يمكن أن يؤدي إلى رفض العلم والحضارة الحديثة، مما يغذي مشاعر التطرف ويُدخل الشباب في إطار العداء للمجتمع المعاصر وللتكنولوجيا والتقدم. هذا المناخ الفكري هو بيئة مثالية لنمو الحركات الإرهابية التي تروج لفكرة أن العلمانية والتحديث هما أعداء الدين.
نشر الفكر التكفيري:
الخطاب الذي يركز على نواقض الإسلام ويصور المدرسة على أنها مكان يُغفل التعاليم الدينية يمكن أن يُغذي الفكر التكفيري. هذا الفكر يقوم على اعتبار أي شخص أو مؤسسة لا تتبع الفهم المتشدد للدين ككافر أو منحرف. وهذا التصنيف يسهم في نشر الكراهية والعنف تجاه الآخر، سواء كان فردًا أو مؤسسة، مما يفتح الباب أمام تصرفات إرهابية مبررة دينيًا من وجهة نظرهم.
تشجيع رفض الآخر وتكريس مفهوم العدو:
هذا الخطاب يعزز فكرة "نحن ضدهم"، سواء كان المقصود "هم" مؤسسات تعليمية أو مجتمعًا بأكمله. الجماعات الإرهابية تستفيد من هذه المشاعر لتعزيز فكرة أن المجتمع الخارجي أو الحكومات أو المؤسسات هم الأعداء الحقيقيون الذين يجب محاربتهم أو تدميرهم، مما يدفع أفراد المجتمع نحو العنف.
تسهيل استقطاب الشباب الهش:
الشباب الذين يتأثرون بهذا النوع من الخطاب يتعرضون لخطر أن يتم استقطابهم بسهولة من قبل الجماعات الإرهابية. عندما يتعرض الشاب لرسائل مفادها أن المجتمع والمدرسة فاسدان، وأن الخلاص يكمن في الرجوع إلى الدين بصورته المشددة، يصبح أكثر عرضة للانجراف نحو جماعات العنف التي تقدم حلولًا دينية مشوهة للصراعات الاجتماعية والسياسية.
أخيرا:
من المؤسف أن يتم تجاهل القيمة الكبيرة للعلوم الحديثة في بناء الحضارات وتطوير المجتمعات. تقديم الدين كبديل حصري عن العلوم هو تقليل من شأن كلا المجالين. كما أن اختزال التعليم في مجرد تربية دينية يقصي التطور الشامل للإنسان، الذي يحتاج إلى توازن بين العقل والإيمان.
هذا النوع من الخطاب المتطرف يؤدي إلى زرع الشكوك حول التعليم الحديث ويشجع على الفكر الانعزالي، وهو ما يتنافى مع متطلبات العصر الحديث الذي يحتاج إلى تكامل بين المعرفة الدينية والعلمية لبناء مجتمعات متقدمة ومستدامة.
هذا النوع من الخطاب السلفي المتشدد يسهم في خلق بيئة فكرية معزولة ومنغلقة تُنمي مشاعر التطرف والكراهية تجاه الآخر، سواء كان هذا الآخر هو المجتمع الحديث، المؤسسات التعليمية، أو أي شخص لا يتبنى نفس الرؤية الدينية الصارمة. الخطاب الذي يروج لعزل الأجيال عن التعليم الحديث يمكن أن يمهد الطريق لتبني أفكار متطرفة، ويزيد من احتمالية الانضمام لجماعات الإرهاب التي تستغل هذه الفجوات الفكرية لتجنيد الأفراد واستغلالهم في تنفيذ أعمال عنف وإرهاب.

شارك