خبير ألماني لدويتشه فيله: "ليبيا تدمر نفسها بنفسها"
الأربعاء 03/ديسمبر/2014 - 01:50 م
طباعة
بعد ثلاث سنوات من سقوط نظام القذافي، بدت الدولة الليبية مهددة أكثر من أي وقت مضى بالانهيار التام، في ظل جمود العملية السياسية ووجود جماعات جهادية متناحرة وميليشيات متنافسة، وسط تنامي الفكر المتطرف.
السيد ديتمان، يبدو أن ليبيا تغرق في الفوضى. ما قراءتك للوضع الحالي في البلاد؟
أندرياس ديتمان: كنا حتى قبل أشهر من الآن نناقش وضع ليبيا من زاوية عما إذا كانت في طريقها لتكون "دولة فاشلة" أم أنها أصبحت "دولة فاشلة" بالفعل. وللأسف تمت الإجابة على هذا السؤال بشكل سلبي، فالدولة الليبية غير موجودة حاليا، عدا على الخارطة السياسية فقط، فيما لا تجد مؤسساتها نفسها قادرة على أداء وظائفها.
ما الذي يحدث في ليبيا بالضبط؟
ليبيا تواجه عدة أزمات في آن واحد، فالأزمة الأولى تتمثل بالعلاقة المتأزمة المزمنة بين شرق البلاد وغربها، أي العلاقة بين طرابلس والجزء الشرقي، إضافة إلى ذلك هناك أزمة أخرى تتمثل بالقيم الدينية، فالمناطق الشرقية من البلاد تلتزم بقيم إسلامية أو يتم توجيهها إسلاميا، فيما تعم المناطق الغربية مفاهيم علمانية.
وبالتوازي مع خطوط هذه الأزمة تظهر أزمات أخرى؟
هناك في ليبيا معارضة إسلامية قديمة تعود جذورها إلى عهد الاحتلال الإيطالي. في ذلك الوقت كان يطلق على تلك المعارضة تسمية "المقاتلين الأحرار المتدينين". أما اليوم فنطلق على تلك الحركة تسمية "الإسلامية". فمعظم أفراد هذه الحركة ينحدرون بشكل أساسي من المناطق الشرقية من ليبيا. وكان القذافي يعتبر هذه الحركة طيلة فترة حكمه من أخطر معارضيه. ورغم أن القذافي قد أدخل بنودا من الشريعة حيز التنفيذ وأصدر قوانين إسلامية، إلا أن ذلك لم يشفي غليل الإسلاميين المتشددين. وهذا التباين الأيديولوجي في التوجه ظل قائما على طول الخطوط الفاصلة بين المناطق الشرقية والغربية حتى بعد الثورة.
ولكن اليوم أصبحت الأزمات أكثر تعقيدا!
نعم؛ وذلك لأن القيادات السابقة لا تحظى اليوم باحترام الشباب الذين أصبحوا أكثر راديكالية في تدينهم. يفضل الشباب إتباع تنظيم "الدولة الإسلامية" والذي يحمل تلك الأيديولوجية التي ذكرناها في اسمه: فهم يسعون إلى إقامة سلطة إسلامية دون حدود جغرافية. والكثير منهم قاتل في سوريا والعراق في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية". فهم يحلمون بتحقيق حلم "الخلافة" على الأرض الليبية. فهي إذن أزمة دينية وسياسية بالإضافة إلى أنها أزمة بين الأجيال في نفس الوقت. فالدين يلعب دورا مهما بالنسبة للشباب، وهو لا يمثل لهم مجرد غطاء تختبئ خلفه مصالح أخرى.
يتردد في التقارير الإعلامية أن أنصار نظام العقيد القذافي يتحالفون مع الجهاديين. فهل هذا صحيح؟
الشيء نفسه يحدث في العراق أيضا، حيث انضم أتباع صدام حسين إلى تنظيم "الدولة الإسلامية". لكنهم لا يفعلون ذلك لأسباب تتعلق بقناعات إيديولوجية. يستغل أتباع النظامين السابقين في العراق وليبيا الفوضى التي عمت بسبب انهيار الدولتين لتحقيق مصالحهم. وكلا النظامين، نظام صدام حسين ونظام القذافي، كانا يعتبران المعارضة الإسلامية من ألد أعدائهما. واليوم يعمل أعداء الأمس جنبا إلى جنب في كلا البلدين. إنها تحالفات مصالح مؤقتة والهدف المشترك بين الجماعتين يتمثل في منع ظهور دولة ديمقراطية وفق النموذج الغربي.
كيف تنظر إلى مستقبل البلد؟ هل يمكن لليبيا أن تتوجه يوما ما نحو مستقبل زاهر؟
في الحقيقة تتوفر في ليبيا وبشكل جيد كل المستلزمات الأساسية للتنمية. وهي البلد الوحيد من بين دول الربيع العربي الست التي تملك أفضل الشروط والمستلزمات لتحقيق مستقبل زاهر. فعدد سكان البلاد قليل نسبيا، لا يتعدى ستة ملايين نسمة. كما أن ليبيا تملك احتياطا نفطيا سيستمر في التدفق لأكثر من ستة عقود قادمة. بيد أن الدولة، في واقع الأمر، لا تمارس إلا وظائف متواضعة جدا، بل وفقدت السيطرة تماما على أجزاء من البلاد كالمناطق الجنوبية مثلا. أما المؤسسة العسكرية فقد ضعفت هي الأخرى أو أصبحت أسيرة الصراع مع الميليشيات. في وقت بات فيه الجيش منشغلا بالتوتر بين الجزء الشرقي والغربي من البلاد ما يكلفه الكثير من الطاقة والجهد. أما الوظائف الأخرى للدولة، مثل التعليم وتوفير الخدمات الصحية فهي مهملة بشكل كبير. كما قامت الميليشيات بتجميد العملية السياسية بعد انتخابات ديمقراطية، بما في ذلك منع الرئيس من تولي مهامه، فإذا كانت هذه الميلشيات غير راضية على نتائج الانتخابات، فإنها ترفض الاعتراف بها مع محاولتها فرض إرادتها وتصوراتها بقوة السلاح.
وهذا يعني أن ليبيا تفشل نفسها بنفسها؟
نعم، وبالتأكيد فعلت بعض العوامل الخارجية فعلها أيضا، فقد تم إسقاط نظام القذافي نسبيا بسرعة، لكن الأخطاء الحالية في البلاد هي صناعة ليبية بحتة وهي مسئولية ليبية بحتة أيضا. ونظرا للتطور الراهن في ليبيا فلا يمكن تحميل الظروف الخارجية مسئولية التطورات في البلاد، على الأقل حاليا، فالليبيون يدمرون بلدهم بأنفسهم.