حمادي الجبالي.. الإخواني "الطاغية" ينسحب من "حركة النهضة"
السبت 13/ديسمبر/2014 - 12:19 م
طباعة
أعلن حمادي الجبالي رئيس الحكومة التونسية الأسبق، الأمين العام السابق لحركة النهضة الإخوانية، مساء أول أمس الخميس 11 ديسمبر 2014، انسحابه من الحركة، وقال إنه سيتفرغ للدفاع عن الحريات في ظل مخاوف من عودة الاستبداد، بحسب تعبيره.
بداية الانشقاق وتحذير من مخاطر "ردة"
قدم حمادي الجبالي استقالته من الأمانة العامة لحركة النهضة في فبراير 2014 .
وقال الجبالي 65 عاما في بيان إنه لم يعد يجد نفسه في خيارات حركة النهضة في المجالات التنظيمية والسياسية والاستراتيجية.
وأضاف أنه قرر الانسحاب من الحركة التي انضم إليها منذ سبعينيات القرن الماضي حتى لا يحمل غيره مسئولية مواقفه، ولا يتحمل هو تبعات قرارات وخيارات لم يعد يتفق معها.
وفي البيان الذي أصدره الخميس، ذكر الجبالي أنه سيتفرغ للدفاع عن الحريات والانتصار للقيم التي من أجلها قامت الثورة، وفي مقدمتها احترام وإنفاذ دستور تونس الجديد.
وقال الجبالي: إن المشروع الديمقراطي في تونس يواجه اليوم تحديات كبيرة، كما يواجه مخاطر "ردة داخلية وخارجية" وضعت الشعب التونسي وقياداته أمام خيارين، هما: مواصلة النضال لاستكمال الثورة، أو الاستسلام الذي يؤدي إلى انتكاسة تعيد منظومة الاستبداد والفساد.
وحذر من أن عودة المنظمة السابقة سيصيب الشباب بيأس قد يدفعه إلى العنف.
وقد حذرت أحزابٌ وساسة بارزون بينهم المرزوقي من "تغول" حزب "نداء تونس" الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة، ومن احتمال سعيه للاستبداد بالسلطة، وهو ما ينفيه الحزب.
حمادي الجبالي
ولد الجبالي في سوسة بتونس سنة 1949 والتحق بكلية الهندسة في جامعة تونس، ثم انتقل منها إلى جامعة باريس حتى بات مهندسا أولا في الطاقة الشمسية.
حصّل على شهادة الهندسة الميكانيكية من جامعة تونس، ثمّ على ماجستير في الطاقة الضوئية الجهدية من باريس.
أسّس في سوسة شركة مختصة في الطاقة الشمسية والطاقة الريحية... متزوج وله ثلاث بنات.
انضمامه للحركة واعتقاله
التحق بمؤسسات حركة النهضة التونسية وخاصة المؤتمر ومجلس الشورى منذ بداية الثمانينيات 1981.
تعرض لحملات اعتقالات كثيرة والتي شنها الحبيب بورقيبة ضد الإسلاميين في تونس، عرف في الحياة السياسية التونسية بعد اعتقال القيادة التاريخية لـ"حركة الاتجاه الإسلامي" ومحاكمتها سنة 1981.
نشاطاته واعتقاله
عقب انضمامه لحركة النهضة، بدأ يبرز اسمه على الساحة السياسية، حيث تولى خلال هذه الفترة إدارة شئون الحركة رفقة المهندس علي العُرَيِّض، ثم انتخبه مجلس شورى الحركة عام 1982 رئيسا لحركة الاتجاه الإسلامي التي تولى قيادتها حتى عام 1984 تاريخ إطلاق قياداتها، ليصبح الجبالي عضوا في عدد من هياكلها مثل المكتب التنفيذي والمكتب السياسي ومجلس الشورى.
تولى الجبالي في نهاية الثمانينيات رئاسة تحرير جريدة الفجر الناطقة باسم الحركة، لكنه حوكم في 1990 على خلفية نشر مقالات كتبها نشطاء الحركة، ورأى نظام زين العابدين بن علي آنذاك، أنها تنال من مؤسسات الدولة وتحرض على العصيان.
في عام 1990 حوكم الجبالي مجددا مع قيادات حركة النهضة بتهمة الانتماء إلى جمعية غير مرخصة ومحاولة قلب نظام الحكم، وحكم عليه بـ16 سنة سجنا نافذة.
وقضى الجبالي أكثر من 15 سنة في السجن منها 10 سنوات في الحبس الانفرادي، وخاض خلال عام 2002 إضرابا عن الطعام احتجاجا على ظروف سجنه، ثم أطلق سراحه في فبراير 2006.
الخلافة الراشدة
أثار حمادي الجبالي انتقادات العلمانيين وأحزاب تونسية أخرى عندما تحدث في خطاب جماهيري في سوسة عن "خلافة راشدة سادسة"، وأوضح لاحقا أنه يقصد البعد الحضاري للخلافة وليس الخلافة بكل أبعادها، وقال: "استعارة كلمة الخلافة الراشدة المقصود منه الاستلهام القيمي لتراثنا السياسي وحضارة المجتمع التونسي الذي ننتمي إليه ونعتز به، والمشبع بمبادئ العدل والصدق والحرية والأمانة".
وقد قال في خطابه: "يا إخواني أنتم الآن أمام لحظة تاريخية، أمام لحظة ربانية في دورة حضارية جديدة إن شاء الله في الخلافة الراشدة السادسة إن شاء الله، مسئولية كبيرة أمامنا والشعب قدم لنا ثقته، ليس لنحكم لكن لنخدمه".
مواقفه من المتشددين
في وقت سابق، وأثناء توليه رئاسة الوزراء، قال الجبالي: إن صبر التونسيين قد نفد في ظل نشر الإسلاميين المتشددين للعنف في البلاد، وإن السلطات ستتعامل بحزم مع مثل هذه المجموعات التي تعتقد أن الله أوكلها لتطهير المجتمع.
والتصريحات التي أدلى به الجبالي كانت أقوى تحذيرا لجماعات سلفية متشددة هاجم بعض أفرادها مراكز للشرطة ومواقع أخرى.
وتأتي التصريحات في أعقاب انتقادات أن حكومته آنذاك، متساهلة في التعامل مع المتشددين.
أثناء الثورة التونيسية
عقب الثورة التونسية التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي في يناير 2011 أصبحت حركة النهضة حزبا قانونيا وتم تعيين الجبالي أمينا عاما للحركة.
وإثر فوز حركة النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي في 23 أكتوبر 2011- أعلنت الحركة أنها تقترح حمادي الجبالي لرئاسة الحكومة المقرر تشكيلها بعد تولي المجلس التأسيسي مهامه.
رئاسة الحكومة
كلفه الرئيس المؤقت المنتخب المنصف المرزوقي برئاسة للوزراء في 13 ديسمبر 2011 .
وكانت حركة النهضة قد فازت بأغلبية المقاعد بانتخابات المجلس الوطني التأسيسي 2011.
وقدم استقالته يوم 19 فبراير 2013 من رئاسة الحكومة، بعد رفض الأغلبية المتمثلة في حركة النهضة والمؤتمر من أجل الجمهورية مبادرته بتشكيل حكومة تكنوقراط.
اعتراضه على سياسة الحركة
خلال الفترة الماضية، والتي شهدت حركة النهضة، فيها عدة تطورات وبالأخص أثناء الانتخابات البرلمانية، والتي فاز فيها حزب نداء تونس على النهضة، وكذلك الرئاسية- كل هذه التغيرات أحدثت "خلخلة" داخل الحركة، بداية من القيادات وحتى السياسة التي اتبعتها الحركة؛ الأمر الذي رفضه الجبالي وجعله يعلن انسحابه، حيث إنه سبق وتقدم باستقالته من الحركة في مارس الماضي، ولكن الحركة لم تُبْدِ موافقتها على الاستقالة في نفس الوقت، والجدير بالذكر أن الجبالي كان معترضا على بعض سياسات الحركة، كوقوفها على الحياد في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة التي تنافس فيها الرئيس الحالي منصف المرزوقي 69 عاما ومرشح حزب نداء تونس الباجي قائد السبسي 88 عاما، واحتمال دخولها في تحالف حكومي مع حزب السبسي.
وهناك تقديرات تفيد بأن نسبة كبيرة من أنصار حركة النهضة منحت أصواتها في الجولة الأولى للمرزوقي، وستعيد الكرة في جولة الإعادة يوم 21 ديسمبر الحالي.
يذكر أن الجبالي استقال من رئاسة الحكومة إثر اغتيال المعارض اليساري البارز شكري بلعيد في فبراير 2013، وحل محله في الأمانة العامة للنهضة رئيس الحكومة السابق النائب في البرلمان الحالي علي العريّض.
ويرى مراقبون أن استقالة حمادي الجبالي كانت متوقعة، خصوصا بعد انسحاب الجبالي منذ فترة من منصب الأمانة العامة للحركة ومقاطعته لأنشطتها الداخلية والعلنية، إضافة إلى اتخاذه مواقف وتصريحات مختلفة عن سياسات قيادة الحركة، من ذلك مثلا دعمه العلني للمرشح للرئاسة المنصف المرزوقي.
كما رأى محللون أن خطوة الجبالي تدل على حجم الانقسام في حركة النهضة التي تعرضت لانتكاسات سياسية وانتخابية عديدة في الأشهر الماضية، كما قد تؤشر إلى إمكانية انبثاق تجربة سياسية إسلامية جديدة من رحم أحزاب قائمة، كما جرى في تركيا قبل سنوات.
موقف الحركة من انسحاب الجبالي
فور تقديم استقالته، أكد الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، زياد العذاري، أن الحركة "ستحاول ثني القيادي حمادي الجبالي عن قرار استقالته، إيمانا منها بقدرته على تقديم الإضافة داخل حركة النهضة وعلى المساهمة في إنجاح المسار الانتقالي في تونس".
وقال العذاري: "إن الحركة تلقت ببالغ الأسف بيان انسحاب الجبالي، باعتبار مكانته الخاصة داخلها وتاريخه النضالي وأدواره الهامة صلبها، سواء قبل الثورة أو بعدها"، مبينا أن النهضة "ستتحاور معه حول خلفيات هذا القرار في أقرب الآجال وستحاول إقناعه بالتراجع عن قراره".
كما أقر بوجود ما وصفه بـ "الاختلافات" داخل حركة النهضة، معتبرا ذلك "أمرا طبيعيا ومطلوبا لإثراء المشهد السياسي والحزبي".
وأشار زياد العذاري إلى أن كافة أعضاء الحركة، حريصون على صيانة وحفظ العلاقات الأخوية التي تربطهم بحمادي الجبالي وعلى عودته إلى صفوفها.