«القاعدة».. ورحلة الأفول
الإثنين 15/ديسمبر/2014 - 11:35 م
طباعة
تتوالى الضربات الموجعة على تنظيم القاعدة الإرهابي، فخلال الأيام الماضية نجحت القوات الباكستانية في قتل السعودي عدنان شكري جمعة قائد العمليات الخارجية في التنظيم، وبعدها بيوم وفي غارة جوية قُتل الباكستاني عمر فاروق الملقب بـ «الاستاذ» المسئول الاعلامي للتنظيم في منطقة جنوب وشرق آسيا.
تصفية رموز وقيادات ميدانية للقاعدة، تمثل أحد ملامح أزمة التنظيم تلك الأزمة التي تسارعت وتيرتها في الأشهر الأخيرة، مع اعلان ابوبكر البغدادي الدولة الإسلامية في العراق والشام، عقب مرحلة من الخلافات والتلاسنات والمواجهات العسكرية مع فكر القاعدة ورؤاها والمليشيات التي تدين لها بالولاء «جبهة النصرة»، لتصبح «داعش» الفكرة والقيادة والمشروع «دولة الخلافة الإسلامية».. الأكثر جاذبية و«إلهاماً» لأنصار الأفكار الجهادية الراديكالية، ساعدها على ذلك تلك المقدرات الهائلة ماليا وعسكريا وإعلاميا، التي بحوزتها، مما دفع فروع اقليمية مرتبطة بالقاعدة لاعلان مبايعتها لداعش (أهمها فرع القاعدة في المغرب العربي)..
أزمة خسارات القاعدة بدأت عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، عندما جاء الرد السريع والقاسي بالهجوم الذي شنته أمريكا وحلفاؤها في اكتوبر 2001 على طالبان ومعاقل القاعدة في افغانستان لتسقط «كابول» في 13 نوفمبر 2001، ليبدأ بعدها عصر «الشتات» بخروج قيادات وعناصر القاعدة من افغانستان «الملاذ الآمن»، وتبدأ حملة عسكرية واستخباراتية لاصطياد قادة ومقاتلي التنظيم على مستوى العالم.. كانت ذروتها قتل الزعيم التاريخي للقاعدة اسامة بن لادن في مايو 2011.
بغياب الزعيم التاريخي للقاعدة اسامة بن لادن، غاب عن التنظيم القائد الملهم والمطاع، وغاب الطابع القيادي النخبوي المركزي.. أي تفككت القيادة.
كانت القاعدة في ظل قيادة أسامة بن لادن تتميز بوجود قيادة مركزية، قيادة تاريخية- من المؤسسين الأوائل- وزعيم يتمتع «بكاريزمة» ومصداقية، وسجل شخصي حافل، عكس خليفته «الظواهري".. فهو قائد غير ملهم، تاريخه «الجهادي» و«الفكري» يحوي الكثير من الثقوب، فلم يعرف عنه تمييزاً أو دراية أو مهارة عسكرية عملياتية، وسجله كقائد ميداني يشير إلى فشل وإخفاق، يمكن التذكير بسلسلة العمليات الإرهابية الفاشلة التي نفذها تنظيم الجهاد المصري في آواخر التسعينيات من القرن الماضي بتعليمات من الظواهري في مصر، والتي كان مصيرها الفشل الذريع والقبض على المئات من العناصر الجهادية، وسبق ذلك– في السجل الشخص للظواهري– وقت أن كان قيادياً في تنظيم الجهاد المصري– اعترافاته التفصيلية لأجهزة الأمن المصرية والتي قادت للقبض على قيادات التنظيم الهاربين وقتها، بالإضافة لذلك ما تردد في أوساط الجهاديين المصريين من أن أغلب الكتابات والمؤلفات الممهورة باسم الظواهري، ليست من تأليفه، أو في أحسن الأحوال هناك من شاركه في صياغتها.. وتبقى أبرز الثقوب في ثوب الظواهري، ما كان منه – وقت تواجد قيادات القاعدة في السودان في منتصف تسعينيات القرن العشرين، حيث أمر بقتل صبي صغير – ابن أحد كوادر القاعدة – بحجة أن الصبي عميل للأجهزة الأمنية المصرية..
وبتولى الظواهري قيادة التنظيم وفي محاولة منه لاستعادة النفوذ والهيبة الغائبان داخل التنظيم وخارجه.. والتي بدأت تتصدع منذ الخروج من أفغانستان في 2001- سعى الظواهري لتوسيع دائرة الجماعات المنطوية تحت لواء القاعدة، فقبل تنظيم حركة شباب المجاهدين الصومالية وكان أسامة رافضا لقبولها.. وفي سعيه لتوسيع دائرة «الجهاد» تراجع عن إستراتيجية محاربة العدو البعيد (أمريكا والغرب) وحاول المزاوجة بين قتال العدو البعيد والعدو القريب (الأنظمة الحاكمة العربية والمسلمة).. طموح الظواهري في أن تكون القاعدة موجودة على أرض الواقع ومؤثرة في الأحداث.. ومن هنا جاء الفشل – فشل الظواهري في الإبقاء على هيبة قيادة القاعدة الأم.. فالجماعات والتنظيمات التي انتسبت للقاعدة والتي شرعت في الجهاد ضد الأنظمة في المنطقة، سعت لقدر من الاستقلالية– كقادة فرعيين في الميدان- ومن هنا جاء النزوع للاستقلال والانفصال.. وتبلورت هذه النزعة «الاستقلالية» وتجلت بشكل واضح في انسلاخ «داعش» وتمردها على القاعدة الأم.
وهكذا تضافرت العوامل الذاتية والموضوعية لتصنع «أزمة القاعدة» أو بمعنى آخر تمهد طريق الخسارات ورحلة الأفول..