زينب الغزالي.. من الاتحاد النسائي إلى جماعة الإخوان
الثلاثاء 02/يناير/2024 - 10:30 ص
طباعة
حسام الحداد
ولدت زينب محمد الغزالي الجبيلي في 2 يناير 1919 في قرية ميت يعيش مركز ميت غمر محافظة الدقهلية ، وكان والدها من علماء الأزهر، وكان يسميها "نسيبة بنت كعب" تيمنا بالصحابية الجليلة "نسيبة".
عائشة التيمورية
بعد وفاة والدها وهي في العاشرة من عمرها، انتقلت مع أمها وإخوتها للعيش في القاهرة، وكافحت من أجل إكمال تعليمها رغم اعتراض أخيها الأكبر، وقرأت في صغرها للأديبة عائشة التيمورية وتأثرت بها. تعرفت زينب الغزالي على الاتحاد النسائي الذي كانت ترأسه هدى شعراوي وتوثقت العلاقة بينهما، وأصبحت من أعضاء الاتحاد البارزات.
في تلك الفترة خاضت مناظرات ومجادلات مع عدد من الأزهريين المناهضين للاتحاد النسائي ذي التوجهات التحررية، وطالب بعض الأزهريين بمنعها من الوعظ في المساجد، لكن الشيخ محمد سليمان النجار - أحد علماء الأزهر ومدير الوعظ- رفض هذا الطلب، وفتح حوارا هادئا مع زينب الغزالي استطاع من خلاله أن يهز قناعتها بكثير من الأفكار التي يتبناها الاتحاد النسائي.
نشأتها:
كان جدها تاجرا شهيرا للقطن ووالدها من علماء الأزهر الشريف وكان يعمل أيضًا تاجرًا للقطن، ووالدتها من عائلة كبيرة في قرية (ميت يعيش) مركز (ميت غمر) محافظة (الدقهلية)، ولدت السيدة زينب الغزالي في الثاني من يناير سنة 1919م، توفي والدها في سن مبكرة سنة 1928م، وكان عمرها آنذاك حوالي أحد عشر عامًا.
ترسخت في نفسها الكثير من الصفات التي كان والدها يحرص على أن يغرسها فيها لتكون داعية إسلامية، حيث كان يأخذها لصلاة الفجر ويحثها على أداء الصلوات في أوقاتها، ويقول لها:
لا تلعبي مع أقرانك فأنت السيدة زينب، كان يناديها نسيبة تيمنا بالصحابية الجليلة نسيبة بنت كعب المازنية الأنصارية..
التي تزينت باثني عشر وساما ما بين طعنة وضربة سيف تلقتها يوم أحد حين ثبتت مع النبي عليه الصلاة السلام في ساعة تراجع من حوله الناس.
وكأن الوالد يؤهلها لما تخبئه لها الأيام فيصنع لها سيفا من خشب، ويخط لها دائرة على الأرض بالطباشير، ويقول لها قفي واضربي أعداء رسول الله.
فكانت تقف وسط الدائرة تضرب يمينا وشمالا من الأمام والخلف ثم يسألها كم قتلت من أعداء رسول الله وأعداء الإسلام؟.. فتجيب المجاهدة الصغيرة:
واحدا، فيقول لها اضربي ثانية فتسدد الصغيرة طعناتها في الهواء وهي تقول: اثنين.. ثلاثة.. أربعة..!
دراستها:
عبد المجيد اللبان
درست زينب الغزالي في المدارس الحكومية وتلقت علوم الدين على يد مشايخ من الأزهر ، فبعد وفاة والدها انتقلت مع والدتها إلى القاهرة للعيش مع إخوتها الذين يدرسون ويعملون هناك ولم يوافق أخوها الأكبر محمد على تعليمها رغم إلحاح زينب وإصرارها.
وكان يقول لوالدته: إن زينب قد علمها والدها الجرأة، وألا تستمع إلا لصوتها ولعقلها.. ويكفيها ما تعلمته في القرية.
وكانت والدتها ترى أن عليها طاعة أخيها، لأنه بمثابة الوالد. لكن الله قيض لها أخاها عليا وهو الأخ الثاني الذي رأى أن تعليمها سوف يقوم أفكارها ويصوب رؤيتها للأشياء والناس..
واقتنى لها الكتب. وأهمها كتاب لعائشة التيمورية عن المرأة. حفظت زينب أكثر مقاطعه. لكنها لم تكتف بالكتب والقراءة الحرة.
واستطاعت الالتحاق بمدرسة مسائية للطالبات وأجرى لها مدير المدرسة اختبارا اجتازته انتقلت بعده إلى الصف الأول وبعد شهرين من انتظامها في الدراسة أجرى لها اختبارا ألحقها على إثره بالفصل التالي. وهكذا درست زينب في المدارس الحكومية لكنها لم تكتف بذلك. فأخذت تتلقى علوم الدين على يد مشايخ من الأزهر منهم عبد المجيد اللبان ومحمد سليمان النجار رئيس قسم الوعظ والإرشاد بالأزهر. والشيخ علي محفوظ من هيئة كبار العلماء بالأزهر. وبهذا جمعت زينب بين العلوم المدرسية الحديثة والتقليدية القائمة على الأخذ المباشر من الشيوخ.
الاتحاد النسائي:
بعد حصولها على الثانوية طالعت في إحدى الصحف أن الاتحاد النسائي الذي تزعمته في تلك الآونة هدي شعراوي ينظم بعثة إلى فرنسا تتكون من ثلاث طالبات، فتوجهت إلى مقر الاتحاد والتقت هدى شعراوي وعلى الفور سجلتها في جمعيتها، وهكذا انضمت للاتحاد النسائي والذي كان وقتها صوتا عاليا يطالب المجتمع بحقوق المرأة وأظهرت هدي شعراوي ترحيبها بها .
فزينب خطيبة مفوهة تلقت الخطابة والإلقاء عن والدها، وراحت تقدمها لرواد الجمعية وتطلب منها أن تخطب فيهن. وكانت ترى فيها خليفتها للاتحاد النسائي. وسرعان ما وجدت زينب اسمها على رأس البعثة التي تمنتها لكن الله أراد لها غير ذلك.
فبعد شهر من إعلان البعثة تحدد موعد سفر أعضائها. وذات يوم رأت والدها في منامها يطلب منها عدم السفر إلى فرنسا ويقول لها:
إن الله سيعوضك في مصر خيرا مما ستجنينه من البعثة. فقالت له: كيف؟ قال: سترين.. ولكن لا تسافري لأنني لست راضيا عن سفرك. وكأن روح الوالد الحنون تتسلل من عالمها الغيبي لتحنو على القلب الصغير الغرير. تنير له الدرب، وتجنبه عثرات الطريق!
وسرعان ما اعتذرت زينب عن عدم الذهاب وحل الذهول بهدى شعراوي التي كانت زينب أملا من آمالها. وتعدها لتكون إحدى العضوات البارزات في الاتحاد النسائي. وعندما قصت عليها زينب الرؤيا التي رأت. قالت لها:
إن من الأحلام ما يتحقق ومنها ما لا يتحقق. لا تضيعي الفرصة من يدك يا زينب. واحتضنتها وهي تبكي. ولكن زينب أصرت على موقفها الجديد وقالت: ما دام والدي قد أمرني فلن أخالف أمره.
وقد خاضت في سنوات حياتها الأولى نقاشات كثيرة ضد الأزهر من أجل الاتحاد النسائي تكافح ببسالة لنيل حقوق المرأة مؤمنة بكل الشعارات التي نادى بها الاتحاد النسائي. إلا أنها لم تخرج عن قناعاتها الإسلامية بأن يكون هذا التحرر ضمن الإطار الإسلامي. وقد لفت هذا الأمر نظر علماء الأزهر وشعروا أن هذه الخطيبة المفوهة مبهورة بشعارات حقوق المرأة ضمن الاتحاد النسائي بما لديها من مقدرة على إقناع الطرف الآخر بوجهة نظرها.
حينها أراد أحد علماء الأزهر وهو الشيخ محمد النجار مناقشتها ليوضح لها بعض الأمور الدينية التي كانت تجهلها. فتفتحت عيناها على الكثير من القضايا التي رأتها صواباً ضمن الاتحاد النسائي .
وباتت تعرف موقف الإسلام منها حين حرر الإسلام كرامة المرأة قبل أن يحرر حقوقها المادية، وصان عفتها في عالمه المشرق وقت كان الغرب لا يعرف للمرأة قدراً ولا قيمة. فعرفت زينب أن الإسلام هو طريق الخلاص بالمرأة لنيل حقوقها.
الالتحاق بالإخوان:
بعد تعرضها لحادث منزلي (حريق) وإشرافها على الموت، أخذت عهدا إن شفاها الله أن تترك الاتحاد النسائي، وتؤسس جمعية للسيدات المسلمات لنشر الدعوة الإسلامية، فتم لها الشفاء، وكان ذلك بداية للتحول الكبير في حياتها، فأسست هذه الجمعية سنة 1937 والتي استطاعت أن تستقطب في وقت قصير نخبة من سيدات المجتمع.
بدأت صلتها بجماعة الإخوان المسلمين بعد تأسيس جمعيتها بأقل من عام، واقترح عليها حسن البنا مؤسس الجماعة ضم جمعيتها إلى الإخوان وأن ترأس قسم الأخوات المسلمات في الجماعة، لكنها رفضت في البداية ثم عادت إلى التنسيق مع الإخوان بعد عام 1948 وأصبحت عضوة في الإخوان المسلمين، وكلفها البنا بدور مهم في الوساطة بين جماعة الإخوان والزعيم الوفدي مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر حينها، كما لعبت دورا مهما في تقديم الدعم والمساندة لأسر الإخوان المعتقلين بعد أزمة 1954 مع قادة ثورة يوليو 1952.
في عهد الثورة رفضت مقابلة الرئيس جمال عبد الناصر، ورفضت أن تخضع جمعيتها "السيدات المسلمات" لإشراف الاتحاد الاشتراكي، فصدر قرار حكومي بحل الجمعية ثم اعتقلت في أغسطس 1965 وسجنت 6 سنوات وقامت بتسجيل مرحلة اعتقالها في كتابها "أيام من حياتي". توسط الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز للإفراج عنها فتم له ذلك في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
نشر الدعوة:
بعدها توجهت زينب الغزالي إلى عدد من الدول العربية والإسلامية في رحلات دعوية، وكان لها إسهامات بارزة في الصحافة الإسلامية، كما زارت الجبهة الأفغانية أثناء الجهاد ضد الاحتلال السوفيتي في الثمانينيات أكثر من مرة، ولها عدد من الكتب منها: "نحو بعث جديد" و"نظرات في كتاب الله". لزينب الغزالي رؤية لمستقبل المرأة المسلمة. وترى أن تطوير العالم الإسلامي وتحديثه يجب أن يتم أيضا عبر المرأة، كما أن النهضة بالمجتمع "تبدأ وتنتهي عندها".
وقد زارت المملكة العربية السعودية 60 مرة، وأدت فريضة الحج 39 مرة، واعتمرت 100 مرة، وزارت الكثير من الدول العربية والإسلامية لنشر الدعوة الإسلامية ، ولإلقاء المحاضرات الدينية في الدعوة إلى الله تعالى . وقد أمضت في حقل الدعوة 53 سنة أكثر من نصف القرن التقيت فيه بكل رجال الدعوة الكبار . وتأثرت بشخصيات كثيرة منهم : حسن البنا، هو الأكثر تأثيرا في نفسها وضميرها ، وحسن الهضيبي.
مؤلفاتها:
أيام من حياتي
نظرات في كتاب الله
نحو بعث جديد
إلى ابنتي
أشهر كتبها:
يعتبر كتاب "أيام من حياتي" من وجهة نظر جماعة الإخوان وحلفائهم وثيقة هامة وسجلا تاريخيا لحقبة تاريخيه مهمة للدعوة الإسلامية، وفيه تفاصيل وأحداث حدثت في فترة ما بين (1964 إلى 1971) ووثق فيه أيضا أسماء بعض رواد الدعوة الإسلامية الذين أسهموا في بقاء بعض التشريعات الإسلامية التي ظلت غائبة حتى وقتنا الحاضر.
كانت الكاتبة حاضرة في عرضها لموضوع كتابها وذلك لأنها تكتب سيرة حياتها وقد أبرزت الكاتبة هدفهـــا في النص بصورة مباشرة في مقدمة الكتاب وفي الكتاب صور لمواقف الثبات على المبدأ والدين الإسلامي في حياة الدعاة المعاصرين، ويتراوح أسلوبها بين الحوار والسرد.
وكانت تطمح أن تكون أول امرأة تكتب تفسير القرآن، وبالفعل نجحت في ذلك وظهر المجلد الأول واستقبل استقبالاً حسنًا، وكتبت عنه كثير من الصحف والمجلات.
وفاتها:
توفيت زينب الغزالي، يوم الأربعاء 3 أغسطس 2005 في القاهرة عن عمر يناهز 88 عاما بعد أن أمضت نحو 53 عاما في حقل الدعوة الإسلامية عبر أنحاء عديدة من العالم الإسلامي. وتم تشييع جنازتها يوم الخميس 4 أغسطس 2005 في مسجد رابعة العدوية بحي مدينة نصر (شرق القاهرة).