المتشددون المحدثون
الأربعاء 12/مارس/2014 - 03:26 م
طباعة
اسم الكتاب: المتشددون المحدثون .... دراسة لحركات إسلامية معاصرة
اسم الباحث : سهير لطفي
إشراف: الدكتور أحمد خليفة
دار النشر: الهيئة العامة المصرية للكتاب
سنة النشر: 2013
التشدد ظاهرة موجودة في كل الأديان السماوية وغير السماوية، وهو نمط المغالون لأتباع هذه الديانات، وكل منهم يأخذ شكل مختلف، فمنهم من يكون مغرقا في التدين وممارسة المناسك دون محاولة فرض شكل تدينه على الآخرين، ومنهم من ينطق بالفكرة وينشرها ويحشد لها أتباع وأنصار له، ويخرج ليدعو بها الناس لتطبيقها والعمل بها ، أما النوع الأخير من يرى في نفسه القائم بشرع الدين والحامي له، ومحاولة معاقبة كل من يخالف ذلك، والنمطين الأخيرين هما من يشكلون تهديدا على مجتمعاتهم حال لجؤهم إلى تطبيق ما يؤمنون به وفرضه بالقوة الجبرية ومعاقبة من يخالف أفكارهم.
الدين الإسلامي لم يكن بعيدا عن وجود المتشددين والمتطرفين، بل قد يكون من أكثر الأديان التي ولدت جماعات متطرفة، نتيجة لتواجده وانتشاره في العديد من البيئات والمجتمعات، التي تحمل طابعها الثقافي عن البيئة التي نزل فيها، وهو الأمر الذي ساعد في خلق جماعات كل همها تطبيق الإسلام وشرائعه بالشكل الذي نزل عليه بغض النظر للاختلاف الثقافي للمجتمعات التي دخل فيها أو التطور الذي طرأ على الحياة البشرية، وهو ما تحاول الدراسة توضيحه من خلال دراسة مقارنة بين جماعتي الفنية العسكرية والتكفير والهجرة، وإلقاء الضوء على أوجه التشابه والاختلاف بين الجماعتين ايدلوجيا وعمليا، وذلك بعد مقابلة عدد من المنتمين إلى الجماعتين، لتحليل دوافعهما وقواسمهما المشتركة.
الدراسة تقع في 460 صفحة من جزأين يضم كل جزأ فيهما فصلين، الجزء الأول دراسة حالة وتحليل للجماعتين، أما الجزء الثاني فهو المنظور القيمي لأفكار الجماعتين، وفيه يتم عرض آراء عدد من المحللين لظهور تلك الجماعات، الدراسة أعدتها الدكتورة سهير لطفي، الباحثة بالمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، وأشرف عليها الدكتور أحمد خليفة رئيس المركز آنذاك، وهي دراسة حالة للجماعتين، اهتم بها المركز في فترة السبعينيات والثمانينيات، وتقع في جزأين كبيرين، نستعرض فيهما الجزء الأول منه والذي أعادت نشره الهيئة العامة للكتاب العام الماضي، في وعي من القائمين على الهيئة بأهمية الدراسة، خاصة في ظل تنامي صعود حركات الإسلام السياسي، والتي عادت مجددا إلى الحياة السياسية والاجتماعية بقوة عقب ثورة 25 يناير.
شكري مصطفى
في الفصل الأول من الدراسة تستعرض فيه الباحثة حالة تنظيم الفنية العسكرية، والذي ظهر في بداية السبعينيات، وحكم على المتهمين فيها ما بين الاعدام والمؤبد في عام 1977، البحث يستعرض أيديولوجية الجماعة والتي تقوم على أساس كرههم للدنيا ومتاعها، ويتجه فكرهم إلى إقامة دولة إسلامية وإلا تحقيق الإسلام بأنفسهم، لأنهم من وجهة نظرهم "أن المشكلة اليوم لا تنحصر في عرض الإسلام ولكن المشكلة الحقيقية هي: هل المجتمع والسلطة اليوم يطبقان الإسلام؟".
وتتابع الدراسة من خلال استبيان أفكار عدد من المبحوثين والذين تم سجنهم في نهاية السبعينيات، وعلى رأسهم أمير التنظيم، عدد من أفكار الجماعة والتي حددت لها سلفا تيارات فكرية معادية لفكرة المجتمع الإسلامي وقيمه، خاصة وأن السلطة في المجتمع المصري اتخذت من الأفكار الفرعونية والماسونية والعلمانية نهجا ومرجعا لها، وأن هناك اتجاها لإرجاع الفكر المصري إلى جذوره الفرعونية الوثنية المعادية للإسلام، في الوقت الذي أصبح فيه الفكر العلماني ينتشر في محيط الشباب الناشئ الذي يبحث عن لقمة العيش. وتنحصر حياته كلها في المشاكل الدنيوية.
ويفند فكر تنظيم الفنية العسكرية مفهوم القومية على أنه أن الإسلام لا يخصص جنسا ولا وطنا ولا قومية، وبالتالي فلا حدود للوطن في مقابل الدولة الإسلامية، واعتبر التنظيم أن "الأمير حسن البنا هو أول من رفع راية الاسلام بصدق في مصر المعاصرة"، وإن كانت لديهم بعض التحفظات على دوره في التاريخ كدخوله حرب فلسطين تحت شعار القومية ووسط تيارات عالمية "غير مناسبة".ص47
ولذلك كانت أهداف التنظيم هي إعلاء كلمة الله في الأرض، معتمدين في ذلك على الكتاب والسنة مع الاستعانة بالاجتهاد عندما لا يوجد نص، بحيث تكون المرجعية على فكر الإخوان المسلمين وكتابات أبو الأعلى المودودي، وذلك لإقامة مجتمع مسلم يحكم بشرع الله ولا يحيد عنه، فيذكرون أن هدف جماعة الفنية العسكرية حدد في خمسة أهداف – هي نفس أهداف جماعة الإخوان المسلمون الإرهابية – الله غايتهم، والرسول صل الله عليه وسلم قدوتهم، والقرآن والسنة دستورهم، والجهاد في سبيل الله هو سبيلهم، والموت في سبيل الله هو أسمى أمانيهم.
اهتمت الدراسة بموقف وآراء بعض المنتمين إلى التنظيم تجاه بعض القضايا العامة منها دور الشيعة في منطقة الشرق الأوسط، والذي رآه التنظيم على أن إيران تعد الشرارة الحقيقية لانطلاق الاسلام انطلاقا كليا، وأن أنظمة الحكم في المنطقة منزعجة من هذه الحركة وخاصة الحكومة المصرية.
سيد قطب
الدراسة اهتمت أيضا برأي التنظيم في لأحزاب السياسية والعقائدية، فيرى التنظيم أن جميع الأحزاب كافرة من حيث إنه لا حزب إلا حزب الله – حزب المسلمين أو المؤمنين، أما الأحزاب العقائدية كالشيوعية والبعث والقوميين العرب وما إلى ذلك من أحزاب لها برامجها الخاصة المخالفة لمبادئ الإسلام، فهي كافرة، وكذلك الحال مع الجمعيات العقائدية، والمدارس السلفية التي تمارس الحياة على غير ما يراه الإسلام.
أما عن أسباب لجوء التنظيم إلى العنف من وجهة نظر الأعضاء والتي وقعت عليهم الدراسة، هو فقدان الحوار والمناقشة بـ"القرآن والسنة"، بالإضافة غلى وجود هيئات دينية "حكومية" ينحصر دورها في "تزييف" مفاهيم الإسلام، والدعوة إليه من وجهة نظر السلطة، وتشير الدراسة لاتفاق المبحوثين فيما يرون هم أنها أسباب فهي من وجهة نظر الدراسة تبريرات لاستخدام العنف، أن "وجود الشباب المسلم في بيئة منحرفة عن الإسلام هو الذي ولد غضبهم، وبدافع من غيرتهم على الدين قاموا لمقاومة هذا الانحراف، كما أن ظروف المجتمع بعد نكسة عام 1967 أدت إلى ظهور كثير من الحركات الدينية، حيث ظهر ضعف الدولة وبدأ الناس يعتقدون أن أحد أسباب النكسة غضب الله عليهم وابتعادهم عن الدين الإسلامي، واتخاذ المنهج الاشتراكي نهجا سياسيا وانتاجيا في الحياة، كذلك ظهور الفتنة الطائفية وازدياد الحركات التبشيرية، كل هذه عوامل أدت غلى ظهور هذه الجماعات فاستقطبت بعض العناصر من الشباب وطالبت بالدولة الإسلامية".ص51
تناولت الدراسة الشكل الهيكلي للتنظيم والخلايا المنبثقة منه، حيث تكون التنظيم من ثلاثة مجموعة كبيرة ولكل مجموعة أمير يتلقى الأوامر والتعليمات من الأمير العام للجماعة لتوصيلها إلى أمراء الخلايا، فكانت هناك مجموعة الإسكندرية وأميرها طلال الأنصاري، ومجموعة القاهرة وأميرها حسن الهلاوي، ومجموعة الكلية الفنية العسكرية وأميرها كارم الأناضولي، وكان الأمير العام للجماعة هو الدكتور صالح سرية، التنظيم رغم حداثة نشأته كان شديد التعقيد، حيث تكون من العديد من الخلايا السرية، وتتكون كل خلية من ستة أفراد، لها أمير يبايعه الأعضاء على السمع والطاعة، وللحفاظ على السرية فلم يكن مسموحا لأي عضو من أعضاء التنظيم معرفة أكثر من أعضاء الخلية التي ينتمي إليها، ولكل عضو في التنظيم اسم حركي – ويتم الاتصال بين كل خلية وأخرى عبر قادة الخلايا المنقسمين أيضاً إلى خلايا، لا يعرف كل عضو بها إلا الأعضاء الذين يتصل بهم، أما عن قواعد التنظيم أنه إذا ما جند شخص آخر فإنه لا يبوح للآخرين بذلك.
استراتيجية وتكتيك الحركة كان هدف جماعة الفنية هو إقامة المجتمع الإسلامي فاتخذت الجماعة من العنف وسيلة لتحقيق هذا الهدف فقامت بعملية الاستيلاء على مبنى الكلية الفنية العسكرية لتستجيب السلطة لمطالبهم في إقامة المجتمع الإسلامي. ويبرر المبحوثون ما حدث بأنه نتيجة لظروف المجتمع في ذلك الوقت، والذي عجل بجماعة الفنية إلى استخدام العنف لإقامة المجتمع الإسلامي وأن ما حدث ما هو إلا غضبة لله.
رصدت الدراسة عدد من السمات التي امتاز بها التنظيم حيث أن عددا كبيرا من أعضاءه من الشباب، والقلة القليلة منهم قد تجاوزت هذه المرحلة، وأن غالبيتهم من الطلبة الملتحقين بمراحل التعليم الجامعي والعسكري، وأن عددا قليلا منهم ملتحقون بمراحل التعليم العالي من المتفوقين علميا، واستخلصت الدراسة أن تنظيم الفنية العسكرية واحدا من الجماعات الدينية المعاصرة التي وصل فيها العنف الديني إلى أقصاه، حيث ذهب ضحية هذا العنف نحو أربعة عشر فردا غالبيتهم من طلبة وحرس الكلية الفنية العسكرية.ص54
في الفصل الثاني من الدراسة فكانت دراسة تحليلية لجماعة المسلمين والمعروفة باسم "جماعة التكفير والهجرة"، والتي أنشأها الشيخ علي إسماعيل وشكري مصطفى في نهاية الستينيات، والتي خرجت إلى حيز التنفيذ بعد الإفراج عن الأخير من المعتقل في أوائل السبعينيات، وتختلف التكفير والهجرة عن تنظيم الفنية العسكرية في أنها أكثر تطرفا وحدة تجاه المجتمع ككل، فالمجتمع كافر من وجهة نظرهم ما لم يطبق "شرع الله"، حتى وإن كان مجتمعا مسلما.
وسلطت الدراسة الضوء على الأسس الفكرية لهذه الجماعة، حيث أنهم يرون أن الخضوع والإذعان لله بالقلب والجوارح، ولا يكفى لكي يعد المرء مسلما أو ما يشابه ذلك من الألفاظ "أن يسلم بصحة الأوامر والنواهي ولا يجحدها، فالتسليم بذلك أو إقراره ما هو إلا ضرورة عقلية وبديهية لبلوغ الغاية المنشودة من الخلق، ألا وهي عبادة الله حق عبادته، وليس مجرد الإقرار بوجوب تلك العبادة"، وتقوم الباحثة لطفي بشرح لاحق لمعنى العبادة المقصودة لدى الجماعة قائلة :"هي عبادة الله وحده دون شريك، والعبادة هي الطاعة ومن ثم فإن الشرك يكون مقصورا بأن يشرك بالله في الطاعة.. وتعد طاعة غير الله في معصية شركا".
ومن هذا المنطلق أقرت جماعة المسلمين بعدم شرعية الدستور الدائم للبلاد، وحجتهم أن الدستور ينص على أن الشعب مصدر السلطات، والله هو مصدر السلطة والحكم، وفقا لمنهج الحاكمية التي تعتمد عليه الجماعات الجهادية والتكفيرية بشكل عام، وأن الدستور غير مستنبط من الشريعة الإسلامية، ولهذا وجب أن يكون الحكم بكتاب الله وسنة رسوله.
ومن هذه النتيجة جاء المبدأ الثاني للجماعة وهو عدم إطاعة من يحكم بغير ما أنزل الله، خاصة إذا كانت طاعة غير الله فيما لم يأمر به الله إشراكا في الطاعة فهي شرك في العبادة فيخرج من يطيعه فيها من دائرة الإسلام ليندرج تحت وصف الكافر.
وترى الجماعة أن الدولة أباحت ما حرمه الله من ربا وإقرارها للفوائد، كما أباحت شرب الخمر واحتساء البيرة رغم أنها من المسكرات والمحرمة بالنص القرآني، كما أن الدولة تقاعست عن إقامة الحدود الخاصة بالزنا والسرقة، وإعطاءها للمرأة من الحريات ما لم يعطها الله، ومن الحقوق ما لم يقررها لها الله. فذلك يؤدي إلى القول بـ"كفر الدولة ومن ثم الخروج عن طاعة ولي الأمر فيها وعدم إطاعته خوفا من الوقوع تحت طائلة الكفر".ص132
أما موقف الجماعتين من الدولة كان واضحا، فالدولة كافرة ولكن في أدبيات الجماعة لم تذهب أي منهما على أن العنف هو وسيلة التعامل مع الدولة الكافرة.
وتشير نتائج الدراسة للباحثة أن العنف لم يكن من مبادئ الجماعتين في حد ذاته، وإنما لجأوا إليه نتيجة لعدد من العوامل كانت من صنع الظروف الاضطرارية، مستشهدة بذلك أن جماعة التكفير والهجرة حددت أسلوبها مواجهتها للدولة الكافرة، ورأت أن الاسلوب هو الهجرة من حيث إنها تعد نفسها من المستضعفين في الأرض، ومن الواضح أن هذا الأسلوب غير أسلوب المواجهة العنيفة.
في حين برر أعضاء تنظيم الفنية العسكرية استخدام العنف الذي وقعت فيه – لا على أساس من مبدأ العنف في حد ذاته، ولكنه بسبب "حمية الشباب الذي يؤمن بدينه، ويراه أولى في ممارسة الحياة من القوانين الوضعية". ص87