وسط تلويح بالعقوبات.. تشرذم "فجر ليبيا" يدفع إلى ضبابية المواقف

الأحد 18/يناير/2015 - 01:30 م
طباعة وسط تلويح بالعقوبات..
 
لا تزال الصراعات في ليبيا مستمرة، بين أطراف النزاع، المتمثلة في السلطة الحالية والميليشيات المتوغلة على الأراضي الليبية؛ ففي طبرق تقاتل قوات اللواء خليفة حفتر المتمثلة في جيش "الكرامة" والتي تنتمي إلى الحكومة المعترف بها دوليًّا بقيادة عبدالله الثني، بينما تقاتل في طرابلس ميليشيات فجر ليبيا التي تنتمي إلى الحكومة الموازية بقيادة عمر الحاسي المحسوب على جماعة الإخوان، وبين هذا وذاك تتنامى العمليات الإرهابية في مناطق مختلفة على غرار الصراعات السلطوية بين الطرفين في طبرق وطرابلس.
وسط تلويح بالعقوبات..
على الرغم من أن ميليشيات الإخوان فجر ليبيا، أعلنت وقف إطلاق النار وتجميد القتال في بيان لها أول أمس الجمعة، فإنها تراجعت اليوم وفاجأت أهالي جنوب العجيلات غرب العاصمة طرابلس، بقصف عنيف بالمدفعية وصواريخ غراد، ويعد ذلك إصرارا على استمرار العمليات الإرهابية التي تقوم بها الميليشيات.
من جانب آخر بدأت الصراعات الداخلية، وسط عناصر فجر ليبيا، تظهر مجددا عقب الانشقاقات التي شهدتها الشهر الماضي، وذلك من خلال تباين مواقفهم وعدم الاتفاق على آراء موحدة، فضلا عن تعدد القيادات داخل التنظيم؛ الأمر الذي يؤكد على تفكك التنظيم بالكامل في القريب العاجل.
الجدير بالذكر أنه منذ أغسطس من العام الماضي، وميليشيات "فجر ليبيا" تسيطر على العاصمة طرابلس، بعد معارك مع القوات الحكومية، حيث إن هذا التنظيم يضم العديد من المقاتلين، يتحدر معظمهم من مدينة مصراتة 200 كلم شرق العاصمة.
وأسهمت سيطرة فجر ليبيا على طرابلس في إحياء المؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته في العاصمة الليبية، الذي شكل حكومة موازية، لكن المؤتمر والحكومة لم يلقيا أي اعترافات دولية.
كما شكلت فجر ليبيا غرفة عمليات باسم "الشروق" تقدمت بها منذ مطلع ديسمبر الماضي شرق البلاد، بهدف السيطرة على منطقة "الهلال النفطي" بين بنغازي وسرت، حيث تتركز أهم الثروات النفطية بالبلاد، في حرب أدت إلى تراجع حاد في الإنتاج النفطي الليبي.
وكانت محاولات من الأمم المتحدة لإجراء الحوار الليبي في جينيف، قد بدأت الأربعاء الماضي بين ممثلين عن فصائل ليبية مختلفة، برعاية الأمم المتحدة، حيث يسعى الوسيط الدولي، برناردينو ليون، إلى تقريب وجهات النظر بين مندوبين عن البرلمان المعترف به دوليا، وخصومهم من المؤتمر الوطني.
ويتوقع خبراء أن يعلن أتباع جماعة فجر ليبيا، التي تسيطر على العاصمة طرابلس ومناطق شاسعة من غربي ليبيا، عن قرارهم النهائي بالمشاركة في الحوار من عدمها، اليوم الأحد المقبل، ولكن بعد التراجع واستمرار القتال قد يؤدي ذلك إلى فشل ذريع للحوار الليبي.
برناردينو ليون
برناردينو ليون
وكان ليون قد قال، الأربعاء: إن المحادثات التي ترعاها المنظمة الدولية في جنيف بين الفصائل الليبية المتنافسة تهدف للتوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة وحدة وطنية.
وأضاف برناردينو ليون في مؤتمر صحفي بجنيف: "نقترح اتفاقا ونقترح حكومة وحدة جديدة لبدء حل خلافاتهم السياسية، مضيفًا أن الهدف الثاني هو وقف القتال، قائلا: أنا متأكد أنكم جميعا تعرفون أن ليبيا تنزلق بقوة إلى الفوضى".
ومن المقرر أن تجمع المحادثات مندوبين من الحكومة المعلنة من جانب واحد التي سيطرت على العاصمة طرابلس العام الماضي ومن حكومة رئيس الوزراء عبد الله الثني المعترف بها دوليا، وأيضا من الفصائل المسلحة المتحالفة مع الإدارتين المتنافستين.
من جانبها أكدت مصادر عسكرية أن الجيش الليبي يخوض معارك عنيفة ضد الميليشيات بمنطقة العجيلات في السوينية ورويس الطفلة وأم شويشة باستخدام الدبابات والمدفعية، مشيرا إلى أن الميليشيات بدأت بالتقهقر والرجوع إلى أوكارها بعد تكبدها خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد.
قال أهالي منطقة العجيلات: إن أفراد الميليشيات إثر اضطرارهم للتقهقر بسبب الرد العنيف من جانب الجيش نفذوا عمليات سطو ونهب في منازل الأهالي، موضحين أن سلاح الجو دمر عددا من الآليات، واستطاع تشتيت تجمع بين منطقة سرت وبن جواد.
وكان المتحدث باسم جماعة درع الوسطى المسلحة، التي تتخذ من مصراتة قاعدة لها، أحمد هدية، قال: إن جماعة فجر ليبيا، والجماعات المتحالفة معها، أعلنت وقف إطلاق النار؛ لفتح ممرات آمنة وإدخال مساعدات لمختلف مناطق الصراع، بعد الجولة الأولى من الحوار في جنيف، عادت قوات فجر ليبيا، لتنفي ما قاله أحمد هدية، في دليل واضح على حجم الخلاف بين الميليشيات المسلحة.
وقال المكتب الإعلامي لـ"فجر ليبيا" في بيان: إن "البيانات العسكرية تصدر فقط عن القائد الأعلى للقوات المسلحة أو الناطق الرسمي باسمها"، موضحة أن "فجر ليبيا ليس لديها أي ناطق رسمي منذ السيطرة على العاصمة طرابلس"، مما يعني غياب التنسيق بن هذه الجماعات. 
وسط تلويح بالعقوبات..
يقول مراقبون: إن الخلافات بين الجماعات المسلحة، تعود إلى غياب المرجعية الموحدة، وعدم توفر معظمها على تكوين عسكري أكاديمي، إضافة إلى تحكم الولاءات التقليدية، مثل الجهوية والقبلية، في نشاط هذه الجماعات.
مراقبون أكدوا أن الميليشيات المسلحة التي تقاتل الجيش الليبي، لها مرجعيات فكرية وسياسية مختلفة، كما تختلف دوافعها في محاربة الدولة باختلاف هذه المرجعيات، ففي حين تقاتل جماعات الإسلام السياسي، من أجل السيطرة على الحكم، تقاتل جماعات أخرى بدافع الانتقام من عناصر كانت جزءا من المشهد الليبي، إبان حكم القذافي.
وأرجع المراقبون، الخلافات بين الميليشيات المسلحة، إلى عدم توافر مواصفات الرجل العسكري وأن معظم عناصر هذه الجماعات لا تتميز بالمهنية؛ نتيجة لغياب التكوين العسكري الأكاديمي، فمعظم هذه العناصر ممن حملوا السلاح إبان الثورة، دون أن يتخرجوا من أكاديميات عسكرية، ولم يتلقوا أي تكوين نظامي، موضحين أن العامل القبلي والجهوي يسيطر بقوة لاتخاذ القرار داخل هذه الميليشيات، حيث تتعدد قيادات الميليشيات وتتباين قوة كل قائد بحسب العتاد العسكري والولاءات والعناصر الداعمة له، في انعكاس طبيعي للوضع الاجتماعي الليبي؛ مما يجعل تماسك هذه الجماعات من الصعوبة بمكان.
وسط تلويح بالعقوبات..
في سياق مواز، رحب مجلس الأمن الدولي، بمفاوضات السلام الليبية التي تعقد في جنيف هذا الأسبوع، لكنه حذر ليبيا من أنه سيدرس فرض عقوبات على أي طرف يقوض أمن واستقرار هذا البلد.
وقال مجلس الأمن في بيان: إن "أعضاء مجلس الأمن يؤيدون استئناف جولة أخرى من المحادثات في جنيف الأسبوع المقبل ويحثون بقوة كل الأطراف الليبية المعنية على الحضور، مضيفًا أنه يرحب بإعلانات وقف إطلاق النار. 
وحذر المجلس من أن لجنة عقوبات ليبيا التابعة له "مستعدة لمعاقبة من يهددون السلام أو الاستقرار أو الأمن أو من يعرقلون أو يقوضون نجاح استكمال تحولها السياسي."
المشهد يوضح أن ميليشيات فجر ليبيا، تقود عملية إرهابية من مصلحتها إشعال البلاد يومًا عن الأخر، فضلا عن السعي للسيطرة على الدولة بأكملها، الصراعات التي تتوغل وسط هذه الميليشيات قد تقود البلاد إلى حرب طويلة لم تنته على الإطلاق، وفي ظل هذه الصراعات الداخلية فإن هذه الجماعات، مهددة بالتآكل من الداخل؛ بسبب تحكيم منطق القوة وسيادة المصالح الضيقة، مما يعني أن الفترة القادمة، ستحمل صدامات قوية بين مكونات فجر ليبيا، قد تحد من دورها المستقبلي، في المعادلتين الأمنية والسياسية، في ليبيا.

شارك