عملية "شارل إيبدو".. اوروبا و"الحضًانات الشرعية" للإرهاب
السبت 24/يناير/2015 - 10:45 م
طباعة

عقب الهجوم الارهابي على مقر جريدة (شارل إيبدو) بالعاصمة الفرنسية باريس، تم طرح العديد من التساؤلات من قبل المراقبين والمحللين السياسيين حول مدى تمدد حجم الخلايا الارهابية بأوربا ونشاطها وكفاءتها في ارتكاب هجمات ارهابية أخرى في كافة الدول الأوروبية. وحتماً فإن حكومات الدول الأوربية ستعيد النظر بكل تأكيد في حجم الصلاحيات المكتسبة لصالح الحاضنات الشرعية للفكر الارهابي والتي تتمتع بقدر عال من حرية والتنظيم تحت ستار الشرعية حيث تمتلك حوافظ مالية عالية من خلال الجمعيات الخيرية أو المراكز الاسلامية أو الحسابات البنكية المعقدة التي تعمل على تبييض الأموال في إطار التهرب الضريبي أو الأموال الناتجة عن نشاطات غير شرعية (السلاح – المخدرات ... الخ). ونحن بدورنا سنركز على تاريخ نشأة هذه الحاضنة الشرعية التي تفرز خلايا نائمة جهادية تستخدم في أوقات بعينها.

وسنركز في هذا التقرير على أول الكيانات التي نشأت على الاراضي الاوربية وبالتحديد في المانيا الغربية وسنبدأ بمرحلة الخمسينيات من القرن الماضي.
حيث أنه في أعقاب الخلاف مع عبدالناصر هرب العديد من قيادات وكوادر الاخوان المسلمين وفي محاولة من الدول الغربية للضغط على عبدالناصر تم استخدام تلك القيادات واحتضانها وتعود البداية لعام 1958، وأثناء احتفالات عيد الميلاد حين سمح قسيس كنيسة "سان باول" في موينخ لمجموعة من المسلمين بأداء صلاة الجمعة في قاعة ملحقة بالكنيسة وبعد انتهاء الصلاة أجتمع المصلون لبحث بناء مسجد ومركز اسلامي كبير خاص بهم في المدينة، ولم يحظ الخبر باهتمام الصحافة المحلية رغم أن هذا الاجتماع كان تاريخياً: فقد كانت أول مرة يجتمع فيها مسلمون من جنسيات مختلفة على أرض المانية – بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية – لبناء مسجد في أوربا الغربية، وبالنظر إلى الدور الذي لعبه هذا المركز فيما بعد يُمكن وصف هذا الاجتماع بأنه أول نشاط لتيار اسلامي على أرض أوربية. ومنذ عام 1960 أطلقت هذه المجموعة على نفسها اسم "لجنه بناء المسجد" ومن خلال استخدام الاخوان هذا المسجد لنشر مشروعهم الاسلامي.

سعيد رمضان
ومع نهاية الخمسينيات لم يكن عدد المسلمين في المانيا يتجاوز بضعة آلاف أغلبهم من قارة آسيا وشرق أوروبا ممن شاركوا اثناء الحرب العالمية تطوعاً في صفوف المانيا النازية وحاربوا ضد روسيا، ولذلك لم يتمكنوا من العودة لبلادهم التي وقعت تحت الحكم الشيوعي فبقوا في المانيا. وهذا التنوع ي الجنسيات تم استخدامه من قبل المخابرات الأمريكية وحكومة كونراد اديناور الالمانية الغربية للهجوم على الاتحاد السوفيتي.
لقد دعت لجنة "بناء المسجد" القيادي الاخواني سعيد رمضان الذي أنهى للتو دراسته للدكتوراه في كولونيا لحضور الاجتماع وكان وقتها يشغل سكرتير عام المؤتمر الاسلامي العالمي. وتم انتخابه رئيساً للجنة لتبدأ سيطرة الاخوان على مسجد ميونخ من خلال اعضاء التنظيم اللين يدرسون في المانيا.

محاولة اغتيال عبدالناصر
شهد عقدي الخمسينيات والستينيات هجرة عدد كبير من أعضاء الجماعة لألمانيا للدراسة في الجامعات الألمانية وذلك خوفاً من الملاحقة من قبل عبدالناصر خاصة بعد فشل محاولة اغتياله وجاء قطع العلاقات الدبلوماسية بين مصر والمانيا الغربية بسبب اعتراف مصر بألمانيا الشرقية الشيوعية. سهل على اعضاء الجماعة الحصول على الدعم المطلوب في المانيا الغربية في عام 1973 تم افتتاح المسجد والمركز الاسلامي في ميونخ ومع ما يحوطه من شكوك حول العلاقات المريبة للمشرفين على المسجد بنازيين سابقين، فعلى سبيل المثال التركي نور الدين نماتجاني نائب سعيد رمضان في لجنة بناء المسجد. كان جندياً في الجيش النازي وشارك في مذبحة وارسو ومع هذا فإن الحكومة الالمانية الغربية دعمته وسيأتي فيما بعد محمود أبو حليمة والذي شارك في الاعتداءات على مركز التجارة العالمي في نيويورك 1993 وكان من المترددين على مسجد ميونخ خلال حقبة الثمانينات.

مهدي عاكف
وتجدر الاشارة الى ان المرشد السابق لجماعة الاخوان محمد مهدي عاكف وبتكليف من مكتب الارشاد والتنظيم الدولي للإخوان كان مسئولا عن المركز الاسلامي في ميونخ وقت تواجده هناك
وفي هذا السياق نتذكر دور غالب همت والذي ترأس التجمع الاسلامي في المانيا من عام 1973 حتى عام 2002 وقد ساهم في تأسيس بنك التقوى من كل من القرضاوي ويوسف ندا واللذين وجهت إليهم الاتهامات بدعم اسامة بن لادن وتنظيم القاعدة من خلال شبكة الشركات والبنوك في واحة التهرب الضريبي .(للمزيد عن اموال الاخوان في اوروبا، يمكنكم الاطلاع على الملف الخاص 3اجزاء المنشور في قسم الملفات الخاصة بالموقع )

ابراهيم الزيات
ونصل إلى ابراهيم الزيات الذي تسلم رئاسة التجمع الاسلامي -أو فرع الاخوان- من غالب همت عام 2002 والذي وصفه رئيس جهاز حماية الدستور في ولاية شمال الراين الألمانية:" بالعنكبوت الذي يتمركز في شبكة من الاتحادات والمراكز الاسلامية بالغة الخطورة."
وعلى الرغم من نفي الزيات لانتمائه للتنظيم الدولي للإخوان او علاقته بالإخوان إلا أن السلطات الالمانية اعتبرته ممثلا للإخوان في المانيا.
الزيات الماني الجنسية من أب مصري (كان يعمل أماماً) وأم ألمانية وهو متزوج من أبنة شقيق نجم الدين اربكان رئيس وزراء تركيا الأسبق الذي حقق مكاسب كبيره لتيار الاسلام السياسي في تركيا، وكان الزيات ضمن قيادات الاخوان اللذين تعرضوا للمحاكمة العسكرية الاستثنائية في عام 2006 وحكم عليه بالسجن عشر سنوات إلا أن الرئيس المعزول محمد مرسي اصدر عفوا عاما عنه عام 2012 والزيات رجل أعمال يدير عدداً من الشركات التركية والالمانية وهو أحد مؤسسي المجلس الأعلى للمسلمين في المانيا ومسئول أوقاف منظمة ميللي حوروش التركية التي تراقبها أجهزة الأمن الالمانية وتعتبرها خطراً على النظام الديمقراطي في البلاد.
ويدير الزيات أكثر من 300 مسجد ومركز تابع للمنطقة في أوروبا حيث اسس في عام 1997 شركته إس إل أم للاستشارات والتمويل والتي تقوم بشراء الاراضي لبناء المساجد وأيضاً تقدم الدعم والاستشارات للمركز الاسلامي للحصول على تراخيص البناء والتمويل ويعتبر الزيات وسيط عقارات لشخصيات ورجال أعمال ومستثمرين عرب.

لقد استغلت الجماعة المركز الاسلامي في ميونخ كنقطة انطلاق لنشر ايديولوجيتها في دول اوروبا الأخرى مستفيدة من الحرية الكبيرة التي يمنحها قانون الجمعيات الأهلية في المانيا لمثل هذه الانشطة وفي الوقت نفسه مراقبة السلطات الالمانية للجماعة.
لقد ساهم "المركز الاسلامي" بألمانيا من خلال الشبكة العنكبوتية والمعقدة في تدشين العديد من الجمعيات الخيرية والمراكز الاسلامية في جميع بلدان أوروبا وهي الغطاء العلني لمعظم الخلايا الارهابية النائمة في بلدان اوروبا وهي الغطاء العلني لمعظم الخلايا الارهابية النائمة في بلدان أوروبا التي يصعب اختراقها ولا شك أن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يدعم وبقوة جميع الكيانات الجهادية وفي نفس الوقت يعمل على تحسين صورته أمام المجتمع الغربي وقد استخدم في ذلك استراتيجية جديدة منها الاعتماد على الاخوان ودور المرأة بشكل خاص حيث يتم تأهيل النساء للعمل الاعلامي والعمل الخيري الاجتماعي في محاولة لتغير مفاهيم الغرب عن الجماعات الدينية الاسلامية وعقائدها الرجعية الخاصة بالمرآة وقد سُمح للنساء بتولي بعض المناصب القيادية وعضوية مجالس شورى الجماعة كما في تونس وسوريا وليبيا. غير أن الجمعيات الدولية لحقوق الانسان في فرانكفورت طالبت الاتحاد الاوروبي بمراجعة موقفه من جماعة الاخوان المسلمين ولقد أعلنت صراحة أن جماعة الاخوان المسلمين جماعة معادية للديمقراطية بل وصفتها بأنها منظمة ارهابية، نظراً لاستخدامها العنف وتشجيع أعضائها على استخدامه ووصفت الجمعية في بيان لها الاخوان بالجماعة الشمولية.

ابوبكر البغدادي
والسؤال الآن: ماذا بعد الهجمات الارهابية في فرنسا؟ وهل ستتمدد هذه الهجمات وخاصة بعدما ساد شعور عام بأن تنظيم "داعش" قد يكون المدبر لهذه الهجمات،على خلفية نشر جريدة "شارل إيبدو" صورة كاريكاتورية لأبوبكر البغدادي( خليفة المسلمين بحسب داعش) وأن داعش نعت مقتل منفذي العملية على يد القوات الفرنسية وأصدرت بياناً توعدت كل من يتعرض لخليفة المسلمين الداعشي بالإساءة.
أن عملية السيولة لتحركات العناصر الارهابية من اوروبا إلى ساحات القتال [سوريا – العراق – اليمن – ليبيا] والعودة مرة أخرى خاصة من العناصر التي تحمل الجنسيات الاوروبية والتي لها حرية التنقل والتحرك حيث لا توجد قيود على التأشيرات من وإلى أوروبا لهذه العناصر وأيضاً مع اتساع نطاق ساحة القتال ما بين سوريا والعراق وجنوب ليبيا والأكثر من ذلك توافر الامكانيات المادية من خلال الشيكات المالية المعتمدة ومع رعاية خاصة من الجمعيات الأهلية الخبرية وغيرها من المراكز الإسلامية العلنية.
ويبقى ان نذكًر بخليه "هامبروج" المخطط الرئيسي لعملية الهجوم على برجي التجارة العالمي(11سبتمبر 2001) والآن على دول الاتحاد الأوروبي أن تتعامل مع قضية الارهاب بجدية أكثر. وخاصة الحاضنات "الشرعية" للإرهاب بالقدر الكافي لتجفيف منابعه وأن تعي حقيقة إن ساحات القتال في الدول العربية ما هي إلا "مفرخه" لعناصر إرهابية على مستوى العالم، وان العناصر الأخطر والأكثر قدرة على التحرك هي لمن ينتمون إلى دول الاتحاد الاوروبي.