هل ينزلق السودان في "أتون" الصراع الليبي؟

الخميس 09/أبريل/2015 - 04:25 م
طباعة  هل ينزلق السودان
 
لا زال موقف السودان غير واضح فيما يخص الأعمال المسلحة والصراع الدموي في ليبيا، ففي الوقت الذي تعلن السودان فيه بشكل رسمي عن عدم تدخلها في الشأن الليبي نجد أن هناك اتهامات تتداولها الأطراف المتصارعة في ليبيا المتمثلة في حكومتين، هما حكومة الإنقاذ المنبثقة عن المؤتمر الوطني العام، ومقرها العاصمة طرابلس "الغرب"، ويُسير أعمالها، خليفة الغويل، النائب الأول لرئيس المؤتمر، والحكومة المؤقتة برئاسة عبد الله الثني، المنبثقة عن مجلس النواب في مدينة طبرق، ومقرها مدينة البيضاء "شرق"، وخاصة الحكومة الشرعية في طبرق التي اتهم مسئولون فيها حكومة السودان بتزويد القوات الموالية لحكومة الغرب بالسلاح، وهو ما تنفيه الخرطوم، مرددة أنها مع إيجاد حل سلمي للأزمة الليبية، ولكن جولات القنصل السوداني، عبد الحليم عمر في ليبيا والتي تم توقيفه بسببها هي التي كشفت الأمر، وأظهرت تدخلا سودانيا لصلح طرف على حساب الآخر؛ من خلال ما أعلنه حسن الصغير، وكيل وزارة الخارجية في الحكومة الليبية المؤقتة، برئاسة عبد الله الثني، الذي أكد على أنَّ توقيف القنصل السوداني عبد الحليم عمر جاء لـ"تورطه في جولات مشبوهة غير قانونية في العديد من المناطق بالشرق الليبي، كان آخرها زيارة سجن عسكري مهم دون إذن".
 هل ينزلق السودان
 وكشف عن أنَّ القنصل السوداني أجرى خلال الفترة الأخيرة عدة جولات في عدد من المناطق الشرقية للبلاد، دون أن يحصل علي إذن من الخارجية الليبية، وهو ما يخالف التقاليد الدولية المتبعة، وتوقيف القنصل السوداني جاء بعد زيارته لسجن قرنادة، دون الحصول على تصريح؛ الأمر الذي دعا مسئولي السجن إلى الاشتباه فيه، خاصة أنَّ السجن عسكري ومهم جدًّا؛ ما اضطر إدارة السجن إلى التحفظ على القنصل؛ لأنه زاره بدون تصريح أو حتى إخطار للسلطات الليبية مدن بنغازي والمرج ومنطقة الأبيار وغيرها وأن دولة السودان شقيقة للشعب الليبي وقنصلها مرحب به، إلا أنَّ تصرفه يدعو إلى الاستغراب؛ لذلك سيتم التحفظ عليه لحين صدور أمر بإطلاقه.. هو بصحة جيدة، وقد زاره مسئولون من الخارجية الليبية في مقر توقيفه.
وردت وزارة الخارجية السودانية باستدعاء السفير الليبي في الخرطوم، محمد صولا، وطلبت منه إطلاق سراح القنصل السوداني في مدينة بنغازي "شرق"، عبد الحليم عمر، "فورًا ودون شروط ولا تأخير".
السفير علي الصادق
السفير علي الصادق
وقال الناطق باسم الخارجية السودانية، السفير علي الصادق: "إنَّ القنصل السوداني كان يوم الثلاثاء،7-4-2015م في مهمة تفقدية لأوضاع سودانيين محتجزين بأحد سجون مدينة البيضاء وسط ليبيا، لمعرفة ملابسات احتجازهم، وجرى توقيفه من أمام السجن، وإنَّ احتجاز القنصل يمثل انتهاكًا للقوانين الدولية، لا سيما أنه سلوك لا يراعي العلاقات الثنائية بين الخرطوم وطرابلس".
 ما أثير عن تدخل السودان في الشأن الداخلي الليبي ليس بجديد؛ حيث هناك جذور تاريخية للتدخل منها: 
1- في عام 1971 تدخلت قوات ليبية في إحباط هروب "هاشم عطا"، الذي قاد انقلابًا على "جعفر النميري"، حاكم السودان في ذلك الوقت؛ مما أفشل الانقلاب ووضع السودان في بؤرة اهتمام "معمر القذافي".
2- في عام 1978 كانت ليبيا عاملاً رئيسًا في تدهور الأوضاع في الداخل السوداني عن طريق دعم حركات المعارضة، وردت السودان بإيواء أي حركة معارضة لنظام القذافي في ليبيا، التي أسست إذاعة خاصة في الخرطوم تعارض النظام في ليبيا.
3- في عام 1985 ساعد "القذافي" في الإطاحة بنظام "النميري" الذي كان حليفًا بالأمس، حتى سقط نظام "النميري" في يد سوار الذهب بدعمٍ واضحٍ من نظام معمر القذافي في ليبيا، الذي تحسنت علاقته بجميع الأطراف السودانية في الشمال والجنوب.
الرئيس الراحل معمر
الرئيس الراحل معمر القذافي
4- ضغط نظام القذافي على الحكومة السودانية، من تدعيم جماعات الانفصال في الجنوب وحركات التمرد في الشمال؛ مما أشعل حربًا خفية بين الحكومتين في الخرطوم وطرابلس، حتى إن القذافي كان يلعب دورًا لانفصال الجنوب، وهو ما حدث بالفعل.
5- حضر السودان وبقوة في الثورة الليبية، حيث كانت الأسلحة السودانية في مقدمة أيدي الثوار في ليبيا، عن طريق الحدود المشتركة بين البلدين، وهو ما اعترف به الثوار فيما بعد، حتى سقط القذافي فسارع عمر البشير الرئيس السوداني لزيارة مدينة بنغازي، مهد الثورة الليبية، كأول اعتراف عربي بشرعية الوضع القائم في ليبيا.
6- اشتكت السودان من تسرب الأسلحة الليبية إلى جماعات مناهضة وقال الرئيس عمر البشير: إن نظام القذافي قد سلح عدة ميليشيات إفريقية أثناء الثورة في ليبيا للدفاع عنه.
7- تفرق الميليشيات في ليبيا بعد سقوط القذافي أدى إلى عودتها إفريقيا، وأصبحت موجهة إلى الحكومات في بلادها، وعلى رأسها السودان. 
8- عقب اشتعال الصراع في الداخل الليبي بين حكومتين ومجلسين تشريعيين، ساعدت الدولة السودانية قوات فجر ليبيا المحسوبة على ثوار ليبيا، في وجه حكومة طبرق الشرعية واللواء المتقاعد خليفة حفتر قائد عمليات عملية "كرامة ليبيا"، وذلك لوجود بعض التطابق الأيديولوجي بينها وبين رأس السلطة في السودان المحسوب على تيار الإسلام السياسي.
9- حكومة طبرق بقيادة "عبد الله الثني"، أكدت أن قوات حكومته رصدت طائرات سودانية محملة بالأسلحة لجماعات مسلحة في البلاد "في إشارةٍ لقوات فجر ليبيا" هبطت بمطار الكفرة، فيما أسرعت الخرطوم بالنفي، مؤكدةً أن هذه الطائرة تقوم برحلات معتادة بين قوات الحدود المشتركة بين البلدين، رافضةً الاتهامات الموجهة من حكومة طبرق، مطالبةً بالاعتذار عن تلك الاتهامات. 
مفتي ليبيا الشيخ
مفتي ليبيا الشيخ الصادق الغرياني
10- الزيارة السرية بين مفتي ليبيا "الشيخ الصادق الغرياني" شكر فيها الرئيس "عمر البشير"، لتقديمه الدعم لقوات فجر ليبيا المسيطرة على العاصمة، وهو ما عزز معلومات دعم البشير وحكومة السودان لطرف في المعادلة الليبية.
هذه الأمور سيطرت على جلسات المباحثات بالخرطوم بين المسئولين السودانيين والليبيين في أكتوبر 2014م برئاسة رئيس الوزراء الليبي عبدالله الثني، خلال الزيارة التي دعا إليها السودان لترميم العلاقات بين البلدين واقترحت فيها الحكومة السودانية خطة محورية إقليمية؛ لإنهاء الأحداث الجارية في ليبيا، وأعلن الرئيس السوداني، عمر البشير، استعداد بلاده لطرح وساطة تجمع الفرقاء الليبيين لتحقيق المصالحة الوطنية.
وكشف علي كرتي وزير الخارجية السوداني، عن خطة تقدم بها الرئيس البشير في اجتماعه برئيس الوزراء الليبي بجمع الفرقاء الليبيين من حكومة منتخبة وبرلمان منتخب، وبقية الأطراف التي لا يزال لديها إشكال في التعامل مع الحكومة الليبية، وإن السودان سوف يطرح مبادرته تلك في اجتماع دول الجوار الليبي المزمع عقده بالخرطوم.
وزير الخارجية الليبي
وزير الخارجية الليبي محمد الدايري
وأكد وزير الخارجية الليبي، محمد الدايري، حرص بلاده على طي صفحة التوتر في العلاقة بين البلدين، والذي ساد في أعقاب اتهام ليبيا للسودان بدعم قوات فجر ليبيا، وأن زيارة رئيس الوزراء الليبي تأتي في إطار البحث والسعي إلى آفاق جديدة بين البلدين. 
 واعتبر حسن مكي الخبير الاستراتيجي أنه ليس بوسع السودان الدخول في تحديات أو دعم أي جهة خارجية؛ كونه يعيش حالة من عدم التوازن الداخلي، وأن أولويات السودان الداخلية أكبر من عاطفته، وأن لدى الحكومة السودانية الكثير من العواطف تجاه إسلاميي ليبيا الذين استضافهم السودان من قبل "لكنه غير قادر على دعمهم لحاجته هو للدعم".
واعتبر التيجاني مصطفى عضو تحالف المعارضة أن تدخل السودان في الصراع الليبي "إذا صح ذلك" يمثل خطأ كبيرا غير مقبول على الإطلاق، وأن ذلك يشكل خطرا حقيقيا على البلاد، ويجب على الحكومة الابتعاد عن أي خطوة تفسر لصالح من يتهمونها، وألا تتخذ الأمر على أنه وقوف مع الجماعات الإسلامية في ليبيا، بعدما ثبت تورط بعضها في مأساة الليبيين، وأن هناك ممارسات غير إسلامية تتم باسم الإسلام.

شارك