"داعش" في أفغانستان.. "طالبان" بين جبهتين

الإثنين 20/أبريل/2015 - 01:15 م
طباعة داعش في أفغانستان..
 
يبدو أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" يواصل تمدده في العالم الإسلامي عبر جيوب الحركات الجهادية والمتطرفة، والتي تجد نفسها في مبايعة تنظيم الدولة دعما إعلاميا ومعنويا لهم في مواجهة الأجهزة الأمنية أو الجماعات الجهادية المنافسة لها على الساحة.
وعقب وقوع عدد من التفجيرات في أفغانستان وخاصة عقب مقتل 38 شخصا على الأقل، وأصيب أكثر من 100 آخرين بجروح في تفجير انتحاري استهدف مصرفا في مدينة جلال آباد شرقي أفغانستان السبت الماضي، وأعلن فرع "داعش" بالبلاد مسئوليته عن التفجير.

"داعش" في أفغانستان

داعش في أفغانستان
واليوم أصبح لـ"داعش" موطئ قدم في أفغانستان والتي تعتبر أرضًا خصبة للتمدد والنفوذ مع إعلان مبايعة جماعة متطرفة منشقة عن حركة طالبان الأفغانية التي كانت حاكمة البلاد قبل 2001.
وبدأ تنظيم داعش، الذي بايعه القيادي الطالباني الملا عبدالرءوف قد بايعه في يناير الماضي وطالب أتباعه بمبايعته، يجتذب مقاتلين من طالبان، ويفرض وجوده على مناطق مختلفة في البلاد.
وجاءت المبايعة بعد لقاء وفد من ثلاثة رجال من تنظيم "داعش" يرأسه الزبير الكويتي.
وبعد مقتل الملا عبدالرءوف في غارة جوية بطائرة من دون طيار، لم يتوقف تنظيم داعش عن تأسيس نفسه في أفغانستان مستوليا ليس فقط على المناطق التي يسيطر عليها مسلحون من طالبان، بل أيضا على مناطق سيطرة الحكومة، حتى أصبح لاعباً رئيسياً في تجارة الأفيون، وهي التجارة الأكثر ربحاً في أفغانستان.
وقال فهاد مروات، متحدث باسم جماعة جند الله- وهي جماعة منشقة عن حركة طالبان الباكستانية- إنها بايعت تنظيم الدولة الإسلامية وذلك في مؤشر على ما يحظى به التنظيم من تأييد في منطقة يهيمن عليها في العادة تنظيم القاعدة وحركات تمرد محلية.
وجند الله واحدة من عدة جماعات باكستانية تستكشف العلاقات مع تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على مساحات كبيرة من العراق وسوريا في حملة من أجل إقامة خلافة إسلامية.
وقال مروات المتحدث باسم جماعة جند الله: "إنهم- الدولة الإسلامية- أشقاؤنا، ومهما كانت نواياهم فسوف نساندهم".
وتم تنصيب المدعو المولوي عبد الرءوف خادم كزعيم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، في أفغانستان، جاء ذلك عقب إعلان تنظيم "داعش" بلسان المتحدث باسمه أبو محمد العدناني، امتداد الدولة الإسلامية إلى باكستان وأفغانستان وتعيين حافظ سعيد أوركزاي والياً على منطقة خراسان، والمولوي عبد الرءوف خادم نائباً له. وتشمل منطقة خراسان بعض مناطق باكستان وأفغانستان وإيران وبعض دول آسيا الوسطى.
و الملا عبد الرءوف قيادي سابق بحركة طالبان، سُجن ستة أعوام في سجن جوانتانامو الأمريكي، إثر اعتقاله عام 2001 على يد القوات الأمريكية. وتلفت مصادر في "طالبان" إلى أن خلافات كبيرة كانت موجودة بين قيادة الحركة والملا عبد الرءوف منذ إطلاق سراحه من سجن جوانتانامو، إلى أن بايع الأخير زعيم "داعش"، أبو بكر البغدادي. 
وقال متشددون ومسئولون أمنيون إن تصريحاته تأتي عقب بث مقطع فيديو الشهر الماضي تعهد فيه خمسة من القادة العسكريين لحركة طالبان الباكستانية بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية. وللتنظيم أيضا صلات مع جماعة عسكر جنجوي الباكستانية المحظورة.

تمدد "داعش" يهدد طالبان

تمدد داعش يهدد طالبان
يبدو أن تمدد تنظيم "داعش" يأتي على حساب حركة طالبان، وتشير مصادر قبلية في إقليم هلمند، جنوبي أفغانستان، إلى أن المئات من مسلّحي التنظيم بدءوا ينشطون ضد "طالبان" والحكومة الأفغانية على حد سواء، وهم مدججون بأسلحة حديثة ومتطورة، مؤكدة أن التنظيم خاض معارك عنيفة ضد "طالبان" في مديرية كجكي الاستراتيجية؛ مما أدى إلى مقتل عشرات المقاتلين من الطرفين.
وتتحدث مصادر قبلية متطابقة عن خوض المقاتلين المنتسبين إلى "داعش" معارك ضارية ضد مسلحي "طالبان"، وإقامة معسكرات تدريب لهم في جنوب وغرب البلاد، وهو ما ألمح إليه أخيراً بعض المسئولين في الجيش والحكومة الأفغانية.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن نشاط "داعش" يتزايد في أقاليم غزنة وزابل وفراه، التي تُعدّ مناطق نفوذ حركة "طالبان"، كما أن مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية بدءوا تحركاتهم الميدانية في إقليم نيمروز مسقط رأس زعيم حركة "طالبان"، الملا عمر المجاهد، والذي يُلقبه أعوانه بأمير المؤمنين.
 وبسط تنظيم "داعش" سيطرته في بعض مناطق إقليم زابل المجاور لقندهار معقل "طالبان" بعد وصول مئات المسلّحين الأجانب، بينهم عرب وشيشان وباكستانيون وأزبك. 
ولم يكتف "داعش" بالتمدد والنفوذ، بل بدأ مسلّحو "داعش" بتأسيس وإنشاء معسكرات في المناطق الجبلية النائية؛ من أجل توفير المقاتلين للدولة الإسلامية وفقا لما يتطلبه والي خراسان حافظ سعيد أوركزاي، وزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي.
 وفي إقليم فراه، غرب أفغانستان، انضم قياديان في حركة "طالبان"، المولوي عبد المالك والمولوي مهدي، إلى تنظيم "داعش"، وشكّلا معسكراً لتجنيد وتدريب مسلحي التنظيم في منطقة خاك سفيد وبالقرب من جبل ساجي، بعد أن خاضا معارك ضارية مع قيادي من "طالبان"، يُدعى خالد أخندزاده. 
ولم يقتصر نشاط التنظيم على الأقاليم الجنوبية البعيدة عن العاصمة كابول، بل تشهد الأقاليم المجاورة لها تحركات للمقاتلين المنتسبين إلى التنظيم، ففي إقليم لوجر كشف مسئولون محليون عن نشاط لـ"داعش" في بعض المناطق الاستراتيجية المهمة.
ويقول محللون: إن تنظيم "داعش" اجتذب حتى الآن جماعات طائفية وليس المتشددين المعادين للدولة مثل حركة طالبان. 

موقف حركة طالبان

موقف حركة طالبان
فيما يبدو أن حركة طالبان تواجه لأول مرة تهديدا من قبل جماعة إسلامية تحمل تقريبا نفس أهدافها، ولكن تعتبر الأكثر تمويلا والأكثر رواجا في الإعلام المعاصر وخاصة شبكات التواصل الاجتماعي؛ مما يهدد وجود الحركة.
كما تتمتع "داعش" بحركة تمويل قوية وموارد مالية ضخمة جراء عائدات النفط والآثار التي تبيعها في العراق وسوريا وعددا من أفرعها في العالمين العربي والإسلامي. 
فقد نقض عدد كبير من مسلّحي "طالبان" وقياداتها بيعتهم لزعيم "طالبان" وانضموا إلى "داعش"؛ نظرا لما يتمتع به من قوة واستراتيجية واضحة، في ظل تخبط حركة طالبان وفشلها في العودة إلى السلطة.
يُذكر أن معظم قيادات ومسلّحي "طالبان" المنتمين إلى الفكر السلفي يسارعون للانضمام إلى التنظيم، وذلك في وقت يتهم فيه أعضاء "داعش" الحركة بحركة المتصوّفين، وهو ما ينذر بتفجير صراع بينهما، خصوصاً أن مصادر في الحركة تعرب عن خشيتها من أن يكون هدف "داعش" في الظروف الراهنة القضاء على هيمنة "طالبان". 
وتناولت وسائل الإعلام المختلفة تصريحات النائب الثاني لرئيس السلطة التنفيذية في الحكومة الأفغانية محمد محقق قوله: إن القيادي البارز في طالبان الملا عبدالله کاکا ونائبه الملا منصور دادالله انشقا من طالبان وأعلنا ولاءهما لتنظيم الدولية الإسلامية.
وبشأن التقارب بين تنظيم الدولة "داعش" وحركة طالبان أو العداء بينهما قال المتحدث الرسمي باسم المكتب السياسي لحركة طالبان في الدوحة الدكتور محمد نعيم: "إن استراتيجية إمارة أفغانستان واضحة للجميع؛ حيث نشر في موقع الإمارة الإسلامية الرسمي غير مرة من خلال بيانات الأعياد لأمير المؤمنين الملا عمر حفظه الله ورعاه أن إمارة أفغانستان الإسلامية تجاهد لإنهاء الاحتلال واستعادة الحرية للشعب والبلد وإقامة حكومة إسلامية على أرضها، وأنها تتعامل مع الآخرين في ظل الاحترام المتبادل، ولا تتدخل في شئون الآخرين، ولا تسمح لأحد بالتدخل في شئونها، كما لا تريد الإضرار بالآخرين ولا تتحمل أضرارهم.
فيما قال القيادي البارزي السابق في حركة طالبان الملا منصور دادالله: إن الأراضي والأجواء الأفغانية غير مناسبة لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ولا وجود له في الأراضي الأفغانية في الوقت الحالي، حيث توجد إمارة أفغانستان الإسلامية ولها أمير وتنظم كافة أمورها في ضوء الشريعة الإسلامية.

اعتراف أفغاني

اعتراف أفغاني
عقب العمليات الإرهابية والهجمات على أهداف عسكرية وأمنية وحكومية من قبل فرع تنظيم "داعش" بأفغانستان، اعترف الرئيس الأفغاني أشرف غاني، علناً، للمرة الأولى، السبت 18 أبريل 2015، أن تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" يكتسب نفوذاً في أفغانستان، وذلك فيما يستعد للتوجه إلى الولايات المتحدة سعياً إلى إبطاء انسحاب القوات الأمريكية من بلاده.
وقال غاني: إن "الصفة الأساسية التي يتسم بها داعش أنه يلتهم الرجال. إنه يبتلع منافسيه. هنا المسألة ليست الوجود المادي لأشخاص من سوريا أو العراق. إنه تأثير الشبكة".
وعلى الرغم من أن بعثة الأمم المتحدة إلى أفغانستان أكدت مؤخراً أنه لا يوجد أي مؤشر على وجود دعم واسع النطاق أو دعم منهجي مباشر للمقاتلين الأفغان من قادة "داعش"، اعتبر غاني، الذي من المفترض أن يلتقي الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوم الثلاثاء المقبل، أنه "لا يجب التهوين من الخطر".
وبالنسبة إلى حركة "طالبان"، التي سجل عدد القتلى من قوات الأمن الأفغانية والمدنيين في القتال معها رقماً قياسياً العام الماضي، تنبأ غاني بأن "موسم القتال الوشيك الذي يحل في الربيع سيكون صعباً، وقد يكون أكثر صعوبة مع صعود داعش"، فيما اعتبر أن "الهجمات العسكرية التي تشنها باكستان على حدودها الشمالية الغربية تدفع الشبكات الإرهابية العالمية مثل تنظيم القاعدة إلى داخل الأراضي الأفغانية".

القرار الأمريكي

القرار الأمريكي
ومن المتوقع أن يكون لاحتمال اكتساب تنظيم "داعش" موطئ قدم في أفغانستان عاملاً في قرار أوباما بشأن إبطاء الانسحاب المزمع لنحو عشرة آلاف جندي، أو حتى بقاء قوات أمريكية على الأرض في أطول الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة.
وتعمل معظم هذه القوات الآن في تدريب الجيش والشرطة الأفغانية، ولكن من المقرر أن يتقلص عددها إلى النصف تقريباً بحلول نهاية العام الحالي. في هذا الشأن، يقول غاني إنه "يجب إعادة النظر في الجدول الزمني للانسحاب".

المشهد الأفغاني

المشهد الأفغاني
يبدو أن وجود "داعش" في أفغانستان أصبح حقيقة، ووضع حركة طالبان في مأزق شديد، فرغم أن الحركة ترفع لواء محاربة الاحتلال الأمريكي، في أفغانستان وكانت تنفرد بذلك عن الحركات الجهادية والتيارات الإسلامية في البلاد، وكانت صاحبة الكلمة، إلا أن ظهور "داعش" جاء ليهدد عرشها في البلاد.
فظهور "داعش" في أفغانستان يحمل أكثر من تهديد لحركة طالبان، ويجعل قدرتها على المناورة والتفاوض ضعيفة مع حكومة كابول، فـ"داعش" تهدد حركة طالبان من الداخل عبر انضمام عدد من قيادات وأعضاء الحركة إلى تنظيم الدولة الإسلامية.
كما يشتت حركة طالبان ويجعلها تحارب في أكثر من جبهة، جبهة "الحكومة الأفغانية والتي تصفها بالحكومة العميلة، القوات الأجنبية، والجبهة الثانية جبهة "داعش" وهو ما يزيد الضغوط المالية والبشرية على التنظيم، والذي يحاول الصمود والاستمرار في أفغانستان للعودة إلى الحكم مرة أخرى عقب سقوطهم علي يد الولايات المتحدة الأمريكية في 2001.
وفيما يبدو أن حركة طالبان أمام خيارين: المحاربة على الجبهتين جبهة "داعش" وجبهة الحكومة الأفغانية والقوات الأجنبية بالبلاد، أو اختيار التحالف مع أي جبهة من تلك الجبهتين: الحكومة والقوات الأجنبية، أو "داعش".

شارك