المقدسي.. صراع القاعدة والسلفيين
الخميس 11/يوليو/2024 - 10:30 ص
طباعة
المقدسي
حسام الحداد
خلال السنوات العشرين الأخيرة، قضى المقدسي نحو 14 عامًا في السجون الأردنية بتهم عدة تتعلق بما يسمى بالإرهاب، ومكث بسجن المخابرات الأردنية نحو خمسة أعوام دون محاكمة بعد أن أصدرت محكمة أمن الدولة قرارات بالبراءة بحقه.. حوكم في نفس القضيتين الداعية والناشط الإسلامي المعروف الدكتور إياد القنيبي، حيث أمضى فترة حكم بالسجن مدتها ثلاث سنوات وأفرج عنه سابقاً، إذ أدين بأنه يُسهم في تمويل تجنيد أشخاص للالتحاق بالقتال في أفغانستان، جراء دفعه مبلغا يقارب الألف دولار للمقدسي لهذه الغاية بحسب قرار الإدانة.
وكانت أفرجت السلطات الأردنية في 2014عن مُنظِّر التيار السلفي الجهادي "أبو محمد المقدسي"، بعد سجنه أربع سنوات، لإدانته بدعم حركة طالبان الأفغانية، ونُقل المقدسي بعد إطلاق سراحه لدائرة المخابرات العامة التي أفرجت عنه بعد الانتهاء من إجراءات روتينية.
وكانت محكمة أمن الدولة قد حكمت على المقدسي بالسجن بعد اعتقاله عام 2010، واتهامه بدعم حركة طالبان الأفغانية، عن طريق نقل زكاة أموال بقيمة ثمانمائة دولار للمنظمة.
وأمضى المقدسي عقوبة بالسجن خمس سنوات في مراكز الإصلاح والتأهيل الأردنية، على خلفية إدانته أمام محكمة أمن الدولة في عام 2011 لقيامه بأعمال عدائية من شأنها تعريض المملكة للخطر، وتعكير صفو علاقاتها مع دولة أجنبية"، وكذلك تهمة "تجنيد أشخاص داخل المملكة بقصد الالتحاق بتنظيمات مسلحة وجماعات إرهابية"، وهاجم خلال سجنه الأخير تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، المعروف باسم داعش، واتهم قيادته بـ"الانحراف"، مطالباً حينها مقاتلي التنظيمات الإسلامية في العراق والشام بـ"مبايعة أمير جبهة النصرة، أبي محمد الجولاني."
نشأته
سافر المقدسي إلى باكستان وأفغانستان مراراً وتعرف خلالها على مشايخ كثيرين وجماعات من أنحاء العالم الإسلامي، وشارك ببعض الأنشطة التدريسية والدعوية هناك.
درس في المعهد الشرعي للقاعدة بتزكية من الشيخ سيد إمام، وتعاون معه في القضاء الشرعي بين الإخوة في معسكر القاعدة وكان على علاقة طيبة مع زعيم القاعدة حالياً أيمن الظواهري وأبي عبيدة البانشيري وأبو حفص المصري وأبي مصعب السوري وغيرهم من السلفيين، وطلبة العلم الذين جمعتهم ساحة أفغانستان وهناك كان أول طبعة لكتاب "ملة إبراهيم" الذي كان من أول كتاباته المهمة.
وللمقدسي عشرات الكتب والعديد من الرسائل والفتاوى، وأعداد كبيرة من المناصرين والأتباع، وقد أصبحت كتبه بمثابة الأدبيات الرئيسة للعديد من الخلايا التابعة للتيار السلفي الجهادي في العالم، وساعدت ثورة الإنترنت على اتساع نطاق تأثيره ونشر أفكاره، وله موقع خاص على شبكة الانترنت اسمه "منبر التوحيد والجهاد"، وما زال الموقع فاعلًا.
فرحة السلفيين بعودته
في بيته الواقع بحي الرشيد التابع لمدينة الرصيفة المكتظة بالسكان الفقراء شرقي العاصمة عمان، استقبل المقدسي المئات من أنصار التيار السلفي الجهادي الذين حضروا لتهنئته بخروجه من السجن، حيث ينتظرون منه إعادة رص صفوف تيارهم المنقسم على نفسه، رغم أنه بات رقما صعبا في المعادلتين الإقليمية والدولية.
قام شباب التيار السلفي الجهادي بالأردن بتهنئة المقدسي، وكان من بين المهنئين قياديون بارزون في التيار وشبان بعضهم سبق لهم القتال في سوريا والعراق، وبينهم من أصيب خلال المعارك هناك، وتميز الشباب أثناء الاحتفال بالإفراج عن المقدسي بارتداء زيٍّ ديني، بينما فضل آخرون ارتداء ملابس قريبة من الزي العسكري.
أحد أبرز الحضور كان قتادة نجل الجهادي البارز "أبو قتادة الفلسطيني" الذي يحاكم في الأردن بتهم تتعلق بالإرهاب منذ نقله من لندن إلى عمان في يوليو الماضي، وينتظر أن يصدر الحكم عليه نهاية الشهر الجاري، وفسر أحد قيادات التيار السلفي الجهادي مشهد استقبال المقدسي لأبو قتادة ، بأن المقدسي "مرجعية لا يمكن تجاوزها حتى من قبل أنصار الدولة الذين يأخذون عليه كثرة انتقاداته لهم".
القيادي البارز في التيار محمد الشلبي الشهير بـ"أبو سياف" حضر إلى بيت المقدسي ووصف الأخير بأنه إمام المنهج، وهنأ الأمة جمعاء بالإفراج عنه، وتمنى أن يفك الله "أسر الموحدين في سجون الأردن وسجون الأرض".
وقال أبو سياف: إن العالم كله ينتظر كلمة من الشيخ المقدسي، وخاصة أهل التوحيد الذين يعتبرونه إمام المنهج وينتظرون أي توجيه منه، مضيفا أنهم تلقوا التهاني بالإفراج عنه من اليمن والبحرين ولبنان وسوريا.
وعن الانتقادات اللاذعة التي وجهها المقدسي لتنظيم الدولة، قال أبو سياف: إن "الشيخ المقدسي أصدر بعض البيانات حول الوضع في سوريا وشكك البعض في صحتها".
وأكد أن الجميع ينتظر بيانا من المقدسي حول ما إذا كان سيثبت على ما صدر عنه، أو يعلن أن المعلومات التي كانت تصله مضللة، لكنه ختم بالقول: "يقيننا أن الشيخ ليس من الذين يتم خداعهم، وحتى أثناء وجوده بالسجن كانت الصورة واضحة لديه جدا".
عقب الاحتفال ترك المقدسي الحضور وذهب لزيارة زوجته التي توفيت أثناء سجنه ومنع من حضور عزائها، رافضا التصريح حاليا حول رسائله الأخيرة التي حملت انتقادات لاذعة وغير مسبوقة لتنظيم الدولة، وقال إنه سيسعى لاستقراء الواقع قبل أن يعلن أي موقف.
آراء المراقبين في عودة المقدسي
يرى مراقبون أن الإفراج عن المقدسي سيعيد زخما كبيرا للصراع الفكري المحتدم بين مدرستي تنظيم القاعدة اللتين تتنازعان قيادته: الأولى بقيادة أمير التنظيم أيمن الظواهري الذي انحاز تماما لجبهة النصرة لأهل الشام في سوريا، بينما الثانية ترى أنه لا مبرر شرعيا لبقاء التنظيم بعد قيام تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام وتولي أبي بكر البغدادي قيادته، معتبرة أنه بات واجبا على كل الجهاديين في العالم مبايعته، وفقا لأدبيات الدولة المعلنة.
علاقة المقدسي بالزرقاوي
المقدسي كان بمثابة المرشد الروحي لمن قاموا بعدة تفجيرات، على رأسهم أبو مصعب الزرقاوي زعيم تنظيم القاعدة الذي قتل في غارة أمريكية في إحدى قرى محافظة ديالي شمال شرق بغداد في يونيو 2006، وكان الزرقاوي التقاه عام 1991 في باكستان قبل أن يلتحق بالسلفية الجهادية ثم اعتقلتهما الشرطة الأردنية عام 1994، لكن المقدسي والزرقاوي افترقا في وقت لاحق؛ بسبب "خلافات أيديولوجية"؛ كون المقدسي يعارض العمليات المسلحة ضد المدنيين.
على الرغم من أن المقدسي يُعد من أحد أساتذة زعيم تنظيم القاعدة السابق في العراق، "أبو مصعب الزرقاوي" ورفيقه في السجون وفي أفغانستان والأردن، إلا أن خلافات فكرية واسعة سجلت بينهما عقب خروجهما من السجن عام 1999، بعد محاكمة مشتركة لهما، حيث أعلن المقدسي خلافه صراحة مع الزرقاوي في 2005، في رسالة شهيرة حملت عنوان "المُناصحة والمناصرة".
اعتقال المقدسي بتهمة ازدراء النظام
استقر المقدسي في المملكة الأردنية الهاشمية عام 1992، ليدعو الناس إلى ما سماه "أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت" وبدأ بإعطاء عدد من الدروس، والاتصال بعدد من الإخوة ممن كانت لهم مشاركة في الجهاد الأفغاني وغيرهم.
ومع بدء انتشار هذه الدعوة السلفية في عدد من مناطق المملكة الهاشمية، تم اعتبارها مخالفة للقوانين الأردنية، وتم اعتقال المقدسي بتهمة ازدراء النظام، وتنبهت السلطات الأمنية لنشاط المقدسي على إثر نشر كتاب "الديمقراطية دين"، الذي نشر ووزع مع الانتخابات البرلمانية، لتتم ملاحقة السلفيين، وكل من له اتصال بدروس الشيخ أو حيازة لكتاباته، واعتُقِل عددٌ منهم.
وفي عام 1994، اعتُقِل المقدسي مع عدد من الموحدين، ومن ضمنهم من كان المقدسي قد أفتاهم بجواز القيام بعملية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، على إثر مذبحة المسجد الإبراهيمي في الخليل، وأمدهم بقنابل وفرها لهم، فحوكم في محكمة أمن الدولة الأردنية بخمسة عشر عاماً.
وكان المقدسي استغل مداولات محاكمته، لنشر دعوته المرتكزة على الدعوة إلى عبادة الله وحده واجتناب عبادة الطواغيت بجميع أنواع العبادة، ومن ذلك التشريع الذي كان ينعته بشرك العصر، وذلك بإلقاء الخطب والدروس على الحضور من القضاة والمحامين والناس من داخل قفص الاتهام، وكتب رسالة سماها "محاكمة محكمة أمن الدولة وقضاتها إلى شرع الله"، سلمها إلى قاضي محكمة أمن الدولة كلائحة اتهام له وللنظام.
دعوة المقدسي من السجن
واصل المقدسي دعوته داخل السجن، وكتب العديد من رسائله هناك، وكان من أوائل ما كتبه في السجن سلسلة "يا صاحبي السجن أأربابٌ متفرقون خيرٌ، أم الله الواحد القهّار"، وقد ضمنها موضوعات متفرقة حول التوحيد، وملة إبراهيم، والعبادة، والشرك، ولا إله إلا الله ونواقضها وشروطها ولوازمها، فانتشرت الدعوة بين المعتقلين.
وكان المقدسي أمضى نصف مدة الحكم الذي حكمت به محكمة أمن الدولة في سجون الأردن ثم أفرج عنه، فواصل كتاباته ودعوته، واعتقل في أعقاب ذلك من قبل المخابرات الأردنية عدة مرات لفترات محدودة.
فتوى المقدسى بمشروعية التفجيرات
بعد تفجيرات سبتمبر 2001 أفتى المقدسي بمشروعية هذه العمليات ودافع عن المهاجمين، وألّف رسالة بعنوان "هذا ما أدين الله به"، ثم اعتقل على إثر ذلك لعدة أشهر، ثم خرج من المعتقل ليواصل دعوته وتحريضه على الإرهاب.