القس جيري فالويل.. اليميني المتطرف..وفكر "المسيحية الصهيونية"
الخميس 16/مايو/2024 - 11:33 ص
طباعة
روبير الفارس
يبقي اليمين المسيحي المتطرف في امريكا لاعبا اساسيا وحاضرا في السياسة الامريكية واليوم تمر الذكري الثامنة لوفاة واحد من رموز هذا التيار :القس جيري فالويل الذي ولد في 11 أغسطس 1933 بمدينة لينشبرج بولاية فيرجينيا الأميركية.
وشخصية فالويل تكونت في اطار متشدد منذ الصغر الامر الذى جعله يتوجه إلى دراسة الدين، وبعد تخرجه عام 1956 أسس كنيسة في مدينة لينشبرج تحت اسم توماس رود بابتيست تشيرش أو كنيسة شارع توماس المعمدانية، التي لم يحضر اجتماعها الأول سوى 35 شخصا.
اتخذ فالويل من كنيسته الصغيرة مركزا لإطلاق حملاته التبشيرية مبتدئا بدعوة أهل مدينته، وبعد عام واحد بلغ عدد أعضاء الكنيسة 864 عضوا، ويصل عدد أعضاء الكنيسة حاليا إلى حوالي 24 ألفا، كما بات يرتبط بفكره مئات المبشرين الإنجليكيين.
كل الوسائل
استخدام فالويل كل الوسائل المتاحه لنشر افكاره
فبعد أسابيع من إنشاء الكنيسة سعى فالويل لنشر مذهبه عبر أدوات جديدة، فقد بدأ عام 1956 بث برنامج إذاعي -تحول فيما بعد لبرنامج تلفزيوني- بعنوان "ساعة الإنجيل القديم"، وذلك على أحد الشبكات المحلية التابعة لقناة ABC الأميركية.وكان من اوائل رجال الدين الذين وظفوا التليفزيون في التبشير
كان الظهور المؤثر الأول للداعية المسيحي المتطرف جيري فالويل على الساحة السياسية والإعلامية الأميركية في عام ,1979 عندما أسس حركة الأغلبية الأخلاقية Moral Majority والتي جذبت الملايين من أتباع الكنائس الإنجليكانية Evangelical للمشاركة في الحياة السياسية، وكان من نتائج حشد فالويل لهؤلاء مساعدة مرشح الرئاسة المحافظ رونالد ريجان في تحقيق فوز ساحق على منافسه الديمقراطي الرئيس كارتر في انتخابات عام .1980
كان منهج فالويل في تفعيل دور الدين في السياسة، جلب السياسة إلى الكنيسة بالتوعية الانتخابية وحشد الأنصار بدلا من الذهاب بالكنيسة إلى السياسة، ومن ثم أصبحت الكنيسة وجهة ومركزا لحملات المرشحين السياسة خصوصاً في أوساط الحزب الجمهوري.
وفي هذه الأجواء ولد اليمين المسيحي قويا، وبات فالويل أبرز وجوهه ومتحدثا باسمه.
أما الهدف فكان فرض الأجندة الدينية وتغيير صورة أميركا العلمانية الليبرالية التي سادت في خمسينات وستينات القرن الماضي من خلال السعي لإلغاء الحظر الذي فرضته المحكمة الدستورية العليا على إقامة الصلوات في المدارس وتغيير مسار المجتمع الأميركي العلماني فيما يتعلق بحقوق المرأة والإجهاض وحقوق المثليين.
لم تكن الأفكار التي دعا عليها فالويل جديدة على المجتمع الأميركي الذي يتسم أفراده بالتدين وميلهم إلى المحافظة بصورة عامة، لكن نبرة التشدد والتطرف التي صاحبت تصريحات وأراء القــس قد صدمــت قطاعـــات كبيرة من الشعب الأميركي، ووضعته في خانة رجــال الدين المتشددين مقارنة بزميله في قــيادة تيار الصحـــوة المسيحــية الثالثة في تاريخ الولايات المتحدة وهو القس بيل جراهام.
وعلى رغم أن أتباع وأنصار القس الأصولي نظروا إليه باعتباره مدافعا أمينا عن الأخلاق والقيم المسيحية، فإنهم قد شعروا مرات عدة بخجل من تصريحات فالويل، فقد ذكر ذات مرة أمام حشد من القساوسة أن المسيح الدجال Anti-Christ هو شخص يهودي يعيش في عالمنا الآن. أما القشة التي قصمت ظهر البعير وجعلت منه شخصية مكروهة ومتطرفة في نظر معظم الأميركيين.
فكان تصريحه بعد يومين من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في البرنامج التلفزيوني الذي يقدمه زميله المتشدد القس بات روبرتسون بأن مسؤولية هذه الهجمات تكمن في غضب الرب وعدم رضاه عن أميركا غير الأخلاقية، حيث قال إني أسدد أصبعي في وجـــوه دعاة الشرك بالله وانتشار المعاصي مثل الإجهاض والشذوذ الجنسي الذين يسعون إلى علمنة أميركا وأقول لهم أنتم تتحملون مسؤولية ما حدث.
أما العالم الإسلامي فيذكر القس فالويل من خلال تصريحاته التي أثارت سخطا إسلاميا ودوليا عندما وصف النبي محمد(ص) في برنامج ”ستون دقيقة” على شبكة CBS في عام 2002 بـ ”الإرهابي”، وأنه كان”رجلا عنيفا”.
حيث قال إنه يعتقد أن المسيح قد قدم نموذجا للحب، وقام موسى بفعل الشيء نفسه، أما ”محمد فقد قدم النموذج المناقض لهما”.
وكان من نتيجة حملة الإدانة الدولية تجاه تلك التصريحات أن قام فالويل بتقديم اعتذار قائلا إنه لم يقصد الإساءة إلى أي مسلم صادق ملتزم باحترام القانون.
كما أن اسم جيري فالويل يرتبط في ذهن العرب والمسلمين في العالم بدعمه اللا محدود لـ ”دولة إسرائيل” بناء على تفسيرات مسيحية أصولية تتعلق بعودة المسيح في نهاية الزمان
مع الصهيونية
يرتبط اليمين المسيحي لحد كبير بالصهيونية ويقوم بتفسير الانجيل لخدمة قيام دولة اسرائيل و في 14 أبريل 1998 نشر فالويل مقال بجريدة "يو إس إيه توداي" الأميركية ينتقد فيه إدارة الرئيس الديمقراطي بيل كلينتون لما اعتبره فالويل ضغطا تمارسه إدارة كلينتون على إسرائيل للقبول بخطة السلام الأميركية، وقال في مقالته تلك إن ضغط أميركا على إسرائيل "يجب أن يقلق كل من يأخذون على محمل الجد وعد إبراهيم بخصوص أرض إسرائيل"، وذلك في إشارة إلى إيمان المسيحية الصهيونية بأن الله وعد إبراهيم -عليه السلام- بأن يعيد أرض إسرائيل لليهود.
ورأي فالويل أن الخطط الأميركية من شأنها أن تحبط عميلة السلام التي "يمكن أن تنجح فقط إذا ما تركت للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين". وفي المقابل طالب بأن يقتصر دور الإدارة الأميركية على تسهيل وتحفيز المفاوضات وأن تبتعد عن التحكيم في الخلافات بين الجانبين أو الضغط على أطراف التفاوض، وهو تماما ما كانت تطالب به إسرائيل.
.وفي تحليله لشخصيته قال المذيع كريس كور إن الشعب الأميركي متدين ويتأثر بالشخصيات السياسة التي تدعو إلى الأخلاق المسيحية والصلاة والإيمان، ولكن عندما يتشدد السياسي المتدين ويفرض أجندته الأصولية على الجماهير، فإن مزاج الشعب الأميركي لا يتقبل هذا وينقلب عليه
فالويل واضافته لليمين
ارتبطت صورة اليمين المسيحي لسنوات لدى الشعب الأميركي بقيادات من أمثال جيري فالويل وبات روبرتسون وبيل جرهام، كما أن أتباع اليمين الديني ينظرون إليهم بوصفهم القادة التاريخيين والحرس القديم. لكن كثيرا من الناشطين في أوساط المحافظين يعتبرون أن حقبة هؤلاء وأجندتهم المثيرة للجدل مثلت لسنوات عبئا على اليمين المسيحي وشوهت صورة الإنجليكانيين لدى معظم الأميركيين.
وبالتالي فإن جيل الشباب من المحافظين وأتباع ذلك التيار يسعون لتحسين هذه الصورة وتجاوز خطابهم التقليدي القائم على مناهضة الإجهاض والمثلية الجنسية بإضفاء جوانب إنسانية اجتماعية يمكن أن تلقى تجاوبا وانسجاما مع المزاج العام الأميركي مثل الحماية من مرض الايدز والاهتمام بقضايا البيئة والتعليم.
ويعد هذا عكس ما كان يردده القس فالويل في كنيسته بمدينة لاينشبرغ بأن أنشطة قضايا البيئة في صفوف الانجليكانيين هي محاولة شيطانية لتشتيت تركيز جهود الكنيسة بعيدا عن مهمتها الرئيسية وهي نشر الدعوة
التطرف كان اسلوب شامل ومسيطر علي حياة فالويل،وهذا مادفع الكثيرين من رجال الدين المسيحي لرفض افكاره ،ومن اشهر هولاء الأسقف الكاثوليكي المتقاعد جون شيلبي سبونج الذى هاجم فالويل كثيرا في جريدة كاثوليك نيو تايمز متهما فالويل بأنه كان "داعية فصل عنصري"، وأنه امتدح نظام الأبارتيد الجنوب أفريقي باعتباره "حصنا للحضارة المسيحية" وواصفا نيلسون مانديلا بـ"الشيوعي" ".
وقد مات فالويل في 16 مايو2007