مصر والاقتصاد و"حقوق الإنسان" تحاصر مطامع أردوغان
الأحد 31/مايو/2015 - 05:20 م
طباعة
تتطلع أوساط إقليمية ودولية إلى الانتخابات البرلمانية التركية المقرر عقدها الأحد المقبل، فلا تشغل هذه الانتخابات بال المواطن التركى فحسب، فى الوقت الذى يعقد عليها الرئيس التركى رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية الحاكم آمالا كبيرة من أجل تعديل الدستور وتغيير نظام الحكم من برلمانى إلى رئاسى، خاصة أنه منذ أن تأسست الجمهورية التركية فى ١٩٢٣ برز نظام الحزب الواحد، إلى أن حصل الحزب الديمقراطى على الأغلبية فى انتخابات ١٩٥٠، وتولى زعيم الحزب عدنان مندريس رئاسة الحكومة فيما عرف بالجمهورية الثانية الذى دخلت به تركيا نظام التعددية الحزبية، ومنذ هذا التاريخ لم يحصل أى حزب على أغلبية مطلقة إلى أن تولى حزب العدالة والتنمية السلطة فى ٢٠٠٢، وهو الحزب الذى نجح فى الحصول على الأغلبية فى جميع الاستحقاقات الانتخابية آخرها الانتخابات الرئاسية فى أغسطس ٢٠١٤.
تظهر فى الصورة أحزاب رئيسية لها اليد العليا دائما فى اقتناص المقاعد، وأبرزها حزب العدالة والتنمية- الحزب الحاكم، وكذلك حزب الشعب الجمهورى أبرز أحزاب المعارضة، وكذلك حزب الحركة القومية، وظهر مؤخرا حزب الشعوب الديمقراطية الكردى، الذى يصفه البعض بالحصان الأسود والمؤهل بقوة لكى يكون رابع أقوى حزب سياسى فى البلاد فى حالة حصوله على ١٠٪ على الأقل من أصوات الناخبين.
يبلغ عدد مقاعد البرلمان التركى ٥٥٠ مقعدا، ويهدف حزب العدالة والتنمية لحصد ٤٠٠ مقعد من أجل تغيير الدستور دون الاحتياج لأى خطوات أخرى، مع الوضع فى الاعتبار أن عدد المقاعد التى حصل عليها فى المرة السابقة ٣١٧ مقعدا، مقابل ١٣٧ لحزب الشعب الجمهورى، و٥٢ مقعدا للحركة القومية، و٢٦ مقعدا لحزب السلام والديمقراطية، وأربعة مقاعد للحزب الديمقراطى الشعبى، و١٧ مقعدا أخرى للمستقلين وأحزاب أخرى.
وتأتى الانتخابات البرلمانية التركية فى ظروف صعبة ما بين اتهامات بانتهاك الحريات وحقوق الانسان داخليا، واتهامات بمحاولة التدخل فى الشئون الداخلية لدول أخرى، مثل مصر، وكذلك دور تركيا السلبى فى تسهيل مرور عناصر مقاتلى داعش، وعدم بروز استراتيجية واضحة تتناسب مع جهود الغرب فى منع تدفق المقاتلين الأجانب إلى تنظيم داعش فى سوريا والعراق.
أردوغان اعتاد انتقاد النظام الحاكم فى مصر منذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسى، ولا يترك أى مناسبة أو فعالية إلا وينتقد السلطات المصرية بزعم تراجع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، ويطالب المجتمع الدولى بالدفاع عن المعزول وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، وزادت حدة لهجة الرئيس التركى مؤخرا بعد إحالة أوراق مرسى وقيادات الإخوان إلى مفتى الجمهورية على خلفية قضايا متهم فيها، ويسعى جاهدا للاستقواء بالغرب، وفى الوقت الذى يستمر فيه أردوغان بالتدخل فى الشئون الداخلية لمصر بشكل دائم، سرعان ما اتهم صحيفة «نيويورك تايمز» بالتدخل فى الشئون الداخلية التركية بعد انتقادها سياساته الأخيرة فى تقرير لها بعنوان «غيوم سوداء فوق تركيا»، والحديث عن زيادة مساحة القمع فى قرارات الحكومة التركية الأخيرة، والإشارة إلى انتقادات أردوغان الشديدة لمجموعة دوجان الإعلامية التى تملك صحيفة «حرييت» بسبب تغطيتها لحكم الإعدام بحق الرئيس الأسبق محمد مرسى، ورد أردوغان على هذه الاتهامات بأنه تدخل مرفوض، مخاطبًا مسئولى الصحيفة بقوله «كصحيفة عليكم أن تعرفوا مكانكم».
وقبل إجراء الانتخابات البرلمانية رصدت الأوساط السياسية التركية أنه جرت العادة أن تبلغ نسبة المترددين فى اختيار مرشحى حزب ما والتصويت له ١٥٪ وتتقلص هذه النسبة إلى ٥٪ قبل أسبوعين من الانتخابات بعد أن تحسم غالبية الناس أمرها، إلا أن الملاحظ أن هذه النسبة لم تتقلص بعد رغم إجراء الانتخابات بعد أيام قليلة، إلى جانب أن هناك فئة ليست بقليلة كانت تصوت لصالح مرشحى الحزب الحاكم فى الانتخابات السابقة، ولكن بسبب صعوبات المرحلة الراهنة اضطرت إلى أن تعيد حساباتها من جديد، نتيجة تراجع الاقتصاد التركى، وتأثير التشابكات الإقليمية على ضخ مزيد من الاستثمارات الأجنبية فى الاقتصاد التركى، فإذا كان دخل الفرد قبل تولى أردوغان منصب رئيس الوزراء فى ٢٠٠٣ وصل إلى ٣٦٠٠ دولار، إلا أنه ارتفع فى ٢٠١٣ إلى ثلاثة أمثاله ليصل إلى ١١ ألف دولار، كذلك تجاوز حجم الناتج السنوى ٨٠٠ مليار دولار، إلا أن معدل النمو تراجع مؤخرا إلى ٢.٩٪ فى ٢٠١٤ بعد أن كان ٤٪ فى ٢٠١٣، كذلك تجاوز العجز فى ميزان المعاملات التجارية ٥٪ من الناتج المحلى الإجمالى العام الماضى، إلى جانب الانتهاكات الواسعة فى سجل حقوق الإنسان وكذلك حرية الصحف ووسائل الإعلام، حيث احتلت تركيا المركز ١٤٩ من بين ١٨٠ دولة فى مؤشر حرية الصحافة حسب تقرير «مراسلون بلا حدود» لعام ٢٠١٥، كلها أمور تزيد من أعباء الحكومة التركية بقيادة الحزب الحاكم فى إقناع هؤلاء بالتصويت للحزب من جديد.
ومن ناحية أخرى يتوقع مهتمون بالشأن التركى إمكانية حصول حزب الشعوب الديمقراطية على أكثر من ١٠٪ من أصوات الناخبين، فى ظل عوامل عديدة قد تساعد الحزب الكردى فى تحقيق أهدافه بالحصول على هذه النسبة، ويغازل الحزب الناخبين بتأكيده على أنه إذا رغب المجتمع التركى فى منع حزب العدالة والتنمية من الحصول على ثلثى المقاعد لإفشال مخطط أردوغان وحزبه فى تعديل النظام السياسى للبلاد، فلا بد من التصويت لحزب الشعوب، يأتى ذلك فى الوقت الذى يعتبر فيه كثير من المهتمين أن مشاركة حزب الشعوب الديمقراطى فى الانتخابات البرلمانية من أهم التطورات بعد أن اعتادت الكتلة الكردية ترشيح مستقلين لخوض الانتخابات، ومن ثم تشكيل تكتل لهم داخل البرلمان فيما بعد.
ويبدو أن نجاح صلاح الدين ديميرتاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطية الكردى فى الحصول على ٩٪ من أصوات الناخبين فى الانتخابات الرئاسية السابقة جعلته يخوض سباق الانتخابات البرلمانية بقوة وخلط الأوراق، ومزاحمة حزب العدالة والتنمية فى مقاعد البرلمان، ووصل به التحدى إلى تأكيده على التقدم باستقالته من منصبه إذا فشل حزبه فى الحصول على نسبة ١٠٪ من أصوات الناخبين التى ينص عليها القانون للتأهّل إلى البرلمان، ويعتقد ديميرتاش أن نجاحا فى تحقيق أهدافه يساهم فى إنهاء طموح حزب العدالة والتنمية فى تعديل النظام السياسى وتقوية صلاحيات رئيس الجمهورية، إلى جانب استئناف عملية السلام بين الحكومة التركية وحزب العمّال الكردستانى، بالإضافة إلى وضع دستور مدنى وديمقراطى جديد للبلاد.
وتبقى الإشارة إلى أن تعديل الدستور «عادة أردوغانية»، حيث سبق أن عدل البرلمان التركى الدستور لإفساح المجال لرجب طيب أردوغان، زعيم الحزب الحاكم السابق، ليرشح نفسه فى انتخابات فرعية كخطوة أولى كى يصبح رئيسًا للوزراء.
وكان أردوغان قد منع فى الثالث من نوفمبر ٢٠٠١ الماضى من ترشيح نفسه فى الانتخابات العامة عندما حقق حزب العدالة والتنمية بزعامته انتصارًا ساحقًا وأصبح أول حزب يشكل منفردا الحكومة فى تركيا منذ ١٥ عامًا، إلا أن أردوغان لم يتمكن من تولى منصب رئيس الوزراء بسبب إدانته قضائيًا، فى وقت سابق بتهمة إثارة الأحقاد الدينية.