توبيخ السلطان العثماني
الخميس 11/يونيو/2015 - 10:28 م
طباعة
أظهرت نتائج الانتخابات التركية التي أُجريت مؤخرًا، خسارة العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية، وليس الانتخابات برمتها، بعد أن حصل على 40% تقريبًا من أصوات الناخبين، إلى جانب حصول حزب الشعوب الديمقراطي المقرب من الأكراد على 13% في مفاجأة توقعها كثيرون، لتطيح بأحلام السلطان العثماني الجديد رجب طيب أردوغان في تحويل النظام السياسي إلى رئاسي بدلا من برلماني، في مفارقة معتادة من أردوغان، حيث سبق وأن لوَح في السابق بأن النظام البرلمانى والفصل بين السلطات هو النظام الأفضل لتركيا، ولكنه عاد بعد انتخابه رئيسا في أغسطس الماضي إلى كشف نيته في التحول إلى النظام الرئاسي.
وكما ذكرنا هنا في مقال سابق، أنه من المعتاد أن تبلغ نسبة المترددين في اختيار مرشحي حزب ما والتصويت له تبلغ حوالى ١٥٪، وتتقلص هذه النسبة إلى ٥٪ قبل أسبوعين من الانتخابات بعد أن يحسم غالبية الناخبين أمرهم، إلا أن الملاحظ أن هذه النسبة لم تتقلص قبل الانتخابات بأيام قليلة، إلى جانب أن هناك فئة ليست بقليلة كانت تصوّت لصالح مرشحى الحزب الحاكم في الانتخابات السابقة، ولكن بسبب صعوبات المرحلة الراهنة اضطرت إلى أن تعيد حساباتها من جديد، نتيجة تراجع الاقتصاد التركي، وتأثير التشابكات الإقليمية على ضخ مزيد من الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد التركي.
هذه الحيرة التي كانت تنتاب بعض الناخبين، إلى جانب غضب البعض الآخر من أنصار العدالة والتنمية من سياسات الحزب الداخلية والخارجية، وشطحات أردوغان تجاه الشئون الداخلية لبلدان أخرى، كان لها أثر بالغ في نتيجة التصويت، وخسارة ٤٪ من أصوات الناخبين الذين اعتادوا التصويت له، بعد أن توقع استطلاع شركة ORC لاستطلاعات الرأي في تركيا – والتي كثيرًا ما تكون نتائجها متقاربة مع النتائج النهائية للانتخابات- حصول حزب العدالة والتنمية على ٤٦٪، يليه حزب الشعب الجمهوري بـ25.3% ثم حزب الحركة القومية بـ 15.5% فحزب الشعوب الديمقراطي الكردي بـ 9% فيما تنال بقية الأحزاب الصغيرة ما مجموعه 4.2% من الأصوات، وهذه التوقعات تقترب من النتائج شبه النهائية المفترض إعلانها رسميًا خلال أيام، وحسب الأرقام شبه الرسمية حصل العدالة والتنمية على 40.88%، وحزب الشعب الجمهوري على 25.16%، وحزب الحركة القومية على 16.46%، بينما المفاجأة في حصول حزب الشعوب الديمقراطي 12.75%.
وهناك مؤشرات على أن عددًا كبيرًا من الأصوات التي حصل عليها حزب الشعوب الديمقراطي من اسطنبول، إلى جانب فقدان العدالة والتنمية لأصوات غير قليلة من الطبقات الفقيرة نتيجة خشيتهم على مستقبل الاقتصاد التركى، وعدم الرضا عن سياسات أردوغان الأخيرة، بالإضافة إلى اضعاف الحزب واستبعاد عدد من القيادات نتيجة النظام الأساسي للحزب الذى يمنع تولى المناصب لأكثر من ثلاث دورات متتالية، وهو ما أدى إلى خروج قيادات بارزة تتمتع بشعبية كبيرة دون تعويضها، وعدم الاستعانة بالحليف الأسبق عبد الله جول الرئيس التركي السابق، وخشية تعاطف المعارضين لأردوغان داخل الحزب وخارجه معه، وفشل زعيم الحزب ورئيس الوزراء أحمد داود أوغلو في جمع الناخبين وأنصار الحزب للتصويت بكثافة في هذه الانتخابات، لذا اصبح من الطبيعي أن يفقد الحزب الأغلبية التي تمتع بها خلال 12 عامًا مضت.
وبعد غياب وصمت دام أربعة أيام، ظهر الرئيس التركى في لهجة تصالحية نسبيا مقارنة بخطابات سابقة كان يصب هجوما شديدا على معارضيه في الداخل والخارج، ليتحدث عن ضرورة تشكيل حكومة ائتلافية من أجل تركيا، محملا الأحزاب كلها مسئولية ما تمر به تركيا اليوم، وضرورة الاستقرار لعدم تأثر الاقتصاد سلبيا بما يحدث، وسط تكهنات بإمكانية تشكيل حكومة ائتلافية بين العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري ثاني الأحزاب في ترتيب نتائج الانتخابات الأخيرة، في ظل عدم رغبة حزب الحركة القومية في التحالف مع الحزب الحاكم لاختلافه معه في الرؤية بشأن قضايا خارجية وكذلك القضية الكردية، كذلك يرفض حزب الشعوب الديمقراطي المشاركة في حكومة ائتلافية لعدم رضاه عن مساعي الحزب الحاكم في الهمينة والسيطرة على البلاد، إلى جانب رفض مطامع أردوغان في المضي قدما نحو مزيد من الصلاحيات وتعديل الدستور.
وكشفت نتائج الانتخابات الأخيرة نجاح الناخبين الأتراك في توبيخ أردوغان، والاعتراض على سياساته الأخيرة، وقراراته القمعية، وهو ما رصدته عدد من الصحف الأجنبية والمجلات السياسية المتخصصة، والتي كانت تراقب صعود نجم أردوغان خلال سنوات مضت، قبل أن يكشف عن نيته الاستبدادية ومحاولته استعادة الخلافة العثمانية، والاحتفال في 2023 بذكرى تأسيس الجمهورية التركية وهو على رأس الدولة باعتباره سلطان العصر الحديث، وهو ما برز من خلال بناء قصر فخم رغم انتقادات المعارضة وزيادة عدد الفقراء بحسب التقارير الرسمية حيث بلغوا 16 مليونًا و700 ألف، مع استعادة الزي العثماني للحقب التاريخية المختلفة في الحرس ورجال الشرطة بقصره الرئاسي.
كذلك أوضحت الانتخابات التركية الأخيرة أنه يمكن كسر أنف الحاكم المستبد بالصناديق مع شعب مؤهل للديمقراطية ويذهب بكثافة للتصويت بلا ضجيج أو تسول، حيث تصنف تركيا من البلدان التي تشهد كثافة في التصويت، بعد أن وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية 2011 حوالى 84%، بينما بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية السابقة حوالى 75%، أما الانتخابات البرلمانية الأخيرة بلغت نسبة المشاركة 86.31%.
كما قدمت لنا الانتخابات التركية درسًا في إجراء استطلاعات الرأي بشأن الانتخابات وغيرها من الأمور المهمة، فكثير من احداث مضت اختلفت فيها نتائج الاستطلاع مع النتائج النهائية، بينما في الانتخابات التركية اقتربت النتائج كثيرا من الاستطلاعات، وإن اختلفت المفاجأة في حزب الشعوب الذي استغل نقائص أردوغان وثغرات الحزب الحاكم في الوصول إلى معارضيهم وعرقلة مساعيهم الاستبدادية.
وقد كشفت الانتخابات الأخيرة صعود نجم صلاح ديميرتاش زعيم حزب الشعوب الديمقراطى، والذي سيكون مصدر إزعاج لأردوغان في الانتخابات القادمة، وربما يكون الرئيس التركي في الانتخابات بعد القادمة في حال لم تنجح محاولات "السلطان العثماني" في ملاحقة معارضيه!