حرب أردوغان علي العمال الكردستاني.. تساؤلات حول السلام الكردي التركي؟
الخميس 30/يوليو/2015 - 04:42 م
طباعة
فتحت الحرب التركية على حزب العمال الكردستاني، تاريخ الحروبات بين الجانبين، في ظل نجاحات الأكراد في حربهم ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"؛ مما يضع تساؤلات حول مدي دقة الحرب التركية وحقيقة أهدافها، في ظل عملية السلام بين الأكراد وحكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
هجوم أردوغان
يتخّذ الصراع التركي الكردي أبعادًا عدّة تحمل في طياتها خلفيات مباشرة وغير مباشرة وتأثيرات جمة على كل من المشهدين السياسي والأمني في انقرة . ولعلّ المتغيّرات الطارئة على المنطقة في الآونة الأخيرة، جعلت من هذا الصراع التاريخي يتّخذ شكلًا أكثر تفجّرا وعلنيّة .
فقد هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تصريحات زعيم حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرداش، التي اتهم فيها الرئاسة التركية بالتغاضي عن أنشطة الدولة الإسلامي "داعش".
ووصف أردوغان الخميس في العاصمة الصينية بكين، التي يزورها رسمياً، تصريحات دميرداش بأنها "تتسم بالوقاحة، وعارية تماماً عن الصحة"، مجددًا اتهامه للحزب الموالي للأكراد بصلته بـ"جماعات إرهابية"، في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني.
وقال أردوغان الخميس: إن "الرئاسة وصفتها الاعتبارية، أعلى من أن تهبط إلى هذا المستوى"، مطالبًا دميرداش بأن "لا يتجاوز حدوده".
واتهم أردوغان دميرداش بأنه "المسئول الأول عن مقتل 50 شخصًا في الاضطرابات التي شهدتها بعض المدن التركية في أكتوبر الماضي"، مضيفًا: "إن دميرداش، الذي يتمتع بالحصانة البرلمانية حاليًا، عمل دائمًا على تشويه عملية السلام الداخلي في تركيا وعرقلتها ومحاولة العودة بها إلى الوراء".
كما اعتبر أردوغان "أن دميرداش فشل في تبني موقف صريح تجاه منظمة بي كا كا (حزب العمال الكردستاني) الإرهابية، يماثل مواقف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، اللذين أعلناها منظمة إرهابية".
اتهامات دميرداش
ونفى السياسي الكردي المعارض صلاح الدين دميرداش، الثلاثاء ارتكاب أي مخالفات، وقال إن حزبه يتعرض لعقاب بسبب نجاحه في الانتخابات، التي أدت إلى فقدان حزب أردوغان (العدالة والتنمية) الغالبية في البرلمان.
وقال دميرداش رئيس الحزب أمام كتلته البرلمانية: "لم نرتكب جرائم لا تغتفر. جريمتنا الوحيدة هي كسب 13 % من الأصوات.
وأصبح حزب الشعب الديمقراطي المؤيد للأكراد وأحد أكبر الأحزاب الفائزة في الانتخابات الأخيرة في موقف دفاعي، معتبرًا أنه الهدف الأول لأردوغان. والحزب الذي حصد 13 % من الأصوات، ويشغل ثمانين مقعدًا تسبب إلى حد كبير في إخفاق حزب العدالة والتنمية في الحصول على الأغلبية المطلقة.
وكان دميرداش قال الأربعاء أيضا: "إن القصر الرئاسي له صلة بالهجوم الانتحاري في سوروج" في العشرين من يوليو الجاري، وراح ضحيته 32 قتيلاً، وأكثر من مئة مصاب.
ويتوزّع 40 مليون كردي على عدّة دول، منها تركيا بمعدّل النصف أي 20 مليون نسمة على أكثر من 21 محافظة تركية من إجمالي 90 محافظة، فيما يتوزع الرقم المتبقي على كلّ من سوريا العراق إيران ومنطقة صغيرة اخرى تسمى 'لاجين' الواقعة بين أرمينيا وأذربيجان، وذلك بنسب متفاوتة وفق تقرير صادر عن السّلطات التركيّة سنة 2011 .
تحذير ألماني
ومع استمرار العمليات العسكرية التركية ضد معاقل حزب العمال الكردستاني، أكد وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير ورئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني خلال اتصال هاتفي الثلاثاء، على ضرورة "استئناف عملية السلام" مع تركيا، بحسب ما أعلنت المتحدثة باسم شتاينماير الأربعاء.
وفي وقت يشن فيه سلاح الجو التركي غارات ضد قواعد المتمردين الأكراد منذ يوم الجمعة، "اتفق" المسئولان على أن "تصعيد الوضع لا يخدم إلا المتطرفين"، وفقًا للمتحدثة نفسها خلال مؤتمر صحافي.
وقالت: إن الوضع الحالي "صعب"، لكن "متابعة عملية السلام هي أفضل ما هو موجود لمستقبل تركيا".
ووفقًا للمتحدثة فإن "المدير السياسي لوزارة الخارجية الألماني سيزور أنقرة" في تاريخ لم يحدد بعد، وسيلتقي سكرتير الدولة التركي للشئون الخارجية.
وكانت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل اتصلت الأحد برئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، وأكدت له "دعم ألمانيا (لتركيا) في مكافحة الإرهاب"، لكنها حثته على مواصلة عملية السلام مع الأكراد.
الهجوم التركي
وكانت القوات التركية قد كثفت الليلة الماضية من غاراتها على مواقع حزب العمال الكردستاني (وهي جماعة كردية يسارية ذات توجهات قومية كردية تعمل لإنشاء دولة كردية مستقلة، ويتبع هذا الحزب عدة أحزاب أخرى هي حزب الحياة الحرة الكردستاني في «كردستان إيران» وحزب الاتحاد الديمقراطي في «كردستان السورية» وحزب الحل الديمقراطي الكردستاني في كردستان العراق)، الذي تصنفه كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بجانب تركيا، على أنه تنظيم إرهابي، في العراق وعلى مواقع لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سوريا.
ويحتدم الصراع بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني منذ عقود، رغم مسيرة مفاوضات السلام بين الطرفين التي انتهت باتفاق سنة 2013. إلا أن ذلك لم يدم طويلا لتعود الحرب على أشدها، خاصة بعد نجاح الأكراد في السيطرة على عدة مناطق في سوريا ومثلها في العراق، وهو ما أثار حفيظة أنقرة، وجعلها تدقّ ناقوس الخطر.
وفتح "الجبهة الكردية" سبقته عمليات ضد قوات الشرطة والجيش التركي، والتي أعلن حزب العمال الكردستاني مسئوليته عنها. هذه العمليات اعتبرتها السلطات التركية كبرهان على أنه لا يمكن استمرار الحوار مع الأكراد، الذي بدأ عام 2013. أي أنه من حق الجيش التركي القيام بعمليات عسكرية ضدهم حتى ضد مواقعهم داخل العراق.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قد قال الثلاثاء إنه من المستحيل مواصلة العملية السلمية مع حزب العمال.
ضرب مكاسب الأكراد
استغل الرئيس التركي فرصة محاربة تنظيم "داعش" لكبح جماح خصمه اللدود، العمال الكردستاني. لكن المراقبين يرون أن ضرب الانفصاليين الأكراد يهدف أيضاً إلى صرف الأتراك سياسياً عن كل الخيارات، باستثناء خيار واحد: أردوغان.
ويعتبر معارضون أن ضرب حزب العمال يرمي إلى استعادة حزب العدالة والتنمية المبادرة قبل إجراء انتخابات برلمانية مبكرة في حال سقوط خيار الائتلاف الحكومي؛ وذلك عبر إضعاف حزب الشعوب الديمقراطي الذي كان قد نجح في اجتياز عتبة الـ10 بالمئة الضرورية لدخول المجلس النيابي.
وبالنسبة لأردوغان، فإن حزب الشعوب الديمقراطي الكردي نجح في اجتياز هذه العتبة، وبالتالي حرمان الحزب الحاكم من الأغلبية المطلقة بالبرلمان لأول مرة منذ 10 أعوام، بفضل التعاون مع الحكومة التركية خلال عملية التفاوض مع زعيم حزب العمال الكردستاني، عبد الله أوجلان.
وبعد أن سقط في الجولة الانتخابية بـ"ضربة السلام المؤقت" مع الأكراد وبصوت الناخب الكردي، وجد أردوغان بالهجوم الذي نسب لداعش واستهدف ناشطين أكراد في تركيا ذريعة، كما يرى المعارضون، لرد الصاع الصاعين عبر إضعاف الكرد من جهة، واستقطاب القوميين الأتراك من جهة أخرى.
وبالإضافة إلى خيار إجراء انتخابات مبكرة يسقط فيها "الشعوب الديمقراطي"، يبدو أن أردوغان يسعى من خلال الحملة العسكرية على الأكراد إلى استثارة الحس القومي التركي، لحث الأحزاب الأخرى الفائزة بالانتخابات، ولا سيما حزب الحركة القومية، لتشكيل ائتلاف حكومي مع العدالة والتنمية.
بيد أن الأهداف الكامنة وراء إطلاق المعركة الخارجية لتحقيق مكتسبات داخلية لا تقتصر على الخيارين الأخيرين، بل تتعداها، كما يؤكد معارضو "السلطان"، إلى تضييق الخناق على الأكراد الأتراك عبر محاولة القضاء المنهجي على حزب الشعوب الديمقراطي تحت شعار حماية "الأمن القومي".
المشهد التركي
يبدو أن العملية العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني تهدد عملية السلام التي خاضتها الحكومة التركية مع الأكراد خلال أكثر من عقد الزمان، ويهدد علاقة تركيا بالاتحاد الأوروبي في ظل اللوبي الكردي بالدول الأوربية، وخاصة ألمانيا، فهل سيتخطى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أزمة الحرب على الأكراد، أم أن الحرب ستسمر خلال المرحلة المقبلة؟