البراجماتية الإيرانية بين "الموت لأمريكا" و"اتفاقات المصالح"

السبت 29/أغسطس/2015 - 02:30 م
طباعة البراجماتية الإيرانية
 
 لا تكف الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن الهجوم على الولايات المتحدة الأمريكية ووصفها بأقبح الالفاظ والعبارات وفي نفس الوقت تتفاوض معها في العلن والخفاء؛ من أجل تحقيق مصالحها والوصول إلى أهدافها.
البراجماتية الإيرانية
 ومن أبرز ما صدعت به دولة الخميني رءوسنا على مدار سنوات هو شعار "الموت لأمريكا" و"الموت لإسرائيل"، ولكن المفاجأة الجديدة للبراجماتية  الإيرانية  بعد الاتفاق النووي مع الغرب مؤخرًا ما أعلنه العقيد حميد رضا برات زادة، قائد قوات الباسيج التابعة للحرس الثوري الإيراني، في منطقة "قائنات" التابعة لمحافظة خراسان الجنوبية، أن شعار "الموت لأمريكا" ألغي في الكثير من المساجد في إيران لأن المساجد لم تبنَ فقط لأداء فرائض الصلاة والعبادات، بل وجدت لتكون مكانا لمواجهة الاستكبار العالمي. 
 وتابع: "إن النشأة الحقيقية لروح مقاومة الاستكبار والتضحية تبدأ من المساجد، وكل ما نملكه نحن في إيران مرتبط بهذه الشعارات، وبروح المقاومة التي تواجه الاستكبار الإعلامي بقوة وشراسة، وهذا ما تعلمناه من الإمام الحسين في كربلاء ولذلك يجب الحفاظ والسيطرة على المساجد في إيران من قبل المؤسسات التابعة للحرس الثوري الإيراني؛ لأن المساجد المكان الأفضل لاستقطاب وتجنيد عناصر جديدة للباسيج" . 
البراجماتية الإيرانية
 إيران دائمًا ما تستخدم العديد من التصريحات لمن يسمون أنفسهم بالإصلاحيين لخدمة أهدافها، وتحقيق نمو أكبر للتيارات المتشدد داخلها، ومنها ما أعلن عنه أكبر هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الأسبق والرئيس الحالي لمجلس تشخيص مصلحة النظام في إيران، بالتخلي عن شعار "الموت لأمريكا"، وأن الخميني مؤسس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران نفسه كان مع إلغاء هذا الشعار، وأن إعادة فتح السفارة الأمريكية في طهران ليس أمرًا مستحيلًا، ولقد تجاوزنا المحرمات، في إشارة واضحة إلى تجاوز الشعارات الإيرانية الثورية التي تحرم العلاقة مع "الشيطان الأكبر" منذ الثورة الخمينية عام 1979
البراجماتية الإيرانية
 المداعبة الإيرانية للولايات المتحدة وصلت إلى درجة أن رُفع علم الولايات المتحدة الأمريكية في شهر مايو 2015م، في العاصمة طهران إلى جانب أعلام الدول المشاركة ضمن فعاليات مهرجان أفلام "فجر"، بل وزيارة وفد أمريكي في أبريل 2015م، ضم تجاراً وأحد أعضاء مجلس الشيوخ إلى طهران ليرد المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله على خامنئي، محذرًا من النفوذ الأمريكي تحت مظلة الاتفاق النووي، قائلا: "تسعى الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الاتفاق النووي إلى أن تخترق المجتمع الإيراني وتؤثر على بعض النخب في إيران، ولكننا سنقاوم هذه السياسة بقوة".
ولكن على أرض الواقع حديث خامنئي مجرد تصريحات رنانة حيث تتفق إيران مع الغرب بصفة عامة، والولايات المتحدة بصفة خاصة، على أن العدو المشترك بينهما هو الجماعات السنية المسلحة، وقد تعاونا من قبل ضد هذه الجماعات، القادم سيحمل مزيدًا من التعاون بينهما لمواجهة الحركات الجهادية في المنطقة وهو امتداد قديم منذ العلاقات السرية بعد موت الخميني، في عهد رفسنجاني، حيث تم التنسيق بينهما خلال حرب الخليج الثانية، وكانت الفرصة مواتية للقضاء على العراق العدو اللدود لإيران وعقب أحداث سبتمبر عام 2001، وبعد احتلال العراق أيضًا، أعطت أمريكا الضوء الأخضر لضرب الإسلام السني والحركات الإسلامية السنية في العراق وسوريا، وتحقيق إيران حلمها بتصدير الثورة وأمة الحزام الشيعي، ومحاصرة العالم الإسلامي السني.
البراجماتية الإيرانية
أفعال النظام الإيراني وتصريحات قادته المتناقضة حول الولايات المتحدة كعدو والولايات المتحدة كشريك في الصفقات الاقليمية والدولية تؤكد أن إيران تمارس البراجماتية السياسية بكل ذكاء؛ وذلك لعدة أسباب يمكن تلخيصها فيما يلي: 
1- تأمين مستقبل النظام الثوري الإيراني وإظهار مدى قوته على التصدي لأي محاولات لتقويضه. 
2- التغلب على الصراعات والانقسامات الداخلية من خلال إحداث توافق بين النخبة والشعب. 
3- القضاء على المشكلة المركزية التي تواجه إيران وهي الاقتصاد، الذي ما كان له أن يستقر في ظل وجود العقوبات الدولية والتي فك عقدتها النظام بهذه البراجماتية التفاوضية.
4- تقليل المخاوف من اندلاع حرب في المنطقة باعتبار أن الولايات المتحدة هي من تحمي الاتفاق النووي، وتحمى أيضًا الاستقرار في منطقة الخليج العربي.
5- التقليل من حالة الاحتقان السياسي والمتزامنة مع الأزمات المتلاحقة في المنطقة.
6- إقناع الغرب بضرورة استعادة إيران لدورها التقليدي في الخليج، وهو ما كانت تمارسه قبل قرابة نصف القرن أيام الفترة “البهلوية”.
البراجماتية الإيرانية
مما سبق نستطيع أن نؤكد على أن النظام الإيراني يتعامل مع الغرب والولايات المتحدة ببراجماتية شديدة يحقق به مصالحها وفي نفس الوقت يريد إيهام شعبه بأن أمريكا الشيطان الأكبر ويجب الموت لها. 

شارك