موسى الصدر.. الإمام المختفي
الإثنين 31/أغسطس/2020 - 09:00 ص
طباعة
ولد موسى بن صدر الدين بن إسماعيل بن صدر الدين بن صالح شرف الدين، في 4 يونيه 1928 في مدينة قم بإيران، من عائلة من كبار العلماء العاملين التي تعود جذورها إلى صالح شرف الدين من قرية شحور العاملية في جنوب لبنان، ويعود نسبها إلى موسى بن جعفر.
تعليمه:
في 1934 التحق بمدارس قم الابتدائية، وأنهى دراسته الثانوية في العام 1947،
وفي 1941 دخل الحوزة العلمية وتابع تحصيل العلوم الفقهية وصولاً إلى درجة الاجتهاد في مدينة قم الايرانية.
في 1950 التحق بجامعة طهران، كلية الحقوق، قسم الاقتصاد، وتخرج منها سنة 1953، وكان أول معمّم يتلقى العلوم الحديثة في الجامعة، كما استمر في الدراسة والتدريس في الحوزة.
كما عمل الصدر مع آخرين من الشباب الجامعي على التصدي للدعاوى الرائجة آنذاك المعادية للإسلام كالماركسية وغيرها
في الحوزة العلمية:
كان الصدر من المتابعين لحركة تأميم النفط 1952، متواصلًا مع آية الله كاشاني ورئيس حركة "فدائيان إسلام" نواب صفوي والذي كان يعقد اجتماعاته السرية آنذاك في منزل آية الله العظمى صدر الدين الصدر (والد الصدر).
في 1954، سافر إلى النجف الأشرف بالعراق لإكمال دراسته تحت إشراف المرجع الأعلى للطائفة الشيعية محسن الحكيم الطباطبائي وزعيم الحوزة العلمية آية الله أبو القاسم الخوئي، الي جانب المرجع الطباطبائي والخوئي، كان هناك تتلمذ الصدر في النجف الأشرف علي يد آية الله محسن الحكيم، آية الله الشيخ مرتضى آل ياسين، وآية الله عبد الهادي الشيرازي، وآية الله الشيخ حسين الحلّي، وآية الله الشيخ صدر بادكوبه، آية الله محمود الشاهرودي
وفي النجف شارك في "جمعية منتدى النشر" في النجف الأشرف والتي كان من اهتماماتها عقد الندوات الثقافية ونشرها، كما كان عضوًا في هيئتها الإدارية، كما التقي موسي الصدر، بآية الله محمد باقر الصدر وهو ابن عمّه.
ولكن في 1958عاد إلى حوزة قم العلمية وشارك في تأسيس مجلة "مكتب إسلام" كما تولى رئاسة تحريرها، وله فيها مقالات عدة. وكان لهذه المجلة، وهي أول مجلة ثقافية إسلامية صدرت في الحوزة العلمية في مدينة قم، أثر مميز في تشكيل الوعي النهضوي في إيران.
كما شارك مع آخرين (منهم آيات الله: بهشتي، آذري قمي، مكارم شيرازي) في تدوين مشروع إصلاح المناهج العلمية في الحوزة، وانتمي الصدر إلى الحلقة الفكرية التي قام برعايتها محمد حسين الطباطبائي، والذي وصفه الصدر بعلامة العصر. وكان إلى جانبه في هذه الحلقة الشيخ مرتضى المطهري.
وفي إطار هذه الحلقة اكتسب الصدر تكويناته الفلسفية، تلك التكوينات التي ترجع في أصولها إلى مدرسة الملا صدرا المعروفة بمدرسة الحكمة المتعالية. وهي المدرسة التي مثل فيها الطباطبائي مرحلة متقدمة في تطورها الفلسفي المعاصر. وظهر على الصدر تعلقا بفلسفة الملا صدرا الذي بالغ في تعظيمه وتبجيله، ومن المعروف أيضاً أن الصدر كان ينتمي في إيران إلى تيار الفكر الديني الذي يتواصل مع العصر، وينفتح على العلوم والمعارف الحديث، ويتبنى اتجاهات الإصلاح والتجديد. وإلى هذا التيار كان ينتمي محمود الطالقاني، و محمد البهشتي، والشيخ مرتضى المطهري، والمهندس مهدي بازركان، والدكتور علي شريعتي، وآخرين أيضاً. وهؤلاء كان لهم أعظم الأثر في بلورة وصياغة الاتجاهات الحديثة والمعاصرة في الفكر الديني، وفي انبعاث النهضة الدينية داخل الجامعات الإيرانية. وتناغماً مع هذا الاتجاه جاءت المقالات التي نشرها الصدر حول الاقتصاد في المدرسة الإسلامية، ووصلت إلى اثني عشر مقالاً. وقد كانت هذه المقالات في وقتها لافتة، وتعبر عن ملامح التجديد في الفكر الديني آنذاك. قد امتدت دراسته الحوزوية لأكثر من عقد من الزمن، وبعد اجتيازه مرحلة المقدِّمات (والسطوح المتوسطة والعالية) شارك في حلقات بحث الخارج في الفقه والأصول بالإضافة الى الفلسفة عند أساتذة الحوزة المشهورين، ومن أبرز أساتذته في حوزة قم العلمية: آية الله علوي أصفهاني، وآية الله المحقِّق الداماد، وآية الله رضا الصدر (أخوه) لكن في نهاية 1959 غادر قم الي لبنان، بعد وفاة عبد الحسين شرف الدين، نتج عن ذلك فراغ كبير في لبنان، فبادر المرجع الأكبر محسن الحكيم إلى ملئه عبر إقناع الصدر (تلميذه آنذاك) بالذهاب إلى "صور"، وأرسل معه رسائل عديدة إلى وجهاء الشيعة وأعيانهم يخبرهم فيها عن ميّزات ومواهب الصدر.
في لبنان:
وقدم موسي الصدر الي مدينة صور- لبنان في أواخر 1959 وبدأ العمل فيها كعالم دين خلفًا للإمام عبد الحسين شرف الدين بعد زيارتين سابقتين في 1955 و1957، وذلك بتشجيع ومباركة من المرجع الشيعي الأكبر البروجردي.
وبعد وصوله الي لبنان بعام، وفي 1961 أطلق الصدر عمله الاجتماعي المؤسساتي بدءًا بإعادة تنظيم هيكلية جمعية البر والإحسان، ومرورًا بإنشاء مؤسسات عامة تعنى بالشؤون التربوية، المهنية، الصحية، الاجتماعية والحوزوية، وقد أثمرت هذه النشاطات إنجازات عديدة كان أهمها إعطاء المرأة دورًا أساسيًا في العمل الاجتماعي والتنموي بدءًا باستحداث دورات محو الأمية، والقضاء على ظاهرة التسول في مدينة صور وضواحيها من خلال مشروع دعم يتضمن برامج صحية، اجتماعية وإنشاء صندوق الصدقة، كما أنشأ مؤسسة جبل عامل المهنية وأسند إدارتها إلى الشهيد الدكتور مصطفى شمران وكان لها الدور الأساسي في تخريج المجاهدين الذين تصدوا للاعتداءات الإسرائيلية منذ بداياتها، وحققوا الانتصارات للبنان.
ثم باشر الصدر التعاون والعمل المشترك مع أعضاء «الندوة اللبنانية» بعد أن استضافته لإلقاء محاضرة حول الوضع في لبنان ومواضيع أخرى. كانت «الندوة» التي أشرف عليها الأستاذ ميشال أسمر تضم العديد من الشخصيات الفكرية والثقافية والعلمية والاجتماعية والسياسية من الطوائف اللبنانية كافة.
وفي مدينة صور، نجح في القضاء على التسوّل والتشرّد، وفي شدّ أواصر الأخوة بين المواطنين من مختلف الطوائف، وشارك في "الحركة الاجتماعية" مع المطران غريغوار حداد في عشرات المشاريع الاجتماعية. وساهم في العديد من الجمعيات الخيرية والثقافية، وأعاد تنظيم "جمعية البر والإحسان" في صور وتولى نظارتها العامة، وجمع لها تبرعات ومساعدات أنشأ بها مؤسسة اجتماعية لإيواء وتعليم الأيتام وذوي الحالات الاجتماعية الصعبة ثم أنشأ مدرسة فنية عالية باسم "مدرسة جبل عامل المهنية" وأنشأ مدرسة فنية عالية للتمريض وكذلك مدرسة داخلية خاصة للبنات باسم "بيت الفتاة"، كما أنشأ في صور معهد الدراسات الإسلامية.
وفي مارس 1974 دعا إلى مهرجان بعلبك (حضره مئة ألف شخص) ومهرجان صور في مايو من نفس العام (حضرة مئة وخمسون ألف شخص) حيث أقسم الجميع مع الصدر على عدم الهدوء حتى لا يبقى محروم أو منطقة محرومة في لبنان وأدى ذلك إلى ولادة «حركة المحرومين» وإصدار «وثيقة المثقفين» المؤيدين لحركة الصدر المطلبية التي وقعها أكثر من 190 شخصية من قادة الرأي والفكر في لبنان، يمثلون كافة الفئات والطوائف اللبنانية.
الصدر ومكانة المرأة:
رأي الصدر ان للمرأة مكانة قوية في المجتمع ، فقد كان وضع النساء في لبنان والبنات آنذاك مأساوياً، ولم يكن مطروحاً يومها أمر الحجاب أو عدمه، بل كانت الخطورة في خلاعة المرأة التي فاق فسادها في لبنان كافة الدول الأخرى في الشرق.
ويقول الصدر: "اكتشفتُ أنّ السبب الرئيسي لهذا الانحراف هو الضياع الفكري والأميّة والابتعاد عن التعاليم الدينية، فقرّرتُ في البداية رفع مستوى الوعي الديني والأخلاقي، لكنّني واجهت عقبتين كبيرتين: 1) ضعف مشاركة النساء في النشاطات العامة، 2) اهتمامهن بالأزياء والموضة وأدوات التجميل.. فلم يكن ممكناً بدايةً دعوتهن لارتداء الحجاب الإسلامي، لذا قرّرنا اعتماد أساليب غير مباشرة، فأعلنت جمعية البِرّ والإحسان عن استعدادها لقبول عضوية النساء ومشاركتهن في نشاطاتها بفعالية، وهكذا، انتسبت للجمعية خلال مدة قصيرة أكثر من مئتي امرأة، وانتخبن ثمانية منهن كأعضاء شكّلن هيئة إدارية نسائية في السنة الأولى. وتطوّر نشاط النساء في الأعمال الخيرية نتيجة حُبّ التضحية والعطاء، فنالت إحداهن جائزة أفضل عضو فعّال في الجمعية لسنة 1960م، ولتطوير علاقتهن بأهداف الجمعية تم تكليفهن بتوزيع المساعدات الشهرية وزيارة العائلات الفقيرة، فأدّت هذه المهمّة الى تحقيق الارتياح النفسي وإحياء الأصالة الإنسانية في نفوسهن، وأدركن أنّ الحشمة والعفّة هي مقوّمات أساسية تضفي على شخصيتهن الحياء والعظّمة.
زعامة شيعة لبنان:
ظهر موسي الصدر في جنوب لبنان، في وقت كانت القيادة السياسيّة التقليديّة عند الشيعة في لبنان مُتنازعة بين آل الأسعد وآل حمادة، وزاد من حدّة الصراع أن صبري حمادة كان متزوّجاً (زواجه الثاني) بشقيقة كامل الأسعد. المصاهرة لم تزد الصراع بين العائلتين إلا حدّة، كما فعلت المصاهرة بين كمال جنبلاط ومي أرسلان. الرجلان تصارعا على رئاسة المجلس في كل فترة الستينيات إلى أن ضمنها الأسعد في وصول عضو تكتّله («الوسط»)، سليمان فرنجيّة إلى سدّة الرئاسة.
عرف الصدر كيف يستفيد من الصراع بين حمادة والأسعد، وقرّر مُبكّراً أن ينحاز إلى قيادة حمادة لأن الأخير كان أسهل في التعامل والتخاطب، وكان منفتحاً أكثر من المُتزمّت والمُتعجرف، كامل الأسعد، الذي ساهمت نواقصه وعيوبه في إنهاء الإقطاع السياسي عند الشيعة قبل اندلاع الحرب الأهليّة. كان المشروع الأوّل عند الصدر فصل التمثيل المذهبي للشيعة وتنظيمه عن باقي المذاهب الإسلاميّة.
وبعد أن وقف على أحوال الطائفة الشيعية ومناطقها ومؤسساتها في لبنان، ظهرت له الحاجة إلى تنظيم شؤون هذه الطائفة، باعتبار أن لبنان يعتمد نظام الطوائف الدينية وأن لكل من الطوائف الأخرى تنظيماً يختص بها، وكان قد أنشئ بالمرسوم الاشتراعي رقم 18 تاريخ 13 يناير 1955 تنظيم خاص بالطائفة الإسلامية السنية يعلن استقلالها، وأنشئ بعده بالقانون الصادر بتاريخ 7 ديسمبر 1962 تنظيم خاص بالطائفة الدرزية، بحيث بقيت الطائفة الإسلامية الشيعية وحدها دون تنظيم. فأخذ يدعو إلى إنشاء مجلس يرعى شؤون هذه الطائفة أسوة بالطوائف الأخرى، ولقيت دعوته معارضة من بعض الزعماء السياسيين في الطائفة ومن بعض القوى خارجها. واستمر متابعاً هذه الدعوة سنوات، وفي مؤتمر صحفي عقده في بيروت بتاريخ 15 أغسطس 1966 عرض آلام الطائفة ومظاهر حرمانها، بشكل علمي مدروس ومبني على إحصاءات، وبيّن الأسباب الموجبة للمطالبة بإنشاء هذا المجلس، وأعلن أن هذا المطلب أصبح مطلباً جماهيرياً تتعلق به آمال الطائفة. وأتت الدعوة نتائجها بإجماع نواب الطائفة الشيعية على تقديم اقتراح قانون بالتنظيم المنشود، أقره مجلس النواب(البرلمان اللبناني) بالإجماع في جلسة 15 أغسطس 1967، وصدقه رئيس الجمهورية اللبناني بتاريخ 19 ديسمبر 1967، وبمقتضاه أُنشئ "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" ليتولى شؤون الطائفة ويدافع عن حقوقها ويحافظ على مصالحها ويسهر على مؤسساتها ويعمل على رفع مستواها. ونص القانون المذكور على أن يكون لهذا المجلس رئيس يمثله ويمثل الطائفة ويتمتع بذات الحرمة والحقوق والامتيازات التي يتمتع بها رؤساء الأديان.
وعقب تأسيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلي، تم انتخاب موسى الصدر رئيسًا للمجلس، في 1969 وأعلن برنامج العمل لهذا المجلس. ووجه الصدر دعوة لتوحيد الشعائر الدينية بين المذاهب الإسلامية.
الصدر كان أبرع في السياسة من مهارته في إنتاج الفكر الديني (ما يُسمّى بـ«مؤلّفات الصدر هي مجموعة خطب ومقالات)، عرف كيف يخاطب الناس وكيف يبني لنفسه تأييداً في مدينة صور وضواحيها قبل ان تمتدّ قيادته إلى مناطق أخرى في الجنوب والبقاع. كما انه عرف مُبكّراً ان المال هو «حليب السياسة» كما يقول أهل بوسطن في أميركا. جمع حوله شلّة من رجال الأعمال الشيعة الجدد الذين لم يكونوا يدورون في أفلاك الزعامات الإقطاعيّة التي لم ينتموا إليها: هو استفاد من مالهم في حملاته ومشاريعه وهم طمحوا الى أن يلعبوا دورا سياسيّاً في حال نجاح الصدر في تفتيت القواعد الشعبيّة لزعمات الإقطاع الشيعي. تعرّف إلى كل عائلات الأثرياء في الجنوب، باستثناء تلك العائلات التي كانت محسوبة على كامل الأسعد الذي منع أياً من أنصاره من التعامل مع الصدر، وخصوصاً بعدما لعب الصدر دوراً سياسيّاً بارزاً في انتخابات 1972، ثم في الانتخابات الفرعيّة في النبطيّة في عام 1974، والتي كانت نذير نهاية الزعامة الأسعديّة.
الصدر ومسيحي لبنان:
اهتم بزيارة المراكز المسيحية الدينية والثقافية، فألقى الخطَب في الكنائس، وحاور الشخصيات المسيحية الدينية والعلمية والسياسية، وتمكن خلال مدة قصيرة أن يجذبهم الى التشيّع وشخصيته الاستثنائية.
أكد الصدر أن لبنان ضرورة حضارية للعالم وأن التعايش اللبناني هو ميزة لبنان الخاصة وأن السلام لقاء تاريخي محتوم بين الإسلام والمسيحية.
وتقدم الصدر بورقة عمل تحمل مقترحات حول الإصلاحات السياسية والاجتماعية تدعو إلى إعادة بناء الوطن ومؤسساته متمسكًا بصيغة العيش المشترك ومواجهة الخطر الصهيوني، وأكد فيها أن «لبنان وطن نهائي لجميع أبنائه».
الحرب الأهلية:
واجه الصدر موقفا صعبها وهو انطلاق الحرب الاهلية في لبنان خلال ابريل 1975 م، وسارع الصدر الى بذل المساعي الحميدة والجهود لدى مختلف الفرقاء لإيقاف نزيف الدماء والوصول الي حل قبيل تدمير لبنان، ووجّه نداءً عاماً نُشر في 15 أبريل1975م حذّر فيه من مؤامرات العدو ومخاطر الفتنة، ودعا اللبنانيين لحفظ وطنهم وفي قلبه مكان للثورة الفلسطينية، وناشد الثوّار الفلسطينيين لحفظ قضيتهم التي جعلت من قلب لبنان عرشاً لها.
ودعا الصدر عددًا كبيرًا من نخبة المفكّرين وممثلي الفعاليات اللبنانية إلى عقد اجتماع من أجل بحث وقف الحرب الأهلية، وشكّلوا من بينهم لجنة دعيت "لجنة التهدئة الوطنية"، وقد اجتمعت هذه اللجنة فوراً بممثل الثورة الفلسطينية وباشرت مهمتها لتهدئة الأوضاع وتحديد أسباب الفتنة ووضع الحلول الآنية والبعيدة المدى مسترشدةً بتوجيهات الصدر القاضية بوجوب المحافظة على تعايش الطوائف اللبنانية واعتماد الحوار والوسائل الديمقراطية سبيلاً لتحقيق الإصلاحات السياسية والاجتماعية ورفض القهر الطائفي ووجوب المحافظة على التعايش اللبناني الفلسطيني وصيانة الثورة الفلسطينية.
لما استمر القتال واستقالت الحكومة اللبنانية في 26 مايو 1975 م، ظهرت بعد ذلك صعوبات في وجه قيام حكومة جديدة، مما هدد بمزيد من تدهور الأوضاع، فاعتصم الصدر في 27 يونيو 1975 م في مسجد الصفا وأعلن: "نعتصم لنفرض على المواطنين الاعتصام عن السلاح الذي يُستعمل ضد اللبنانيين والإخوان.. إننا نريد أن نخنق صفحة العنف بصفحة العبادة والاعتصام والصيام، فالسلاح لا يحل الأزمة بل يزيد في تمزيق الوطن"..
وطالب بالإسراع في تشكيل حكومة وطنية تعيد السلام وتقيم المصالحة الوطنية على أسس واضحة يعاد بناء الوطن عليها وتلبّي مطالب المحرومين.
وعبّر الصدر عن نظرته للحرب اللبنانية بقوله: "إنّ انفجار الوضع اليوم يؤدي الى سقوط لبنان وتحجيم المقاومة وإلحاق الضرر الكبير بسوريا والقضية العربية، وهذا لمصلحة العدو".. لذا أكّد من البداية على المصالحة الوطنية في إطار أسس جديدة للوطن تحقّق العدالة الاجتماعية وتعالج الحرمان وتصون الجنوب.
وشارك الصدر في اجتماعات القمّة الإسلامية في "عرمون" (تكوّنت القمّة من رؤساء الطوائف الإسلامية وبعض كبار الشخصيات الإسلامية السياسية)، حيث رفضت الحكومة العسكرية ورحّبت بالمبادرة السورية التي أدّت الى الوثيقة الدستورية المعلنة من رئيس الجمهورية بتاريخ 14 فبراير 1976م.
واعتبر الصدر الوثيقة الدستورية مدخلاً للسلم النهائي في لبنان وأرضية للوفاق الوطني، ورأى أنّ أي تعديل لهذه الوثيقة يجب أن يمر عبر الطرق الديمقراطية والحوار الهادئ بالمستقبل، وعلى هذا الأساس استمر سماحته بتأييد الوساطة السورية (الرامية الى إنهاء الحرب وإجراء مصالحة وطنية) شاجباً بشدّة استئناف القتال وتوسيع رقعته في حرب الجبل.
أدرك الصدر أنّ إنهاء الحرب في لبنان يتطلب قراراً عربياً مشتركاً يسبقه وفاق عربي، فانتقل الصدر الى دمشق بتاريخ 23أغسطس1976، ومنها الى القاهرة في 2سبتمبر1976 محاولاً تنقية الأجواء بين البلدين وتوحيد مواقفهما من الحرب الداخلية من اجل إنهائها، وقد استمرت مساعيه حتي 13 أكتوبر 1976 تنقل خلالها بين البلدين، وبين السعودية والكويت، حتي نهاية 1976 حيث تقرّر فيهما إنهاء الحرب اللبنانية، وفُرض ذلك بدخول قوات الردع العربية.
الصدر والاجتياح الإسرائيلي:
على إثر العدوان الإسرائيلي على القرى الحدودية الجنوبية والذي ألحق خسائر جسيمة بأرواح المواطنين الأبرياء وممتلكاتهم وتسبّب بنـزوح أكثر من خمسين ألف مواطن من ثلاثين قرية حدودية، على اثر ذلك بادر بتاريخ 13-5-1970 الى دعوة الرؤساء الدينيين في الجنوب من مختلف الطوائف وأسّس معهم "هيئة نصرة الجنوب" التي أولت رئاستها للإمام الصـدر ونيابة رئاستها للمطران خريش (أصبح فيما بعد بطريركاً للموارنة)، وتبنّت هذه الهيئة مطالب الصدر لحماية الجنوب وتنميته.
طالب الصدر السلطة اللبنانية مراراً لتقوم بواجباتها في دعم الجنوبيين، لكنها لم تتجاوب بالشكل المطلوب، فأعلن هجومه ضدها ودعا الى إضراب وطني عام بتاريخ 26-5-1970، فلبّى الإضراب مختلف فئات الشعب، واجتمع مجلس النواب مساء ذلك اليوم وأقرّ تحت ضغط التعبئة العامة مشروع قانون يقضي بإنشاء مجلس الجنوب مهمته المساهمة في تعزيز صمود الجنوبيين والتعويض عن أضرار الاعتداءات الإسرائيلية والإنفاق على مشاريع وخدمات عامة.
تأسيس حركة أمل:
بعد انطلاقة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى وتأسيس حركة المحرومين وازدياد الترحيب الشيعي بهما يوماً بعد يوم، ومن أجل مواجهة الاعتداءات الخارجية على لبنان والتصدّي للاعتداءات الصهيونية، كان لا بد من تشكيل جناح عسكري لحركة المحرومين.
وبتاريخ 20-1-1975 م (في ذكرى عاشوراء) ألقى الصدر خطاباً ثورياً دعا فيه الشعب اللبناني الى تشكيل مقاومة لبنانية تتصدى للاعتداءات الصهيونية والمؤامرات التي تدبّرها إسرائيل، وقال سماحته: " إنّ الدفاع عن الوطن ليس واجب السلطة وحدها، وإذا تخاذلت السلطة فهذا لا يلغي واجب الشعب في الدفاع".
وهكذا، بدأ الصدر منذ ذلك اليوم وبشكل سري بناء أسس الجناح العسكري لحركة المحرومين، الى أن عقد مؤتمراً صحفياً بتاريخ 6-7-1975م أعلن فيه رسمياً عن ولادة أفواج المقاومة اللبنانية "أمل" وقدّمها بأنها أزهار الفتوّة والفداء ممن لبّوا نداء الوطن الجريح الذي تستمر إسرائيل في الاعتداء عليه من كل جانب وبكل وسيلة، فيما لم تقم السلطات المسؤولة بواجبها الدفاعي مقابل تلك الاعتداءات التي بلغت ذروتها على الوطن والمواطنين.
وجاء هذا الإعلان على اثر انفجار لغم بدورة عسكرية أدى الى استشهاد 26 وجرح أكثر من 70 في معسكر "عين البنّية".
ويقول الشهيد د. مصطفى شمران في هذا المجال: "منذ ذهابي الى لبنان في سنة 1971م نظّمتُ دروساً في الثقافة الإسلامية، وانتخبتُ من كل قرية واحداً أو اثنين من المعلّمين الملتزمين، فبلغ مجموعهم حوالى 150 شخصاً، واستمر نصفهم حتى النهاية ليشكّلوا النواة الأولى لحركة المحرومين في الجنوب وبهذا الأسلوب نظّمنا نخبة الشباب المؤمنين الذين أصبحوا فيما بعد كوادر حركة المحرومين وأفواج المقاومة اللبنانية "أمل"، وقد توجّه الشيعة أفواجاً أفواجاً للالتحاق بهذه النهضة الرسالية القائمة على أساس العقيدة الإسلامية ومدرسة علي والحسين (ع)، لكننا امتنعنا عن استقبالهم جميعاً لأننا لم نكن بقادرين على استيعابهم، فقرّرنا استقبال المعلّمين والطلاب لنصنع منهم الكوادر لأننا كنّا نعتبر أنّ جميع الشيعة أعضاء في حركتنا ولا داعي لتسجيل أسماءهم في سجلاتها، كما أنّنا لم نشأ أن تتحول الحركة الى دكّان يدخل إليها ويخرج منها كل فكر وإنسان متى يشاء، لا سمح الله تصبح عندها مثل بقية الأحزاب اللبنانية الفاسدة التي تعتمد على الكذب والاتهام وفرض الخوّات وسرقة أموال الناس والدولة وتوزيع المنافع والغنائم.
وقد أكّدتُ منذ البداية بأنّنا أسّسنا حركة وليس حزباً، وأردناها لتهذيب النفس بالدرجة الأولى وليس من أجل المنافع المادية والمصالح الشخصية، وذكرنا الأساس الفكري في البند الأول من ميثاق الحركة (الإيمان بالله..)، فطالما أنّ الإنسان لم يعرف الله ويؤمن به إيماناً حقيقياً لا يمكن أن ينضم الى صفوف الحركة، وأردنا انضمام الإنسان الذي يهدف من حياته لرضا الله، ويقاتل في سبيل الله، ويسعى ليكون خليفة الله في الأرض، وأن تكون صفاته وأعماله مظهر صفات الله وأعماله وباختصار أردنا نموذجاً يمثّل عليّ والحسين.
رحالاته:
سافر الصدر إلى عدة بلدان عربية وإسلامية وإفريقية وأوروبية، مساهماً في المؤتمرات الإسلامية، ومحاضراً، ومتفقداً أحوال الجاليات اللبنانية والإسلامية، ودارساً معالم الحياة الاوربية، ومتصلاً بذوي الفعاليات والنشاطات الإنسانية والاجتماعية والثقافية.
وبعدها بعامين وفي 1963، قام بجولة في أوروبا واستمرت شهرين، وعقب عودته الي لبنان اعلن أن هدف رحلته كان التعرف على الحضارات الجديدة والوقوف على مجالات التقدم فيها لجهة تطوير مناهج وأساليب العمل في المؤسسات الخيرية والاجتماعية الدينية، وأيضًا تعريفهم على الفكر والثقافة والحضارة الإسلامية.
وكان قد شارك في مراسم تتويج قداسة البابا بولس السادس بناء على دعوة رسمية وكان رجل الدين المسلم الوحيد الذي دُعي لهذه المناسبة. وساهمت لقاءاته في الفاتيكان، وكذلك في الأزهر الشريف، وعرضه لمعاناة الشعب الإيراني وعلماء الدين في ظل حكم الشاه في الحفاظ على حياة الخميني وتحريره من سجنه في إيران.
وفي عام1967 سافر الصدر إلى أفريقيا الغربية للتعرف على الجالية اللبنانية وتفقد شؤونها والعمل على ربطهم بوطنهم، كما التقى بالرئيس العاجي أُفويه بوانييه وبالرئيس السنغالي ليوبولد سنغور وقدّم لهما مساعدات رمزية باسم الجالية اللبنانية للأيتام في بلديهما، أثنى سنغور على بادرة مشيرًا إلى أنه يتتبع بكل اهتمام نشاطاته التي كان لها التأثير الكبير في بث شعور المحبة والإيمان بين المواطنين.
وإلى اليوم هناك من يتذكر مثل تلك اللقاءات كالعاهل السعودي الأمير عبد الله بن عبد العزيز الذي يعتبر أن الصدر هو الذي حدثه وعرفه عن الشيعة. وأشار الأمير عبد الله بهذا الكلام عند لقائه برجال الدين والمثقفين الشيعة في السعودية.
وفي عاك 1971 غادر الصدر لبنان في جولة شملت المغرب حيث ألقى محاضرة في كلية الشريعة في جامعة القرويين في مدينة فاس (بدعوة من الملك الحسن الثاني) وموريتانيا ونيجيريا ومصر حيث شارك في القاهرة في المؤتمر السادس لاجتماعات «مجمع البحوث الإسلامية» والذي كان عضوًا مشاركًا فيه منذ سنة 1968. وتقدم الصدر بمقترحات لمعالجة الأوضاع الوطنية والإسلامية في هذا المؤتمر.
وقام الصدر بزيارة جبهة السويس وأمضى عدة أسابيع فيها حيث اجتمع إلى العسكريين، وأمَّ الصلاة في مساجدها ودعا إلى وجوب التمسك بالدين وإعلان الجهاد المقدس في سبيل تحرير فلسطين، كما اقترح مشروع «سندات الجهاد» لتفعيل المشاركة على كافة المستويات الشعبية في الجهاد ضد إسرائيل.
كما وجه رسالة إلى القس البريطاني هيربرت و. أدامز حول حقيقة وضع الإنسان في منطقة الشرق الأوسط.
أكد أن وجود الطوائف في لبنان خير مطلق أما النظام الطائفي فشر مطلق أعطاه الإقطاع السياسي لون القداسة.
الصدر وسوريا:
وكان علاقة موسي الصدر، بالنظام الحاكم في سوريا قوية، للغاية، واتضح ذلك مع التدخّل العسكري السوري في عام 1976. كان الصدر قد تلقّى قبل ذلك انتقادات واسعة في أوساط جمهور الحركة الوطنيّة بسبب «قرار» تسليم النبعة إلى الكتائب، ودارت أحاديث عن صفقات سريّة لم يُعلم عنها شيء، بقي الصدر على تحالفه الوثيق مع النظام السوري، ما عرّض حركته لحملة عنيفة في حزيران 1976 عندما تعرّضت كل الميليشيات اللصيقة بالنظام السوري (مثل «اتحاد قوى الشعب العامل» و«منظمة البعث» و«الصاعقة».
غادر الصدر لبنان إلى سوريا ولم يعد إليه إلا بعدما انتشرت قوّات الردع العربيّة وانضمّت حركته إلى «الجبهة القوميّة»، وكانت بديل النظام السوري من «الحركة الوطنيّة».
الصدر والقضية الفلسطينية:
وكان للصدر موقف داعم للقضية الفلسطينية، فقد أثار حملة تعبوية إعلامية للدفاع عن الجنوب في وجه الاعتداءات الإسرائيلية على منطقة الحدود الجنوبية مطالبًا بتسليح المواطنين وتدريبهم للدفاع ووضع قانون خدمة العلم وتنفيذ مشاريع إنمائية مع دعوة الناس للصمود في قراهم وعدم النزوح.
قام بجولة على بعض العواصم الأوروبية دعمًا للقضية الفلسطينية فعقد مؤتمرًا صحفيًا في مدينة بون ـ ألمانيا الاتحادية أوضح فيه حقيقة القضية الفلسطينية وندد بمحاولات تهويد المدينة المقدسة.
وفي مقابلة صحافية في فرنسا قال: «إن مأساة فلسطين لطخة سوداء في الضمير العالمي، وإن نضال الشعب الفلسطيني هو دفاع عن الأديان وعن قداسة القدس، وإن إسرائيل دولة عنصرية توسعية، وإن لبنان بتعايش الأديان فيه ضرورة دينية حضارية».
وفي 1972، أصدر الصدر تصريحًا في بلدة جويا ـ جنوب لبنان، حول الأخطار المترتبة على تزايد الاعتداءات الإسرائيلية على الجنوب. ودعمًا لصمود الجنوبيين كثف الصدر تحركاته السياسية والإعلامية عبر: إصدار بيانات للرأي العام الوطني والعالمي، إلقاء المحاضرات والخطب في المساجد والكنائس والجامعات محذرًا من النتائج المترتبة على إهمال الدولة لتحمل مسؤولياتها تجاه الدفاع عن الجنوب وتنمية المناطق المحرومة.
الصدر وعبد الناصر:
وزار موسى الصدر مصر في أبريل 1969 للمشاركة في المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة ،والتقي بالرئيس جمال عبد النصار.
ويقول الصدر عن عبد الناصر :"كنت أعرف الكثير عن الرئيس جمال عبد الناصر عن طريق أحاديثه وخطاباته وعن طريق أصدقائي الذين عاشروه وجلسوا معه ولكني بالفعل شعرت عند مقابلتي له بفرق كبير بين مسموعاتي وبين الواقع الذي أحسست به.
ويصمت.. كأنه يستعيد في ذاكرته هذا اللقاء ويقول: في الحقيقة يمتاز الرئيس عبد الناصر بقدرة هائلة قلّ أن تتوافر في انسان في قوّة الأعصاب وذاكرة لا تبارى وثقافة واسعة.. وجاذبية فائقة تثير عواطف من يجلس اليه حباً واحتراماً واخلاصاً.. وهو مخلص وصريح ومؤمن بحتمية انتصار الأمة العربية في معركتها مع اسرائيل".
الرواية التي نقلها هادي خسرو شاهي عن اللقاء الذي جرى بين الصدر والرئيس جمال عبد الناصر في أبريل 1969م، بعد المشاركة في المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة، حيث نقل عن الرئيس عبد الناصر قوله (يا ليت كان للأزهر رئيس مثل موسى الصدر)
الصدر وايران
كان هناك علاقة قوية بين الصدر والخميني قائد الثورة في ايران، وعن هذه العلاقة يقول أحد صناع القرار الاساسيين في سورية خلال تلك الفترة وأحد شهود العيان المباشرين هو عبد الحليم خدام، النائب السابق للرئيس السوري حافظ الاسد، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» عن تلك الفترة قائلا: «قبل الثورة الإيرانية عام 1979 كانت لدى سورية علاقات مع العناصر التي تحضر الثورة الإيرانية من جماعة الخميني عبر موسي الصدر. موسى الصدر كان صديقنا وهو من جماعة الخميني. كان هناك حزب تحرير إيران، حزب تحرير إيران كان يعمل تحت عمامة موسى الصدر. وكان من هذا الحزب أول وزير دفاع في اول حكومة في إيران بعد الثورة الإيرانية وهو جمران. وكان جمران من حركة أمل اللبنانية. علاقة النظام في سورية مع الثورة الإيرانية والخميني كانت عبر موسى الصدر وجماعته. حتى أن المجموعة المحسوبة على موسى الصدر من إيران كلها كانت معها جوازات سفر دبلوماسية سورية». علاقة الصدر بعناصر قيادية في الثورة الإيرانية آنذاك دلت على ان الناشطين للتحضير للثورة الإيرانية لم يكونوا من رجال الدين فقط. في الواقع لم يكن رجال الدين إلا شريحة وسط شرائح اخرى عديدة؛ من بينها المثقفون من التيارات الوطنية والليبرالية والاسلامية القومية، بالإضافة الى طلاب وجامعيين. بمعنى آخر لم يكن للناشطين ضد شاه إيران آنذاك طابع ديني محض لدرجة ان اميركا اعتقدت ان التيار الليبرالي في الثورة الإيرانية الذي قاده شهبور بختيار (زعيم الجبهة الوطنية، احد اهم تيارات الثورة الإيرانية) وإبراهيم يزدي (أول وزير خارجية في حكومة إيران بعد الثورة) ومهدي بازركان (أول رئيس وزراء في حكومة ما بعد الثورة) هو الذي سينتصر، وان الخميني وجماعته ما هم سوى وقود للثورة سيخبو بريقهم وتأثيرهم بعد نجاحها.
وقبيل الثورة الاسلامية بقيادة الخميني، زار الصدر إيران في اوائل السبعينات وقابل شاه ايران وانقسم رجال الدين حول هذه الزيارة بين متفهم وشاجب لها ولم يعرف عن الخميني انه تناولها بكلمة سوء. وقد برر الصدر هذه الزيارة بأنها من أجل طلب العفو عن أحد عشر من رجال الدين والثوار صدر في حقهم حكم بالإعدام. ولكن الشاه لم يكن يريد أن يعطي هذه الفضيلة للصدر، لأنه يعرف موقعه، فنفذ حكم الاعدام وقد سبق للصدر أن بذل جهودا جبارة لمنع اعتقال تيمور بختيار الرئيس السابق للسافاك وقتها، والذي اتهم بالتآمر على الشاه، فلم يعتقل في بيروت ولم يسلم الى الشاه بجهود الصدر وانتقل الى العراق، حيث تم اختراق حراساته بفارين مبعوثين من الامن الايراني في طهران تواطأوا مع الأمن العراقي واغتالوه. وفي مقابلة مع جريدة «المحرر» اللبنانية عام 1974 قال الصدر ان علاقته بشاه ايران لم تكن عدائية ولكن المخابرات هي التي خربتها، خاصة بعد حركته المطلبية في لبنان (حركة المحرومين والمطالب الاجتماعية والسياسية لإنصاف الشيعة) وانزعاج أصدقاء الشاه اللبنانيين منها (مثل كميل شمعون وبيير الجميل وعدد من السياسيين الشيعة) فألغيت جنسيته الايرانية وسحب السفير الايراني منصور قدر (نائب رئيس السافاك سابقا) جواز سفره وبدأ العمل على تشويه سمعته بالتعاون مع عدد من السياسيين الموارنة والشيعة وعدد من رجال الدين الشيعة».
اختفاؤه في ليبيا
وصل الصدر إلى ليبيا بتاريخ 25 أغسطس 1978 يرافقه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، في زيارة رسمية، وحلوا ضيوفاً على السلطة الليبية في "فندق الشاطئ" بطرابلس الغرب.
وتحمل الطائفة الشيعية في لبنان النظام الليبي بزعامة القذافي مسؤولية اختفاء الصدر الذي شوهد في ليبيا للمرة الاخيرة في 31 اغسطس 1978 بعد ان كان وصلها بدعوة رسمية في 25 اغسطس مع رفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، الامر الذي تنفيه ليبيا.
وفي اغسطس 2008، وجه القضاء اللبناني اتهاما الى الزعيم الليبي بالتحريض على "خطف" الصدر بما يؤدي الى "الحث على الاقتتال الطائفي"، وهي تهمة تصل عقوبتها الى الاعدام.
وأعلن المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، في بيانات عدة، وخاصة في مؤتمرين صحفيين عقدهما نائب رئيس هذا المجلس في بيروت بتاريخ 31 أغسطس 1979 و10 أبريل 1980 مسؤولية معمر القذافي شخصياً عن إخفاء الصدر ورفيقيه، كما أعلنت هذه المسؤولية أيضاً منظمة التحرير الفلسطينية في مقال افتتاحي في صحيفتها المركزية "فلسطين الثورة" العدد 949 تاريخ 11 ديسمبر 1979. وأعلن أيضاً نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، أن ملوكاً ورؤساء عرب أبلغوه وأبلغوا ممثلي المجلس مسؤولية العقيد القذافي عن هذا الاخفاء.
وحتّى الآن لا يوجد أي تأكيد على ما إذا كان موسى الصدر ما زال على قيد الحياة أم لا، عائلته تؤكّد أنّه لا زال حيّاً، وهذا ما أكدته وتؤكّده شقيقته ة رباب الصدر في أكثر من مناسبة.
مؤلفاته:
له العديد من المحاضرات والأبحاث منها:" منبر ومحراب- الإسلام عقيدة راسخة ومنهج للحياة- روح الشريعة الاسلامية- التغيير ضرورة حياتية- الطائفية والشباب في لبنان".
بالإضافة إلى المحاضرات والابحاث هناك الكتب والمقالات، منها:" الإسلام وثقافة القرن العشرين- الإسلام والتفاوت الطبقي- معالم التربية القرآنية "دراسات للحياة"- معالم التربية القرآنية "أحاديث السحر"- المذهب الاقتصادي في الإسلام- أبجدية الحوار- القضية الفلسطينية وأطماع إسرائيل".
أسرته:
تزوّج الصدر في سنة 1956 م، وله من العمر 28 سنة، وأنجب أربعة أولاد، وهم: صدر الدين، وحميد، وحوراء، ومليحة.