ليبيا بين اقتسام السلطة واستمرار النزاعات

الإثنين 14/سبتمبر/2015 - 02:31 م
طباعة ليبيا بين اقتسام
 
يبدو أن الأوضاع في ليبيا تتعقد يومًا بعد الآخر، ولم يكتب لها الاستقرار، فمع كل مساعي ومحاولات البعثة الأممية بنجاح الحوار الليبي، يظهر في منتصف المفاوضات ما يعرقل المسيرة، سواء كان سببها المؤتمر الوطني المنتهية ولايته والمحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، أو البرلمان الليبي المعترف به دوليًّا.
ليبيا بين اقتسام
مع كل بادرة أمل على اقتراب الحلول، تتصاعد المطالب مجددًا، من جانب الأطراف المتنازعة، فقد يطالب المؤتمر الوطني المنتهية ولايته بما يتنافى مع مطالب البرلمان الشرعي في البلاد، مما يؤدى إلى تعقيد الأمور مجددًا، ما يؤشر كذلك على عدم توافق أي الطرفين واستمرار الوضع كما هو.
في هذا الصدد، يرى المحللون في الأوساط الليبية والعربية والأوروبية المعنية بالملف الليبي، أن تصريحات المبعوث الأممي لدى ليبيا برناردينو ليون تعكس تفاؤلًا ملحوظًا بعد أكثر من عشرة أيام من المواجهات السياسية بين طرفي النزاع.
وكان ليون أكد أمس الأحد 13 سبتمبر 2015 أن مفاوضات الحوار الليبي وصلت إلى مرحلة متقدمة وهامة، معتبرًا أن النص الختامي كان توافقيًّا بامتياز، وأن اقتسام السلطة هو الحل الأمثل لحل الأزمة الليبية.. على حد قوله.
وكان ليون، قد منح وفد المؤتمر العام المنتهية ولايته مهلة ثماني وأربعين ساعة لتقديم مرشحيهم لحكومة التوافق الوطني، واعتماد التعديلات التي أجريت في ختام المفاوضات.
وحول التعديلات التي طالب بها المؤتمر الوطني العام، قال بأنه سيتم إدراجها والتعامل معها في حزمة الاتفاق الشامل؛ لذلك اتهم أعضاء البرلمان الليبي المعترف به دوليًّا، المبعوث الأممي، بالتخاذل لصالح الإخوان والموافقة على كافة شروطهم الغير مشروعة.
ودعا ليون، المؤتمر الوطني، إلى تقديم ممثلين عنه لمناقشة المسار الأمني ضمن برنامج الحوار الليبي، الذي ترعاه البعثة الأممية.
وكان المؤتمر الوطني العام، والحكومة المنبثقة عنها، وجها رسالتين إلى الأمين العام للأمم المتحدة، استنكرا فيهما مساعي ليون للقاء قادة عسكرين وضباط بالجيش الليبي، دون التنسيق مع المؤتمر، ورئاسة الأركان المنبثقة عنه، فيما اعتبرت الحكومة مساعي المبعوث الأممي شقا للصف الليبي، وتفكيكا لبنيته الاجتماعية، وطالبت الأمين العام بالتدخل لوقف نشاطات ليون، التي وصفتها بالمشبوهة.
إلى ذلك أعلنت سرايا مسلحة تابعة للمؤتمر الوطني العام، اليوم الاثنين، في بيان لها، رفض قبول دعوة ليون للاجتماع بهم دون التنسيق مع رئاسة الأركان معتبرة طلبه خرقا للسيادة الليبية.
جدير بالذكر، أن رئيس المؤتمر الوطني العام، نوري أبوسهمين، وجه رسالة مساء السبت الماضي إلى المبعوث الأممي حذره فيها من الاتصالات بقادة في الجيش دون التنسيق معه، ملوحا بإمكانية عرض المسألة على القضاء الدولي والمحلي.
ليبيا بين اقتسام
وكشفت مصادر من فريق البرلمان الليبي المعترف به دوليًّا، المقيم في طبرق بقيادة عبدالله الثني، أن هناك توترًا كبيرًا ساد المفاوضات بسبب شروط المؤتمر الوطني المنتهية ولايته المرتبط بجماعة إخوان ليبيا.
وطالب وفد البرلمان، ليون بالضغط على وفد المؤتمر حتى تكون مقترحاته مقبولة مع ما تمّ الاتفاق عليه سابقًا، وأن لا يدخل الحوار في متاهة المقترحات المتناقضة.
في سياق آخر لم يبد ليون أي حزم تجاه مناورات المؤتمر، وكأن هدفه هو إرضاء ممثلي إخوان ليبيا وضمان مشاركتهم في الحكومة حسبما يرى أعضاء البرلمان المعترف به دوليًا.
ويضغط المؤتمر الإخواني للدفع نحو اختيار رئيس الحكومة من خارج قائمة الاثني عشر مرشحًا الذين قدمهم البرلمان للمبعوث الأممي.
ووفق مراقبون، فإن تصريحات ليون بأن اقتسام السلطة هو الحل الأمثل، سيحول المشهد السياسي في ليبيا "رأسا على عقب"، حتى إن مصادر مقربة من مختلف القوى السياسية الليبية التي تُشارك في حوار الصخيرات، أكدت أنه ولأول مرة منذ اندلاع القتال بين تلك القوى يتم الاتفاق على تقاسم السلطة وبناء حكومة مشتركة.
ويرى محللون أن الأمم المتحدة تقود مفاوضات بين كيانين شبه مستقلين وليس حوارًا بين أطراف مختلفة في كيان سياسي واحد، أن مثل هذا التوجه يهدد ليبيا بالانقسام.
ويرون كذلك أن هذا التحول قد لا يكتب له الاستمرار والنجاح، وتوقعوا فشله باعتبار أن مشكلة تجميع السلاح، وتفكيك الميليشيات المُسلحة التي هي ليست جزءًا من هذا الاتفاق ستشكل تحديًا حقيقيًّا لأي اتفاق مستقبلي.
ليبيا بين اقتسام
وبحسب المحلل السياسي الليبي كمال مرعاش، فإن ما تم خلال الأيام الثلاثة الماضية يرتقي إلى درجة الانقلاب على أسس المسار التفاوضي، نفذه برناردينو ليون الذي لم يعد يخشى اتهامه بالانحياز إلى فريق المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، حيث واصل ضغوطه على فريق مجلس النواب الليبي البرلمان الشرعي المُعترف به دوليا.
وقال مرعاش: إن أخطر ما في الأمر هو الوصول بعد أشهر طويلة من المفاوضات في الصخيرات وجنيف، إلى تقاسم للسلطة والشرعية في البلاد بين فريق غير شرعي وغير مُعترف به دوليا، وله ارتباطات وعلاقات بالميليشيات المتطرفة التي قسمت البلاد إلى مربعات أمنية وعسكرية، وفريق شرعي يحظى باعتراف المجموعة الدولية، مشيرًا إلى أن هذا التقاسم بدا واضحًا من خلال الموافقة على الاقتراح الذي قدمه ليون الذي ينص على تعديل ما جاء في اتفاقية الصخيرات، بشأن تركيبة المجلس الأعلى للدولة، بحيث تُصبح الاتفاقية تنص على أن يتألف المجلس الأعلى للدولة من 132 عضوا يحتفظ فيها المؤتمر المنتهية ولايته بالثلثين، ما يعني رضوخ ليون لمطالب المؤتمر الذي سيكون بإمكانه عرقلة صدور أي قرار عن هذا المجلس.
في سياق آخر، دعت الجزائر والنيجر وتشاد إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا، تتكفل بمواجهة التحديات التي يواجهها الشعب الليبي.
جاء ذلك في بيان مشترك، اليوم الأحد، عقب لقاء ثلاثي جمع الوزير الجزائري للشئون المغاربية والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية عبد القادر مساهل، ووزيرة الشئون الخارجية والتعاون والإدماج الإفريقي والنيجيريين في الخارج لجمهورية النيجر كان آيشاتو بولاما ووزير الشئون الخارجية والإدماج الإفريقي لجمهورية تشاد موسى فاكي ماحامات بالجزائر العاصمة.
ويري مراقبون أن رضوخ ليون رضخ لمطالب الإخوان، بعدما وافق على مطالبهم بإبعاد اللواء خليفة حفتر قائد الجيش الليبي من المشهد، ما يؤشر على تخاذل واضح من البعثة الأممية.
وتبقى الأزمة عالقة ما بين استمرار المفاوضات واقتسام السلطة، والتي من المفترض أن تقود البلاد إلى حالة أسوأ مما عليه الآن.

شارك