أزمة "حزب الدعوة" في العراق.. أبعاد الصراع بين "العبادي" و"المالكي"
الخميس 08/أكتوبر/2015 - 05:03 م
طباعة

صراع خفي في حزب الدعوة الإسلامية في العراق، بين النائب العراقي السابق، نوري المالكي، ورئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، واللذان يمثلان جناحي حزب الدعوة والقيادات المؤثرة في الحياة السياسية والحكم بالعراق.
صراع أجنحة

تصاعدت في الفترة الأخيرة حدة الخلاف بين رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وسلفه نوري المالكي، بينما يمثل صراع أجنحة بين العبادي والمالكي.
وأشارت تقارير عراقية أن أعضاء حزب الدعوة باتت تتمترس على جبهتين؛ إحداهما تقف مع المالكي، والأخرى تجنح للعبادي، حيث أصبحت تطورات الخلاف تنذر بتصعيد الخلافات من سياسية إلى مواجهات مسلحة بين جبهتي الحزب.
فالمالكي من جهة يدير دفة الحزب عن طريق الجبهة المسلحة في الحزب بالإضافة إلى قيادة ميليشيات الحشد الشعبي بما يمثل قوة خارجة عن الدولة، بينما يقف إلى جانب العبادي جناح سياسي يتمثل في عدد من الرموز السياسية في الحزب.
ويرى مراقبون أن لهجة حيدر العبادي أخذت في التصاعد في انتقاد الحكومة السابقة التي كان يقودها نوري المالكي، حيث لوحظ أنه يؤكد في كل المؤتمرات الصحافية واللقاءات مع الجمهور بمسئولية تلك الحكومة عن تدهور الأوضاع في العراق أمنيًّا واقتصاديًّا وانتشار الفساد فيها.
كما حمل العبادي حكومة المالكي مسئولية هدر المال، والتسبب في سقوط الموصل ومجزرة سبايكر وصفقات السلاح والكثير من قضايا الفساد.
وكان الخلاف بين العبادي والمالكي قد بدأ يتسع بعد انتهاء تحقيقات حول سقوط الموصل في قبضة تنظيم "داعش"، والتي حملت المالكي المسئولية الأولى لحدوثه، إضافة إلى تشتت أهداف الحزب بين كسب نظام الحاكم في طهران أو تحقيق مكاسب شخصية.
والتصادم الكلامي تكرر عدة مرات بين العبادي والمالكي في عدة مناسبات، وأخذ يبرز إلى العلن، وآخرها المؤتمر الصحافي الأخير للعبادي الذي وصف فيه المالكي بـ«القائد الضرورة»، تشبيهًا بصدام حسين الذي كان يتصرف بأموال البلد، وخاصة خلال الانتخابات حسب مزاجه، واتهام حكومته بالفساد، رغم تقديم العبادي إيضاحات عن "القائد الضرورة"، إلا أنها أثارت أتباع المالكي الذين وجهوا عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي انتقادات إلى الإصلاحات التي ينفذها العبادي، واعتبروها بلا جدوى.
كما بدا واضحًا من خلال حملات إقالة ضباط كبار في الجيش والشرطة والأجهزة الاستخبارية، والإطاحة بإعلاميين في مؤسسات حكومية محسوبين على المالكي، وهو ما قابله فريق رئيس الوزراء السابق، بحملات تسقيط سياسي للعبادي والجهات الداعمة له، من على قنوات فضائية ومواقع التواصل الاجتماعي، تنتمي لجيش إلكتروني سري يشرف عليه مقربون من المالكي؛ الأمر الذي دفع المجلس الأعلى (بزعامة السيد عمار الحكيم) أبرز داعمي الحكومة العراقية، إلى التهديد بـ"الرد المناسب وفق القانون والدستور".
صراع أمريكي إيراني

ويرى مراقبون أن الصراع بين العبادي والمالكي هو أيضًا صراع أمريكي إيراني على السلطة في العراق، والهيمنة على صناعة القرار.
آخرون يرون أن العبادي قد تلقى تشجيعًا من الأمريكان خلال زيارته واشنطن مؤخرًا لاستهداف المالكي، الذي تعتبره أمريكا رجل إيران في العراق.
ومنذ الأشهر الأولى لاستلام العبادي رئاسة الحكومة بدا أنّ ثقة طهران فيه أقلّ كثيرًا من ثقتها بسلفه نوري المالكي، حتّى إنّ الدوائر السياسية والدينية الأكثر تشدّدا في إيران وصفت العبادي برجل أمريكا في العراق، بعد تصريح له طالب فيه جميع دول الجوار بلا استثناء باحترام سيادة بلاده.
فيما أظهرت طهران دعما صريحًا لنوري المالكي باستقباله من طرف المرشد الأعلى علي خامنئي بمجرّد إطاحته من منصب نائب رئيس الجمهورية، وظهور اسمه في تقرير برلماني على رأس المسئولين عن سقوط مدينة الموصل بيد تنظيم داعش، بدا أن علاقة العبادي بطهران آخذة في الفتور.
فقد استقبل المالكي في طهران بصفة رسمية، وشهد تكريمًا من قبل قادة ومسئولين ورجال السلطة في إيران، وعلى رأسهم السيد علي خامنئي، في إشارة إلى دعم طهران للمالكي في مواجهة تحركات العبادي.
صراع مراجع

الأمر لا يتوقف عند ذلك فقد رأى المراقبون للشأن العراقي أن ما يحدث في حزب الدعوة والحكومة العراقية، هو صراع مرجعيات بين المرجع الشيعي الأعلى آية الله السيد علي السيستاني، وما يمثله من مرجعية النجف الأشرف، وتأثيرها في المسلمين، وخاصة في عوام الشيعة، وبشكل أثقل في الشيعة الاثني عشرية والذين يمثلون سواد الشيعة في العالم، وبين المرشد الأعلى في إيران السيد علي خامنئي، والذي يسعى إلى السيطرة على مرجعية النجف للسيطرة على شيعة العالم.
فالعبادي يحظى بدعم المرجعية وجزء كبير من الشارع العراقي، في الاستمرار بالإصلاحات جعلته ينفجر أمام الإعلام، ويتهم سلفه بما آلت إليه الأوضاع في البلاد". كما كانت المرجعية الشيعية العليا في النجف سببًا مباشرًا بحرمان المالكي من ولايته الثالثة.
وذهب البعض حدّ تفسير موقف المرجعية الشيعية العراقية العليا في دعمها للعبادي باعتباره "تمرّدا" على سلطان مرجعية قم الإيرانية، ورفضًا لتطبيق نموذج ولاية الفقيه المعتمد في إيران.
بينما تسعى إيران وقيادات في الحشد الشعبي؛ من أجل حماية المالكي من المسألة قانونية والمحاكمة، بل واعتباره منقذ العراق وحامي البلاد.
وكانت مصادر إعلامية عراقية وعربية، تحدّثت عن مشادّة كلامية حادّة حدثت بين العبادي وقائد فيلق القدس ضمن الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني خلال اجتماع للهيئة السياسية للتحالف الوطني الشيعي اقتحمه سليماني دون إذن، الأمر الذي أغضب العبادي ودفعه إلى سؤاله عن صفته التي أتاحت له حضور الاجتماع.
صراع قوى سياسية

الصراع لم يتوقف عن المراجع الدينية، بل يضم قوى وأحزاب شيعية، تشكل المشهد السياسي الشيعي لعراق ما بعد صدام، فالميليشيات المسلحة، ففصائل "عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" و"كتائب سيد الشهداء" و"بدر- الجناح العسكري" و"سرايا الخرساني" و"كتائب النجباء" وغيرها، وهي تشكل قسمًا كبيرًا من قوات "الحشد الشعبي"، تدعم بشكل قوي المالكي، وهذه الفصائل هي التي طالبت بتغير الدستور العراقي، وتحويل النظام العراقي إلى نظام رئاسي، بدلًا من برلماني؛ ليكون تمهيدًا لانتخاب نوري المالكي رئيسًا للعراق.
فيما يحظى العبادي بدعم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والقوى المدنية والمجلس الأعلى الإسلامي برئاسة عمار الحكيم، وهو ما يعني أن الصراع بين العبادي والمالكي ليس صراع شخصين فقط، بقدر ما هو صراع مصالح متشابكة ومعقدة في بلاد الرافدين.
وجاء تحذير زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من تنامي هذه الخلافات، في سياق تهدئة الصراع المحتدم بين الطرفين، والذي يرى كثيرون، أن ما ظهر منه يمثل جزءًا يسيرًا من الكم الهائل من المشاكل بشأن طريقة إدارة الدولة، وتصفية التركة الثقيلة الملقاة على عاتق العبادي، وتسوية الملفات الخلافية مع الأكراد والعرب السُّنة.
حزب جديد

أما عن الصعيد الداخلي لحزب الدعوة، فيجري الحديث في أروقة الحزب عن تشكيل حزب سياسي جديد يميل لدعم العبادي، ويخرج عن عباءة الحزب التي اتسمت بطابع المذهبية الدينية الذي تشكل مرجعيته مدينة قم، وخاصة بعد ارتفاع الأصوات الحزبية والشعبية المطالبة للعبادي بالاستقالة من الحزب.
وتوقّعت مصادر عراقية مطّلعة أن يعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي قريبًا انسحابه من حزب الدّعوة الإسلامية الذي يقوده سلفه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وذلك تنفيذًا لنصائح عدد من مستشاريه، والمقربون منه يرون في المالكي عبئًا على العبادي؛ نظرًا لصورته السلبية لدى غالبية الشعب العراقي، وعائقًا أمام إنجاز إصلاحات حقيقية تقنع الشارع المتحفّز لمواصلة احتجاجاته وتصعيدها.
إلاّ أن ذات المصادر قالت: إنّ العبادي الذي يحتاج إطارًا حزبيًّا داعمًا له، قد يلجأ بدل الانسحاب من الحزب الذي يحظى بدعم قسم مهم من الشارع الشيعي، إلى قيادة جناح منشق بمساعدة شخصيات توصف بالمعتدلة وغير المتعصبة طائفيًّا وغير الملوثة بالفسـاد.
وأكدت وسائل الإعلام العراقية، نقلًا عن مصادر في حزب الدعوة، أن عددًا من قيادات الحزب أعلنت مناهضتها للمالكي وجناحه، وهم الشيخ عبدالحليم الزهيري وطارق نجم وصادق الركابي ووليد الحلي والنائب علي العلاق؛ حيث جاءت تسريبات الانشقاق على خلفية فك الارتباطات التنظيمية والسياسية لقيادات في حزب الدعوة بالأمين العام للحزب نوري المالكي.
ويعكف الخمسة الذين باتوا يشكلون جناح العبادي في حزب الدعوة على البحث في أفضل الخيارات المتاحة أمام رئيس الحكومة؛ للخروج من الحزب أو البقاء فيه والعمل على التغيير من داخله، في وقت تصاعدت فيه الأصوات الشعبية لإدانة الحزب الذي قاد أربع حكومات منذ 2005، أخفقت في تنفيذ خططها الحكومية.
ويتفق أربعة منهم على ضرورة خروجهم مع العبادي من حزب الدعوة، الذي يتزعم ائتلاف دولة القانون داخل البرلمان، وتشكيل كيان سياسي جديد يجمع بين الاعتدال الديني والمنهج المدني.
وباستثناء الأربعة السابقين يرى عبدالحليم الزهيري أن حزب الدعوة ليس حزب المالكي، ومن ثم يطالب السياسي، الذي كان يوصف بأنه عراب حكومتي المالكي الذي تولى رئاسة الحكومة في الفترة بين 2006 و2014، بانتشال الحزب من قبضة المالكي.
إلا أن النبوءات التي تتعلق بشعارات الحزب "الوليد" الذي سيخرج من رحم حزب الدعوة، وإن جرى الحديث عن نمط إسلامي معتدل- ستبقى قريبة من المظلة الأوسع تحت سيطرة ائتلاف دولة القانون الشيعي الذي يرتبط بصلات خارج العراق، وتحديدًا الجارة الشرقية إيران.
المشهد العراقي

حالة الصراع بين العبادي والمالكي قد تجسدت مؤخرًا واتضحت معالمها مع النشاط السياسي الكبير للمالكي؛ لتحجيم قدرات وسلطة حيدر العبادي، ولمحاولة الإيحاء بأنه وحده من يدير خيوط اللعبة السياسية في العراق.
والصدام بين حيدر ونوري ليس محتملًا فقط بل محتومًا، ففي التجربة العراقية حصل صدام بين رجلي المرحلة (عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف)، فالصدام بات مسألة حتمية، فالمالكي هجومي وشرس ولا يقبل التراجع والعبادي رغم طبعه الهادئ، إلا أنه يريد أن يمارس سلطاته بعيدًا عن أي وصاية أو رقابة.
الصراع ليس حزبي ولكن هو صالح بين قوي سياسية ومراجع دينية، وأيضًا حكومات وعواصم إقليمية ودولية، فهل سيقف الصراع بين العبادي والمالكي لدى سقف المتحكمين بالأمور، ويبقي علي حزب الدعوة، أم ستتطور الأمور إلى إنهاء صراع الرجلين بسقوط حزب الدعوة، وسقوط العبادي والمالكي أيضًا؟
للمزيد عن حزب الدعوة العراقي.. اضغط هنا