قَطَر وأوهام الزعامة التخريبية
الخميس 22/أكتوبر/2015 - 10:21 م
طباعة
لعبت قطر دورا سلبيا في السنوات الأخيرة الماضية، وخاصة مع تفجر ما يُعرف بثورات الربيع العربي، وقدمت دعما غير محدود لتيار الإسلام السياسي في كل من مصر وتونس وليبيا وسوريا، والإصرار على تبني الجماعات الإرهابية وتقديم دعم عسكري ومادي ودبلوماسي، كما يظهر في سوريا وليبيا حاليا، دون أن تخجل من هذه المواقف التي خلّفت مقتل الآلاف وتشرد الملايين فرارًا من اشتداد نيران الحروب والصراعات.
ولا يخفى على أحد ملايين الدولارات التي أنفقتها قطر من أجل إزاحة الرئيس الليبي السابق معمر القذافي، وكذلك محاولات إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد بالقوة، تحت مزاعم حماية تطلعات الشعوب نحو الديمقراطية، في حين أن هامش الحريات داخل قطر يتراجع، حتى أصبح من السهل ملاحقة قضائية لشاعر ينتقد السلطة، أو تعذيب المواطنين وانتهاك حرياتهم، أضف إلى ذلك فضيحة تعذيب العمال الاسيويين وعقود السخرة والاذلال لهم خلال عملهم في ستادات ومنشآت يجري تشييدها قبل استضافة كأس العالم لكرة القدم 2020، وانتقادات منظمات حقوقية مثل العفو الدولية، ولكنها تتغافل عن كل ذلك، وتهتم بإشعال النيران في دول أخرى تحت ستار الديمقراطية المزعومة.
ويبدو أن قطر تنفذ بعناية مخطط تفتيت الشرق الأوسط في إطار ما عرف في السابق بمشروع "الشرق الأوسط الكبير"، والعمل على تقديم كل أشكال الدعم للجماعات المعارضة تارة والمسلحة تارة آخرين واستغلال قناة الجزيرة منبرا للهجوم على الأنظمة التي ليست على هوى القصر الملكي في الدوحة، والحرب بالوكالة عن الولايات المتحدة تارة، وأوروبا تارة أخرى، مع إرسال مأجورين للمشاركة الرمزية في التحالف العربي باليمن، حتى لا تظهر بأنها بعيدة عن الصف العربي، ومحاولة تحسين علاقاتها مع السعودية في ظل الحكم الجديد والملك سلمان، بعد أن توترت العلاقة كثيرًا خلال حكم الراحل الملك عبد الله.
وفي الوقت الذى تتصاعد فيه أعمال العنف والقمع في الأراضي الفلسطينية، وتغير مسار القضية الفلسطينية للأسوأ، تهدد قطر بالتدخل العسكري في سوريا لإزاحة الأسد تحت ذريعة حماية مصالح الشعب السوري، وتلوّح بالتدخل العسكري مع تركيا والسعودية لإزاحة الأسد، وتترك الشباب العزل في فلسطين يواجهون مصيرهم البائس، وعدم فتح أي قنوات دبلوماسية لوقف نزيف الدماء في الأراضي الفلسطينية.
وليس بغريب أن تدعم قطر المعارضة السورية المسلحة، ولكن التهديد بالتدخل العسكري أمر يثير كثيرًا من علامات الاستفهام، خاصة أنه سبق ليلة بدء الغارات الروسية في سوريا تصريح وزير الخارجية السعودي بضرورة رحيل الأسد وإلا قبول الخيار العسكري، وهو ما يشير إلى أن هناك مخططا يجري استكماله بعناية، ولكنه يواجه عراقيل في ضوء الغارات الروسية، التي استهدفت معاقل داعش والنصرة وكذلك مواقع للمعارضة، في إطار مغامرة الدب الروسي بالشرق الأوسط، حفاظا على المصالح الروسية في هذه لمنطقة، ومحاولة استعادة مجد الاتحاد السوفيتي أمام الهيمنة الأمريكية الأُحادية بالعالم.
ومن اللافت للنظر، أن تترك قطر المحاولات المستمرة للمتطرفين اليهود بمحاولة اقتحام المسجد الأقصى وتتفرغ مع حلفائها وخاصة تركيا من أجل الحرب بالوكالة عن الغرب في تخريب الشرق الأوسط، دون أن تعرف أن الغرب رسم لها دورا لن تتجاوزه مهما أنفقت من أموال، وأن أردوغان حليفها في أنقرة يصعد على الأموال القطرية والتبعية الأمريكية للنفاذ إلى أوربا بحثا عن انضمام بلاده إلى عضوية الاتحاد الاوروبي مهما كلفه من تنازلات.
ولا يغيب عن أحد استغلال الجزيرة للتنديد بصمت الأنظمة العربية في السابق وخاصة بعد انتفاضة الحجارة الفلسطينية في سبتمبر 2000، وحاولت تأليب الرأي العام العربي ضد الحكام في ذاك الوقت، وها هو الزمن يعيد نفسه، ويصبح الشباب الفلسطيني العزل في مواجهة قمع سلطات الاحتلال، دون أن تتدخل بأي وسيلة مما اعتادت عليه في الفترة الأخيرة.
وفى هذه الظروف الحرجة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، لا أعرف من نخاطب حتى تتوقف قطر عن استكمال هذه المخططات الإجرامية، فجامعة الدول العربية جسد ميت منذ زمن، والدول العربية لديها مشكلات داخلية عديدة وانقسامات في المواقف الإقليمية والدولية أيضا، كما أن منظمات المجتمع المدني مهلهلة وأغلبها تم تخوينه، والأحزاب والقوى السياسية منقسمة، حتى الإعلام أصبح موجها وخاضعا لرأس المال، وإذا حاولت التفكير في مخاطبة الأمم المتحدة بالتدخل وتحمل المسئولية ربما أُتّهم بالخيانة، فليس أمام هذه الحيرة إلا مخاطبة الشعوب العربية جميعًا للتكاتف والضغط، حتى تتوقف إراقة الدماء.
ورسالة أخيرة لــ "قطر"... المال يمكن أن يصنع حالة ازدهارًا مؤقتًا وتوهما بالمستقبل، لكنه أبدًا لا يصنع التاريخ والحضارة!