الانتخابات التركية وأحلام السلطان
الخميس 29/أكتوبر/2015 - 10:39 م
طباعة
يتوجه ملايين الناخبين الأتراك الأحد المقبل لانتخاب برلمان جديد، بعد دعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لانتخابات جديدة بعد فشل الحزب الحاكم "العدالة والتنمية" في الحصول على الأغلبية المطلقة لتمرير مخططاته لتعديل الدستور والتحول إلى النظام الرئاسي بدلا من البرلماني المعمول به، وسط توقعات بفشل الحزب الحاكم في تحقيق أهدافه، وإن كانت هناك تكهنات بتداعيات الأحداث الأخيرة التي مرت بها تركيا وتأثيرها على اختيارات الناخبين.
حتى الآن استطلاعات الرأي تشير إلى أن "العدالة والتنمية" لن يتمكن من كسر حاجز الـ 276 مقعدًا التي تسمح له بتشكيل الحكومة منفردا، وتشير إلى انه سيحصل على 40-42% من الأصوات، في ضوء عدم تأثر القاعدة الشعبية المؤثرة بالحزب وأغلبها من المحافظين بما تعرض له الاقتصاد التركي من توترات نتيجة الانفجارات الأخيرة والتراشق بين الحزب الحاكم والأكراد والمعارضة، إلى جانب عدم شعور المواطن التركي بالأمان عكس شعوره في السنوات العشر الأخيرة وتراجع معدلات التنمية والاستثمار، كذلك لن يهتم التيار المحافظ في المجتمع التركي الذى اعتاد التصويت للعدالة والتنمية بقضايا الفساد التي تحيط برجال أردوغان وخاصة نجله بلال.
في حين هناك توقعات بتراجع حزب الشعوب الكردي مقارنة بما حصل عليه في الانتخابات الماضية، حيث كسر حاجز الـ 10% المؤهلة لدخوله البرلمان، ونجح في حصد 13%، وهناك استطلاع للرأي يشير إلى أنه سوف يحصد 11-12% من أصوات الناخبين، وأن الأصوات التي سيفقدها نتيجة تأثر بعض الأنصار الذين صوتوا له بما حدث من تبادل اتهامات بين الأكراد والسلطات التركية، وأن هناك من صوت لحزب الشعوب ربما يصوت للحركة القومية أو حزب الشعب الجمهوري بحثا عن الاستقرار المنشود.
وتتزايد الانتقادات لأردوغان في الأيام الأخيرة التي سبقت الانتخابات، بعد قطع البث عن قناتي "بوجون" و"قنال تورك" التابعتين لمجموعة إيبك الإعلامية ومنع طبع النسخة الورقية لكل من صحيفتي "بوجون" و"ملّت" ، وهى الخطوة التي تراها المعارضة فصل جديد من القمع الأردوغاني، كما حذر رجال الاقتصاد من تبعات هذه الهجمات الشرسة على وسائل الإعلام، وما قد يترتب عليه من هروب عدد من الاستثمارات الأجنبية من تركيا نتيجة تراجع القانون وتزايد معدلات القمع.
وتنحصر سيناريوهات الانتخابات القادمة، ما بين قبول العدالة والتنمية الشراكة مع أحد أحزاب وخاصة حزب الشعب الجمهوري، والتخلي مؤقتا عن خطوة تعديل الدستور، أو الدعوة لانتخابات مبكرة للمرة الثالثة، في ظل رغبة أردوغان في مزيد من السلطات لمنصب الرئيس، فلم يعتد أن يكون شخصا مهمش الصلاحيات.
وهناك سيناريو آخر يجري التحضير له منذ فترة سيتم تفعيله إذا فشل الحزب الحاكم في الحصول على الأغلبية المريحة، وهو يتمثل فى انشقاق عدد كبير من المعارضين لسياسات أردوغان داخل العدالة والتنمية وتشكيل حزب جديد ينافس فى الانتخابات التي ستجري فى المرحلة المقبلة، ومغازلة أنصار العدالة والتنمية غير الراضين عن سياساته، فى محاولة للضغط على أردوغان ومنعه من مواصلة نفوذه وسيطرته على مقاليد السلطة ومؤسسات الدولة، ويقود هذا التيار عبد الله جول الرئيس التركي السابق.
الأمر بيد الناخب التركي بلا شك، ولكن استمرار إثارة النعرات الطائفية والسياسية، والهجوم على الأكراد، وتقديم مزيد من الدعم لتنظيم داعش الإرهابي والتلكؤ في مواجهته، والاكتفاء بدعم المعارضة السورية من أجل إزاحة الرئيس السوري بشار الأسد كلها أمور تعقد المشهد التركى، وتلقي بظلال قاتمة على الاقتصاد الذى تراجع كثيرا في الفترة الأخيرة، كما أن حملات الهجوم الشديدة على القنوات المعارضة والاعلاميين غير الراضين عن سياساته تشير إلى أن أردوغان لم يعد المثال أو القدوة كما كان يراه البعض من قبل، كما أن محاولته مغازلة أوروبا لتحمل عبء المهاجرين واللاجئين في محاولة يائسة للانضمام إلى الاتحاد الاوروبي أصبحت مكشوفة، حيث يتاجر أردوغان بقضايا اللاجئين ويحصل على ملايين الدولارات فى مقابل تصريحات مفرغة، وبالرغم من احتضان تركيا لأكثر من 2 مليون لاجئ سوري، إلا أن أغلب الأموال المقدمة من الجهات والمنظمات المانحة يخصص منها الجزء الأكبر للموظفين الأتراك العاملين مع الهلال الأحمر التركي، واقتطاع كثير من الأموال تحت بنود وهمية، ويذهب الفتات للاجئين.
ومن المهم النظر أيضا إلى انعكاسات الأزمة السورية على الانتخابات التركية، خاصة أن أي حلول سياسية سيكون نقطة إضافية للحزب الحاكم تزيد من أسهمه وتمنحه فرصة الحصول على أصوات غير قليلة من الناخبين الراغبين فى الأمن والأمان، ولكنها لن تكون من الكتلة الكردية، التى عانت كثيرا فى الأشهر الأخيرة نتيجة غضب أردوغان من تسليح الوحدات الكردية من قبل التحالف الدولي لمكافحة داعش، واعتبر ذلك تسليحا للجماعات الارهابية متهما حزب العمال الكردستانى بالتنسيق مع منظمة بي كا كا لإثارة الاستقرار فى البلاد، فى الوقت الذى حملت المعارضة الحكومة التركية مسئولية الفشل فى تحقيق الأمن.
النتائج غير مضمونة، ولكن الثابت هو إصرار أردوغان على تحقيق مساعيه فى تعديل الدستور والاحتفاظ باليد العليا فى إدارة البلاد ، وغلق كل قضايا الفساد التى تحيط برجاله وعائلته مهما كان الثمن، حتى ولو خاض حربا شرسة ضد ناخبيه.