زيارة برزاني للرياض.. تعمق الخلاف بين "أكراد الشمال" و"شيعة الجنوب"
السبت 05/ديسمبر/2015 - 04:47 م
طباعة

باتت العلاقة بين إدارة الإقليم الشمالي الكردي، والقوى الشيعية الحاكمة في بغداد، متوترة، ليس فقط بسبب التداعيات المتلاحقة التي يحدثها سيطرة "داعش" على مساحات واسعة من الأراضي العراقية، من حين إلى آخر، فضلاً عن نقص الموارد، فقد أبرزت العديد من تحليلات الخبراء أنهم لم يعودوا قادرين على التنبؤ بما ستؤول إليه العلاقة التاريخية المُتماسكة بين أكراد الشمال وشيعة الجنوب. كما يواجه الأكراد مأزقاً مالياً حاداً في حربهم على "داعش"، وعجز بترولهم الرخيص عن سد النقص الحاصل في الموازنة، بعد قطع بغداد تمويلها للإقليم منذ نحو عامين، كما تردد خلال تلك الأزمة أن الحكومة العراقية ستقطع مطلع العام المقبل حصة الأكراد من القمح والدواء، وذلك سيضاعف الأزمة بنحو أكبر.
ويبدو ان المتشددين من الطرفين لهم دور بارز في زيادة احتقان الطرفين، حيث ارتفعت موجة الكراهية بين الطرفين بسبب التحريض الدائم من متشددين الشيعة والأكراد، حيث تعالت تلك الدعوات التحريضية على إثر مواجهات مسلحة بين الطرفين في مدينة (طوزخورماتو) - جنوب كركوك.

حالة التوتر لم يكن أحد يتوقعها بين التيار الشيعي المتشدد في العراق، والأكراد على خلفية الانتصار الذي حققه الأكراد وسيطرته على بلدة "سنجار" غربي نينوى، رغم أن السيطرة على البلدة الصغيرة تعتبر نصرًا يعرقل خطوط الإمداد بين الموصل والرقة، مدينتي "داعش" الرئيستين، والتي يستخدمها عناصر التنظيم في التنقل بشكل عام بين سوريا والعراق، وقد ارتبط اسم بلدة "سنجار" بسبي النساء الإيزيديات.
وفسر البعض غضب الشيعة من انتصار الأكراد، في بلدة "سنجار" أنها أول مدينة خارج كردستان العراق، لم يحررها الحشد الشعبي الموالي لطهران، بل حررتها البيشمركة الكردية بدعم أمريكي واضح، فضلاً عن التصريح المثير للجدل الذي أطلقه رئيس إقليم "كردستان" من البلدة مسعود البرزاني، إنه لن يرفع أي راية في "سنجار" سوى علم الإقليم.
الاقتتال الذي وقع بين الطرفين في مدينة (طوزخورماتو)، دفع القوى المعتدلة من الطرفين إلى الحث على ضبط النفس، لحفظ المصالح التاريخية المشتركة بين الشيعة والأكراد، إلا أن مسار التطورات في المنطقة قد يضاعف هذه الفجوة، ويشجع أربيل على الذهاب بعيداً، لتتجاوز السياسة الشيعية المترددة والمرتهنة بمواقف طهران في الغالب، على حد وصف مصادر رفيعة في أربيل، تحدثت مع وكالات الأنباء.

لكن الحال ليس ببعيد عن الأكراد أيضاً، فإن كانت قوات الحشد الشعبي ترهن تحركاتها بما تطلبه "طهران"، فإن الاكراد منفتحين وبقوة على واشنطن، وفي حين أعلن وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الأربعاء الماضي، أنه أبلغ بغداد، أن بلاده ستبدأ للمرة الأولى، نشر قوات خاصة برية، لدعم جهود الاستشارة والإسناد في معارك الأنبار غرباً، وسنجار والموصل شمالاً، سارع الأكراد إلى الترحيب بهذه المرحلة الجديدة.
فيما أعرب أكثر من مسؤول شيعي وقتذاك، عن شعورهم بالقلق إزاء هذه الخطوة، مستشعرين بأن طهران وأنصارها من المسلحين في العراق قد يغتنمون هذه الفرصة، لتوجيه مزيد من الانتقاد القاسي والتصرفات المفاجئة ضد حكومة حيدر العبادي، العاجز إلى حد ما عن الاحتفاظ بموقف متوازن بين محور روسيا وإيران، والتحالف الدولي ضد "داعش" بقيادة أميركا.
وسرعان ما بدأت الميليشيات المقرَّبة إلى الحرس الثوري الإيراني، بتوجيه انتقاد جديد للأكراد، الذين يعملون بلا حذر مع الجيش الأميركي، مهددين باستهداف مصالح واشنطن في العراق، بعد أن هددوا باستهداف مصالح الأكراد في جنوب العراق، إذ سجلت حوادث اعتداء وقتل قام بها مسلحون شيعة ضد رجال أعمال أكراد، بتهمة التعاون مع أميركا وإسرائيل.
وتوقع تقرير نشرته وكالة الانباء "رويترز" أنه إذا فضلت أربيل عدم إثارة هذا الموضوع، فإنها تعمل بصمت على تعزيز تحالفاتها الإقليمية، فبينما تبدو القوى الشيعية مترددة مع المحيط العربي، انتظاراً لما سيؤول إليه الملفان السوري واليمني، وافتقاداً للجرأة الكافية على تجاوز قيود السياسة الإيرانية، حيث بدأ مسعود البرزاني (رئيس الإقليم الكردي) جولة خليجية، قادته في محطتها الأولى إلى الرياض.

وفي صورة صحافية نادرة، بدا العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز، وهو يُمسك بيد البرزاني، بنحو لافت أثناء الترحيب به، وأثار ذلك حفيظة معلقين مقرَّبين إلى الجناح المتشدد في السياسة الشيعية، معتبرين أن الرياض تريد إيصال رسالة إلى بغداد، عبر هذا الترحيب الحار، وهي رسالة ضد مصلحة الشيعة.
زيارة برزاني للسعودية تأتي ضمن خطة "أربيل" في البحث عن تدعيم علاقتها بالمحيط العربي، حيث ظلت أربيل لفترة طويلة مترددة في إعادة تطبيع علاقتها بالعراق منذ أزمة الثقة التي كرَّسها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، وتأخر خلفه حيدر العبادي في تخفيفها، رغم التفاؤل الواسع الذي رافق وصوله إلى السلطة خريف العام الماضي.