الأزهر يكشف عن الوجه الوهابي في تعليقه على إعدام "النمر"
الإثنين 04/يناير/2016 - 09:02 م
طباعة

كثيرا ما كنا نحاول الدفاع عن مؤسسة الأزهر ونؤكد بعدها عن الفكر الوهابي الذي عشش في مصر وظهرت له أنياب كثيرة في الوطن العربي والعالم، وأنتج لنا تنظيمات كثيرة أخوة في الفكر المتطرف بداية من جماعة الجهاد وتنظيم القاعدة وجيش الاسلام وصولا الى تنظيم الدولة "داعش" وفروعها في معظم البلاد العربية، وقد كشف الأزهر مؤخرا عن وجهه الوهابي الذي كنا نحذر منه على استحياء، حيث أكد علماء الأزهر الشريف أن السعودية نفذت حكم الله وشرعه في الأرض بإعدام 47 إرهابياً دينوا بالقتل والتخريب ومحاولة نقل الفكر المتطرف إلى ربوع المملكة.
فحينما يقول علماء الأزهر أول أمس، «إن السعودية طبقت شرع الله ونفذت القصاص العادل الذي أوجبه رب العزة سبحانه وتعالى بحق إرهابيين ثبتت عليهم تهمة القتل والتخريب والإفساد في الأرض».

فهذا ما يؤكد حلم الأزهر بتنفيذ الحدود رغم ما في هذا المطلب من خلاف بين علماء الفقه والحديث والعقيدة داخل أروقة الأزهر نفسه، فعن أي حدود تتحدث مؤسسة الأزهر وعلمائها وان كانت مؤسسة الأزهر تطالب بتطبيق الحدود واختزلت "حكم الله" وتطبيق شريعته في اقامة الحدود كما يقول
عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشيخ فوزي الزفزاف «إن ما فعلته الشقيقة السعودية هو بالإجماع تطبيق لحد وشرع الله»، مصداقاً لقوله تعالى في سورة المائدة «إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُون اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْن فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفوْا مِن الأَرْضِ ذلِكَ لهُمْ خَزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيم».
وأكد أن المملكة اتبعت ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث قال «إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا»، مضيفاً «إن من يهدد بلاد الحرمين وحاضنة مقدسات الإسلام، ويقتل ويخرب ويحرق عقوبته القصاص قتلاً أو نفياً في الأرض، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف"..
وشدد على أن «قتل النفس جريمة حرمها الله إلا بالحق، حيث توعد الله القتلة بالعقاب والعذاب في الدنيا والآخرة، ليطبق عليهم حد الحرابة، وهو ما فعلته السعودية تطبيقاً لشرع الله أولاً، كما أنه من واجبات ولاة الأمر التي تقتضي أن يحفظوا الأمن ويحموا حقوق الأفراد وأرواحهم وممتلكاتهم".
وأشار إلى «أن تنفيذ أحكام الإعدام هي القصاص العادل الذي أقره خالق الكون حفظاً على النفس والعرض وحماية لأمن المسلمين، وردعاً لكل من تسول له نفسه أن يعبث في الأرض فساداً وإفساداً وأن يرهب خلق الله ويهدد أمنهم». وبعد حديث الشيخ الزفزاف وتبنيه للخطاب الوهابي الذي هو نفس الخطاب الذي تتبناه معظم الجماعات الاسلامية في العالم العربي والاسلامي، يحق لنا ان نتساءل ما الفرق اذن بين خطاب الأزهر وخطاب "جيش الإسلام" أو خطاب تنظيم الدولة "داعش"؟ هو خطاب دموي واحد.
بدايات وهبنة الأزهر
لقد بات الأزهر الشريف منذ عقود مطمحاً لكل التيارات الدينية، ونود أولاً أن نؤكد أن المنابع الفكرية لكل فصائل وتيارات الإسلام السياسي هي منابع واحدة، فهي تنتمي إلى الفكر الوهابي الوافد من الجزيرة العربية ،منذ بداية القرن العشرين، ولا تكف محاولات القائمين على الفكر الوهابي من محاولة السطو على مؤسسة الأزهر الشريف وقد استخدموا في ذلك شتى الطرق والوسائل في محاولة احتواء مؤسسة الأزهر فكرياً ليصبح بوقاً دعائياً للفكر الوهابي المتطرف.

يرى الدكتور محمود جابر وهو باحث في الفكر الوهابي، أنه في عام 1926 وأثناء مؤتمر مكة حاول الملك عبد العزيز آل سعود استدراج العالم الإسلامي إلى "الفكر الوهابي" على اعتبار أنه سيقوم بدور حامي الإسلام في الحرمين الشريفين ومنذ تلك اللحظة أيقن الوهابيون خطورة الأزهر الشريف، وأصروا على اختراقه فبدأ عبدالعزيز آل سعود في تجنيد بعض المشايخ بطريق غير مباشر، حيث قام المستشار حافظ وهبة – وهو مصري الجنسية – وكان يعمل مستشاراً لدى عبدالعزيز – باستقطاب اثنين من الدعاة الشوام وهما محب الدين الخطيب ورشيد رضا إلى السعودية للترويج للثورة الفقهية المزعومة التي دعا إليها محمد بن عبدالوهاب، وهذه ليست المحاولة الوحيدة – ففي عام 1930 حدثت محاولة ثانية يشير إليها الباحث محمود جابر ويراها الأخطر لأنها استهدفت اختراق الأزهر بشكل مباشر، عن طريق دس كتب ابن القيم، وابن تيمية لتدريسها في المناهج الأزهرية، بعد أن كانت ممنوعة داخل الجامعة منذ 200 عام، ولكن الشيخ الدجوي وقتها نجح في إجهاض هذه المحاولة. ولم يكتف بذلك بل اتهم ابن تيمية بالخروج عن الإسلام.
دعاة الوهابية لم ييأسوا فبدأوا في تعديل خططهم من خلال عملية جديدة أطلق عليها مرحلة الاستقطاب الحثيث. حيث أنشأ محمد حامد الفقي جمعية أنصار السنة المحمدية 1926م، وهذه المؤسسة لعبت دوراً هاماً في استقطاب الأساتذة والعلماء الأزهريين وإغراقهم بالمال، من أجل تسفيرهم إلى السعودية لدراسة وتدريس المذهب الوهابي في جامعات أم القرى وجامعة ابن سعود. سواء عن طريق الانتداب أو الاجازات التي يقوم الاساتذة بأخذها من الجامعة للسفر، وأثناء هذه الفترة نجح رجال كثيرون في الترويج لهذا الفكر. أمثال يوسف القرضاوي، والدكتور محمد عمارة، وعبدالحميد كشك وغيرهم.

وطوال فترة الستينيات فتحت السعودية مع دول الخليج ذراعيها لخصوم عبدالناصر من التيارات العربية المختلفة خاصة الإخوان المسلمين، حيث استغلوا عناصر الجماعة في الترويج للفكر الوهابي سواء داخل الجزيرة العربية أو في مصر على أنهم حصدوا نتيجة لترويجهم للفكر الوهابي الملايين بل وإقامة مشروعات على الأراضي السعودية وبالطبع كانت المناصب الجامعية من أهم المثيرات لهذه العناصر، علماً بأن الكثير من هذه العناصر خرج بطرق غير شرعية هرباً من المحاكمات التي كانت تجري على خلفية استخدام العنف والترويج له وتكفير الحاكم ..الخ.
ومع نكسة 1967 بدأت مرحلة يعرفها الوهابيون بمرحلة "الانقضاض".. حيث بدأ الضرب بقوة من ناحية الوهابيين، وترويج لفكرة أن مصر كانت تعبد الصنم (عبدالناصر)، وتحولت إلى الوثنية من خلال التحول إلى الأضرحة والمقامات وهي سبب هزيمة مصر، وبدأ الشيخ عبدالحميد كشك في دعوة الناس إلى التخلي عن هذه الفكرة. وبدأ في الحديث عن أن زائري الأولياء يشركون بالله.. وبدأ مظاهر التشبه بالنمط السعودي بلبس القميص القصير وارتداء النساء النقاب السعودي. وظهر دعاة لهذه المرحلة منهم الدكتور محمد السالوسي، والدكتور على الشريف استاذ الفقه المقارن حيث بدأ في تدريس مناهج الفكر الوهابي للطلاب بعد عودتهما من السعودية، بعد أن درسا هناك في جامعتي أم القرى، وساعدهم في ذلك أفكار ودعوات السادات نفسها لفكرة "دولة العلم والأيمان" واصبح التلفزيون المصري مستباحاً أمام الدعاة الجدد المتعاونين مع السادات لمحاربة الفكر العلماني والفكر اليساري والفكر القومي الناصري. وبدأ يطلق أيدي (الوهابيين والإخوان والجماعات الإسلامية وأنصار السنة المحمدية) لترويج هذه الفكرة وبرزت مجلات (الصدى النبوي)، التي تتبع دعوة الحق للدكتور سيد رزق الطويل، و(التوحيد) التي تتبع أنصار السنة، و(الاعتصام) التي تتبع الجمعية الشرعية و(الدعوة) التي تتبع جماعة الإخوان المسلمين.
وأصبحت هذه الإصدارات من أهم ما يروج للوهابيين في مصر، وحين قام السادات بالتنسيق مع رؤساء الجامعات (الأزهر بالتحديد) في وضع برامج للنشاطات الجامعية داخل الجامعة وبدأ التحكم فيها من قبل جماعات عقائدية مختلفة بعد أن كانت مؤسسة مستقلة.

ويؤكد الدكتور على ابو الخير أستاذ التاريخ الاسلامي والخبير في شئون الحجاز والأزهر ونائب مدير المركز العربي للصحافة والنشر محذراً من استمرار اختراق الفكر الوهابي الشاذ للأزهر وقد عبر عن ذلك بقوله "الاسلام لم يُبتلَ بفكر غريب في العصر الحديث إلا بالفكر الوهابي" ويقول يكفي أن أبرز اتباع هذا الفكر الدكتور عمر عبد الرحمن الذي كان أستاذاً بالأزهر والذي أصدر أول فتوى وهابية هي إباحة دم الرئيس السادات نفسه، ويؤكد الدكتور أبو الخير أن هناك من يروج للفكر الوهابي وهو متوفَى كالشيخ عبدالله دراز من خلال كتبه التي أقرت على الطلاب في جميع مراحل التعليم تقريباً. وقد رصد العديد من الاساتذة المروجين لهذا الفكر داخل الجامعة والتي درست كتبهم ومناهجهم في الجامعة مثال الشيخ على الشريف، أستاذ فقه وصاحب كتاب (النبأ العظيم) والمبشر بقدوم الوهابية والشيخ محمد أحمد المسير صاحب كتاب (قضية التكفير في الفقه الاسلامي) وكتاب (الروح في دراسات المتكلمين) ومعظم الاساتذة الذين كتبوا في مجلة (التوحيد) مثل د. محمد وهدان استاذ الاعلام بكلية الدراسات الاسلامية جامعة الأزهر، د. جمال النجار رئيس قسم الاعلام بجامعة الأزهر، د. محمد عبدالمنعم البري رئيس جمعية علماء الأزهر السابق.
إن وكلاء الفكر الوهابي في مصر عكفوا على استخدام الكتاب حيث وجد دعاة الفكر الوهابي ضالتهم فبدأوا في تأليف الكتب بتمويل سعودي وترويجها داخل وخارج الأزهر، وهذه الكتب لا تختلف كثيراً عن أي منشور لأي جماعة متطرفة، ومن هذه الكتب "تساؤلات الأمريكان حول أصول الإسلام"، للدكتور صلاح الصاوي أستاذ الفقه جامعة الأزهر وكذلك كتاب "مع الخالدين" للدكتور ابراهيم بيومي وكتاب "العقيدة اليهودية وخطرها على الإنسانية" للدكتور سعد الدين صالح وكتاب " على خطى الحبيب" لعمرو خالد كما أن الدعاة لهذا الفكر سواء داخل الأزهر أو خارجه كثيرون، وهناك بعض الأساتذة قد ادعوا بعض الأفكار على مناهجهم التي يدرسونها للطلاب كمناهج الفكر والتفسير وغيرها من المواد الدراسية التي يدرسها الطلاب. مثل كتاب الدكتور محمد عمارة "استراتيجية التنصير في العالم الإسلامي"، وكذلك كتب الدكتور سعد الدين صالح كتاب "احضروا الأساليب الحديثة في مواجهة الإسلام" وكتاب "مشكلات العقيدة النصرانية" وكتاب "أنصار الشيوعية في العالم الإسلامي" وكتاب "مشكلات التصوف العصري".
كذلك مؤلفات الدكتور صلاح الصاوي الذي عمل استاذاً بجامعة أم القرى من عام 1981 – 1986 وهو من أخطر الدعاة للفكر الوهابي ومنها كتاب "أصول الايمان ومما لا يسع المسلم جهله" وكتاب "تأملات في سيرة العمل الاسلامي"، وكتاب "تهذيب وشرح الطحاوية"، إضافة إلى مشاركته في العديد من المحاضرات والندوات في المملكة السعودية وغيرها من البلدان للترويج للفكر الوهابي.

ولم تكن الكتب هي الوسيلة الوحيدة لترويج الفكر الوهابي في مصر، حيث ظهرت جمعيات ومؤسسات ومراكز تدعو لهذا الفكر مثل جمعية علماء الأزهر، وهذه الجبهة كانت ككيان موازٍ للأزهر الشريف، ونشط فيها فصيلان الأول: يقوده عائدون من جامعات سعودية "أم القرى" ، "آل سعود" و"الجامعة الاسلامية" بالمدينة المنورة، والفريق الثاني: يقوده منظرو الإخوان المسلمين ليدشنا معاً تحالفاً وهابياً – إخوانياً سعى بقوة إلى اختراق الأزهر ومنها أيضاً مركز صالح كامل للاقتصاد الاسلامي بجامعة الأزهر، حيث شكل مساحة جديدة للاختراق السلفي للأزهر، وحيث جرى من خلاله استقطاب بعض علماء الأزهر سواء بالعمل أو المساهمة في أنشطة هذا المركز بمقابل مادي كبير. الأمر الذي ترتب عليه تبني مواقف متشددة سواء في الفتوى والمعالجات الفقهية للقضايا المعاصرة. كالموقف من البنوك والبورصة وشركات التأمين والعودة إلى المسيحية واختلاق الأزمات بسبب الفتاوى غير المسئولة من بعض علمائه، خلافاً للمواقف الأزهرية التقليدية التي كانت تتعامل مع هذه القضايا بقدر كبير من التسامح والقبول والوعي بمتغيرات العصر، بل والتأصيل الفقهي لهذه المستجدات على الساحة الاقتصادية.
ولقد شكلت كل العناصر الداعمة للفكر الوهابي داخل مؤسسة الأزهر خلايا نائمة لكنها كانت تمارس بث الأفكار المتشددة والظلامية والإقصائية داخل وخارج الأزهر مع غياب دور مؤسسات الدولة الدينية والثقافية حتى على مستوى الخير والجمعيات الشرعية بالقيام بدور اجتماعي إلى جانب الدور الدعوي الإرهابي. مما اوصلنا لما نحن فيه الآن من تأييد الأزهر لحكم الإعدام الذي صدر مؤخرا بالمملكة الوهابية السعودية، وأشعل غضب الكثيرين من منظمات حقوقية مختلفة وأحدث ردود أفعال كثيرة سواء كانت على المستوى الدولي أو المحلي، بينما يقف الأزهر مؤيدا للخطاب الوهاب كاشفا آخر قناع كان يتقنع به اسمه الوسطية او الاعتدال! ليظهر لنا الوجه الوهابي الذي بقي مختفيا لفترة طويلة.