"شارلي إيبدو" تعود للأضواء بغلاف يندد بـ"إله العنف"... وتفجِّر أزماتٍ جديدة بفرنسا

الثلاثاء 05/يناير/2016 - 05:15 م
طباعة شارلي إيبدو  تعود
 
من منطلق جدلي يثير المتحفظين تعود مجلة شارلي إيبدو للأضواء من جديد وتتحدى – من وجهة نظرها – العنف الفكري بسخرية مريرة تكاد أن تدمر المجلة نفسها وتضعها مرة أخرى تحت مقصلة الموت، ففي ذكرى مرور عام على الاعتداء الذي قضى على هيئة تحريرها تصدر الأسبوعية الفرنسية الساخرة "شارلي إيبدو" والذي يوافق غدا الأربعاء 6 يناير 2016  تصدر المجلة عددًا خاصًا يتصدر غلافه رسم يصور عجوزًا ملتحيًا مسلحًا برشاش كلاشنيكوف وثيابه ملوثة بالدماء وهو يركض، وذلك تحت عنوان "بعد مرور عام، المجرم ما زال طليقا". ويرى المتشددون أن العجوز يمثل إلهًا للعنف والدماء. 
ومن المقرر طبع مليون نسخة من هذا العدد، ستوزع عشرات الآلاف منها في الخارج.
ويتضمن العدد الخاص رسومات لشارب وكابو وتينوس وولينسكي، رسامي الصحيفة الذين قتلوا في الاعتداء، إضافة إلى مساهمات لشخصيات من خارج أسرة المجلة مثل وزيرة الثقافة الفرنسية فلور بيلرين والنجوم إيزابيل ادجاني وشارلوت غينسبور وجولييت بينوش والمثقفين الفرنسية اليزابيث بادينتير والبنغلادشية تسليمة نسرين والأمريكي راسل بانكس والموسيقي إبراهيم معلوف.
أما غلاف الصحيفة فهو بريشة ريس، رئيس التحرير الذي اصيب بجروح خطرة في الاعتداء الذي استهدف مقر الصحيفة في باريس في 7 يناير 2015 وقد ارفقه بافتتاحية نارية يدافع فيها عن العلمانية ويندد ب"المتعصبين" من المسلمين واتباع الديانات الاخرى الذين ارادوا للصحيفة الموت لأنها "تجرأت على السخرية من الرموز الدينية".
ولكن ريس يؤكد في افتتاحيته أن "قناعات الملحدين والعلمانيين يمكنها أن تحرك جبالًا اكثر بكثير مما يفعل إيمان المؤمنين".
ولهذا العدد، تلقت الأسبوعية الساخرة طلبيات كبيرة في دول مثل المانيا، حيث يرغب الموزعون في تلقي 50 الف نسخة.
وفي الوقت الحالي، تبيع الصحيفة نحو 100 الف نسخة في أكشاك بيع الصحف، بما في ذلك عشرة الاف خارج فرنسا، بالإضافة إلى 183 الفًا من الاشتراكات.وقبل نزول العدد الأسواق استفز أنور كبابيش رئيس المجلس الفرنسي للديانة الاسلامية والذي أصدر بيانًا عبر فيه عن الاهانة التي شعر بها إزاء الرسم المذكور وجاء في البيان أن فرنسا بحاجة بشكل عام الي مبادرات تعزز التهدئة والتصالح والحال أن الرسم الكاريكاتيري لا يدفع في هذا السبيل. 
وكانت شارلي إبيدو قد تعرضت  للاعتداء  الذي أودى بحياة 12 شخصا في العام الماضي، وسرعان ما استأنفت الصحيفة وتيرتها الاسبوعية وتراجعت مبيعاتها تدريجيا الى المستوى الطبيعي بعد ان كانت 750 الفا في يونيو الى 300 الف في سبتمبر.
وحاليا، استقرت على قرابة 100 الف عدد، وفقا لمسؤولها المالي اريك بورتو.
يذكر ان الاسبوعية الساخرة كانت تمر بأزمة مالية حادة قبل الاعتداء عندما كانت مبيعاتها لا تتجاوز الثلاثين الفا.
ويوم 7 يناير 2015، اقتحم مسلحان مقر أسبوعية "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة ، وأطلقا النار على من كان في داخله، مما أدى الى مقتل 12 شخص من بينهم أعضاء هيئة تحرير الصحيفة وشرطيان. هذه الحادثة، لا يمكن إلا ان تعيد الذاكرة الى ما أنجزته "شارلي إيبدو"، التي تأسست في العام 1969 ، تحت إدارة فرنسوا كافانا، والتي طالما رفضت وجود قيود أمام حرية التعبير والتفكير، دون أي استثناء. لم تكتفي "شارلي إيبدو" اليسارية بالرسومات الساخرة، وإنما كانت تطعّم مادتها من وقت الى آخر بتحقيقات ومقالات رأي جريئة جدا، فعرفت بالتالي نجاحاً مقبولاً، واستقطبت عدّة أقلام ورسامين لتبلغ درجةً من النجاح جعلت المشرفين عليها يفكرون في تحويلها الى جريدة يومية منتصف الثمانينيات. هذا الامر حصل بالفعل ، فتم إطلاق اسم "شارلي ماتان" على هذه الصحيفة. لكن سرعان ما استنزفت الطاقة المالية للمؤسسة الصحافية، وتوقفت عن الصدور. ورغم ذلك أصرّ المؤسّسون على بقاء مجلتهم كشركة مساهمة بين المشتغلين فيها. فهذه المجلة لم تكن يوما ترضى لنفسها الخروج عن نهجها اليساري والقبول بتمويل خارجي يبعدها عن خطّها التحريري، بحسب مؤسسيها.
مع بداية التغيرات التي شهدها العالم نهاية الحرب الباردة أي نهاية الثمانينيات، كانت المجلة على موعد مع عاصفة داخلية اجتاحتها وأدّت إلى موجة استقالات انتهت بخروج كافة مؤسّسيها. وأمام هذا الواقع أصبحت أسبوعية " شارلي إيبدو" بين يدي جيل جديد على رأسهم رسّام الكاريكاتير شارل فولنسكي الذي اقترح أن يتم إنشاء شركة جديدة تصدر عنها المجلة. هذا ما حصل بالفعل، فأُنشئت هذه الشركة وحملت اسم "كلاشنيكوف".
استرجعت " شارلي إيبدو" مكانتها بسرعة، وعادت إلى الصدور أسبوعياً عام 1992 ، في حين قدرت مبيعاتها في الاشهر الاولى بعد استئناف عملية الاصدار بحوالى 120 ألف نسخة أسبوعيا. غير أن هذا الحلم لم يدم طويلاً. فبعد 3 سنوات تقريباً، تراجعت مبيعات " شارلي إيبدو" الى حوالى 55 ألف عدد أسبوعيًا فقط. ومع حلول العام 2000، ازدادت حدّة النزيف المالي الذي كانت تعاني منه الصحيفة، وكان ضرورياً عليها أن تبحث "عن الضجّة الإعلامية، وبأي ثمن كان، لرفع حجم مبيعاتها، خاصة أنها تصرّ على مبادئها اليسارية بعدم البحث عن دعم رؤوس أموال خارجية.

شارك