الموقف التركي من الصراع الإيراني السعودي

الثلاثاء 05/يناير/2016 - 07:08 م
طباعة الموقف التركي من
 
تمثل تركيا نموذجًا للبراجماتية فى تعاطيها مع الأزمات فى منطقة الشرط الأوسط معتمدة على قاعدة "مصالحها أولا" وهو الأمر الذى مارسته مع المملكة العربية السعودية  بإعلان تحالفها معها وفى الوقت نفسه تتناقض مع مواقفها المعلنة ضد خصمتها اللدودة إيران.
الموقف التركي من
هذا  الأمر  ظهر بوضوح عقب  التوتر بين الأخير بين الرياض وطهران  بسبب إعدام الأخيرة للقيادي الشيعي نمر باقر النمر حيث اعتبرت تركيا أن التوتر الحاصل بين المملكة العربية السعودية وإيران، يزيد من الاحتقان في منطقة الشرق الأوسط، المتوترة أصلاً وقال نعمان قورتولموش  المتحدث باسم الحكومة التركية، نائب رئيس الوزراء، إن بلاده ترغب بخروج الدولتين من حالة التوتر في علاقاتهما الثنائية بأسرع وقت،  لأن هناك أهمية كبيرة للدور الإيراني  والسعودي  بالنسبة للعالم الإسلامي وبالنسبة لتركيا،  مع ضرورة الالتزام باتفاقية "فيينا"، المتعلقة بحماية البعثات الدبلوماسية، وفق وكالة الأناضول للأنباء ونقول للدولتين من منطلق الصداقة التي تربطنا معهما: على الطرفين أن يتصرفا بتأنٍ، وأن يتجنبا التصرف كخصمين، لأن ذلك سيلحق الضرر بهما وبالمنطقة برمتها ونحن دولة ألغت حكم الإعدام، ونعتقد أن تنفيذ أحكام الإعدام ولا سيما السياسية منها، لن تساهم بأي شكل من الأشكال في تعزيز السلام في المنطقة وعلى  إيران والسعودية،  عدم رسم أي خطوط عدائية بينهما، على أقل تقدير، إن لم يستطيعا إزالة الخلاف”،  وألا تنسيا أنهما جزء من المجتمع الإسلامي".
الموقف التركي من
 هذه التصريحات التركية  التي جاءت متأخرة وتحديدا بعد إعلان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، مساء الأحد 3-1-2016م ، أن بلاده قررت "قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران"، إلى جانب فرض عقوبات اقتصادية على طهران،  على خلفية الاعتداءات التي تعرضت لها سفارة المملكة في طهران، وقنصليتها في مدينة مشهد، احتجاجاً على إعدام المملكة للمعمم الشيعي نمر باقر النمر تكشف عن ان تركيا تريد اللعب على كافة "الحبال" من أجل تحقيق أكبر استفادة من كلا الدولتين وهو الامر الذى جسده رئيس الوزراء التركي، داوود أوغلو،  بإعلانه أن بلاده على استعداد للتوسط لحل الخلافات السياسية بين السعودية وإيران نحن كجمهورية تركية مستعدون للتوسط لحل المشاكل والتوترات بين السعودية وإيران وهذا ما نسعى له".
الموقف التركي من
تركيا سبق وروجت من خلال أحد كتابها المتخصصين  في شؤون الشرق الأوسط   على متانة العلاقة مع الرياض حيث قال "إن هناك اتفاقًا بين  السعودية وإيران على الموقف من إيران، لأن النهج الطائفي لإيران  مزعج لأنقرة والرياض  بالإضافة الى الطموحات التوسعية لإيران،  وانفاقها موارد هائلة في سفك دماء المسلمين وتقويض دول إسلامية  وزيادة النفوذ الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن،  وأن التحالف الجديد السعودي-التركي يبدو أنه محاولة من الكتلة السنية لتشكيل جبهة ضد الشيعة، وأن تركيا التي نجحت في البقاء بعيدًا عن الصراعات الطائفية حتى جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، أصبحت الآن جزءًا من الاستقطاب الطائفي من أجل عرقلة إيران. 
 ولكن على ارض الواقع هناك منافع  سياسية واقتصادية متعددة بين ايران وتركيا تدفعها الى لعب هذا الدور المتناقض والبراجماتى على رأسها: 
1- عدم رغبة تركيا في الصدام مع ايران والتعاون الإقليمى من اجل مصالحها فى العراق وسوريا . 
الموقف التركي من
2- رفع حجم الصادرات والتبادل التجاري مع إيران بعد رفع العقوبات  حيث أدَّى تشديد العقوبات على إيران  لاسيما في عام 2012- إلى تراجع التبادل التجاري بين طهران وأنقرة من حوالي 22 مليار دولار عام 2012 إلى حوالي 14.8 مليار عام 2013، وصولاً إلى 13.7 مليار دولار عام 2014، وتراجعت إثر ذلك الصادرات التركية من حوالي 10 مليارات دولار عام 2012 إلى حوالي 3.9 مليارات دولار عام 2014؛ أي أنَّ أنقرة خسرت حوالي 6 مليارات دولار بشكل مباشر خلال سنتين نتيجة العقوبات المفروضة على إيران ولا شك أنَّ عودة الاقتصاد الإيراني إلى التعافي ستسمح للمصدِّرين الأتراك بزيادة صادراتهم من السلع والبضائع إلى سوق ضخمة؛ وهذا من شأنه أن يزيد حجم الصادرات ويقلِّل من العجز، وينعش الاقتصاد التركي أيضًا؛ نظرًا إلى قلة التكاليف مقارنة بنسبة الأرباح، وتطمح تركيا إلى أنْ تضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين من 14 مليارًا حاليًا إلى حوالي 30 مليارًا في غضون سنتين؛ كما جاء في الاجتماع الثاني للجنة الاستراتيجية العليا في طهران خلال  أحد زيارات  أردوغان 
3- استيراد المزيد من النفط والغاز بسعر أرخص  من إيران بعد رفع العقوبات عن إيران وبما أنَّ تركيا دولة تعتمد بشكل شبه كامل على استيراد الطاقة من الخارج بما يلبِّي احتياجاتها لتحقيق النمو والتنمية، فإن هذا يعني استيراد المزيد من النفط والغاز الإيراني وبسعر أرخص ؛ وفي ذلك فائدة من دون شك للجانب التركي؛ الذي يدفع ما بين 56 و60 مليار دولار فاتورة طاقة سنويًّا كما يستورد الجانب التركي حوالي 90-95% من صادرات إيران من الغاز، وتشكِّل حوالي 20% من احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي، وتعتبر طهران ثاني أكبر مزوِّد لتركيا بالغاز بحجم 10 مليارات متر مكعب سنويًّا، تدفع تركيا بموجب اتفاقية وُقِّعت مع إيران في عام 1996 وسارية لمدة 25 عامًا، وفي احد الزيارات لرئيس الجمهورية التركية إلى إيران، طرح أردوغان فكرة استيراد المزيد من الغاز الإيراني؛ إذا خفَّضت طهران سعر غازها ،
الموقف التركي من
4- زيادة حجم الاستثمارات التركية في إيران حيث يشير البعض  إلى أنَّ الشركات التركية في موقع مميز الآن؛ يُتيح لها أن تكون الأسرع في استغلال أي انفتاح سريع للاقتصاد الإيراني؛ بحيث تجني الثمار الأولى؛ ذلك لأن لها ركائز سابقة في السوق الإيرانية ؛ إذ يتواجد في إيران اليوم حوالي 100 شركة تركية يعمل غالبيتها في مجال الاستيراد والتصدير، فيما نفَّذت بعض شركات المقاولات التركية مشاريع بقيمة حوالي 530 مليون دولار.
يمكن التأكيد إذًا أن هذه المصالح التركية تمثل نموذجًا للبراجماتية  فى تعاطيها مع الأزمات فى منطقة الشرط الأوسط معتمد على قاعدة "مصالحها أولا" وهو الأمر الذي يدفعها دائمًا إلى التناقض  بين  مواقفها المعلنة ومصالحها الخاصة.

شارك