أحزاب سياسية فى ثوب مذاهب دينية
الجمعة 07/يونيو/2019 - 11:06 ص
طباعة
علي رجب
الكتاب:أحزاب سياسية فى ثوب مذاهب دينية
المؤلف: صالح حسب الله
الناشر: دار العدالة للتوزيع و النشر
رصد تاريخي:
كتاب" أحزاب سياسية فى ثوب مذاهب دينية " لمؤلف صالح حسب الله"، يتناول الصراع السياسي في الاسلام منذ عهد الصحابة الخلاف علي خافة النبي الأعظم "صلي الله عليه واله وسلم"،وامامة الامام علي بن ابي طالب رضي الله عنه، برؤية سياسية مختلفة.
وهو رصد اقرب الي تحليل سياسي لتاريخ الجماعات السياسية، والتي بدأت كخلاف سياسي وتحولت مع الوقت الي مذاهب عقائدية.
فقد يتناول الكاتب فكرة الخلاف و الفرق هى قائمة على فكرة سياسى صرف وانها مسألة سياسية بحتة فالدين لم يقيد المسلمين فيها بشكل خاص و لا بشكل معين و كل ما قيدهم به أن ينظروا الي الصالح العام، فأولو الرأى في الامة يضعون القوانين التي تكفل حسن الاختيار، وتحسم اسباب النزاع و يختارون من يحقق المصلحة العامة، ويعزلون من لم يحققها، وينظرون في كل زمن بما يناسبه، و يتقدمون في فهم ذلك بتقدم الناس في فهم الحقوق والواجبات، فاذا حدث خلاف بين اولى الرأى فيما يتبع ومن يختار، فالخلاف سياسى بحت، شأنه شأن الاحزاب السياسية اليوم ، فاذا رأى قوم استخلاف ابي بكر الصديق رضى الله عنه فلهم رأيهم السياسى وحججهم السياسية، و اذا رأى قوم استخلاف علي كرم الله وجهه فهم ايضا لهم رأيهم السياسى وحججهم السياسية.
واذا رأى قوم أن لا هذا ولا ذاك فهم ايضا اصحاب فكر سياسى و لهم حججهم ، واذا استطاع ان يقنع بعضهم بعضا فيها و الا حكموا السيف وانتصر الاقوي فشأنهم شأن الاحزاب السياسية المعاصرة يختلفون فيتقاتلون ، ويفوز أحدهم فيظل في الحكم حتي يغلبه اخر اما بالرأى العام أو بالسيف .
صبغة دينية:
واصطبغت الاحزاب السياسية بالصبغة الدينية القوية، وصار كل حزب سياسي فرقة دينية، وصار الذين يقتتلون سياسيا يقتتلون دينيا، و بدل أن يسمى الحزب اسما سياسيا يدل علي المبدأ السياسي الذى يدعوا اليه تسمي اسما يدل علي المذهب الدينى: كشيعة وخوارج ومرجئه، و بدل أن يتحاجوا بما ينتج عن اعمالهم من مصالح و مفاسد تحاجوا بالكفر و الايمان و الجنة و النار ، فقد اختلف المسلمون بعد مقتل عثمان بن عفان رضى الله تعالي عنه و انقسموا أحزابا سياسية قد يرى كل حزب أن الحق بجانبه ، و ان خير الامة يتحقق بتولى الامر لمن يدعو اليه ، فحزب يري أن علياً اولي الناس بأن يكون خليفة للمسلمين ، و حزب يري أن معاوية بن أبى سفيان رضي الله تعالي عنهما هو الذي يحقق الخير و الصالح العام للامة ، و حزب اخر (حزب الكنبة) أن لهذا و لا ذاك بل لا حاجة الي الخلافة .فهذا الحزب السياسى لم يشأ أن يدخل في الخلاف فيزيد فجوة الخلاف.
ويقول المؤلف: نري خلاف يحصل بين الأمم اليوم ، والحقيقة أن الخلاف خلافا دنيويا وليس دينيا بل ألبس هذا الخلاف الثوب الديني فكل حزب له أدلته الدينية . و من اراء الفرق المختلفة علي أنه مذهب ديني بحت و مسألة عقيدة صرفه ، مع أننا لو دققنا النظر في أصلها لوجدناه سياسيا : كمسألة مرتكب الكبيرة ، أكافر أم مؤمن ، و من اتبع معاوية أكافر أم مؤمن ؟ كما يحدث اليوم.
فأًصل المسألة انها سياسية و بمرور الزمن صبغت هذه المسألة بالصبغة الدينية، فكانت السياسة هي المسألة التى اشتد نزاع المسلمين فيها و كان أثر النزاع تكون فرق سياسية فى حقيقتها ولبست ثوب الدين .
اهم الاحزاب السياسية:
ومن اهم الاحزاب السياسية والتي تحولت الي مذاهب دينية، يأتي الشيعة: و هم الذين يرون أن الأحق بالخلافة بعد رسول الله صل الله عليه وسلم هو علي بن ابى طالب .
ويري ان "الشيعة"، هم من اقدم الاحزاب السياسية في الاسلام، و أصلهم أصحاب الرأى القائل بأولوية ال بيت النبى صلى الله عليه وسلم - بالخلافة و ال البيت علي بن ابى طالب و قد ظهر بمذهبهم في اخر عصر عثمان بن عفان - رضى الله عنه.
ويضيف الكاتب أن الشيعة سرعان ما انقسموا الي فرق واحزاب صغير، لافتا الي أن اهم اكبر فرقتين بمرور الزمن اصبحوا مذهبيين كبيرين باقيين الى اليوم وهما الإمامية والزيدية.
الراوندية:
ومن الجماعات المذهبية، جماعة الراوندية ، وهي تدّعى بأنّ الإمامة محصورة فى بنى العباس، وذلك لاختصاصهم بالارث.
ورصد المؤلف التحولات في "فرقة الراوندية، قائلا : هى الاسم الآخر لشيعة بنى العباس أو العباسية، إلاّ أنها مرت بمراحل تطورية ثلاث، تبعاً للظروف التى مرت بها الدعوة العباسية، ففى البدء كانت تعتقد بأنّ الامام بعد أبى هاشم هو محمد بن على للوصية التى أوصي بها أبو هاشم، كما أنها كانت تعتقد بأن محمد بن الحنفية كان إماماً بعد أخيه الحسين . وبعد أن نجحت الثورة واستلم أبو العباس زمام الامور، وأصبح هو الخليفة، تغيّر الاعتقاد، وأصبحت تقول: بأن الإمامة من حق العباس وولده، لكونه عم الرسول فهو وارثه.
ومن فرقها "الفرقة الرزامية" وهي التي قالت هذه الفرقة بأنّ الإمامة قد انتقلت من على ـ أى من الامام على ـ إلى ابنه محمد، ثم إلى ابنه أبي هاشم، ثم منه إلى علي بن عبدالله بن عباس بالوصية.
وهناك الهريرية، وهى من الفرقة الراوندية ومن أصحاب أبى هريرة الراوندى، وهذه الفرقة تعتقد بأن الإمامة من حق العباس وولده، وأنها بالإرث، حيث انتقلت من الرسول إلى عمه العباس، كما أنها تعتقد بعظمة وولاية أبى مسلم الخراسانى
الخوارج:
ويري المؤلف ان "الخوارج"، من أشد الفرق الاسلامية دفاعا عن إعتقادهم و حماسة لرأيه من وهي فرقة ظهرت في جيش سيدنا علي رضي الله عنه عندما اشتدَّ القتال بين علي ومعاوية في صفين، رفع جيش معاوية المصاحف ليحتكموا إلى القرآن وقبل سيدنا علي التحكيمن فيما رفض "الخوارج" التحكيم.
و الخوارج هم يرون أن تولى الحكم إن كان لابد منه فأصلح الناس لها هم من احق به ، قرشياً كان أو غير قرشى ، عربياً أو غير عربيى ، فليس عندهم فكرة أن الخليفة معين من قبل النبى – صل الله عليه وسلم – كما تقول الشيعة و لا هناك نظام الوراثة و تفويض الخليفة الأمر لمن يليه كمان كان الشأن فى عهد الأمويين و العباسيين.
المرجئة "حزب الكنبة":
ومن اجماعات المذهبية الاخري التي القي الكاتب الضوء، فرقة المرجئة او "حزب الكنبة" كما يطلق عليهم الكاتب، و هم الذين كرهوا الخلاف و ابتعدوا عن الفريقين و أرجئوا الحكم فيها لله تعالي
فحزب الكنبة من نظرته يمثلون السواد الاحزب في ثقافة المسلمين السياسية والدينية، من حيث عدم مناصرة أي خلاف سياسي قائم.
فالمرجئة، هي جماعة من المسلمين كرهوا هذا التنازع بين الصحابة ومن ثم اتباع الفرق، و سلكوا طريقا وسطاً حتى تنجلى الفتنه ، و لهذا امتنعوا عن الخوض في شأن المتنازعين و لم يكلفوا أنفسهم البحث عن المحق من الطرفين فى الطائفتين المتقاتلتين، و أرجئوا الحكم في شأنهم إلى الله –سبحانه و تعالى – فلهذا سموا بالمرجئة . و المرجئة رد فعل للخوارج.
من الفرق التي اعتبريها سياسية، هي المعتزلة، والتي ظهرت في بداية القرن الثاني للهجرة.
ويقول المؤلف: خرجت المعتزلة من ركام الزلزال السياسي العنيف الذي قام به الامويون، وجاءت نتيجة للانشقاق الذي حصل في صفوف تيار (اهل العدل والتوحيد) - - فقد بدأ هذا التيار بالمعارضة الفكرية السياسية للدولة الاموية – وكان هذا التيار هو تيار النخبة المثقفة الذي انتج كبار المؤرخين وكتاب السيرة والرواة والقضاة وغيرهم – ثم تحول الى تيار سياسي واضح المعالم.
ملاحظات:
يلاحظ علي الكاتب انه لم ركز علي الفرق المذهبية التي هي اغلبها خارج ما يوصف بجماعة "اهل السنة والجماعة"، وتناسي ان الاخيرة بها العديد من التيارات ذات الصبغة السياسية في مرحلة التي تناول فيها الكاتب الجماعات والتيارات الاسلامية منذ عهد الخلفاء الراشدين الى سقوط الخلافة العثمانية ، والتي اصبحت جماعات ومذاهب قائمة بذاتها غذت الفكر المتطرف والانشقاقات في صفوف الامة الاسلامية.