بعد الحكم القضائي.. هل يعود الجدل مرة أخرى حول النقاب بجامعة القاهرة؟

الأربعاء 20/يناير/2016 - 02:07 م
طباعة بعد الحكم القضائي..
 
بعد أن أيدت محكمة القضاء الإداري في مصر، أمس، قراراً إدارياً بحظر عمل النساء المنتقبات في جامعة القاهرة. هناك تخوفات كبيرة من ردود الأفعال، خاصة المنتمية للفصيل السلفي داخل تيار الإسلام السياسي، نتيجة ما سببه هذا القرار في بداياته من جدل وارتفاع حدة التوتر بين تيار الإسلام السياسي، وتبادل الاتهامات ببيع الدين مقابل السياسة.
وقال مصدر قضائي: إن المحكمة قضت بتأييد قرار سابق لرئيس جامعة القاهرة جابر نصار بحظر عمل المنتقبات بالجامعة.
يشار إلى أن المحامي المصري أحمد مهران أقام أربع دعاوى أمام محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة، وكيلاً عن 80 باحثة منتقبة في جامعة القاهرة لإلغاء قرار الجامعة بشأن حظر النقاب لأعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة من طلاب الدراسات العليا داخل المعامل البحثية ومراكز التدريب العلمية لطلبة الدراسات العليا.
وشددت الدعاوى على أن قرار نصار «باطل بنص الدستور»، مستندةً إلى أن الدستور نص على أن «الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة، ومن دون محاباة أو وساطة، ويكلف القائمين عليها بخدمة الشعب، وتكفل الدولة حقوقهم وحمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، ولا يجوز فصلهم بغير الطريق التأديبي إلا في الأحوال التي يحددها القانون».

حيثيات الحكم

حيثيات الحكم
قالت محكمة القضاء الإداري، في حيثيات حكمها الصادر بتأييد قرار رئيس جامعة القاهرة بحظر ارتداء النقاب لعضوات هيئة التدريس بالجامعة: إن "حرية الفرد في اختيار ملبسه تندرج ضمن الحرية الشخصية التي كفلها الدستور ولا يتقيد الفرد العادي بأي قيود تفرضها عليه جهة الإدارة وله أن يرتدي ما يروق له من زي، إلا أن هذه الحرية ليست مطلقة، وإنما عليه أن يمارسها في حدود احترام الآداب العامة".
وأشارت الحيثيات إلى أنه إذا كان الأصل أن يتمتع الموظف العام بحرية اختيار الزي الذي يرتديه أثناء عمله بشرط أن يتوافر في الزي الاحترام اللائق بكرامة الوظيفة، إلا أن هذه الحرية قد تحمل قيود تنص عليها القوانين واللوائح أو القرارات الإدارية أو العرف الإداري أو تقاليد الوظيفة، فعلى سبيل المثال (يلتزم ضباط القوات المسلحة والضابطات فيه بارتداء الزي الذي يحدده القائد العام للقوات المسلحة).
وأضافت المحكمة، أن قانون تنظيم الجامعات ولائحته التنفيذية لم يتضمنا نصًا يلزم أعضاء وهيئة التدريس وغيرهم من المدرسين المساعدين بارتداء زي مخصوص، إلا أن المادة ٩٦ من قانون تنظيم الجامعات ألزمتهم التمسك بالتقاليد الجامعية، ومن ثم فيتعين عليهم فيما يرتدون من ملابس احترام التقاليد الجامعية، وأن يلتزم عضو هيئة التدريس بارتداء الروب الجامعي فوق ملابسة أثناء المحاضرات.
بعد الحكم القضائي..
وتابعت المحكمة: "كما ألزمتهم ذات المادة بتدعيم الاتصال المباشر للطلاب بما يعني آلا ينعزل عضو هيئة التدريس عن الطلاب ولا يحجب نفسه عنهم أثناء المحاضرات، وغير ذلك من الأنشطة الجامعية".
ولفتت المحكمة، إلى أن الزي الذي ينبغي على عضو هيئة التدريس ارتداؤه يجب أن يتحقق فيه احترام التقاليد الجامعية، وألا يكون من شأنه حجبه عن الطلاب ومنعهم من رؤيته بشكل مباشر.
وأضافت المحكمة، أن رئيس جامعة القاهرة أصدر القرار المطعون فيه حرصًا على التواصل مع الطلاب، مؤكدة صدوره وفقًا لسلطته الإدارية المنصوص عليها في المادة ٢٦ من قانون تنظيم الجامعات، والتي تمنحه إدارة شئون الجامعة وتتضمن وضع قواعد عامة مجردة في شأن الزي الذي تلتزم عضوات هيئة التدريس والمدرسات المساعدات والمعيدات بارتدائه أثناء إلقاء المحاضرات.
وقالت المحكمة: إن تقاليد الجامعة التي أرثتها أجيال متعاقبة من العالمات الفضليات ممن تخصصن في علوم الدين والفلسفة الإسلامية والتصوف، وتخرج على أيديهم أجيال من الدارسين في مصر والوطن العربي، تثبت أنه لم تحجب واحده منهم وجهها عن طلابها بإخفائه خلف النقاب، كما أن قيام بعض عضوات هيئة التدريس بارتداء النقاب أثناء المحاضرات لا يتحقق معه التواصل المباشر، بالمخالفة للقانون.
بعد الحكم القضائي..
وردًا على الدفع بأن قرار "نصار" مخالفًا للشريعة الإسلامية وحرية العقيدة، قالت المحكمة: إن "هذا غير صحيح لأن المحكمة الدستورية العليا أقرت بقضائها أن زي المرأة يخرج عن الأمور التعبدية، وأن لأولي الأمر السلطة الكاملة في تحديد رداء المرأة، وأن تنظيم جهة الإدارة للزي لا يخالف حرية العقيدة، وإنما يدخل في دائرة التنظيم المباح".
وتابعت المحكمة: أن "قضاء المحكمة الإدارية العليا استقر على الحكم بمشروعية قرار جهة الإدارة بمنع طالبات الجامعات من أداء الامتحانات وهن مرتديات النقاب".
وأكدت المحكمة، أن قرار "نصار" لا يشوبه إساءة استعمال السلطة، ولم يتبين لها أنه قد صدر لتحقيق مصلحة شخصية أو بقصد الانتقام، كما لا يتضمن القرار المطعون فيه أي انتهاك أو مساس بعورات هيئة التدريس؛ لأن المستقر عليه في قضاء محكمة النقض أن وجه المرأة ليس عورة من عورات جسدها.
وأوضحت المحكمة، أن هناك فرق بين أحكام المحكمة الإدارية العليا السابقة بإلغاء بعض القرارات التي حظرت ارتداء النقاب، وبين هذا القرار المطعون فيه؛ لأنه صدر في شأن علاقة وظيفيه تنظيمية تسمح لجهة الإدارة طبقًا للقانون بتنظيم الزي بما ترعاه التقاليد الجامعية، أما القرارات التي تم إلغاؤها كانت تتضمن حظرًا مطلقا على ارتداء النقاب، بينما يتضمن هذا القرار تنظيم ارتدائه في أوقات وأماكن معينة بالجامعة.
واختتمت المحكمة، أن الأماكن التي حظر فيها قرار رئيس الجامعة هي محاريب علم لا يرتادها عوام الناس ممن فحُشت أخلاقهم حتى تخشَى المدُعيات منهن، وإنما يراهن طلاب وطالبات العلم.
وفي وقت سابق تباينت ردود الأفعال حول قرار رئيس جامعة القاهرة، ومن بينها كان رأي عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية؛ حيث قال «الشحات» في مداخلة هاتفية لبرنامج «البيت بيتك»، على قناة «TEN»، مساء الأربعاء 30 سبتمبر 2015: إن قرار جامعة القاهرة بمنع ارتداء المدرسات بالجامعة النقاب، أثناء إلقائهن المحاضرات، لا يتعارض مع الشريعة والدستور، طالما اقتضى المصلحة العامة.
وأضاف «الشحات»: «هناك مواد كتعليم اللغات الأجنبية يحتاج الطالب إنه يشوف شفايف المدرس علشان يعرف النطق الصحيح، وده مفيهوش مشكلة، ففي هذه الحالة القرار تنظيمي للعملية التعليمية«.
وأوضح: «طالما أن القرار مقيد بخلع النقاب داخل المدرج فقط وليس بشكل عام كي يتواصل الطلاب مع المدرسات، فأصبح الأمر أكثر وضوحًا». 
بعد الحكم القضائي..
ولم يمر أسبوع على هذا التصريح من الشحات إلا وتراجع عن تأييده للقرار الذي أصدره الدكتور جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، بمنع المدرسات المنتقبات من التدريس داخل الجامعة، والتي أثارت دهشة واستغراب شباب التيار السلفي والدعوة السلفية، ويرجع موقف الشحات إلى الهجوم الذي شنه شباب الدعوة السلفية والتيار السلفي على المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية عبر مواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث أعلن الشحات تراجعه التام عن تلك الفتوى، وأعلن الشحات تمسكه بالنقاب داخل الجامعات، واستنكر تصريحات جابر نصار، وأكد "أنه يجب على الجميع أن يعلم أن زمن التمييز ضد المنتقبات ولّى دون رجعة"، في إشارة منه إلى أن الدعوة السلفية لا تريد من هذا أي موقف سياسي ولا اجتماعي، وإنما تريد أن يأخذ كل ذي حق حقه.
وأيّد الشحات البيان الذي أصدرته عضوات هيئة التدريس المنتقبات في الجامعة، للرد على قرار رئيس جامعة القاهرة، مؤكدًا أنه بيان جيد وقوي ومتفق في الجملة مع ما اتخذته الدعوة من خطوات جراء هذا القرار.
ليس هذا فقط بل وطالب الشحات حينها في بيان له، رئيس جامعة القاهرة بإلغاء قرار منع المنتقبات من التدريس داخل الجامعة، وليس مجرد تقييده، متضامنًا بذلك مع البيان الذي أصدرته عضوات هيئة التدريس المنتقبات، وأن يبدي تفهمه لمعالجة أي مشكلة خاصة، وأن يقوم بإجراءات تحقق المقصود من العملية التعليمية ولا يخل بالحق الشرعي والدستوري لعضوات هيئة التدريس المنقبات في ارتدائه.
هذا الموقف الذي تغير مرة أخرى وتحديدًا بعد فشل حزب النور في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، فمن أجل الانتخابات ومحاولة التعويض في الجولة الثانية حرصت قيادات حزب النور والدعوة السلفية على إقناع القيادات النسائية بالحزب بأن الضرورات تبيح المحظورات، وأنه لا مانع من كشف وجوههن أمام القضاة في اللجان التي لا يوجد بها سيدات؛ وذلك بهدف حث الناخبات على المشاركة بكثافة في المرحلة الثانية من الانتخابات، بعد عزوفهن في المرحلة الأولى حتى يتمكن الحزب من الحفاظ على الهوية والبقاء.
بعد الحكم القضائي..
وجاءت ردود الأفعال حول هذا الموضوع متباينة إلى حد كبير، فقد أكد الدكتور عبد الغفار شكر رئيس حزب التحالف الشعبي، أن الخطوات التي يأخذها حزب النور في سبيل البقاء على الساحة السياسية المصرية عن طريق التنازل عن عدد من أفكاره الراسخة في منهجه خطوة إيجابية.
وأضاف أن الأوضاع السياسية القائمة تفرض على كل الأحزاب بشكل عام التنازل عن جوانب من آرائهم وأفكارهم، مشيرًا إلى أن إقدام «النور» على تغيير موقفه من المرأة خطوة في صالح المجتمع المصري الذي يحتاج إلى قوى سياسية معتدلة.
وذكر رئيس التحالف الشعبي أن ما يقوم به حزب النور حاليًا أساسه محاولة التوافق مع الأوضاع الحالية، وهذا يدل على أن الحزب في طريقه إلى التكيف مع المجتمع، وتوقع أنه أن استمر فترة طويلة سوف يتعلم ويقدم المزيد من التنازلات وسيكون جزءًا من المجتمع المصري المعتدل كما أشاد الدكتور سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، بموقف النور الأخير، مؤكدًا أن تنازل الحزب عن عدد من الأفكار الأساسية في منهجه خطوة جيدة.
وأشار إلى أن السياسة في الأساس هي حوار سلمي قائم على التوافق وتقديم تنازلات متبادلة، وبالتالي فإن إدارة الصراع السياسي تتم بصورة سلمية.
وأوضح أن حزب النور يرغب في أن يكون فاعلًا ومقبولًا على الساحة السياسية المصرية، وبالتالي فإنه يقدم بعض التنازلات مثل إقناع قواعده النسائية بضرورة المشاركة في المرحلة الثانية من الانتخابات، وكشف وجوههن أمام القضاة في اللجان التي لا يوجد بها سيدات، مؤكدًا أنها خطوة لا بأس بها وبداية طيبة لهذا الحزب الذي يمكنه أن يتحدث باسم الشارع الإسلامي ولكن بشكل معتدل وبلا إرهاب.
موضوعات ذات صلة

شارك