مليون لاجئ إلى أوروبا.. ومسكنات لأزمة متفاقمة

الخميس 04/فبراير/2016 - 04:15 م
طباعة مليون لاجئ إلى أوروبا..
 
الخطوات التي يتّخذها الاتحاد الأوروبي تجاه أزمة اللاجئين ليست في الغالب سوى إجراءات مُسكِّنة ومؤقَّتة تجعله يتصرّف عموماً بنمط ردّ الفعل. في هذا الإطار كتب يزيد صايغ بحثًا مهمًّا نشره مركز كارنيجي لأبحاث الشرق الأوسط وأكد صايغ علي.
إن طريقة تفاعل الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي مع وصول أكثر من مليون من اللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين في العام 2015، على استقرار الأزمة الحالية. ولكن، في حين تبدو التدابير التي اتّخذتها تلك الدول مناسبة، إلا أنها ليست في الغالب سوى إجراءات مُسكِّنة مؤقَّتة تجعل الاتحاد الأوروبي يتصرّف عموماً بنمط ردّ الفعل. وبالتالي، ثمّة الكثير مما يتعيّن القيام به. إذ يُرجَّح أن تتفاقم أزمة اللاجئين في السنوات المقبلة، لكن حتى لو لم يحدث ذلك، فإن نطاقها وحجمها يعنيان أن التغلّب على تبعاتها سيستغرق سنوات عدّة أخرى.
ينبغي أن تحتلّ هذه القضية مكانة بارزة في استراتيجية الاتحاد الأوروبي العالمية الخاصة بالسياسة الخارجية والأمن، إذا ما كان يرغب في مواجهة التحدّي؛ لكي يتم ذلك، يجب أن يكفّ الاتحاد عن اعتبار كل أزمة لاجئين "حالة طوارئ" قصيرة الأمد، وأن يستبدل تركيزه الضيّق على تقديم المساعدة الإنسانية باستجابات على صعيد السياسات، تقوم على فهمٍ أفضل للدوافع والاتجاهات طويلة الأمد لتلك الأزمات، ويركّز على التنمية المستدامة وليس فقط على عمليات الإغاثة الطارئة.
صورة مشوَّهة
إن حجم التحدّي يبدو واضحاً. ففي العام 2015، تجاوز عدد النازحين قسراً في جميع أنحاء العالم الـ60 مليوناً، ما دفع المفوض السامي للأمم المتحدة لشئون اللاجئين أنطونيو غوتيريس إلى الدعوة إلى "تغيير الأنموذج المفاهيمي"، ردّاً على تحدٍّ "يبدو جليّاً الآن أنه يقزّم أي شيء رأيناه من قبل". ولإحداث مثل هذا التغيير، يتعيّن على الاتحاد الأوروبي تصحيح تشوّهين يحرفان استجاباته على صعيد السياسة العامّة.
أولاً: إن إسباغ إطلالة مفاهيمية على أزمات اللاجئين باعتبارها حالات طارئة، يمكّن الحكومات الوطنية من تبرير مساهماتها أمام جمهورها المحلّي بوصفها ضرورية ومحدودة، إلا أنه يحجب في الوقت نفسه إدراك ما يسبّب ويديم تدفّق اللاجئين. وهذا يعوّق التخطيط والإعداد على المدى الطويل، ويحول دون استجابة أكثر فعّالية. من المؤكّد أن النزاع المسلح هو المحرّك المباشر للنزوح، بيد أن التركيز عليه بصورة محدّدة للغاية باعتباره الحدث الرئيس، يتغاضى عن الاتجاهات طويلة الأمد التي أبرزت مواطن ضعف المجتمعات المحلية، وأضعفت قدرتها على التغلّب على المشاكل، ما يؤدّي إلى مستويات أعلى من النزوح بمجرّد أن يبدأ الصراع.
ثانياً: يتم تشويه استجابات الاتحاد الأوروبي أيضاً؛ حيث تقتصر التدخّلات في أزمات اللاجئين على المساعدات الإنسانية، وخصوصاً تقديم المعونة الغذائية، متبوعةً بالمياه والمرافق الصحية والمأوى. من المؤكّد أن هذه المساعدات حيوية للبقاء، إلا أن التمسّك بإطار طوارئ للتدخّل يحدّ من إمكانية تطوير مقاربات جديدة قد تلبّي على نحو أفضل احتياجات أزمة لاجئين عالمية غير مسبوقة. وبهدف توفير فرص أفضل للاستدامة والمرونة على المدى الطويل، فإن ذلك يعني، بصورة أوضح، تسهيل إشراك النازحين قسراً في الاقتصادات المضيفة، أي مساعدتهم على مساعدة أنفسهم والمساهمة مع مضيفيهم، على سبيل المثال، من خلال التدريب والتمويل وإسباغ الشرعية على عملهم، كما يوصي عددٌ متزايد من الخبراء في المنطقة. وهذا يعني أيضاً المساعدة على تطوير وتمويل آليات التصدّي الخاصة بالحكومات والمجتمعات المضيفة لتخفيف الضغط وتقليص حدّة المشاعر المعادية للاجئين.
أنموذج مفاهيمي جديد
من الواضح أن تعاون الحكومات المحلية أو سلطات الأمر الواقع ضروري لإنجاح مثل هذا النهج. لكن من المتعذّر تطبيق هذا النهج في كل مكان. لا بل إن القضية السورية المعقّدة تشي بما يمكن القيام به. فهناك بالفعل عددٌ كبيرٌ من اللاجئين السوريين الذين يمارسون أعمالاً غير رسمية بأجور متدنّية في لبنان والأردن وتركيا، ويولّدون الطلب على السلع الاستهلاكية، ويضخّون الأموال في سوق الإسكان. أدّى ذلك إلى تشويه الأجور والإيجارات المحلية، وتوتير العلاقات مع المجتمعات المضيفة، لكنه وفّر أيضاً مصادر دخل للكثيرين، وخفّف في الواقع من حدّة وضع كارثي. وقد مدّت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين والوكالات الأخرى أيضاً يد العون من خلال تزويد اللاجئين بقسائم وإعانات إيجار يتم إنفاقها محليّاً، فيما ساعدت هيئات مركزية وبلدية مختارة على مواجهة زيادة الطلب على الخدمات العامة للتقليل من الآثار السلبية على المواطنين.
لكن مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين، بوصفها الهيئة الأساسية المُنفِّذة بالنسبة للاتحاد الأوروبي، وسواها من الجهات المانحة الرئيسة، ومعظم العاملين في المجال الإنساني، يظلون حبيسي إطار الطوارئ عندما يتعلق الأمر بالتخطيط والإعداد للمستقبل. فهم يقومون بجمع بيانات شاملة، غير أنهم لا يشاركون في عملية تحليل البيانات التي قد تؤدي إلى تبنّي مقاربات بديلة. تلك المقاربة تنطوي على خطر التحوّل إلى مقاربة عقيمة عندما يبدأ الشعور بالتعب من تقديم المساعدات، وينخفض نصيب الفرد من المساعدات المُقدَّمة إلى اللاجئين، في الوقت الذي يزداد اعتمادهم على المساعدات. ومن المفارقات أن الاتحاد الأوروبي هو الذي يختبر الميزة التي ينطوي عليها تبنّي مقاربة مختلفة، عبر السعي إلى الحصول على موافقة تركيا على إصدار تصاريح عمل للاجئين السوريين بهدف تنظيم عملهم، في حين يثنيهم عن الهجرة إلى أوروبا.
غرض الاتحاد الأوروبي هو خدمة مصالحه الخاصة، لكنه قد يمهّد الطريق لإعادة النظر في مقاربته العامة بصورة جذرية. هناك ثلاثة عوامل ينبغي أن تجبره على القيام بذلك: 
أولها: يتمثّل في أن عودة اللاجئين إلى بلدانهم دائماً ما تكون بطيئة للغاية حتى بعد استعادة السلام. ففي العام 2014، لم يتمكّن سوى 126800 لاجئ من أصل نحو 60 مليوناً في جميع أنحاء العالم من العودة إلى ديارهم.
ثانيها: تظهر اتجاهات الصراع وحجم التفكّك والدمار المادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تستحوذ وحدها على نصف إجمالي الأشخاص النازحين قسراً في العالم، إمكانية حدوث مزيد من تدفّقات اللاجئين؛ ولا تشذّ عن ذلك أجزاء من إفريقيا جنوب الصحراء ووسط وجنوب آسيا.
ويتمثّل العامل الثالث في أن الشعور بالكلل من تقديم المساعدات، والمتاعب المستمرّة التي تعاني منها منطقة اليورو، والمنافسات الجيوسياسية العالمية، وتقلّص عائدات البلدان المنتجة للنفط في منظمة "أوبك" بسرعة، والتي ربما كانت ستسهم بحصة أكبر من المساعدات الإنسانية، كل هذا يجعل الإبقاء على إطار الطوارئ أمراً غير مُجدٍ.
إن عدم تقديم المساعدة الإنسانية ليس خياراً، لكنه لا يمثّل، في الوقت نفسه، استجابة كافية. ولكي يُحدث فرقاً، يتعيّن على الاتحاد الأوروبي تطوير أنموذج مفاهيمي جديد قادر على تغيير شروط وحسابات التكلفة والعائد لملايين اللاجئين أينما كانوا، وألا يكتفي فقط بأولئك الذين يحطّون الرحال على شواطئه.

شارك