رهبان الإخوة الفرنسيسكان يتحدون "داعش" بالبقاء في سوريا

الأربعاء 09/مارس/2016 - 12:40 م
طباعة رهبان الإخوة الفرنسيسكان
 
لا يزال هناك مسيحيون في الدائرة الجهادية التي لا تزال تتنافس مع الحكومة في دمشق وحلفائها الروس والشيعة على بقعة واسعة من الأراضي السورية. عددهم قليل، وهم مسنّون، لكنهم موجودون. وقد وقف بجانبهم الإخوة الفرنسيسكان من حراسة الأراضي المقدسة الذين رفضوا مجدداً في الأسابيع القليلة الماضية التخلي عن هذه الجماعة الصغيرة من الرجال والنساء الذين يحملون اسم المسيح في الأراضي التي يحتلها المقاتلون الإسلاميون. لا يزال مئات المسيحيين يعيشون في ناحية من سوريا يسنّ فيها المقاتلون الإسلاميون القوانين. وقد اختاررهبان إخوة الحراسة البقاء إلى جانبهم. وقال الراهب بيتسابالا: "الراعي لا يتخلى أبداً عن قطيعه ولا يسأل أبداً إذا كانت خرافه تساوي القليل أو الكثير، وإذا كانت كثيرة أم شابة. الراعي يرى أن جميع الخراف مهمة ويحبها كلها بالتساوي".
هذا هو الوضع في القري في وادي العاصي القنيّة، اليعقوبية والجديدة، حيث يواصل حوالي 400 مسيحي حياتهم في الصلاة والمشاركة في القداديس التي تقام في ثلاث رعايا كاثوليكية محلية نُزعت منها الأجراس والصلبان وتماثيل القديسين. هم آخر المسيحيين المتبقّين الذين لم يتمكنوا من المغادرة بسبب عدم توفر الإمكانيات لفعل ذلك وبسبب شيخوختهم التي حالت دون هربهم إلى مكان آخر. أما الإخوان الموجودان معهم فهما الكاهنان والراهبان المسيحيان الوحيدان اللذان بقيا في الأراضي التي يُسنّ فيها القانون من قبل المحاكم الإسلامية التي تفرضها الميليشيا الجهادية.
في الفترة الأخيرة، تساءل أبناء القديس فرنسيس عما إذا كان لا يزال البقاء ممكناً وصائباً، في ظل تعريض أنفسهم لمخاطر جديدة ناتجة عن العنف والثأر اللذين ازدادا في المرحلة الغامضة التي دخل فيها الصراع السوري. وقد أدى الاختطاف المتكرر لضياء عزيز، الأخ العراقي البالغ 40 عاماً والمسئول عن رعية اليعقوبية، إلى استحالة التحايل على الوضع. فقد ظل مختطفاً طوال 12 يوماً. وفي 4 يناير، أعلنت الحراسة أنه حُرر من دون إعطاء أي تفاصيل أخرى. هذا كله دفع بالإخوة إلى طرح سؤال أساسي على أنفسهم: هل من الجيد والمعقول البقاء في رعايا القرى السورية الواقعة تحت سيطرة القوى الإسلامية المعادية لحكومة دمشق، على الرغم من استمرار تناقص عدد المسيحيين المحليين من جراء رحيل كثيرين؟ أم أنه من الأفضل الانسحاب بانتظار تحسّن الأوضاع؟ هذا هو القرار الصعب الذي دعا حارس الأراضي المقدسة، بيار باتيستا بيتسابالا، الإخوة إلى اتخاذه.
في الأسابيع التالية، قدّم العديد من الإخوة ملاحظاتهم للأخ بيتسابالا بصورة شفهية أو كتابية. فكتب رسالة نُشرت على موقع Terrasanta.net معلناً نتيجة هذا التأمل الجماعي. قال فيها للإخوة: "آراؤكم ساعدت كثيراً وسهّلت اتخاذ القرار… كلكم تقريباً عبّرتم عن رأيكم بأنه من الصائب والمناسب البقاء في القرى، بغض النظر عن عدد أبناء الرعايا ورغم الخطر".
أضاف: "الحراسة لم تتخلّ أبداً عن الأماكن والشعوب التي أوكلتها الكنيسة إليها، حتى في وجه المخاطر. مؤخراً أيضاً، توفي عدد من شهدائنا في ظروف مشابهة للوضع الراهن. الراعي لا يتخلى أبداً عن قطيعه ولا يسأل أبداً إذا كانت خرافه تساوي القليل أو الكثير، وإذا كانت كثيرة أم شابة. الراعي يرى أن جميع الخراف مهمة ويحبها كلها بالتساوي". بهذه الروح، أعلنت حراسة الأراضي المقدسة أن لؤي بشارات – الأخ الأردني الشاب الذي عبّر عن عزمه على الذهاب إلى سوريا "منذ بداية الحرب" جاء من بيت لحم إلى اليعقوبية ليحل محل الأب ضياء.
هذا وتعكس تجربة الجماعات المسيحية الصغيرة في وادي العاصي التي يشرف عليها الفرنسيسكان جوهر الاستشهاد الذي تعيشه عدة جماعات مسيحية في سوريا التي تضنيها الحرب. سنة 2011، وقعت تلك الناحية من شمال غرب سوريا تحت سيطرة الثوار المناهضين للأسد منهم أولاً قتلة الدولة الإسلامية، ومن ثم عناصر جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة. آنذاك، رحبت عدة حكومات غربية بالثورة ضد نظام دمشق. وفي الغرب، اتُهم المسيحيون السوريون بأنهم الطابور الخامس لقوات الأسد. وعندما وصل الثوار إلى ذلك القطاع من سوريا، أُجبر بعض المسيحيين بالإضافة إلى كاهن أرثوذكسي على الهرب بسبب علاقاتهم المعروفة بشخصيات حكومية. من جهة أخرى، بقي الفرنسيسكان مع أبناء رعيتهم ولم يُطردوا، ليس بسبب تأييدهم للثوار بل بسبب عدم إظهارهم ميولاً لأي طرف سياسي. حتى ذلك الحين، كانوا يحترمون النظام القائم.
في ظل حكم الجهاديين، كان يتوجب على المسيحيين في القرى الثلاث الواقعة في منطقة العاصي إخفاء إيمانهم. فأزيلت الأجراس والصلبان عن الكنائس بالإضافة إلى تماثيل القديسين. وفي خريف 2014، أوقف الأب حنا جلوف، كاهن رعية القنية، وبعض شباب الرعية، على أيدي جهاديين. حصل ذلك بعد أن توجه الفرنسيسكاني شخصياً إلى المحكمة الإسلامية المحلية حيث حاول شجب تنامي إساءات الجماعات الإسلامية بحق الدير. فكان الثأر الذي تلقاه هو وأبناء رعيته كافياً للكشف عن التسويق الإسلامي.
في النهاية، أظهر الفرنسيسكان وأصدقاؤهم من خلال ضعفهم وعجزهم أنه بإمكان الإنسان دوماً أن يحاول عيش حياته كمسيحي في ظل من يحكمون بشكل مؤقت بغض النظر عمن هم، حتى ولو كانوا عناصر من الخلافة الإسلامية.

شارك