"معركة الموصل" جولة جديدة للنزاع السني الشيعي
الإثنين 28/مارس/2016 - 10:46 م
طباعة
مع السقوط المريع والدرامى لمدينة الموصل فى منتصف عام ٢٠١٤ فى أيدى ميليشيات داعش، انطلقت الانتقادات محليًا وعالميًا، تشير إلي عجز الجيش العراقى عن مواجهة مجموعة من الميليشيات المسلحة، خاصة أن الجيش العراقى تكلف ما يقرب من ستين مليار دولار أمريكى لتسليحه وتدريبه، لكن الفساد المستشرى فى جميع مؤسسات الدولة العراقية خاصة الجيش، قد حال دون تطويره وإعداده للقيام بدوره الحقيقى فى الدفاع عن الأراضى العراقية من هجمات الميليشيات العسكرية المتطرفة. سواء داعش أو تنظيم القاعدة أو غيرها. وهناك عامل آخر لا يقل أهمية عن الأسلحة والتدريب، وهى أن الجيش العراقى يتسم بالطائفية خاصة بعد فتح باب التطوع على مصراعيه، فعجزت الأجهزة الأمنية عن تحديد هوية المتطوعين، وقد استغلت المرجعيات الدينية الشيعية هذه الظروف وأطلقت فتوى على لسان زعيمها المرجع الشيعى على السيستانى، وهى ما عرفت بفتوى الجهاد الكفائى، وهى تدعو لإنشاء ميليشيات شعبية يتم تسليحها وتدريبها وانخراطها فى العمل جنبًا إلى جنب مع قوات الجيش العراقى، وأن هذه الميليشيات شبه عسكرية، وتعمل ضمن المؤسسة الأمنية العراقية، وكانت داعش قد تمددت سيطرتها على محافظات صلاح الدين ونينوى والأنبار، وهى محافظات يغلب عليها الطابع السنى، وقد لاقى الحشد الشعبى دعمًا قويًا من الحكومة العراقية حتى وصلت ميزانيته عام ٢٠١٥ إلى ٦٠ مليون دولار من الميزانية المخصصة لنفس العام. وقد قام المرجع الشيعى السيستانى، بإصدار توجيهاته إلى عناصر الحشد، والتى يغلب عليها الطابع الشيعى بالتعامل بالأخلاق الإسلامية، وعدم التعرض لكبار السن والأطفال والنساء، أو هدم ممتلكات أو حرق الزرع، إلا أنه مع أول تجربة فى تحرير تكريت من قبل الجيش العراقى المدعوم جويًا من الولايات المتحدة الأمريكية، انطلقت ميليشيات الحشد الشعبى فى المدينة ومارسوا أبشع الجرائم، وذكرت الصحف العربية والعالمية ومنظمات دولية أن الحشد الشعبى قام بعمليات نهب وإحراق الممتلكات، حتى تدخلت قوات الأمن العراقية، وأجبرت عناصر الحشد الشعبى علي الانسحاب إلى أطراف تكريت، وبعد هذه الأحداث، أمر رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى الجهات الأمنية بالتحقيق مع مرتكبى ما وصفه بالأعمال التخريبية.
الدعم الإيرانى للحشد الشعبي
لا شك أن الدعم الإيرانى للحكومة العراقية، فى إطار الصراع الإقليمى فى المنطقة «الشيعي ـ السنى» غير محدود. وحسب تأكيدات نور المالكى أن إيران هى الدولة الوحيدة التى دعمت العراق سواء بالأسلحة أو بالخبرات العسكرية، حيث تتواجد عناصر من فيالق القدس التابعة للحرس الثورى الإيرانى، وأن إيران دعمت الحشد الشعبى بسحب أسلحة من مخازنها وتسليمها لعناصر الحشد، وقد أكد أنه لولا الدعم الإيرانى لسقطت بغداد ومن الملاحظ أن سلوك عناصر الحشد الشعبى تتشابه مع سلوك الحرس الثورى فى إيران، حيث يعتبر ذراعًا للبطش والتنكيل بالمواطنين تحت دعوى الحفاظ على الأمن.
الاتهامات الموجهة للحشد الشعبي
إن أصابع الاتهام توجه إلى الحشد الشعبى داخليًا وخارجيًا، ففى الداخل ذكر زعيم التيار الصدرى مقتدى الصدر، أن ميليشيات وصفها بالوقاحة تعمل بمعية الحشد الشعبى تقوم بعمليات ذبح واعتداء بغير حق ضد مواطنين عراقيين لا ينتمون لتنظيم داعش، وأكد أن مثل هذه الممارسات ستؤدى إلى فشل التقدم والنصر، ودعا الصدر إلى عزل هذه الميليشيات. بينما ذكرت هيومن رايتس ووتش ما يلى: تعرضت المناطق السنية إلى انتهاكات قد ترقى إلى جرائم الحرب، وذكرت أيضا أن بعض المناطق تعرض إلى هجمات تبدو وكأنها جزء من حملة تشنها الميليشيات لتهجير السكان من المناطق السنية والمختلطة، وفى نفس السياق صرح الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية دينيس بتريوس مؤكدا أن ميليشيات الحشد الشعبى المدعومة، من إيران تشكل خطرًا على العراق أكثر من تنظيم داعش الإرهابى، وقال إن هذه الميليشيات، تقوم بفظاعات ضد المدنيين السنيين، وشدد على أن عملية القضاء على داعش يجب أن تكون من خلال الجيش العراقى المدعوم من التحالف الدولى، ومع حلول عام ٢٠١٦ وصلت الميزانية التى خصصتها الدولة العراقية للحشد الشعبى إلي حوالى تريليون ومائة وستين مليار دينار عراقى، وبلغت أعداد المنتمين للحشد من ٦٠ ألفًا إلى ٩٠ ألف متطوع، وهذه الأعداد الهائلة من المتطوعين تأتى كنتيجة طبيعية لحالة البطالة المنتشرة فى العراق، وأن المرتبات والأجور لعناصر الحشد مجزية جدًا، وتنضوى حوالى ١٨ منظمة لتشكيل الحشد الشعبى.
والآن حيث قطعت الاستعدادات العسكرية العراقية أشواطًا مهمة فى إطلاق عملية استعادة الموصل، اصطدمت رغبة رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادى بإشراك «الحشد الشعبي» فى الحملة العسكرية الرامية لاستعادة الموصل من قبضة داعش بموقف سنى صلب يرفض زج الميليشيات الموالية لإيران بالمعركة المرتقبة خشية لما قد تثيره من تداعيات طائفية تعرقل تحرير المدينة. وفى هذا الصدد أصدر تحالف القوى السنية، بيانا بعد اجتماع برئاسة رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفى وحضره وزراء ونواب كتلة تحالف القوى السنية جاء فيه «نظرًا لخصوصية معركة تحرير نينوى فى كونها ستسجل نهاية للتنظيم المتشدد، فإن المجتمعين قرروا بالإجماع أن يتحمل أبناء نينوى الجهد الرئيسى فى العملية بمشاركة مع الجيش وقوات البشمركة وقوات التحالف» ودعا البيان إلى «فتح المجال أمام أبناء نينوى للتطوع ودعمهم بالسلاح»، وأشار البيان إلى أن أى قرار لإدخال الحشد الشعبى من شأنه أن يساعد عصابات داعش ويقويها على جعل المعركة ذات طابع طائفى تخدم دعايتهم السوداء، لافتا إلي أن الحشد الوطنى المكون من أبناء نينوى على اختلاف انتماءاتهم الدينية والطائفية والقومية، هو الأقدر على التعامل مع مواطنى المحافظة، وشدد التحالف إلى أن أى قوى مهاجمة ينبغى أن تحظى بالدعم والإسناد من المواطنين الذين يتخوفون من عمليات التدمير»، وفى نفس الوقت أعلن العبادى أمام البرلمان العراقى أن معارك تحرير نينوى ستشهد مشاركة الحشد الشعبى والعشائر والقطاعات الأمنية كافة، مشيرا إلى أن «العملية ستكون مع إقليم كردستان، فهل يستطيع العبادى تنفيذ مخططه، أم أن الموقف الصلب للتحالف السنى، سيحسم الأمر لمنع مشاركة الحشد الشعبى فى المعركة؟.