أوروبا وثقافة الأمان
الإثنين 28/مارس/2016 - 10:50 م
طباعة
سنحت لي فرصة زيارة بروكسل منذ أشهر قليلة، وبالرغم من تواجد معظم مقار الاتحاد الأوروبي إلا أن التواجد الأمني قليل للغاية والاعتماد أكثر على كاميرات المراقبة، وتتعامل الشرطة البلجيكية مثل مختلف البلدان الأوروبية بحسن نية مع مواطنيها حتى يثبت العكس، بينما تتعامل الشرطة المصرية ومختلف بلدان الدول العربية على سوء النية مع المواطن حتى يثبت العكس.
ومحطة قطار بروكسل مثل غيرها من محطات القطار في أهم المدن الأوروبية نادرا ما تجد جهازًا للكشف عن الأمتعة، ويمر المواطن الأوربي بسهولة تأكيدا لسياسة السلطات الأوروبية في بث شعور الأمان بغض النظر عن التهديدات التي تواجه البلاد، ومحاولة اتخاذ خطوات احترازية غير معروفة.
وبالرغم من تفجير محطة مترو ميلبيك التي تبعد أقل من400 متر عن مختلف مقار الاتحاد الأوروبي، مثل مقر حلف الأطلسي "الناتو" والبرلمان الأوروبي والاتحاد الاوروبي، ....الخ، إلا أن المواطن الأوروبي يمكنه الدخول والخروج من المحطة دون أي عقبات، وربما لا نلاحظ أكثر من رجل شرطة ولكن توجد عشرات الكاميرات للمراقبة في المحطة والشوارع المحيطة.
ومهما كانت التحديات والمخاطر تفضل الدول الأوروبية أن يشعر مواطنوها بالأمان وعدم الذعر والتردد في إطالة مدة حالة الطوارئ عكس بلادنا التي تتعجل بفرض الطوارئ بل وإطالة مدتها!
الغريب في الأمر هو أن السلطات الأوروبية في مأزق، فهناك موانع قانونية وثقافية تحظر التوسع في فرض حالة الطوارئ وتقييد الحريات العامة للمجتمع، وبين ملاحقة الإرهابين وتفكيك الخلايا النائمة، بعد أن كشفت تفجيرات باريس وبروكسل أن التنظيمات الإرهابية تستغل ثغرات أمنية في مهاجمة مواقع حيوية وتهديد حياة الأوروبيين للخطر، ومن ثم أصبح السؤال اليوم: هل تضحى أوروبا بالحريات وحقوق الإنسان لمواجهة الإرهاب أم لا؟
ويلاحظ أيضا أن هناك تقارير تتحدث عن جذب تنظيم داعش للشباب الأوروبي للانضمام للتنظيم والقيام بعمليات ارهابية داخل المدن الأوروبية، ولكن عبر استقطاب الشباب من الخارجين عن القانون والمتهمين في قضايا سرقة ونصب وقتل، بمعنى استقطاب أصحاب الخبرات في الإجرام، عكس ما كان يقوم تنظيم القاعدة بتجنيد الشباب على أسس دينية متطرفة تحت مسميات الجهاد والدفاع عن الاسلام، وهو ما يحقق تزاوج جديد بين أرباب السوابق والتطرف، وتعقيد الأزمة على السلطات الأوروبية.
وتم تسليط الضوء على تجنيد داعش وغيره من الجماعات الإرهابية لأرباب السوابق واستغلال فرصة تهميش المجتمع ولفظه له والنظرة الدنيوية التي يبادرها المجتمع له، عقب تفجيرات باريس وتجدد الأمر عقب تفجيرات بروكسل، وهو ما اعتبره المتابعون للتنظيمات المتطرفة أن هذه الجماعات تقدم له إغراءات الحياة من دعم مادي ووظيفي لا يمكن أن يحظى بها داخل أروقة المجتمع المحيط به، فأغلب العناصر التي تنتمي للتيارات الإرهابية هم من أصحاب السوابق وأرباب الجرائم ورواد الملاهي الليلية.
وتم وصف هؤلاء بالذئاب المنفردة، التي تتشكل كخلايا إرهابية نائمة دون ولاءات مباشرة لأي تنظيم إرهابي، حيث يمكن أن يكونوا إما أفرادا أو جماعات مما يشكل العائق الأكبر في استهداف تلك الذئاب.
نحن بانتظار مدى نجاح وزراء الداخلية في دول الاتحاد الأوروبي في انتهاج سياسات جددة لمكافحة الارهاب، والتعامل برؤية واضحة مع التهديدات التي تهدد أوروبا والعالم، والكف عن ازدواجية المعايير في التعامل مع خطر الارهاب، ومنع امداد هذه الجماعات بالمال عبر طرق ملتوية أو مسميات مختلفة، ووقف التعاون مع الدول الراعية للإرهاب وخاصة بعض دول الخليج وتركيا، وأن يكون لأوروبا موقف واضح وشفاف في التعامل مع منابع تمويل التطرف، وعدم التغاضي عن هذا الأمر تحت اغراءات استثمارات رعاة التطرف، إذا كانت هناك جدية في مكافحة إرهاب!