(الشيخ السادس عشر للجامع الأزهر).. حسن العطار
الجمعة 22/مارس/2019 - 09:15 ص
طباعة
تتناول هذه النافذة، تاريخ مشيخة الأزهر، وتاريخ بطاركة الكنيسة المصرية من خلال التسلسل الزمني.. بغرض التعرف عن قرب على تاريخ الأزهر الشريف والكنيسة المصرية، والأدوار الدينية والاجتماعية والسياسية والفكرية لهؤلاء الأعلام (المشايخ والبطاركة)... باعتبار ذلك جزءًا أصيلًا وفاعلًا من تاريخ مصر.
هو حسن بن محمد بن محمود العطار المولود (1766م / 1180 هـ) - (1835م / 1250 هـ) بالقاهرة، وهو أول شيخ يتولى مشيخة الأزهر من أصل غير مصرى حيث كان مغربي الأصل، وتوفى يوم 22 مارس سنة 1835م 1250 هـ) وهو السادس عشر من شيوخ الجامع الأزهر على المذهب الشافعى، وعلى عقيدة أهل السنة.
نشأته وتعليمه
كان أبوه الشيخ "علي محمد العطار" فقيرًا يعمل عطاراً، من أصل مغربي وكان له إلمام بالعلم، وكان حسن يساعد والده في دكانه، ولما رأى منه الوالد حباً للعلم، وإقبالاً على التعلم شجعه على ذلك، فأخذ حسن يتردد على حلقات العلم بالأزهر الشريف ودرس علوم الأزهر المقررة حينئذ مثل: التفسير، والحديث، والتوحيد، والتصوف، والفقه، وأصول الفقه، وعلم الكلام، والنحو، والصرف، والعروض، والمعاني والبيان، والبديع والأدب، والتاريخ، والسيرة النبوية، وأيضًا درس علوم المنطق، والوضع والميقات، على أيدي كبار علماء عصره واستمر في تحصيله للعلم الشرعى وأهتم بغرائب الفنون والتقاط فوائدها كالطب والفلك والرياضة.
وكان حريصاً على قراءة ودراسة أمهات الكتب العربية، فهو لم يحصّل علمه من الحواشي والشروح فقط، وإنما رجع إلى المصادر الأصلية يدرسها ويتعلم منها، ويدعو إلى تواصل خلاق معها ليحدث التواصل الحضاري الحقيقي الذي كان ينشده، ويمكن إرجاع جانب الأصالة الفكرية والنزوع إلى إعمال العقل عند العطار- بالإضافة إلى ملكاته الخاصة وما استفاده من بعض شيوخه ونقده للجو الثقافي في عصره- إلى اشتغاله بالتجارة في فترة تكوينه بما تضفيه التجارة على المشتغل بها من ضرورة اليقظة واستخدام عقله وربط الأمور المختلفة ببعضها.
لم يكتف العطار بالكتب العربية، وكان يجيد اللغات التالية ؛ كالتركية والفرنسية والألبانية، واتجه إلى الكتب التي ترجمت في أوائل عصر النهضة في القرن التاسع عشر، فقرأها وأفاد منها، وجمع بها بين ثقافة الشرق وثقافة الغرب و كانت علاقته بعلماء الحملة الفرنسية قد أطلعته على أحدث ما وصلت إليه العلوم المدنية
وكان شاعراً، ومؤلفاً للكتب، ومحققاً للمخطوطات، كتب الشعر التعليمي والموشحات وشعر الوصف والرثاء والمدح والهجاء بل وشعر الغزل أيضاً.
ومن شعره
إني لأكرَهُ في الزمان ثلاثةً ما إن لها في عدِّها من زائدِ
قُرب البخيل وجاهلاً متفاضلاً لا يستحي وتودُّد ابنٍ حاسدِ
ومن الرزيَّة والبليَّة أنْ ترى هذي الثلاثة جُمِّعَتْ في واحدِ
وتميز أسلوبه بالدقة والاستطراد من أجل الإحاطة بكل جوانب الموضوع، وإعمال فكره الخاص عندما يتناول أعمال من سبقه من المؤلفين، فلا يكتفي بتفسيرها وشرحها كما كان سائداً في عصره، وكان يستخدم السجع والمحسنات البديعية في كتاباته، لكنه يعتبر أقل مؤلفي عصره استخداماً لها، كما كان يطرح هذا الأسلوب المتكلف جانباً في كتاباته العلمية ويترك للموضوع اختيار الأسلوب.
وقد ذكره المستشرق "فولرز" في دائرة المعارف الإسلامية بقوله: "وكان العطار رجلاً مستنيراً، اشتهر بعلمه، وكان أيضاً شاعراً ناثراً ."
والمستشرق كراتشكوفسكي "لم يكن الشيخ حسن العطار عالماً فحسب بل وشاعراً أيضاً".
ويقول محب الدين الخطيب في كتابه عن "الأزهر": "وكان العطار متضلعاً في العلوم الرياضية فضلاً عن العلوم الشرعية والعربية."
ويقول المؤرخ عبد الرحمن الرافعي: "وكان الشيخ حسن العطار من علماء مصر الأعلام، وامتاز بالتضلع في الأدب وفنونه، والتقدم في العلوم العصرية، وكان هذا نادراً بين علماء الأزهر".
وقال عنه الجبرتي "صاحبنا العلامة، وصديقنا الفهامة، المنفرد الآن بالعلوم الحكمية، والمشار إليه في العلوم الأدبية، وصاحب الإنشاء البديع والنظم الذي هو كزهر الربيع، الشيخ حسن العطار".
وقال عنه الطهطاوي: "كان له ولوع شديد بسائر المعارف البشرية. وقال عنه على مبارك: إنه اشتغل بضرائب الفنون والتقاط فوائدها.
وعبد المتعال الصعيدي الذي قال عنه: "لا شك أن موقف الشيخ العطار من العلوم الرياضية بشكلها الجديد يدل على ما كان يمتاز به من مرونة عقلية ودينية، وعلى أنه كان في هذا أحسن حالاً من أهل الأزهر الذين حاربوها بعده باسم الدين".
وقال عنه الشيخ محمد شهاب الشاعر: "إنَّه كان آية في حدَّة النظَر وقوَّة الذَّكاء، وكان يزورنا أحيانًا ليلاً، ويتناول الكتاب دقيق الخط الذي تصعُب قراءته في شدَّة ضوء النهار فيقرؤه على ضوء القمر والسراج الخافت، ويستعير المجلدات الضخمة ويعيدها بعد أسبوعٍ، وقد استوعبها وعلَّق عليه"..
وتروى طرفة عن الشيخ حسن العطار؛ حيث إنه كان ذا ولع بالسماع، فقال ذات يوم: "من لم يتأثر برقيق الأشعار، تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، في ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار".
شيوخه
درس على يد الكثير من الشيوخ منهم
1- الشيخ محمد مرتضى الزبيدي.
2- الشيخ محمد الأمير.
3- الشيخ محمد الصبان.
4- الشيخ أحمد بن يونس.
5- الشيخ عبد الرحمن المغربي.
6- الشيخ أحمد السجاعي.
7- الشيخ أحمد العروسي.
8- الشيخ عبد الله الشرقاوي.
9- الشيخ محمد الشنواني.
10- الشيخ عبد الله سويدان.
11- الشيخ محمد عرفة الدسوقي.
12- الشيخ أحمد برغوت.
13- الشيخ البيلي.
مواقفه
بدأت ملامح شخصية الشيخ العطار السياسية تظهر مبكرًا فعندما احتل الفرنسيون مصر سنة 1798 كان حسن العطار في الثانية والثلاثين من عمره، ومثل كثير من العلماء في ذلك الحين فر إلى الصعيد وتحديدا أسيوط خوفاً على نفسه من أذاهم وأثناء وجوده بأسيوط أصاب البلاد مرض الطاعون الذي كان يحصد عشرات الآلاف في اليوم، فوصَفَه في رسالةٍ له.
ومكث العطار في الصعيد نحو ثمانية عشر شهراً تقريباً في الصعيد لكنه عاد بعدها إلى القاهرة بعد استتباب الأمن وعندما عاد إلى القاهرة تعرف ببعض علماء الحملة، واطّلع على كتبهم وتجاربهم وما معهم من آلات علمية فلكية وهندسية، كما اشتغل بتعليم بعضهم اللغة العربية، فأفاد منهم واطلع على علومهم، واشتغل أثناء الحملة الفرنسية بالتدريس في الأزهر.
وبعد رحيل الجملة الفرنسية تجول في الشام والحجاز واوربا وتركيا وقيل انه هرب الى هناك بسب علاقاته الجيدة مع الفرنسيين وغضب رجال الأزهر منه و زار تركيا ونزل بعاصمتها القسطنطينية وأقام في ألبانيا مدة طويلة وسكن ببلد تدعي اشكودره من بلاد الأرنئود وتزوج بها ثم دخل بلاد الشام سنة 1810م وعمل هناك في التدريس وأقام بها خمس سنين.
عاد إلى مصر سنة 1815 وكانت الأمور في مصر قد استقرت وصارت ولاية البلاد لمحمد علي، فعاد إلى التدريس بالأزهر وكان له اتصال خاص بسامي باشا وأخويه باقي بيك وخير الله بيك من رجال محمد على وبواسطتهم أستطاع التقرب من محمد علي باشا وكان يقابله ويبدى حرصه على مساعدة محمد على في تطوير مصروكلف منه بالمساهمة في إنشاء المدارس الفنية العالية مثل الألسن والطب والهندسة والصيدلة.
لم يكتف الشيخ العطار بذلك، بل إنه استغل قربه من محمد علي والي مصر، وثقة الوالي به، وطلب منه إرسال البعثات إلى أوروبا لتحصيل علمها، وأوصى بتعيين تلميذه رفاعة الطهطاوي إماماً لأعضاء البعثة العلمية إلى باريس، وأوصى الطهطاوي بأن يفتح عينيه وعقله، وأن يدون يوميات عن رحلته، وهذه اليوميات هي التي نشرها الطهطاوي بعد ذلك في كتاب "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".
واختير كأول محرر لأول جريدة عربية مصرية وهي الوقائع الرسمية التي أنشأها محمد علي سنة 1828 وجعلها لسان حال الحكومة والجريدة الرسمية للدولة، ولعل سر اختياره كأول محرر للوقائع المصرية يكمن وراء جمال أسلوبه في الكتابة.
وكان الشيخ حسن العطار أحد المشاركين الأساسيين لنهضة مصر الحديثة، وكان أول صوتٍ طالَب بإصلاح الأزهر الشريف وشدد على الاصلاح في الأزهر بقوله: "مَن تأمَّل ما سطَّرناه وما ذكرناه من التصدِّي لتراجم الأئمة الأعلام عرف أنهم مع رسوخ قدَمِهم في العلوم الشرعيَّة والأحكام الدينية لهم اطِّلاع على غيرها من العلوم، حتى في كتب المخالفين في العقائد والفروع، وقد انتهى الحال في زمنٍ وقعنا فيه من تقليد ونقل علوم، وجدنا أنَّ نسبتنا إليهم كنسبة عامَّة زمنهم، فإنَّ قصارى جهدنا هو النقل عنهم دون أنْ نخترع شيئًا من عند أنفسنا، وليتنا نصل إلى هذه المرتبة، بل اقتصرنا على النظر في كتبٍ محصورة".
ولم يوفق في إصلاح برامجه وخطط الدراسة فيه كما كان يريد ولعله في ذلك سار علي درب محمد علي الذي لم يشأ خشية إثارة سخط العلماء ولكنه رزق حظاً كبيراً من التوفيق في الدعوة إلى إصلاح التعليم بالبلاد كلها، فالمدارس العالية الفنية التي أنشئت بمصر في ذلك العهد كالهندسة والطب والصيدلة، هي استجابة لدعوة العطار وتطلعاته ومناداته بحتمية التغيير للأحوال في البلاد، كما كانت الكتب التي ترجمت بالمئات في عصر محمد علي، هي الصدى المحقق لأفكار العطار، حين رأى كتب الفرنسيين في الرياضة والعلوم والآداب وإذا كان الطهطاوي صاحب فضل كبير ويد طولي في حركة ترجمة الكتب في عصر محمد علي، فإنه بلا شك تأثر بآراء وطروحات شيخه العطار ويدين له بهذا الانفتاح على الآخر وإرسال البعثات العلمية.
وفى عهده حاول أحد الطلاب أن يقتل الطبيب كلوت بك وهو يمارس تشريح جثة في مشرحة مدرسة الطب بأبي زعبل ، فهم بأن يطعنه بخنجره مرتين ولكن الطلاب حموه، من أن يصاب بسوء فوقف شيخ الأزهر "حسن العطار" في امتحان مدرسة الطب يصدع برأي الدين في تعليم الطب ويشيد بفائدته في تقدم الإنسانية فكانت هذه الشجاعة في إحقاق الحق بمثابة الفتوى التي اعتبرت نقطة انطلاق للتعليم الطبي، وذلك بفضل الله على لسانه.
ونادى بضرورة تغير مناهج الازهر ورسم برنامج هذا التغيير وأهمية وقيمة العلوم العصرية، وإلى البعد عن الجمود قد آتى ثمرته، وخاصة على يد تلميذه رفاعة الطهطاوي الذي كان رائد النهضة في العصر الحديث.
ومن أقواله عن الإصلاح
"إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها"
"ومن سَمَتْ هِمته به إلى الاطلاع على غرائب المؤلفات، وعجائب المصنفات، انكشفت له حقائق كثير من دقائق العلوم، وتنزهت فكرته إن كانت سليمة في رياض الفهوم".
تلاميذه
رفاعة الطهطاوي والشيخ حسن قويدر مغربي الأصل والشيخ محمد عياد الطنطاوي والشاعر المصري الشيخ محمد شهاب الدين والذي كان مساعدًا له في تحرير الوقائع المصرية وخلفه في إدارتها.
فترة ولايته
تولى مشيخة الأزهر في عام 1830م (1246 هـ) وكان في الخامسة والستين من عمره، وظل شيخاً للأزهر حتى وفاته يوم 22 مارس سنة 1835م (1250 هـ).
مؤلفاته
له العديد من المؤلفات والكتب ورسائل في قواعد الإعراب والنحو والمنطق والاستعارة وآداب البحث والتشريح والطب وله كتاب في الصيدلة رداً على تذكرة داود الانطاكي وقد ألف رسائل في (الطب والتشريح)، وما يزال هذا الكتاب مخطوطاً في مكتبة رواق المغاربة في الجامع الأزهر وفي الهندسة والبلاغة وكيفية عمل الإسطرلاب والربعين المقنطر والمجيب وإتقان رسم المزاول الليلية والنهارية بيديه ورسائل في الرمل وذلك إلى جانب تصانيفه في العلوم الرياضية والفلكية مع تصانيفه في العلوم الشرعية والعربية.
ومنها
1- حاشية على شرح الأزهرية في النحو.
2- حاشية على شرح إيساغوجي في المنطق.
3- حاشية علي مقولات الشيخ السجاعي.
4- شرح تفسير البيضاوي.
5- حاشية العطار على الجواهر المنتظمات في عقود المقولات.
6- حاشية العطار على التهذيب للإمام الخبيصي.
7- حاشية العطار على جمع الجوامع في أصول الفقه.
8- حاشيته على شرح الآجرومية والسمرقندية.
9- ديوان العطار، يجمع مئات القصائد.
10- نبذة في علم الجراحة والطب.
وفاته:
توفاه الله في 22 مارس 1835م