تعقيدات المشهد السوري بين فشل جولات المفاوضات واستمرار المعارك

الإثنين 16/مايو/2016 - 07:06 م
طباعة تعقيدات المشهد السوري
 
اطفال سوريا ومصير
اطفال سوريا ومصير مجهول
لا تزال الأزمة السورية تفرض نفسها على طاولة المباحثات الغربية، وبالرغم من جهود موسكو وواشنطن لإنعاش الهدنة والحفاظ عليها حقنًا للدماء، إلا أن المفاوضات السياسية لا تسير كما يتوقع المتابعون، ويرى محللون أنه منذ نهاية فبراير تم الإعلان عن وقف لإطلاق النار في سوريا، ما هي الحصيلة التي يمكن استنتاجها بعد هذه المدة؟.
يأتي ذلك في الوقت الذي نشرت فيه مصادر إعلامية متطابقة أن القوات التركية وقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة قصفت أهدافا لتنظيم الدولة "داعش" شمالي مدينة حلب السورية وقتلت 27 مسلحًا.
وقالت مصادر عسكرية إن المدفعية وقاذفات الصواريخ التركية أطلقت النار باتجاه  العناصر المتطرفة، فيما شنت طائرات حربية تابعة للتحالف ثلاث حملات جوية منفصلة، ودمرت خمسة مواقع دفاعية محصنة وموقعين للمدافع، كما قتل 27 مسلحًا في مناطق تبعد عن الحدود التركية السورية بأقل من عشرة كيلومترات.
معارك حلب
معارك حلب
وفى هذا السياق شنت القوات التركية وقوات التحالف سلسلة من هذه الهجمات في الآونة الأخيرة للحيلولة دون وقوع مزيد من الهجمات على بلدة كلس الحدودية التركية المتاخمة لأراض خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة  في سوريا، وتعرضت بانتظام لقصف صاروخي في الأسابيع القليلة الماضية.
فى حين تناقش الولايات المتحدة وتركيا منذ شهور خطة عسكرية لإبعاد "داعش" عن الحدود.
وفي هذا السياق قالت "بينته شيلر" مديرة مكتب مؤسسة هاينريش بول الألمانية في بيروت إنه في الأسابيع الأولى علق العديد من السوريات والسوريين آمالا كبيرة على وقف إطلاق النار المعلن، وحدثت منذ بداية تلك الهدنة خروقات، وعبر الكثيرون عن اعتقادهم بأن الأوضاع ستتحسن، إنها المرة الأولى التي سُجلت فيها فترة استراحة. لكن مع مرور الوقت اتضح أن الهجمات والمواجهات لم تتوقف، وإذا تمعنا في عدد الوفيات خلال هذه الأسابيع، فإننا سنلاحظ أن عدد القتلى للأسف لم يتراجع في هذه الفترة الزمنية.
مباحثات جينيف
مباحثات جينيف
أضافت أنه من الملاحظ كيف تمكن النظام من استعادة تدمر، وتم عرض ذلك الحدث في بهرجة كبيرة. لكننا عايشنا أيضًا استمرارية قيام النظام وسلاح الجو الروسي بالقصف بقوة كبيرة، حيث يطال ذلك القصف تقريبًا مناطق المعارضة المسلحة وليس فقط ما يسمى بتنظيم "داعش"، ولذلك نحن نرى أن النتيجة ضعيفة فيما يخص الحرب ضد "داعش" في سوريا.
أشارت إلى أن حلب مازالت منطقة متنازعًا عليها بشدة، لأنها تعني الكثير بالنسبة لمختلف أطراف النزاع، من جهة تبقى لحلب رمزية كبيرة، لأنها أكبر المدن السورية، وهذا يمكن استخدامه في الدعاية، إذا ما تحققت نجاحات أكبر، ومن جهة أخرى يبقى وضع السكان لاسيما في الجزء الشرقي الذي تسيطر عليه المعارضة جد حرجًا، فلا يوجد إلا منفذ ضيق تمر عبره مواد الغذاء وغيرها من الحاجيات إلى المدينة، وإذا نجحت قوات النظام في قطع هذا المنفذ، فإن مئات آلاف الناس سيُحاصرون، وسيصبح وضعهم صعبًا. ولذلك نجد أن النظام وروسيا صعدا خلال الأسابيع الأخيرة من القصف الجوي على حلب، والآن هناك رغبة في أن تصبح المدينة هي الأخرى جزء من المناطق التي يشملها وقف إطلاق النار. ونتمنى أن يؤدي ذلك إلى التخفيف من معاناة السكان، شيئا ما.
ركزت على أنه بالنسبة لروسيا يكون من المهم تصنيف جماعات في سوريا كإرهابية، حتى يتم اقصاؤها دومًا من عملية وقف إطلاق النار، وقد يمكن استخدام ذلك كذريعة لمواصلة قصف أجزاء سكنية محددة في المدينة، ومن خلفية هجمات سابقة أنها قلما تستهدف إرهابيين أو حتى مجموعات ناشطة على الأرض فعلا بقدر استهدافها للمدنيين بشكل كبير، الحديث عن الجماعات الإسلامية في حلب بدأ بعد الافتراء المنطلق من أن العدد الأكبر من المتمردين في الجزء الشرقي من المدينة هم إسلاميون. إن هذا ليس صحيحًا.
بينته شيلر
بينته شيلر
أوضحت بقولها" جبهة النصرة لها وجود ضعيف هناك، لكن رغم ذلك فإن روسيا أثارت ذلك كموضوع في جدول الأعمال، وأعتقد أن اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وآخرين على ذلك لا يعني وجود تباعد في تقييمهم للمجموعات إلى حد كبير،أعتقد أن الأمر يرتبط بمناورة سياسية من قبل روسيا وجب تفاديها، وهنا لدينا مواقف مختلفة. ما كان ممكنا بالنسبة للمعارضة التي تشكلت في إسطنبول، أي التحالف الوطني، وضع قدم حقيقي لها في سوريا، لقد تم منع ذلك بصفة منهجية مع القصف الجوي الذي يقوم به النظام من أجل إخضاع المناطق التي فقد فيها هذا الأخير السيطرة عليها، وهذا يضعف بالطبع المعارضة الداخلية ويجعل من المستحيل تقديم سند حقيقي للمعارضة في الداخل، ولذلك نحن أمام معارضة متشردمة، معارضة مورس عليها الاستقطاب من مختلف الجهات الدولية، لأن ألمانيا وفرنسا ودول الخليج وآخرين لم يتفقوا حول توقعاتهم من هذه المعارضة. وعلى هذا الأساس لا وجود لبرنامج سياسي عام، بل هناك فقط التصور الواضح المطالب برحيل الأسد، وهذا أمر مفهوم، لأن غالبية السكان تموت حاليًا ومنذ سنوات بسبب جيش الأسد والميليشيات.
أكدت بقولها "سبق وأن عايشنا العديد من المحاولات بهذا الشأن، لم تكن هناك فقط ثلاثة مؤتمرات في جنيف، بل عُقدت عدة جولات، بالإضافة إلى سلسلة من المؤتمرات الصغيرة لم تحقق جميعها النتيجة المرجوة، وهذا لا يعود فقط لكون النظام أدرك أن أفضل إستراتيجية هي التقاعس والمراهنة على عامل الوقت، إنها الإستراتيجية الروسية أيضا، في كل مرة قبل انطلاق أي جولة للمفاوضات، يظهر جليًا أن مناطق محددة يتم إخضاعها أكثر للتجويع ولضغوط غيرإنسانية بشكل أكبر، ثم تبرز القضايا الإنسانية من جديد في مقدمة جدول الأعمال، في حين يجب على المفاوضات أن تهتم في الحقيقة بعملية تسليم السلطة التي تم التفاهم عليها في مؤتمر جنيف الثاني، إن هذا الجانب السياسي بالتحديد الذي قد يجلب السلام لسوريا هو الذي يتراجع في أولويات جدول الأعمال، حيث يتم عن قصد الدفع بالجانب الإنساني إلى واجهة الاهتمام، وقلما تلقى القضايا السياسية مكانتها في المباحثات، ولذلك فإني أتشكك كثيرًا في احتمال حدوث تقدم في المباحثات.

شارك