عودة حوار الأديان في زيارة شيخ الأزهر للفاتيكان
السبت 21/مايو/2016 - 01:05 م
طباعة
أعلن المتحدث باسم الفاتيكان أول من أمس الخميس، أن البابا فرنسيس سيستقبل لأول مرة الاثنين القادم 23 مايو 2016، في الفاتيكان الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر. وصرح فيديريكو لومباردي لوكالة "فرانس برس": "يتم التحضير لهذا اللقاء وهو مقرر الاثنين" دون مزيد من التفاصيل. وشهدت العلاقة بين الأزهر والفاتيكان حالة من "الجمود التام" في عهد البابا السابق بنديكتوس السادس عشر، بابا الفاتيكان السابق، إثر ذكر الأخير في محاضرة كان يلقيها في سبتمبر 2006، لطلبة كلية دينية في جامعة ألمانية، قول أحد الفلاسفة يربط فيه بين الإسلام والعنف؛ مما أثار استياء الأزهر في ذلك الوقت. وبسبب ذلك التصريح، جمد الدكتور محمد سيد طنطاوي، شيخ الأزهر السابق الحوار مع "الفاتيكان" عام 2006، إلا أنه ألغى قراره في فبراير 2008. وفي عام 2011، قرر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر تجميد الحوار بعد تصريحات للبابا السابق طالب فيها بحماية المسيحيين في مصر، عقب حادثة كنيسة القديسين في الإسكندرية. واعتبر الطيب تصريحات بابا الفاتيكان "تدخلاً في الشئون المصرية".
وفي نوفمبر 2014، التقى الرئيس عبدالفتاح السيسي، بابا الفاتيكان، فرانسيس، في زيارة هي الأولى من نوعها إلى الفاتيكان، بعد وصوله إلى السلطة في 8 يونيو 2014. واستؤنف الحوار شيئًا فشيئًا بعد تولي البابا فرنسيس رئاسة الكنيسة الكاثوليكية مع تبادل الموفدين. وفي مارس 2014 شارك الدكتور محمود عزب مستشار شيخ الأزهر في مبادرة بين الطوائف لإطلاق شبكة لمكافحة شتى أشكال العبودية الحديثة والاتجار بالبشر. وأكد في حينها "لم يقطع الحوار أبدًا بل علق فقط". وفي فبراير الماضي، وجه بابا الفاتيكان دعوة إلى شيخ الأزهر لزيارة الفاتيكان، وقالت مشيخة الأزهر في بيان آنذاك: "اتفق الأزهر والفاتيكان على أهمية عقد لقاء مشترك بينهما للترتيب لعودة الحوار بين الجانبين والذي توقف منذ سنوات بسبب بعض التصريحات للبابا السابق والتي أسهمت في توتر العلاقة بين الطرفين". وأكد الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر خلال استقباله الأسقف ميجيل آنجل أيوزو جيسكو مبعوث المجلس البابوي لحوار الأديان بالفاتيكان، وسفير الفاتيكان بالقاهرة، أن "الأزهر يمد يديه دائمًا لكل ما يخدم الإنسانية وليس المسلمين فقط، فرسالته العالمية تنشد تحقيق الاستقرار للبشرية جميعًا"، مشددًا على ضرورة تضافر الجهود من أجل تحقيق السلام في العالم.
وتعد تلك الزيارة من قبل شيخ الأزهر حسب المرجح من القول هي دعوة جديدة من اكبر مؤسستين دينيتين في العالم لعودة حوار الأديان؛ حيث يعد مفهوم "حوار الأديان" مفهوماً قديمًا، ربما قِدم الأديان نفسها، ولكنه اكتسب زخمًا أكبر في العقود الأخيرة، أما "حوار الحضارات" فهو جديد نسبيًا، وربما جاء الاهتمام الواسع به في عقد التسعينيات ردًا على أطروحة "صامويل هنتنجتون" (صدام الحضارات) وما أثارته من جدل.
والتعاون بين الأديان في المحافظة على سلامة البيئة، وفي محاربة الأمراض الخطيرة، وفي القضاء على التفرقة العنصرية، وفي رفع الظلم عن الشعوب والطوائف والفئات التي تتعرض للاضطهاد، هو مجالٌ واسعٌ للتعايش بين المؤمنين.
كذلك ينبغي أن يشمل التعايش بين الأديان العملَ المشترك لمحاربة الإلحاد، والانحلال الخلقي، وتفكك الأسرة، وانحراف الأطفال، ومقاومة كل الآفات والأوبئة التي تتهدّد سلامة كيان الفرد والجماعة، وتضر بالحياة الإنسانية.
ويجب أن يتسع مفهومُ التعايش بين الأديان للقضاء على أسباب التوتر واضطراب حبل الأمن والسلام وعدم الاستقرار في أنحاء عديدة من العالم، مثل فلسطين، والبوسنة والهرسك، وإقليم كوسوفو، وكشمير، والفليبين، وفي مناطق كثيرة في إفريقيا وآسيا، فيكون العمل في هذا النطاق تعايشاً نافعاً ومُجدياً وذا تأثيرٍ في حياة الناس وواقعهم المعيش. وبذلك يصير التعايش بين الأديان وسيلةً فعالة لدعم جهود المجتمع من أجل السلام وإقامة العلاقات السليمة بين الشعوب والأمم في ظلّ سيادة القانون الدولي، واحترام حقوق الإنسان، وإقرار الحريات الأساس المنصوص عليها في المواثيق والعهود والأوفاق الدولية.
وينبغي أن يتجه التعايش بين الأديان نحو إنصاف المظلومين والمقهورين في الأرض جميعاً من دون استثناء، وإلزام كل من يمارس الظلم والقهر والإرهاب على مستوى الدولة أو على مستوى الأفراد والجماعات، باحترام أحكام القانون الدولي، والانصياع إلى تعاليم الأديان السماوية. ولا يجوز أن يُخرج التعايش بين الأديان من نطاق اهتماماته، محاربةَ الظلم والعدوان والاستيلاء على أراضي الغير بالقوّة، تحت أية دعوى من الدعاوي، أو مهادنة الجهة التي ترتكب هذه الجرائم بحجة عدم الخوض في المسائل السياسية، فمن أهداف التعايش بين الأديان، العملُ على إقرار مبادئ الحق والعدل واحترام كرامة الإنسان من حيث هو إنسان وكفى. فهذه المبادئ والتعاليم هي القاسم المشترك بين جميع الأديان.
ويجب أن يكون التعايش بين الأديان دعماً للجهود الخيّرة التي يبذلها المجتمع الدولي من أجل التعايش الحضاري والثقافي بين الأمم والشعوب، وأن يكون قوّة دفع لهذه الجهود نحو تطويرها، وإغنائها، وتعميمها. وحتى يكون التعايش بين الأديان في خدمة السلام العادل، يجب أن تتحرّر الأطراف المشاركة فيه، من كل القيود والضغوط والارتباطات التي تتعارض ومبادئ هذا التعايش وأهدافه.